توتر العلاقة بين نتنياهو وجالانت صراع مؤجل تؤججه حرب غزة.. وخبراء: المؤسسات الإسرائيلية تتفكك والجيش لا يريد مواصلة الحرب
مرڤت الحطيم
عكس السجال والصراخ الذى شهده مجلس الحرب الكابينت بين رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو ووزير الأمن يوآف جالانت الذى غادر الجلسة غاضبا عمق توتر العلاقات وأزمة الثقة بينهما، والتى أخذت معالمها الأولية تتضح مع تأسيس حكومة إسرائيل الـ37 فى 29 ديسمبر 2022.
لم يكن الصراخ المتبادل بين نتنياهو وجالانت فى الجلسة التى انفضت دون قرارات سوى محطة أخرى من التوتر الحاد بينهما خلال فترة الحرب على غزة، وهو توتر يحمل تراكمات خلافية وترسبات حول صراع القوى والمعسكرات داخل حزب الليكود الحاكم حتى قبل الحرب.
يحمل الصراع فى طياته حالة الاحتقان السياسى بين المعسكرات فى الليكود حول هوية الزعيم الذى سيخلف نتنياهو الذى يرى فى جالانت الرجل العسكرى الذى يهدد عرشه فى الحزب وكرسى رئاسة الوزراء. ومنذ تشكيل الحكومة عمد نتنياهو إلى الحد من صلاحيات جالانت وتقويض نفوذه داخل الليكود والمشهد الحزبى الإسرائيلى من خلال توزيع صلاحيات وزارة الأمن على الشركاء فى الائتلاف الحكومى الصهيونية الدينية برئاسة بتسلئيل سموتريتش بتعيينه وزيرا إلى جانب جالانت.
وجرد نتنياهو جالانت من صلاحياته ومسئوليته عما يعرف بمنسق أعمال الحكومة فى المناطق الفلسطينية والإدارة المدنية، وحولها إلى سموتريتش الذى يشغل أيضا منصب وزير المالية، كما نقل مسئولية فرق حرس الحدود فى الضفة الغربية والقدس من جالانت إلى رئيس عظمة يهودية إيتمار بن غفير الذى عين فى منصب وزير الأمن القومى الإسرائيلى. وتحول التوتر الخفى والصراع من وراء الكواليس إلى مواجهة شاملة بينهما، حيث أقال نتنياهو جالانت من منصبه فى مارس 2023 بسبب موقف جالانت الداعم للاحتجاجات المناهضة للتعديلات على الجهاز القضائى، وتحذيره من تداعيات التعديلات فى الجيش الإسرائيلى وقوات الاحتياط. وتحت وطأة الاحتجاجات اضطر نتنياهو إلى التراجع عن قرار الإقالة، ولكن لم يتم نسيان أى شىء، إذ بقيت هذه الإقالة تحكم العلاقات بينهما فى إدارة الائتلاف الحكومى.
وتوسع توتر العلاقات بين نتنياهو وجالانت وتحول إلى أزمة ثقة بينهما مع سعى رئيس الوزراء إلى الحد من نفوذ وزير الأمن داخل الحكومة، وتجلى ذلك فى نهاية يوليو 2023 عندما أقر الكنيست قانون المعقولية للحد من صلاحيات المحكمة العليا. وقبل التصويت على القانون توسل وزير الأمن إلى وزير القضاء الإسرائيلى ياريڤ ليڤين أن يتوقف أو يخفف صياغة القانون، لكن نتنياهو الذى كان يجلس بين الاثنين تجاهل جالانت وأعطى الضوء الأخضر للائتلاف الحكومى للتصويت على القانون، وكان جالانت غاضبا من إقرار قانون المعقولية، ويقول الكاتب الإسرائيلى شالوم يروشالمى: ولا يزال غاضبا من قرار نتنياهو منح سموتريتش منصب وزير فى وزارة الأمن، مشيرا إلى أن جالانت حذر نتنياهو من المخاطر المحتملة لهذا التعيين، لكن رئيس الوزراء لم يأخذ هذه التحذيرات بعين الاعتبار لأنه لم يكن لديه خيار آخر.
وقال يروشالمى فى مقاله بالموقع الإلكترونى زمان يسرائيل إن الصراعات التى لا تنتهى داخل وزارة الأمن والتى أثرت أيضا على الوضع فى الضفة الغربية تظهر أن جالانت كان على حق. وأضاف أن هذه الصراعات تأججت عقب طوفان الأقصى وسعى نتنياهو للتنصل من المسئولية ونقلها إلى جالانت ورئيس أركان الجيش هرتسى هاليڤى. ووفق يروشالمى فإن التوتر بينهما تحول إلى حالة صراع خلال الحرب فى قطاع غزة، مشيرا إلى وجود مواجهات وخلافات يومية بين نتنياهو وجالانت وفريقيهما، وهو ما يعكس ترسبات الخلافات سواء فى الحكومة أو داخل الليكود وأزمة الثقة بينهما. واستذكر الكاتب الإسرائيلى منع حراس الشاباك جالانت من دخول مكتب نتنياهو، والشكوى ضد رئيس مكتب جالانت الذى طلب تسجيل نقاش أمنى ربما لأغراض المناقشات فى لجنة التحقيق الحكومية التى ستنشأ، والامتناع أكثر من مرة عن الخروج بإحاطة مشتركة عن تطورات وسير الحرب. ومع إعلان حالة الطوارئ فى إسرائيل عقب الهجوم المفاجئ لحركة حماس فى 7 أكتوبر 2023 انعكس التوتر بين نتنياهو وجالانت وتحول إلى خلاف بشأن أهداف الحرب. كان جالانت يدفع إلى حرب على الجبهتين الشمالية ضد لبنان والجنوبية ضد غزة، ودعا إلى توجيه ضربة استباقية لحزب الله فى اليوم التالى لطوفان الأقصى، لكن نتنياهو عارض ذلك ومنعه، وكان مترددا حتى بشأن التوغل البرى فى قطاع غزة.
ليس هذا فقط بل كان نتنياهو فى البداية وفقا لتقديرات محللين معارضا تشكيل حكومة طوارئ ومجلس حرب، وأجل تشكيل حكومة الطوارئ مرارا وتكرارا وحاول عرقلتها، وتحفظ على مشاركة جالانت فى المؤتمر الصحفى الذى تم خلاله الإعلان عن تشكيل حكومة الحرب. ووفق محلل الشئون العسكرية يوسى يهوشع فى موقع واى نت التابع لصحيفة يديعوت أحرونوت؛ فإن الجبهة السابعة التى تواجهها إسرائيل هى الحرب التى تدور بين نتنياهو وجالانت، قائلا إن البعض يصف التوترات بينهما بأنها ساحة أخرى، إضافة إلى ساحات غزة ولبنان وسوريا وإيران واليمن والعراق. وأوضح أن ما وصفه بالقتال القبيح فى اجتماع مجلس الحرب بينهما هو مجرد تعبير واحد عن التوتر الحاد بين الاثنين والذى يعود إلى التاريخ البعيد قبل الحرب، لافتا إلى أن هذا التوتر يمكن أن يؤثر على سير مختلف الجبهات التى تخوضها إسرائيل، خصوصا فى ظل الانتقادات المتبادلة التى خرجت إلى العلن. وقدر محلل الشئون العسكرية أن رئيس الوزراء الذى لا يثق بجالانت بسبب دوافع سياسية وشخصية سعى أيضا إلى عزله وإقصائه عن سير الحرب، حيث يخشى التعاون بين 3 چنرالات يعتبرهم معادين له، وليس من اليوم، وهم جالانت ورئيس المعسكر الوطنى بينى جانتس ورئيس الأركان السابق جادى أيزنكوت.
على جانب آخر؛ يرى خبراء ومحللون أن إسرائيل بدأت تتراجع سياسيا وعسكريا عن أهدافها الأولى للحرب فى قطاع غزة، وأنها ربما بدأت تمهد لصفقة تبادل أو تهدئة للعمليات بعدما وصل الخلاف بين مؤسساتها الأمنية والسياسية إلى مرحلة التفكك، ولم يعد الجيش راغبا فى مواصلة القتال. وكانت إذاعة جيش الاحتلال قد أعلنت فى وقت سابق أن 3 فرق فقط (99-162-96) هى المتبقية فى غزة حاليا بعد سحب مزيد من القوات. كما قالت صحيفة إسرائيل هيوم إن الفرقة 36 التى تم سحبها تضم ألوية جولانى والسادس والسابع واللواء 188 إلى جانب سلاح الهندسة. وهذا الانسحاب يعود لأسباب عديدة منها تلقى بعضها مثل لواء جولانى لضربات شديدة على يد المقاومة؛ بالإضافة إلى التوجه للمرحلة الثالثة من الحرب البرية؛ وإن إسرائيل سحبت غالبية قواتها من شمال غزة، لسد حاجة ميدانية فى الوسط والجنوب، ومع ذلك لم تحقق أى إنجاز، مما دفعها لسحب قوات جديدة من أجل إعادة التأهيل. ويرى محللون أن القوات التى تم سحبها ستكون فى حالة جاهزية للقتال بعد تأهيلها، مشيرين إلى أن الدفع بها إلى مناطق أخرى يعنى أن الحرب متواصلة ولن تتوقف، أما لو بقيت فى حالة تأهب بمنطقة الغلاف، فإن هذا ربما يكون مؤشرا على التفكير فى وقف القتال بطريقة أو بأخرى.
وفى نفس السياق، إن حديث وزير الدفاع الإسرائيلى يوآف جالانت عن مواصلة القتال حتى تحقيق النصر أمر طبيعى لأنه لا يريد أن يتراجع عما قاله فى السابق، عندما كان يتحدث عن كثير من الإنجازات، وكرر أن استعادة الأسرى لن يتم إلا عن طريق القوة. ومع ذلك، فإن خطابات المسئولين الإسرائيليين الجديدة، التى بدأت تتجاهل الحديث عن اجتثاث حركة حماس تدل على تراجع ضمنى عن أهدافهم الأولى، وأنهم يريدون حفظ ماء الوجه لمجلس الحرب، وخصوصا جالانت، وأن هذه الأحاديث تعنى إدراك قادة إسرائيل العسكريين صعوبة القضاء على حركة كاملة، ولكن من الممكن توجيه ضربات معينة لها؛ ولكن هذا الحديث الإسرائيلى الجديد يتماشى مع تغير الحديث الأمريكى بشأن إمكانية التعايش مع الحركة وتقليل قدراتها الهجومية، واصفا الأمر بأنه استسلام بشكل أو بآخر. وعلى الجانب الآخر، فى غزة، ويتوقع السكان صفقة تبادل أسرى قريبة، وربما تهدئة أو وقفا مرحليا للحرب، خصوصا مع مواصلة سحب القوات وتفاقم الخلافات بين المؤسسات الإسرائيلية.
لكن سحب القوات ربما يكون استجابة بطريقة أو بأخرى لشرط حماس المتمثل فى ضرورة وقف العدوان قبل التفاوض على الأسرى، بالإضافة إلى أنه يعكس دعم الجيش لصفقة تبادل من أجل أن ينأى بنفسه عن الاتهامات؛ كما أن هناك معلومات حول طروحات جديدة وصلت للمقاومة فى ملف التبادل، تزامنا مع حديث الرئيس الأمريكى بايدن عن سعيه القوى لاستعادة الأسرى، والوضع العسكرى المتأزم على الأرض. وفيما يتعلق بتزايد الأحاديث داخل إسرائيل عن ضرورة وقف الحرب وتبادل الأسرى؛ إن بعض الوزراء كانت لديهم مخاوف بشأن الحرب فى أول الأمر، لكنهم امتنعوا عن التصريح بها خشية الاتهام بعدم الوطنية، وهؤلاء شرعوا فى الإعلان عن هذه المخاوف مؤخرا لأن ما يحدث حاليا يمثل خطرا على إسرائيل؛ كما أن هناك خلافات تضرب المؤسسات الأمنية والحكومة، خصوصا الشاباك الذى قدم تقارير لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تحذره من تفاقم الوضع فى الضفة الغربية التى لم يعد بالإمكان الحديث عن حل أمنى أو عسكرى فيها بعدما فشل هذا الحل فى غزة.وعملية تل أبيب التى وقعت الأسبوع الماضى تعنى أن سياسة اجتثاث أسلحة المقاومة لا تعنى توقف العمليات بشكل أو بآخر، ولو فى ظل احترازات وتخوفات أمنية.
إلى جانب ذلك، فإن إسرائيل وجدت نفسها واقفة أمام محكمة العدل الدولية بتهم ارتكاب إبادة جماعية وهى أمور تضع نتنياهو فى مأزق، لأنه هو الذى وقف فى أحد الأيام ليقول للعالم إن إسرائيل هى واحة الأمن والديمقراطية والاستثمار، وها هى الصورة تنهار أمام الجميع، والمشاكل فى إسرائيل تجاوزت الارتباك، ووصلت إلى حد تفكك المؤسسات الجذرية داخل الدولة؛ حيث تمتلك المقاومة أوراق ضغط مهمة فى ملف التبادل، ربما يمنحها قوة التمسك بشرطها المتمثل فى وقف العدوان. كما أن المعلومات التى تم الكشف عنها حول مصير بعض الأسرى قد تجبر الحكومة على صفقة تبادل وتجاوز العقبات التى يضعها نتنياهو وجالانت اللذان يريدان التهدئة، وليس وقف الحرب؛ حيث إن الجيش لا يريد مواصلة الحرب ولا ترك الأسرى العسكريين فى غزة، لكنه عاجز عن استعادتهم. وفى النهاية، نتنياهو سيرضخ لمطلب وقف الحرب بسبب التعثر العسكرى، لكنه يعتقد أن التوقيت مرهون بزيادة الضغط الداخلى من جهة والأمريكى من جهة أخرى؛ وواشنطن يمكنها دفع نتنياهو لوقف الحرب لو تخلت عن الضغط الخجول، وبدأت التلويح فعليا بتقليص الإمداد العسكرى.