الخميس 1 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

عندما فضح «بوتين» آخر حدود أمريكا!

عندما فضح «بوتين» آخر حدود أمريكا!
عندما فضح «بوتين» آخر حدود أمريكا!


تحولت أوكرانيا خلال الأيام الأخيرة إلى مركز للاستقطاب الدولى وساحة نزاع بين روسيا والغرب، بحيث أصبح الانقسام يخيم على هذا البلد، خصوصا بعد أن طلب الجزء القريب من الحدود الروسية، تدخل موسكو، فيما طلب الجزء المحاذى لأوروبا، مساعدة مالية من الغرب لتحسين أوضاعه الاقتصادية وتسديد مديونيته لروسيا، وما سيدفع بروسيا للتدخل فى المناطق الشرقية هو المكانة الخاصة التى تحظى بها منطقة القرم وتأثيراتها على مستقبل أوكرانيا، وكذلك الفوضى وأعمال العنف التى تقوم بها جماعات مسلحة دخلت إلى المنطقة بدعم من الغرب الذى يعرف مدى أهمية المنطقة بالنسبة لموسكو، لاستغلالها كورقة ضغط عليها.
 
فى هذا السياق يبدو أن الأزمة الأوكرانية ستكون بؤرة تكسير العظام بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، وستدفع الجانبين إلى استخدام حلفاء كل طرف ضد الآخر، حيث يحاول باراك أوباما إثبات أن الدب الروسى انتهى إلى الأبد، بينما يؤكد فلاديمير بوتين أن روسيا عائدة من جديد للمسرح العالمى، إذ اعتبر الرئيس الأمريكى باراك أوباما أن روسيا فى الجانب الخطأ من التاريخ الأزمة الأوكرانية، مؤكدا أن موقف المجتمع الدولى موحد لرفض تدخل موسكو فى شئون كييف، وفى إشارة تهدف إلى الإعراب عن مدى غضبه بشأن مسار الأحداث الحالية، وجه أوباما تحذيرا عنيفا إلى موسكو من عواقب أى عمل عدائى فى أوكرانيا، إذ أعلن مع دول حليفة بأنه مستعد للذهاب إلى أقصى مدى لعزل روسيا سياسيا واقتصاديا، كما أكد إنه سيؤجل مشاركته المقررة فى الاجتماعات التحضيرية لقمة مجموعة الثمانى المقررة أن تعقد فى يونيو المقبل فى مدينة سوتشى جنوب روسيا.
 
وفى الوقت نفسه اختار الغرب أوكرانيا لتفجير القنبلة الناعمة بوجه روسيا، لأنها على حد تعبير بريجنسكى :« المفتاح للسيطرة على روسيا إما لتفكيكها أو لتطويعها» ومقابل ذلك فإن الروس لا يخشون تورط الغرب فى صراع عسكرى معهم، لأن أوكرانيا ليست دولة من دول حلف الناتو كى يجد الغربيون أنفسهم مضطرين إلى الدفاع عنها، كما أن الصراع العسكرى مع روسيا ليس صراعا عسكريا مع العراق أو أفغانستان، فروسيا دولة عظمى وليس من مصلحة الغرب التورط فى أى نزاع عسكرى معها، هذه الحقيقة جعلت الروس لا يترددون فى استخدام القوة والتلويح بها أمام الناتو، فهى لا تخشى ردة فعل مماثلة من الغرب، وفى هذا الإطار سيستخدم الغرب وسائل الترغيب والترهيب غير العسكرية ضد روسيا من أجل إيجاد حلول سلمية للمأزق الأوكرانى قبل تفاقم الموقف .
 
وحول انعكاسات تطورات الأمور فى أوكرانيا على مصر، فإن روسيا ستنشغل عن مد مصر بالأسلحة وعن السياسة المصرية مؤقتا لكن ليس استراتيجيا بمعنى أن روسيا قد تستخدم مصر كورقة ضغط على الولايات المتحدة الأمريكية بمحاولة إخراجها من المحور الأمريكى، لذلك يجب على مصر أن تستغل هذه الفرصة وتحاول الخروج من دائرة السيطرة الأمريكية بتقاربها مع روسيا، و أن نجاح ذلك سيعتمد على رغبة الإدارة المصرية فى الخروج من العباءة الأمريكية، كما يجب على مصر أن تستغل الأزمة الأوكرانية للتقارب مع روسيا بالقيام بزيارات وتوقيع مزيد من الاتفاقيات على كافة المستويات، كما أن أمريكا ستكون مشغولة بأوكرانيا و لن يكون لديها فرصة للضغط على مصر، فتداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية دفعت أسواق المال العربية والعالمية للهبوط الجماعى بضغط من مخاوف المستثمرين بشأن اندلاع حرب وهو ما انعكس بوضوح على أداء المؤشرات الرئيسية للأسواق الخليجية والسوق المصرية بالتحديد والتى نزفت نقاطها خلال جلسة التداول.
 
ورغم أن الصراع فى أوكرانيا بين الغرب وروسيا يزداد سخونة، إلا أنه من الواضح أن الغرب لا يملك الكثير من الأوراق الرابحة فى مواجهة روسيا التى تملك فائضا من أوراق القوة، ولديها العديد من السيناريوهات التى تمكنها من حسم الصراع بسهولة. فالغرب الذى يطلق التصريحات التصعيدية المحذرة لروسيا من التدخل عسكريا فى أوكرانيا، ويهدد بعزل روسيا إذا ما أقدمت على ذلك، يجد نفسه عاجزا عن ترجمة هذه التهديدات إلى أفعال لعدة أسباب:
 
السبب الأول، اقتصادى: أوكرانيا تعانى من أزمة اقتصادية متفاقمة، وهى بحاجة إلى دعم اقتصادى ومالى عاجل جدا، وإلا واجهت الإفلاس، وهذا يتطلب عشرات المليارات من الدولارات، وهو ما طالب به الرئيس الجديد المؤقت لأوكرانيا الغرب. والدول الغربية غير قادرة على تأمين مثل هذا الدعم، فهى تعانى من العجز المالى والعديد منها غارق فى الديون، منها ما هو أفلس ( اليونان)، ومنها من يواجه خطر الإفلاس ( إسبانيا ـ وإيرلندا ـ وإيطاليا) وبالتالى إذا ما كانت هناك أموال لدى الدول المقتدرة ماليا مثل المانيا فستكون لدعم هذه الدول، وليس لأوكرانيا.
 
بالمقابل فان روسيا تملك الإمكانيات المالية الكبيرة وصندوقها الاحتياطى يحتوى على أكثر من 600 مليار دولار، ووضعها الاقتصادى بحالة نهوض وتقدم، وهى أعلنت عن استعدادها تقديم مساعدة مالية عاجلة إلى أوكرانيا، وبدأت بدفع قسم منها قبل حصول الانقلاب على الرئيس المؤيد لإقامة العلاقات مع موسكو، إلى جانب تخفيضات بأسعار الغاز المصدر إلى أوكرانيا، ولهذا فإن أوكرانيا تشكل عبئا اقتصاديا وماليا على الغرب.
 
أما على صعيد قدرة الغرب على عزل روسيا، فهذا حسب الخبراء لا يعد كونه كلاما للاستهلاك، لأن أمريكا اليوم بحاجة ماسة للحفاظ على استثماراتها فى روسيا ولا تستطيع تعويضها فى أى بلد فى العالم، عدا عن أن روسيا مكتتبة بسندات الخزينة الأمريكية بحوالى 120 مليار دولار بإمكانها إذا عرضت بيع هذه السندات فى السوق أن تدفع بالنظام المالى الأمريكى إلى الانهيار وإلى نهاية سيطرة امريكا على النظام المالى الدولى كما قال مستشار الرئيس الروسى سيرجى جلازييف. أما أوروبا فإنها تكاد تكون أسيرة العلاقات مع روسيا، فهى تحتاج إليها لاستيراد الغاز الروسى بنسبة 35 من احتياجاتها، وكذلك تحتاج إلى المساعدة المالية من روسيا لمواجهة أزماتها، وإلى السوق الروسية الكبيرة لتصدير منتجاتها.
 
السبب الثانى: عسكرى.. الغرب وفى الطليعة أمريكا ليس فى وارده الدخول فى مواجهة عسكرية مع روسيا، فمن جهة كل الظروف العسكرية لصالح روسيا التى تتواجد قواتها فى البحر الأسود وجزيرة القرم بموجب اتفاقيات، ولها حدود طويلة مع أوكرانيا، وتستطيع خلال وقت قصير السيطرة على المناطق الشرقية والجنوبية حيث تملك تأييدا كبيرا لدى السكان.
 
ومن جهة ثانية فإن الغرب لا يملك القدرة المالية للإنفاق على حرب مكلفة الموازين فيها ليست لمصلحته، وهو قرر الانكفاء عن شن الحروب البرية، بعد هزيمته فى العراق، وفشله فى أفغانستان، والأعباء المالية الضخمة التى تكبدتها أمريكا وحلفاءها نتيجة لهذه الحروب، والتى دفعت واشنطن إلى اعتماد إجراءات تقشفية خفضت بموجبها عدد قواتها البرية.
 
السبب الثالث: إن روسيا تملك مبررات للتدخل على عكس الغرب الذى لا يملك مثل هذه المبررات .
 
و السيناريوهات المطروحة هى من المؤكد أن التطورات الأمنية ستحدد إلى حد كبير مجرى تطور الوضع السياسى فى أوكرانيا. لكن ومع المعطيات المتوافرة اليوم يظهر إلى العلن عدد من السيناريوهات:
 
السيناريو الأول تقسيم أوكرانيا: على مثال ما حدث فى جورجيا ستدخل القوات الروسية إلى القرم وستعمد إلى تدعيم إعلان الاستقلال الذى قامت به القرم الأسبوع الماضى. وما يدعم هذا السيناريو أن القرم كانت تابعة لروسيا وذلك منذ القرن الثامن عشر وأنه وبعيد تفكك الاتحاد السوفيتى، قسمت البحرية السوفيتية بين روسيا ( )83وأوكرانيا ( )17وهى موجودة بشكل متواصل فى مدينة سيباستوبول جنوب-غرب القرم. لكن هذا الإقليم لن يكون الوحيد، فالمناطق الشرقية ذات الأغلبية الروسية ستعمد، مدعومة من الجيش الروسى، أقله إلى مقاومة الجيش الأوكرانى. وهذا سيخلق حالة من الفوضى فى أوكرانيا على جميع الأصعدة.
 
السيناريو الثانى انضمام أوكرانيا الى الاتحاد الأوروبى: هذا السيناريو مستبعد نظرا للبعد الاستراتيجى لأوكرانيا والقرم تحديدا بالنسبة لروسيا. لكن وبالنظر إلى المفاوضات التى تجرى بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، فمن الممكن أن يتم التخلى عن بعض الملفات لصالح روسيا مثل سوريا، أو مشروع نشر صواريخ الاعتراض فى أوروبا الشرقية مما قد يدفع روسيا بالقبول بهذا السيناريو.
 
السيناريو الثالث أوكرانيا دولة فاصلة بين الشرق والغرب: هذا السيناريو يقضى بإعادة الوحدة لأوكرانيا شرط بقائها على الحياد وتلعب دور العازل فى المواجهات بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية. لكن هذا السيناريو يتميز بهشاشته خصوصا أنه سيكون عرضة لمزاج العلاقات بين القطبين.
 
أما دور أوروبا فى هذه الأزمة مما لا شك فيه أنها الخاسر الأكبر.. وهذه الخسارة تتمثل بتوقف تدفق الغاز واحتملات نشوب حرب على أبوابها. لذا من المتوقع أن يكون الموقف الأوروبى أكثر ليونة تجاه روسيا.