الجمعة 21 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

جمهورية الألـــــــش المصرية!

جمهورية الألـــــــش المصرية!
جمهورية الألـــــــش المصرية!


(إنت حتستظرف ؟).. أسلوب إنشائى، نوعه استفهام، غرضه وعدم المؤاخذة التهزىء، فالشعب المصرى - سيبك من أنه متدين بالفطرة، فهذه قد قُتلت بحثا - لكن الأهم أنه ساخر بالفطرة، وتلك ربما قُتلت برضه لكن فى ظروف غامضة، وعلى طريقة مولانا فيثاغورث بتاع بما أن إذن، فبما أن دمك يلطش، يبقى ما تهزّرش، هكذا تحدث زراطشت!
 
 الحقيقة أن زراطشت لمّا تحدّث برضه، لم يكن من فراغ، الراجل كان يدرك أن (جمهورية الألش المصرية) يحدها شرقا السعدنى الكبير الله يرحمه، وغربا مولانا زكريا الحجاوى الله يرحمه، وشمالا مولانا عبدالعزيز البشرى الله يرحمه، وجنوبا مولانا أحمد رجب متعنا الله بوافر صحته، هو الحقيقة مش جنوبه قوى، فالرجل يعد من علية القوم، ومن أرستقراط مصر، وربما كان هو الاستثناء الوحيد لقاعدة ثقل ظل الأغنياء!
 
 لسبب ما رسَّخت هذه الجمهورية العظيمة مفهوم الصعلكة كمعادل موضوعى للسخرية أو الألش يعنى، حيث لا يجوز أن يكون دمك خفيف وابن نكتة، وصايع قافية إلا لو شمّرت رِجل البنطلون، ونزلت لحد قاع الألم فى البلد دى، فدستور جمهورية الألش ينص على أن ضرب الألم بالقلم هو سبيلك الوحيد للحياة بالبرج اللى فاضل فى نافوخك، ولهذا كان للـ (عَطّ) النصيب الأكبر من حكاوى هؤلاء، والعطّ أى : حاجات كتير قوى قال عليها مولانا السعدنى الكبير فى مختصر تعريف السعدنى للصعلكة، أو كما قال (ياللى انكتب عليك العطّ، اصبر ده الرب مش ناسى»!
 
 خذ عمك الحجاوى مثالا، الراجل أصلا مالوش فيها، كان مهتما يا ولداه بتوثيق تراث الفن الشعبى المصرى، ومن أجل هذا الغرض وحده، شمّر رجل البنطلون، ولفّها على كعوب رجليه من شرقها لغربها، وخرج من تحت إيده الست خضرة محمد خِضر، وأبو دراع، وغيرهم من شغل إيد الحجاوى، الذى رماه العط فى سكة السادات، أيوة، هو الرئيس السادات بتاعنا ده، حيث قصده للاختباء عنده بعد اتهام السادات بقتل (أمين عثمان)، وقد آواه الحجاوى بعد هروبه، وتلف الأيام، ويشتغل الحجاوى فى جرنال الجمهورية سكرتير تحرير، تحت رئاسة السادات نفسه، فكان الحجاوى قد أخذه العشم قوى، ومن باب يعنى إننا أصحاب وحبايب من أيام الجيزة، فكان ينادى السادات باسمه أمام سائر الصحفيين، تخيل بقى عمك الحجاوى واقف فى الطرقة يزعق بعِلو حِسُّه : راجعت البروجيه يا أنور ولاّ لسّة؟!!.. أشياء كهذه قد تمر مرورا عابرا فى (ترينداد وتوباجو) الشقيقة، لكن فى أم البلد دى ما ينفعش طبعا، فكان أن اتخذ السادات قرارا بفصله، واتهمه بأنه بيكتب فيه تقارير لدى عبدالناصر!
 
 شخصيا، كان للسعدنى الكبير أثر مهول فى (طريقة إمساكى بالقلم) نفسها، برغم أننى لم أتشرّف بالعمل معه أو حتى الاقتراب منه، لكن كان للرجل فى وعيى صورة تتجاوز حتى مفهوم (الولد الشقى)، كان السعدنى (شيخ حارة مصر)، بل (شيخ حوارى العرب) كلهم، فهو ابن عطوطة الذى لم يترك حتة على الخريطة دون أن يتصعلك فيها، وكانت حياته دراما قاتمة فى أغلب الأحيان، ومطرزة بأيام من بحبوحة وكباب وطحينة على ندرتها، والحق أقول لكم أنه لبس مصيبة لا ناقة له فيها ولا جمل، على سبيل (سُنّة الحياة) يعنى مع العالم دى، حيث جرى سجنه عامين بتهمة أنه (أطرش فى الزفة)، فكان السعدنى قد قصده بعض أعضاء الحزب الشيوعى السورى فى خدمة وهى نقل رسالة مغلقة لعبدالناصر، وكما (تعشّم) الحجاوى قبله فى السادات، تعشّم السعدنى كذلك فى عبدالناصر، حيث نقل الرسالة كما هى دون أن يفتحها للسادات برضه، الذى قرأها فوجدها رسالة تهديد سورية لـ (عبدالناصر)، وخد السعدنى اللى فيه النصيب فى السجن!
 
 أحمد بيه رجب، هو برنس صعاليك جمهورية الألش بلا منازع، فهو القائل عضد الله زنده :
 
اللهم عجرم نساءنا، ونسب إلى إحدى ظريفات قرائه قولها : واللهم قردِح رجالنا!
 
وفى تفسير بن رجب، (عجرم) نسبة لمزة الغناء لعربى، الست نانسى عجرم، فيما (قردح) للقرداحى أبى جورج، وقت ما كان (من سيربح المليون) هو الحدث اللامؤاخذة الاستراتيجى فى مصر، وبدأ الرجل مستقبله المهنى فى دار أخبار اليوم، وكان الأستاذ الراحل (مصطفى أمين) بيشغّله (سخرة) فى الجرنال على سبيل التدريب، حيث يقال أنه كان يعهد إليه بإعادة كتابة وصياغة موضوعات منشورة كاملة فى فقرة لا تتجاوز سطرين تلاتة، بنظام (البرقيات) أو الـ (تكستنج) بتاع دلوقت، وكلما لخص الرجل، كان سيدنا (مصطفى أمين) يطالبه بالمزيد من الإيضاح والتكثيف حتى صارت (نص كلمة) الساخرة (تريد مارك) دار أخبار اليوم كلها!
 
 فى جمهورية الألش المصرية أسماء لا يتسع المجال لسرد سير أصحابها، على رأسهم مولانا بهجت قمر، وأنيس منصور، وأحمد بهجت، لينين الرملى، كل ترك بصمته، وكل رأى وسمع وكتب، فضحكنا حتى صار الألم محتملا، وكلما ازداد الواقع قتامة،   زادت حدة سخرية الصعاليك، وجنبا إلى جنب السبعتلاف سنة حضارة، كان هناك فشختلاف سنة هزارا، لكنه (هزار كالبُكا)!!