بعد إعلان 25 ولاية لدعم الجنوب .. ماذا يحدث فى تكساس؟

منذ أيام وأنظار العالم تتوجه صوب ولاية تكساس الأمريكية، وسط ترقب باندلاع فوضى جديدة بعد قرار المحكمة العليا إزالة الأسلاك الشائكة على الحدود مع المكسيك التى أقامها حاكم الولاية وأشعلت غضب الرئيس جو بايدن الذى يحاول إضفاء الطابع الفيدرالى عليها.
فقد أشعل موضوع تنظيم الهجرة الحرب بين بايدن والرئيس السابق دونالد ترامب، حيث أبدى الأخير معارضته مشروع قانون جديد تَوافق عليه الحزبان الجمهورى والديمقراطى وتحول المشروع إلى مادة تجاذب ووضع ترامب قضية الهجرة فى مقدم شعارات عودته إلى البيت الأبيض، محذرًا من الوضع على الحدود التى يسهل اختراقها، ومنتقدًا بشدة الجمهوريين الذين يدعمون مشروع القانون فى مجلس الشيوخ. إلا أن الاتفاق الذى يجرى التفاوض عليه بين الديمقراطيين والجمهوريين يتعدى كونه يعالج مخاوف الأمريكيين فى شأن التدفق الهائل للمهاجرين عبر المكسيك؛ بل إن حرب أوكرانيا تعتبر أيضًا ضمن الأزمات التى فجرت الوضع بين الإدارة الأمريكية والولايات، وبعد فشل بايدن المتكرر فى دعمه لأوكرانيا تنفجر الأزمة مرة أخرى لكن داخل بلاده.
قانون «الغزو»
فى أواخر يونيو الماضى، أعلن عضو الحزب الجمهورى وحاكم ولاية تكساس الأمريكية، جريج أبوت، عن سياساته للمرحلة المقبلة، والتى كان بعضها مثيرًا للجدل، من قبيل إعلان أن الرئيس جو بايدن «لم ينتخب بطريقة شرعية»، والمطالبة بإجراء استفتاء حول انفصال تكساس عن الولايات المتحدة.
ولم تكن هذه هى المرة الأولى التى يطالب فيها البعض بانفصال تكساس، التى تعرف «بالولاية ذات النجمة الوحيدة» والتى يصل حجم اقتصاد الولاية إلى 2.4 تريليون دولار لتحتل المرتبة الثامنة عالميًا وتتفوق على روسيا وكندا وإيطاليا، إلا أن أزمة المهاجرين هى القشة الأخيرة التى أدت الى انفجار الوضع فى الولاية الجمهورية.
تشهد الولايات المتحدة أزمة غير مسبوقة تتعلق بالمهاجرين غير النظاميين، الذين لا يتوقف وصولهم وعبورهم للحدود الجنوبية للولايات المتحدة مع المكسيك بمعدلات قياسية، حيث بلغ إجمالى من دخل الأراضى الأمريكية خلال الشهر الماضى فقط 300 ألف شخص، أى بمعدل يقترب من 10 آلاف مهاجر يوميًا. ومع فشل الإدارات الأمريكية المتعاقبة، الجمهورى منها والديمقراطى، فى التعامل مع ملف الهجرة، لجأت الولايات الحدودية الأربعة، كاليفورنيا، أريزونا، نيو مكسيكو، وتكساس، إلى إجراءات منفصلة لمواجهة هذه الأزمة.
إلا أن ولاية تكساس، وبمبادرة من حاكمها الجمهورى لجأت لنص دستورى قديم يحمل فى طياته تعقيدات قد تدفع لمواجهات بين الحرس الوطنى للولايات (جيش الولاية ذو التسليح الخفيف) وعناصر أجهزة الهجرة وإدارة الحدود التابعة للسلطات الفيدرالية.
ويتيح تعرض الولاية لحالة ما سمى بـ«الغزو» بعض الإجراءات الاستثنائية «للدفاع عن النفس»، وهى الاستراتيجية التى لجأت إليها ولاية تكساس، ما قد يدفع لمواجهة قد تخرج عن نطاقها السياسى والقانونى، الأمر الذى يثير مخاوف ملايين الأمريكيين.
وأرسلت تكساس قوات من الحرس الوطنى إلى حدود الولاية، فى تحدٍ لإدارة الرئيس جو بايدن والقوات الفيدرالية بشأن ملف المهاجرين وهو ما زاد الأمور تعقيدًا.
وهنا تكمن الأزمة إذ أن قوات حرس الحدود التابعة للرئيس بايدن، لديها أوامر من المحكمة الدستورية العليا بإزالة الأسلاك الشائكة وتسهيل عملية مرور اللاجئين والمهاجرين من الحدود المكسيكية، أما قوات الحرس الوطنى التابعة لولاية تكساس، فتمنع المهاجرين من الوصول بوضع أسلاك شائكة لتصعيب وصول المهاجرين والقوات الفيدرالية، وبالتالى هناك قوتان لديهما أوامر متناقضة ستؤدى حتمًا إلى اشتعال الحرب.
فيما أعربت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية عن مخاوفها من نشر الفوضى والعنف، مؤكدة أن استيلاء تكساس على جزء من الحدود الأمريكية يزيد خطر اصطدامها مع الحكومة الفيدرالية.
وترددت خلال الأيام القليلة الماضية أنباء حول تهديدات مسئولى ولاية تكساس بالانفصال عن الولايات المتحدة، واحتمالية تصاعد التوترات بين الحرس الوطنى الخاص بالولاية والجيش الأمريكى وهو ما نفاه مسئولون بالولاية، واصفين إياها بالمضللة.
وأعرب حاكم تكساس عن استيائه من قرار المحكمة العليا الصادر بأغلبية 5 أصوات مقابل 4 والذى ألغى أمرًا قضائيًا من محكمة الاستئناف وسمح لوكلاء حرس الحدود الفيدراليين بإزالة الأسلاك الشائكة التى أقامها مسئولو تكساس على الحدود تحت إشراف أبوت.
وما زاد الأزمة تعقيدًا تعهد حكام جمهوريين من 25 ولاية (نصف الولايات الخمسين) بتقديم دعمهم الكامل لحاكم تكساس والسلطة الدستورية فى الولاية للدفاع عن نفسها بما فى ذلك وضع أسوار الأسلاك الشائكة لتأمين الحدود ضد ما وصف أبوت بأنه «غزو» المهاجرين لولايته.
وجاءت هذه الخطوة استجابة لدعوة الرئيس السابق دونالد ترامب للولايات التى يقودها الجمهوريون إلى التعاون لمكافحة مشكلة الهجرة غير النظامية على الحدود الجنوبية، وهى قضية قال الجمهوريون إن بايدن يفشل فى التعامل معها بشكل صحيح، وهو ما اعتبره البعض محاولات من ترامب لجذب الأنظار وكسب شعبية قبل الانتخابات.
ليست الأولى
يذكر أنه فى عام 2021، طفت فكرة انفصال تكساس على السطح من جديد، بل وغادرت الهامش لتدخل فى نسيج الخطاب السياسى للحزب الجمهورى، أحد الحزبين الرئيسيين فى الولايات المتحدة. وتقدم أحد أعضاء مجلس نواب ولاية تكساس عن الحزب الجمهورى بمشروع قانون لإجراء استفتاء غير ملزم على انفصال الولاية عن الاتحاد، ولكن لم يتم التصويت عليه أو تُحدَد له جلسة استماع من قبل المجلس.
وللمرة الأولى، أيد الحزب الجمهورى لولاية تكساس رسميا فكرة الانفصال بشكل رسمى فى يونيو الماضى، إذ أصدر تقريرًا يطالب المجلس التشريعى بإجراء استفتاء فى عام 2023 على الانفصال عن الولايات المتحدة، وبإصدار قانون يؤكد حق الولاية فى الانفصال. أشعل ذلك جدلًا كبيرًا داخل الولايات المتحدة. علق البعض - مازحين - بأنهم يأملون فى أن يحدث ذلك لكى يتخلصوا من الجمهوريين وذوى الاتجاهات اليمينية المتطرفة - ومعهم ولاية تكساس، والبعض الآخر أشار إلى أن انفصال تكساس ليس ممكنًا من الناحية القانونية، فى حين بدأ آخرون يحذرون من عواقب ذلك على البلاد بأسرها، ولا سيما إذا ما حذت ولايات أخرى حذو الولاية ذات النجمة الوحيدة.
فكرة الانفصال ليست مقصورة على الجمهوريين فحسب، فقد أظهر استطلاع للرأى أجرى العام الماضى أن نسبة الديمقراطيين الراغبين فى الانفصال بلغت أكثر من 40 فى المئة فى بعض الولايات. وفى أعقاب فوز الرئيس السابق ترامب بالانتخابات، كانت هناك أصوات فى ولاية كاليفورنيا، تطالب بانفصالها عن الاتحاد.
ويرجح كثير من المحللين أسباب تلك الدعوات إلى ما يعتبرونه حالة غير مسبوقة من الاستقطاب والانقسامات السياسية المتعمقة فى الولايات المتحدة. وتشير العديد من الدراسات إلى تزايد الخلافات بين الديمقراطيين والجمهوريين حول العديد من القضايا، من بينها التغير المناخى، إنفاذ القانون وتطبيق عقوبة الإعدام، الحق فى حمل السلاح، سياسات الهجرة، والسياسات الاقتصادية، والسياسة الخارجية للبلاد.
خطاب عدائى.. أم دعاية انتخابية
أدت أزمة تكساس إلى رفع منسوب القلق الشعبى الأمريكى من احتمالية زيادة فرص حدوث تصادم بين قوى وتحول ذلك إلى حرب أهلية. فى المقابل يرى البعض المشكلة مجرد زوبعة فى فنجان ستنجلى سريعًا، وأنها مجرد مناكفات حزبية انتخابية.
ويرى روبرت شابيرو، البروفيسور فى الإدارة الحكومية فى جامعة كولومبيا الأمريكية، فى تصريحات صحفية أوضح فيها أن «حاكم تكساس أمر سلطات إنفاذ القانون بالولاية بوقف المهاجرين الذين يدخلون من المكسيك بشكل غير قانونى، ووضع أسلاكًا شائكة لمنع الهجرة غير الشرعية عبر الحدود، لكنهم لا يمنعون سلطات الحدود الفيدرالية من التدخل فى ما يفعلونه».
موضحًا أن مراقبة الحدود دستوريًا بموجب القانون هى مسئولية الحكومة الفيدرالية ولا ينبغى لسلطات الولاية أن تشارك بهذه الطريقة.
ولفت شابيرو إلى أن «مشاركة ولاية تكساس فى مراقبة الحدود أدت إلى مواجهة قد تؤدى إلى بعض أعمال العنف، لكن فى هذه المرحلة لم يقترب الأمر من تلك النقطة على الرغم من أن حاكم ولاية تكساس وآخرين استخدموا خطابًا عدائيا فى مواجهة إدارة بايدن».
وحول ما إذا كان تحرك حاكم ولاية تكساس له علاقة بالانتخابات التمهيدية فى الحزب الجمهورى، قال شابيرو: «نعم، الحاكم الجمهورى أو تكساس وغيرهم من الجمهوريين يبذلون كل ما فى وسعهم لجعل قضية المعبر الحدودى قضية كبرى تضر بـ بايدن والديمقراطيين سياسيًا وانتخابيًا».
وأوضح أن «هذه القضية تؤذى بايدن سياسيًا، والذى اتخذ الآن ما يبدو أنه موقف أقوى، بحيث يكون مستعدًا لإغلاق الحدود الجنوبية بالكامل».