فـى الذكـرى الــ 55 لمجزرة بحر البقر دماء الأطفال ترسم على وجوه جيش الاحتلال العار

إبراهيم رمضان
«الدرس انتهى لموا الكراريس..بالدم اللى على ورقهم سـال.. فى قصـر الأمم المتــحدة.. مسـابقة لرسـوم الأطـفال
إيه رأيك فى البقع الحمـرا.. يا ضمير العالم يا عزيزى.. دى لطفـلة مصرية وسمرا.. كانت من أشـطر تلاميذى.. دمها راسم زهرة.. راسم رايـة ثورة.. راسم وجه مؤامرة.. راسم خلق جبارة.. راسم نـار.. راسم عار..ع الصهيونية والاستعمار.. والدنيا اللى عليهم صابرة.. وساكتة على فعل الأباليس»، بهذه الكلمات رثا الشاعر الراحل صلاح جاهين، شهداء مدرسة بحر البقر، الذين قصفتهم طائرات جيش الاحتلال الإسرائيلى فى 8 أبريل 1970.
فى الذكرى الـ55 لهذه المجزرة التى ارتكبها جيش الاحتلال، مازالت آلة القتل التى يقودها هؤلاء السفاحون تواصل قتل أطفال العرب فى فلسطين وسوريا ولبنان والعراق، بعد أن أصبح القتل هو وسيلتهم لإرهاب الشعوب وتدمير مستقبلها، لظنهم أن ظلام الليل سيدوم طويلا دون أن يسطع النهار ليمحو ظلمهم ويرد حقوق هذه الشعوب.
أحدث تقارير المنظمات الدولية كشفت عن أن آلة قتل جيش الاحتلال الصهيونى أودت بحياة أكثر من 13 ألف طفل فى غزة وإصابة أكثر من 25 ألف طفل آخرين من أبناء الفلسطينيين العزل.
قصف مدرسة بحر البقر
صبيحة يوم الثامن من أبريل 1970 وتحديدا فى تمام الساعة التاسعة و20 دقيقة فوجئ 89 تلميذا فى مدرسة بحر البقر - تلك المدرسة الصغيرة المكونة من دور واحد وفصلين والواقعة وسط الحقول - بقرية الصالحية على بعد 110 كم من مدينة الزقازيق، بطائرات الفانتوم الأمريكية تقصفهم بـ 5 قنابل وصاروخين، لتصيب المبنى بشكل مباشر.
تسبب القصف فى استشهاد 19 طفلا تحت الأنقاض، ونقل باقى الأطفال المصابين إلى مستشفى الحسينية ليرتفع عدد الشهداء إلى 30 طفلا، تتراوح أعمارهم ما بين السادسة والثانية عشرة، بالإضافة إلى مقتل أحد العاملين بالمدرسة وإصابة 10 آخرين.
ونتذكر من بين شهداء هذه المجزرة 19 طفلا هم: (حسن محمد السيد الشرقاوى، ومحسن سالم عبدالجليل محمد وإيمان الشبراوى طاهر وبركات سلامة حماد وفاروق إبراهيم الدسوقى هلال وخالد محمد عبدالعزيز ومحمود محمد عطية عبدالله وجبر عبدالمجيد فايد نابل وعوض محمد متولى الجوهرى ومحمدأحمد محرم ونجاة محمد حسن خليل وصلاح محمد إمام قاسم وأحمد عبدالعال السيد ومحمد حسن محمد إمام وزينب السيد إبراهيم عوض ومحمد السيد إبراهيم عوض ومحمد صبرى محمد الباهى وعادل جودة رياض كرواية، وممدوح حسنى الصادق محمد).
نددت مصر بالحادثة المروعة ووصفتها بأنها عمل وحشى يتنافى مع كل الأعراف والقوانين الإنسانية، واتهمت إسرائيل بشنّ الهجوم عمدًا بهدف الضغط عليها لوقف إطلاق النار فى حرب الاستنزاف.
وأرسل حسن الزيات، مندوب الجمهورية العربية المتحدة فى الأمم المتحدة آنذاك، مذكرة إلى مساعد السكرتير العام للأمم المتحدة رالف باتش، عبّر فيها عن غضب مصر مما فعلته إسرائيل، وطالب بعقد اجتماع عاجل للدول الأعضاء، كما عقد وزير الخارجية المصرى اجتماعًا لسفراء الدول الأجنبية.
وسارعت آلة الكذب الصهيونية لتعلن أن الغارة التى شنتها استهدفت ضرب أهداف عسكرية، على غير الحقيقة، وذلك بعد أقل من شهرين من ضرب مصنع أبوزعبل المدنى واستشهاد 89 عاملا به.
وأرسل أطفال مدرسة بحر البقر الذين لم يصابوا فى الهجوم رسالة إلى بات نيكسون زوجة الرئيس الأمريكى وقتها «نيكسون» وسألوها: «هل تقبلين أن تقتل طائرات الفانتوم أطفال أمريكا؟! أنتِ الأم لجولى وتريشيا والجدة لأحفاد.. فهل نستطيع أن نذكر لكِ ما فعله زوجك مستر نيكسون».
وثق العشرات من الشخصيات العامة والمسئولين هذه الحادثة، عبر زيارة موقع مدرسة بحر البقر وكان على رأس هؤلاء الرئيس الراحل محمد أنور السادات، الذى كان يشغل منصب نائب رئيس الجمهورية فى ذلك الوقت، والعديد من نجوم الفن والمشاهير أمثال أم كلثوم، ونجاة الصغيرة، وفؤاد محيى الدين، والعديد من الشخصيات العامة.
تعويض للشهداء
عقب الحادث قامت الحكومة بصرف تعويضات لأسر الضحايا بلغت 100 جنيه للشهيد و10 جنيهات للمصاب، وتم جمع بعض متعلقات الأطفال وما تبقى من ملفات، فضلًا عن بقايا لأجزاء من القنابل التى قصفت المدرسة، والتى تم وضعها جميعًا فى متحف عبارة عن حجرة أو فصل من إجمالى 17 فصلا تضمها جدران مدرسة بحر البقر الابتدائية تعلو حجرة المتحف عبارة مكتوبة بخط اليد متحف شهداء بحر البقر ثم تم نقل هذه الآثار إلى متحف الشرقية القومى بالزقازيق الذى افتتح عام 1973.
السينما تخلد المجزرة
تناولت السينما المصرية أفلامًا خالدة عن هذه الحادثة الدموية منها فيلم العمر لحظة عام 1978، الذى قام ببطولته الفنانان ماجدة وأحمد زكى والذى أذيعت فيه أغنية بحبك يا بلادى والتى تحدث عن ضحايا الحادث، من كلمات فؤاد حداد وتلحين بليغ حمدى، والتى أداها كورال من الأطفال.
ردود فعل دولية
أدان عدد من الدول المجزرة، وجاءت أقوى التصريحات من الاتحاد السوفيتى الذى وصف الهجوم بهذه الكلمات:
عندما أرادت إسرائيل اختيار حق الرد فلم تعارك جيشًا بل ذهبت للانتقام من أطفال مدرسة «بحر البقر»، ووصفته بأنه «رد عاجز».
وأعلنت الحكومة البريطانية عن «أسفها الشديد للحادث»، وأعرب الفاتيكان عن حزنه على الأطفال الأبرياء، وشهدت تركيا وقفة احتجاجية من الطلبة أمام القنصلية الإسرائيلية بإسطنبول.
ونددت جماعات السلام فى يوغوسلافيا بالحادث وقامت بإرسال برقيات احتجاجية إلى الحكومة الإسرائيلية، بينما لم تعقب وسائل الإعلام فى دول أوروبا الغربية على الواقعة واكتفت بنشر التصريحات المصرية والإسرائيلية حول الحادث.
وأدانت العديد من الدول العربية الحادث البشع وأعربت عن خالص مواساتها وتعازيها لضحايا الحادث.