الطريق الثالث.. تحدد مصير الحرب فى غزة.. وتكشف خيانة «إخوان الأردن».. وكلمة السر لاستقرار لبنان «فوضى السلاح».. وأسبوع عربى ساخن
عربيا، مرت هذا الأسبوع الذكرى الـ50 على الحرب الأهلية فى لبنان، التى اندلعت يوم 13 إبريل سنة 1975، فيما دخلت الحرب الأهلية فى السودان عامها الثالث فى الخامس عشر من (نيسان) الموعود بالعواصف الترابية، والحروب الأهلية. فهو شهر إبريل الذى يشتهر بارتباطه بالحرب، ففى إبريل سنة 1865 أشتعلت الحرب الأهلية الأمريكية، فيما استسلمت ألمانيا ليسدل الستار على الحرب العالمية الثانية فى إبريل من العام 1945، أما التاسع من إبريل سنة 2003، فهو تاريخ يحفظه العرب جيدا، ففيه سقطت بغداد تحت وطأة الاحتلال الأمريكى، وبدأت حقبة جديدة من تاريخ الضياع العربى، ما زلنا نحيا فيها حتى اليوم.
فوضى السلاح
وكانت (فوضى السلاح) هو القاسم المشترك ما بين لبنان والسودان، الذين حلت ذكرى حربهما الأهلية فى الأسبوع الماضى، وانتشاره فى يد الجميع خارج سيطرة الدولة كان هو الباعث على الشرارة الأولى التى جرّت بلدين عربيين كبيرين إلى اقتتال داخلى مدمر، حصد الأرواح وأهدر الموارد، وعطل فرص الحياة الطبيعية لشعوب كانت تترجى الحياة فى سكينة.
وبرغم مرور خمسة عقود على اندلاع الحرب فى لبنان، فإن فوضى السلاح لا تزال هى الحائل الذى يمنع الدولة اللبنانية بأن تستعيد مكانتها العربية والإقليمية والدولية. ورغم هدنة (هشة) فى نوفمبر الماضى أنهت ظاهريا آخر صفحات الحروب فى لبنان، والتى كانت هذه المرة بين حزب الله اللبنانى وجيش الاحتلال الإسرائيلى، إلا أن مسألة (سلاح المقاومة) اللبنانية والفلسطينية، تقف حائلا يمنع الاستقرار والأمان، فى بلد ما زال يعانى من عربدة إسرائيلية شبه يومية تحرمه من اتخاذ ما يلزم من خطوات إصلاحية، تخرجه من كبوته.
أما السودان الذى يدفع شعبه فاتورة جريمة الرئيس السابق عمر البشير، الذى أسس كيانا عسكريا موازيا للجيش السودانى كى يقمع به تمرد الأقاليم السودانية بمنأى عن أعين المجتمع الدولى، وكان هذا الكيان الذى سمى بـ«الدعم السريع»، مع عوامل أخرى متعددة، أسبابا فى تقسيم السودان وتفكيك أقاليمه، حتى وصلنا إلى طمع قائد قواته محمد حمدان دقلو الشهير بـ«حميدتى» فى سلطة الحكم، وبداية صراعه مع رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش عبدالفتاح البرهان، الذى فشلت محاولة اعتقاله فى القصر الجمهورى بعد احتلاله من قبل قوات الدعم السريع يوم 15 إبريل سنة 2023، ليدخل بعدها السودان فى نفق الحرب الأهلية المدمرة.
وبعد عامين، تبدو الأرقام مرعبة، عند الحديث عن الخسائر، بعد أن فشلت كل جهود الوساطة العربية والدولية فى إنهاء القتال، وإنقاذ الشعب السودانى من مأساة إنسانية قاسية أعادته عقودا إلى الوراء.
إخوان الأردن
ربما تكون المملكة الأردنية الهاشمية هى أكثر الأنظمة العربية صبرا على جماعة الإخوان المسلمين، بعد أن تبنت سياسة دمجهم فى المكون السياسى للدولة، ورغم أن الجماعة غير مصرح لها بالعمل الدعوى أو السياسى، لكن الحكومة الأردنية غضت الطرف عن انتماءات أعضاء حزب «جبهة العمل الإسلامى»، الذى يوصف بأنه الذراع السياسية لتنظيم الإخوان المسلمين فى الأردن.
ورغم هذه الحرية السياسية الاستثنائية التى حظيت بها الجماعة، فإن (إخوان الأردن) قد خانوا العهد الملكى وتورطوا هذا الأسبوع فى مخطط إرهابى يستهدف أمن واستقرار المملكة، بعد أن قبضت الأجهزة الأمنية الأردنية على 16 متهما، أكد بعضهم انتماءهم التنظيمى «لشعب إخوانية» فى الجماعة، وأخطروا عن تلقيهم تدريبا على تصنيع المسيرات والصواريخ فى لبنان. وهو الأمر الذى حمل إشارة لاحتمالية وجود دور لإيران فى تدريب هذه الخلية وتمويلها.
الإيجاز الحكومى الذى تم الإعلان فيه عن هذا المخطط، ترك الباب مفتوحا أمام العديد من الاحتمالات التى تخص هذه القضية الخطيرة التى تم الكشف عنها فى وقت بالغ الحساسية والتعقيد، لتمثل فصلا جديدا من فصول «فوضى السلاح»، ومحاولة تصنيعه خارج المؤسسة العسكرية تمهيدا لاستخدامه وظيفيا لأغراض تمس أمن الدولة وتهدد سلامتها. حدث ذلك فى بلد محاط بسياج من الحدود المشتعلة، ولا يحتمل أى حرائق فى الداخل.
سلاح حماس
وأصعب فصول فوضى السلاح، هو «سلاح حماس» الشرط (المستحيل) الذى وضعته إسرائيل كى تنهى حربها فى غزة، حيث طالبت مؤخرا بأن تسلم الحركة سلاحها ويخرج قادتها من القطاع بلا عودة، كان هذا من بين ما تسرب من بنود «المقترح الإسرائيلى» الأخير الذى نقله الوسطاء (من مصر وقطر) لوفد المفاوضين من حماس، فى جهد دبلوماسى خارق يبذله البلدان منذ أكتوبر 2023 وحتى اليوم، أملا فى إنقاذ الشعب الفلسطينى.
وقد جهزت مقالى للنشر قبل أن تعلن حركة حماس ردها على هذا المقترح، الذى يحقق هدنة مؤقتة لمدة 45 يوما، يتم خلالها تبادل 10 رهائن إسرائيليين مقابل مئات الأسرى الفلسطينيين، مع السماح بمرور المساعدات الإنسانية إلى داخل القطاع وتوزيعها على المدنيين، وفق ضوابط إسرائيلية جديدة.
وكان مسئول فى حركة «حماس» قد صرح لـ«شبكة CNN»، بأن المقترح الإسرائيلى ينص على «نزع سلاح قطاع غزة» والتفاوض على «إعلان وقف دائم لإطلاق النار»، على أن يبدأ فى اليوم الثالث من الهدنة.
وأضاف أن «المفاوضات بشأن الوقف الدائم لإطلاق النار يجب أن تكتمل فى غضون 45 يوما»، وبعد ذلك سيتم إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين المتبقين لدى حماس، الأحياء منهم والأموات. وأوضح أنه إذا تم التوصل إلى اتفاق بشأن وقف إطلاق النار المؤقت، فيمكن تمديده بشروط ولمدة يتفق عليها الطرفان.
تفاؤل حذر بشأن إمكانية الوصول إلى اتفاق، مبعثه ضغوط أمريكية قد تدفع الجانب الإسرائيلى للتوقف عن عرقلته للتوافق على بنود اتفاق، وتمنع نتنياهو ممارسة متعته فى المراوغة السياسية والمناكفة التفاوضية.
وذلك من أجل أن يصل الرئيس الأمريكى إلى المنطقة مطلع الشهر القادم، ليجد مسرح «الشرق الأوسط» قد تم تجهيزه لاستقبال «بطل السلام» الجديد، الحلم الذى يداعب ترامب، وكى يتحقق ذلك يجب أن يتم تحرير الرهائن، والتوصل مع نتنياهو لصيغة مقبولة عربيا لإحياء مشروع السلام الإبراهيمى، يكتمل بها رسم خريطة جديدة للمنطقة وفق مصالح الولايات المتحدة الأمريكية.
وأخيرا، لا تزال قضية «فوضى السلاح» مطروحة على الطاولة العربية، وتلوح مخاطرها فى دول أخرى مثل سوريا وليبيا واليمن والعراق، فهل تنتبه الحكومات والشعوب إلى هذا الخطر الداهم؟.