حمـاس 30 عـامـــًا مـن المواجهات الدامية مع إسرائيل

داليا طه
شنت حركة حماس الفلسطينية فى 7 أكتوبر 2023 هجومًا مفاجئًا من غزة على إسرائيل، فى تصعيد يعد الأخطر منذ سنوات فى الصراع الإسرائيلى الفلسطينى، وقد خاضت حماس مواجهات دامية مع إسرائيل منذ أكثر من ثلاثين عامًا، وفى السطور التالية سنتعرف على نشأة الحركة وتاريخها، فعند الحديث عن انطلاقة حركة المقاومة الإسلامية «حماس»، لا يمكن تجاهل المرحلة التى سبقت إعلان تلك الانطلاقة، فقد شكلت مرحلة سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين بما شملته من أحداث وتفاصيل، ما يمكن تسميته «المرحلة التمهيدية» لتأسيس حماس.
جاء تأسيس حركة حماس ردّة فعل مباشرة على اندلاع الانتفاضة، وعلى خلفية البحث فى كيفية التعامل معها والمشاركة فيها. وقد سبق إعلان تأليف حماس انعقاد اجتماع فى منزل الشيخ أحمد ياسين فى 9 ديسمبر 1987. وكان الهدف من هذا الاجتماع مناقشة كيفية استغلال حادثة وقعت فى 8 ديسمبر 1987، وقُتل فيها عدد من العمال الفلسطينيين من قطاع غزة فى إثر تصادم بين شاحنة إسرائيلية وسيارات عربية كانت تقلّهم. ودار النقاش فى هذا الاجتماع حول ضرورة وكيفية استغلال هذه الحادثة عاملًا مساعدًا لإثارة المشاعر الدينية والوطنية والقيام باحتجاجات جماهيرية.
وفى 14 ديسمبر، أصدر قادة الإخوان فى القطاع بيانًا دعوا فيه الشعب إلى الوقوف فى وجه الاحتلال الإسرائيلى وقد اعتبرت حركة حماس فى ما بعد، وبأثر رجعى، هذا البيان بمثابة النداء الأول الصادر عن حركة المقاومة الإسلامية.
وبينما توالت الاضطرابات والتظاهرات والمواجهات مع قوات الاحتلال فى قطاع غزة، وامتدت إلى الضفة الغربية، واتسع مداها فى المنطقتين، واصل الشيخ ياسين وزملاؤه الاجتماعات، وقام أقطاب جماعة الإخوان بالتنسيق مع نظرائهم فى الضفة الغربية. وفى يناير 1988، كلَّف الشيخ ياسين أحد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين فى الضفة الغربية، وهو جميل حمامى، أحد الخطباء الشبان فى المسجد الأقصى فى القدس، العمل مع زملاء له على إنشاء فرع لحركة حماس فى الضفة الغربية. وشكل حمامى حلقة وصل بين الشيخ ياسين وقيادة حماس فى الضفة، وكذلك بين الشيخ ياسين وقيادة الإخوان المسلمين فى الأردن، حيث كانت هذه الأخيرة تقوم بتوفير الدعم المالى للانتفاضة.
الأهداف والاستراتيجيات
تستلهم حماس أهدافها واستراتيجيتها من الميثاق الذى أصدرته فى 18 أغسطس 1988، والذى يتضمن فلسفة الحركة ومبرر وجودها ومواقفها من شتى القضايا. ولا يختلف ما جاء فى الميثاق عن المواقف المعهودة لجماعة الإخوان المسلمين تجاه مجمل هذه القضايا. ففيما يتعلق بموقف حركة حماس من فلسطين، يذكر الميثاق أن «أرض فلسطين أرض وقف إسلامى على أجيال المسلمين إلى يوم القيامة، لا يصح التفريط فيها أو بجزء منها أو التنازل عنها أو عن جزء منها...» ويقوم حل القضية الفلسطينية، من وجهة نظر حماس، على إزالة دولة إسرائيل وإقامة دولة إسلامية مكانها. ويتحدث ميثاق حماس عن ثلاث دوائر تتعلق بقضية تحرير فلسطين: الدائرة الفلسطينية والدائرة العربية والدائرة الإسلامية، لكل واحدة منها دورها فى الصراع ضد الصهيونية.
وتعارض حركة حماس الطابع العلمانى لمنظمة التحرير وقيادتها، كما تعارض البرنامج السياسى الذى تتبناه المنظمة والداعى إلى إقامة دولة فلسطينية تعيش جنبًا إلى جنب دولة إسرائيل. وكانت حماس قد أدانت اعتراف المنظمة بوجود دولة إسرائيل وقبولها قرارى مجلس الأمن رقم 242 ورقم 338.
وعلى الرغم من أن حركة حماس لا تعترض بصورة علنية وصريحة على كون منظمة التحرير الممثل الشرعى والوحيد للشعب الفلسطينى، فإنها فى تنافسها مع المنظمة فى قيادة الشعب الفلسطينى، ورفضها البرنامج السياسى للمنظمة، ودعوتها إلى إقامة مجتمع إسلامى فى فلسطين، ومطالبتها بتأسيس قيادة إسلامية للنضال الفلسطينى، إنها تعترض بصور فعلية على تمثيل المنظمة للشعب الفلسطينى وكونها الإطار المرجعى لهذا الشعب، المحدد لهويته ولأهدافه الوطنية.
وتدير حماس قطاع غزة منذ عام 2007، بعد حرب أهلية قصيرة ضد حركة فتح بقيادة الرئيس الفلسطينى محمود عباس الذى يمارس سلطاته من الضفة الغربية ويرأس أيضًا منظمة التحرير الفلسطينية.
وجاءت سيطرة حماس على غزة فى أعقاب فوزها فى الانتخابات البرلمانية الفلسطينية فى عام 2006، وهى آخر مرة أجريت فيها تلك الانتخابات، واتهمت حماس عباس بالتآمر ضدها، فيما وصف عباس ما حدث بالانقلاب.
منذ ذلك الحين، كانت هناك جولات عديدة من الصراع مع إسرائيل، غالبًا ما تضمنت هجمات لحماس بالصواريخ من غزة على إسرائيل وغارات جوية إسرائيلية وقصف لقطاع غزة. وترفض حماس الاعتراف بدولة إسرائيل وعارضت بشدة اتفاقيات أوسلو للسلام التى تفاوضت عليها إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية فى منتصف التسعينيات.
ولدى حماس جناح مسلح يسمى كتائب عز الدين القسام. وتصف حماس أنشطتها المسلحة بأنها مقاومة للاحتلال الإسرائيلى.
ودعا ميثاقها التأسيسى لعام 1988 إلى تدمير إسرائيل، على الرغم من أن قادة حماس عرضوا فى بعض الأحيان هدنة طويلة الأمد مع إسرائيل مقابل إقامة دولة فلسطينية على جميع الأراضى الفلسطينية التى احتلتها إسرائيل فى حرب 1967.
هيكل حماس التنظيمى
يتألف الهيكل التنظيمى من مجلس الشورى ويضمّ المجلس نحو 50 عضوًا يمثلون حركة حماس فى الداخل الفلسطينى والخارج، أى الدول التى تتواجد فيها حركة حماس، ويشارك أعضاء الحركة فى المناطق فى اختيار أعضاء مجلس الشورى، وتقسّم حماس مناطق عملها انتخابيًا إلى أربعة: الضفة الغربية وقطاع غزّة والسجون والخارج.
ولا تتوافر معلومات كثيرة عن الهيكلية التنظيمية فى الحركة، نظرًا للسرية التى تحيط بنشاطاتها وحركة قادتها، وللتعقيدات التى تواجه التنسيق بين أعضائها فى الداخل والخارج وفى السجون.
وتجرى الحركة انتخاباتها العامة كلّ أربع سنوات، تنتخب خلالها مجلس الشورى وأعضاء المكتب السياسى الذين ينتخبون رئيس المكتب ونائبه بالإضافة إلى رؤساء المناطق الثلاث: غزّة والإقليم والخارج، ولا يحقّ لأى رئيس أو مسئول داخل الحركة، البقاء فى منصبه أكثر من ولايتين.
أما المكتب السياسى – أعلى سلطة قيادية - تأسس عام 1989، وفق ما يذكر مهيب سليمان أحمد النواتى، فى كتابه «حماس من الداخل» الصادر عام 2004.وكان صاحب فكرة تأسيس المكتب القيادى موسى أبو مرزوق، أحد الوجوه المشاركة فى مرحلة تأسيس التنظيم، وذلك بعد موجة اعتقالات إسرائيلية طالت قيادات، منها رئيس الحركة الشيخ أحمد ياسين الذى لم يفرج عنه حتى عام 1997.
ويصوّت أعضاء مجلس الشورى فى الداخل والخارج، لاختيار أعضاء المكتب ورئاسته فى انتخابات معقّدة وسرّية نظرًا للتهديدات الأمنية التى تواجه قيادات الحركة. وتولّى أبو مرزوق منصب أول رئيس للمكتب السياسى من 1992 إلى 1996، وتسلّم خالد مشعل رئاسة المكتب السياسى من 1996 إلى 2017، وانتخب إسماعيل هنية رئيسًا للمكتب السياسى خلفًا لمشعل عام 2017.
وشهدت انتخابات 2021 تعيين 16 عضوًا فى المكتب السياسى، مع حفاظ هنية على منصبه كرئيس للمكتب السياسى وانتخاب صالح العارورى نائبًا له، وبقاء يحيى السنوار فى منصبه رئيسًا للحركة فى غزة.
لكنّ حرب غزّة الحالية شهدت مقتل كلّ من صالح العارورى فى بيروت مع بداية هذا العام، وإسماعيل هنية فى طهران، فى هجومين اتهمت حماس إسرائيل بتنفيذهما.
وليس واضحًا نوع العلاقة بين المكتب السياسى والجناح العسكرى فى ما يخص القرارات العسكرية.
والقسم الثالث والأخير هو كتائب عز الدين القسام – الجناح العسكرى، وتفيد أدبيات حركة حماس بأن النشاط العسكرى للحركة انطلق فى منتصف الثمانينيات، قبل الإعلان عن التأسيس السياسى، تحت اسم «المجاهدون الفلسطينيون».
وشارك صلاح شحادة، مؤسّس الجناح العسكرى وأول قائد له، فى تأسيس حركة حماس منذ البداية، وتحديدًا فى اجتماع جرى فى منزل الشيخ أحمد ياسين فى غزّة قبل صدور البيان الأول.
واتخذ الجناح العسكرى اسم «كتائب عز الدين القسام» عام 1992، وظلّ صلاح شحادة قائده حتى اغتياله عام 2002.
واغتالت إسرائيل قيادات مهمة فى الجناح العسكرى أهمهم صلاح الجعبرى وجمال صعب ويحيى عياش وأيمن نوفل الذى قُتل فى بداية الحرب الحالية.
ومن بين أبرز الأسماء الحالية فى كتائب القسام، قائدها محمد الضيف الذى تقول إسرائيل إنها استهدفته فى هجوم بغزة مؤخرًا فى إطار الحرب فى غزة، وتنفى حماس التقارير التى تحدثت عن مقتل الضيف.
كما أعلنت إسرائيل منذ أشهر عن مقتل مروان عيسى، نائب الضيف، ولم يصدر عن حماس أى بيان يؤكد هذه المزاعم.