الأربعاء 30 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

التفكير فى مواجهة التكفير.. بعد عامين على نشر الكتاب: كاملات عقل ودين.. تفكيك «الأحاديث المسيئة للمرأة»!

تتبنى الجمهورية الجديدة مفهوم تجديد الفكر الإسلامي.. فيما دعا الرئيس السيسى لإعادة النظر فى الخطاب الدينى والأفكار المغلوطة بما لا يمس بثوابت الدين.. حيث قال نصا: «نعانى من انفصال الخطاب الدينى عن جوهر الإسلام، ولدينا مشكلة فى الخطاب والفهم الحقيقى للدين الذى نتعامل به فى هذا العصر، ونحاول إيجاد مفردات لخطاب دينى تتناسب مع عصرنا». لكننا نجد محاولات من تيارات متشددة لإعاقة هذا المسار.. ظهرت بقوة فى أزمة سحب إحدى دور النشر لكتاب بعنوان «كاملات عقل ودين.. دفاعا عن سنة رسول الله».



 

ربما بالنظر للعنوان الرئيسى للكتاب تظنه أحد الكتب النسوية التى ترفض أصلا مفاهيم الدين الإسلامى أو تهاجم نظرة الدين للمرأة.. لكن عنوانه الفرعى يقول غير ذلك. 

هناك كاتبة قررت التفكيك والنقد على أرضية دينية. نقد مبنى على دراسة وليس بناء على هوى أو هواية. فالدكتورة «أسماء الشرقاوي» تخرجت فى معهد الدراسات الإسلامية، واستمر بحثها فى الشئون الإسلامية لأكثر من 25  عامًا.

بعد عامين على نشر الكتاب، ثارت حملة سلفية على الكتاب ومضمونه وتكفير صريح لكاتبته؛ فيما أعلنت دار النشر سحب الكتاب فى بيان أشبه بالاعتذار عن مضمونه: «لم نكن نقصد الإساءة للسنة النبوية»!.

ما حدث كان خير دعاية للكتاب وكاتبته.. والأهم أنه فتح بابا مهما للنقاش حول مضمونه.. هل هناك أحاديث «مسيئة للمرأة»؟!

«روزاليوسف» حصلت على نسخة من الكتاب المثير للجدل، ونستعرض فى التقرير التالى أهم المعايير التى استندت إليها الكاتبة فى تفسير أبرز الأحاديث التى تراها متناقضة مع تكريم القرآن الكريم للمرأة.

يضم الكتاب خمسة أبواب تبدأ بمراحل جمع وتدوين القرآن الكريم والسنة النبوية، وتتناول أسباب الوضع ومصادره، وتفسر شروط صحة السند والمتن.. كما يستعرض كتاب «البخارى»، وآراء العلماء الذين نقدوا بعض أحاديثه. فيما تذهب الكاتبة لنقد المتن لأحاديث تتعلق بشئون المرأة ومكانتها.

 «البخارى» و«مسلم» 

بدأ الكتاب بوصف جهود «البخارى» و«مسلم» فى التأكد من صحة السند عبر وضع قواعد ومعايير لقبوله بالمتميزة، فى إشارة إلى أنهما استخدما ما تيسر لهما من أدوات عصرهما ليصلا لهذه النتائج.. ويحثنا بين  صفحاته الأولى على استخدام العقل لتنقية علومهما من الأحاديث التى تسىء للدين، وتصفه بما لا يحتويه ولم ينطقها «النبى». 

وفى رفض صريح لمفهوم التقديس اشتبك الكتاب مع اعتقاد البعض بأن كتاب «البخارى» هو أصدق ما جاء بعد كتاب الله، لأنه يلغى مفهوم التدبر، ويسمح لهم بوضع ما يريدونه على لسان «البخارى»، فيضطر المسلمون من بعدهم لقبوله دون تفكير فى مضمونه والذى قد يتناقض مع كتاب الله وسنة رسوله، ووصف التسليم بكتابه بـ(اعتداء صارخ) على كتاب الله الذى لا ينبغى أن يدخل فى مقارنة مع أى كتاب آخر، حيث ترى الكاتبة أنه يستحق الإشادة ككتاب متفوق على كتب الأحاديث الأخرى بوصفه الأدق فى إيراد الأحاديث صحيحة السند، مشيرة إلى أن علماء الحديث اعتمدوا فى الحكم على صحة الأحاديث التى يروونها على صحة السند فقط مثل «البخارى»، و«مسلم»، و«النسائي»، و«أبو داود» و«ابن ماجه»، و«الترمذي» ومسند «الإمام أحمد»، و«الطبراني» وغيرهم. 

أحاديث تختص بشئون المرأة 

تنتقد الكاتبة متون بعض الأحاديث التى تختص بشئون المرأة، ويأتى فى مقدمتها «يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، تَصَدَّقْنَ، فَإِنِّى أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ»، والتى ترى أنه يخالف ما ورد فى القرآن الكريم، ويناقض حكم الله بالمساواة بين الرجال والنساء فى الثواب والعقاب، مستندة إلى الآية الكريمة: 

مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا ۖ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ

أما فيما يخص تعميم متن الحديث على الحكم باستحقاق النار على كل النساء ترى الكاتبة أن ذلك يناقض اسم الله «العدل» والذى يتجلى فى الآية الكريمة:

يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ

 ناقصات دين!

تشتبك الكاتبة أيضا مع حديث «ناقصات دين» والذى يقول متنه: (أَلَيسْ إذِا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ؟ قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: فَذَلكِ مِنْ نُقْصَانِ دِينهِا)، موضحة أن ذلك يتنافى مع شرع الله وسنة الرسول؛ لأنه يعتبر النساء ناقصات دين بسبب الحرمان من الصلاة والصيام أثناء فترة الحيض. بينما فى نفس الوقت يمنح الإسلام غير القادر رخصة الإفطار دون الحكم عليه بنقصان دينه.

واستدلت الكاتبة بعدة أحاديث نبوية تبين أن الله يمنح المريض ثواب ما كان يفعله وهو صحيح، ما دام ما منعه هو المرض. مشيرة إلى ما ذكر أن «النبي» بشر المرأة بأجرها الكامل لطاعتها لله فيما أمرها من ترك الصلاة فى تلك الفترة، وهو ما يتفق مع آيات القرآن الكريم.

 ناقصات عقل!

أما فيما يخص نقصان العقل.. والذى جاء فى متن الحديث: (أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثلْ نصِفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ؟ قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: فَذَلكِ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا).. تواجهه الكاتبة بأن القرآن الكريم يعترف بشهادة المرأة منفردة فى بعض الأمور الأسرية، وما أورده الحديث يخالف ما جاء فى آياته التى أثبتت كمال عقلها، ومنحتها الحق فى إدارة أموالها، وتجلى ذلك فى قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبيِّ إذِا جَاءكَ الْمُؤْمِناَتُ يُبَايعِنكَ).. ما يبين أمر الله لرسوله بمبايعة النساء مثلما بايع الرجال، والمبايعة تحدث مع كاملى الأهلية.

القياس هنا فى الكتاب مبنى على قاعدة فقهية تقتضى مصاحبة الحكم لعلته كما جاء فى الآية الكريمة: (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ ۖ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى).. موضحة أن السبب الذى ذكره الله فى الآية ومن أجله أوجب شهادة امرأتين هى نقصان العلم وليس نقصان العقل، وبالتالى إذا توافر العلم تغير الحكم، وإذا لم يكن الأمر معللًا بنقص الخبرة والبعد عن أمور السوق، ما ذكره الله ولكان الحكم مطلقًا بلا تعليل. 

من الأدلة التى تستند إليها الكاتبة فى مسألة نقصان العقل أن متن الحديث يعارض الواقع الذى يأتمن النساء على مسئوليات تستلزم الحكمة والعقلانية مثل إدارة الأسرة وتربية الأبناء، ومراعاة الزوج. 

 الحديث الفخ.. المرأة تقطع الصلاة مثل الحمار 

أما فيما يتعلق بمسألة أن المرأة تقطع الصلاة مثلها مثل الكلب والحمار كما ورد فى الحديث (يَقْطعُ الصَّلَاةَ، الْمَرْأَةُ، وَالْحِمَارُ، وَالْكَلْبُ).. تستشهد الكاتبة فى ردها على هذا الحديث بأن السيدة «عائشة» اعترضت على تشبيه المرأة بالكلب والحمار فى قطع الصلاة، ثم استدلت  بواقعة تنفى صحة هذا الحديث، وهى أنها كانت على سريرها الذى يقع بين مكان الرسول والقبلة، ويفصلها عنه  سنتيمترات، فأرادت أن تجلس لكى تقوم من مكانها، لكنها لم تفعل حتى لا تزعجه، ثم تنسل من بين قدميه لتخرج لحاجتها. 

وتذكر أيضا ما ورد أن «ابن عباس» ركب حماره، وسار به حتى أصبح أمام الرسول وهو يصلي، فنزل عنه وتركه، ودخل فى الصلاة معه، وقال: (فما أعاد رسول الله صلاته، ولا نهانى عما فعلت)، ووجد أيضًا فتاة صغيرة جاءت تمشى بين الصفوف أثناء الصلاة، حتى تعلقت برسول الله، فما أعاد صلاته ولا نهاها.

الأكيد أن الكتاب ألقى حجرًا ثقيلا فى مياه راكدة ضحلة.. لكنه يمكن أن يكون بداية طريق التفكير فى مواجهة دعوات التفكير.. ويمكن أن تكون إثارة الجدل أحيانا أفضل من اتباع الدجل.

 

 

 

د. أسماء الشرقاوى: هدفى نشر صحيح الدين.. وأتجنب المعارك!

حول الهجوم الذى تعرض له كتاب (كاملات عقل ودين)، تقول المؤلفة «أسماء الشرقاوى» لـ«روزاليوسف»: «استقبلت حالة الهجوم على الكتاب بيقين تام أن هذا الظلم يخلق وراءه خيرًا، ولم أسعَ إلى الشهرة، وأتجنب خوض المعارك، وأستهدف نشر صحيح الدين».

وتضيف: «الحملة التى شنها البعض على الكتاب حققت له رواجًا واسعًا على منصات التواصل الاجتماعى، ولم يؤثر قرار دار النشر بسحبه من معرض الكتاب على تداوله». 

وعن الانتقادات التى وجِّهت للكتاب، تؤكد: «هو نتاج بحثى ودراستى الخاصة، وأننى أتعبد ربى بما علمته واستقر فى قلبى، ولكل إنسان على وجه الأرض كامل الحق فى التعلم والتفكر والخروج بما يعتقده حقًا يتعبد به لربه، بل إنه واجب على كل مسلم أن يتعلم دينه وأن يتعبد ربه بما استقر فى نفسه وبما اعتقده، فاتباع الأوائل والآباء بلا تفكر ولا تدبر لمجرد أنهم الأوائل وأنهم الآباء، حتى لو كانوا على الباطل، أمر يستنكره رب العالمين بوضوح ويرفضه ويذمه».