بين منظمة «بايدن» السرية.. والتوافق الروسى - السعودى هل يتجه العالم لإعادة رسم خريطة النفط العالمية؟

مروة الوجيه
يخفض تحالف «أوبك+» الذى يضم منظمة البلدان المصدرة للبترول «أوبك» وحلفاء من بينهم روسيا ويضخ نحو 40 % من إنتاج النفط الخام العالمى، إنتاجه من النفط منذ نوفمبر 2022 بهدف التصدى لانخفاض الأسعار. وأعلنت السعودية وروسيا، أكبر بلدين مصدرين للنفط فى العالم، تخفيضات إضافية للإمدادات فى محاولة لرفع الأسعار إلا أن ارتفاع السوق بعد تلك الخطوة لم يدم طويلًا.زادت السعودية وروسيا، أكبر مصدرين للنفط فى العالم، الاثنين الماضى، خفض إنتاجهما مما دفع أسعار الخام إلى الارتفاع بصورة ربما تكون ليست كافية إلى حد كبير للرياض التى تسعى إلى وصول سعر برميل النفط إلى 80 دولارًا، لكن الأمر أدى إلى اشتعال نيران فى الخارج وخاصة فى الولايات المتحدة التى تعتبر قرار أوبك+ تحديا لقوة واشنطن وسط حلفائها فى الخليج، وهو الأمر الذى دفع الرئيس الأمريكى جو بايدن أن يتخذ خطوات «انتقامية» لمحاربة أوبك+.. لكن هل يستطيع رجل البيت الأبيض أن ينجح فى ذلك خاصة أنه على أعتاب أصعب انتخابات رئاسية تشهدها الولايات المتحدة؟
صراع الحلفاء
فى خطوة مستبقة أعلنت السعودية فى آخر اجتماعات منظمة أوبك+ الأسبوع الماضى، عن استمرار خفضها الطوعى لإنتاج النفط بمقدار مليون برميل يوميًا حتى شهر أغسطس المقبل، فى المقابل أعلنت روسيا عن خفض صادراتها النفطية نحو 500 ألف برميل يوميا فى أغسطس، حيث تصل التخفيضات إلى %1.5 من الإمدادات العالمية، وترفع التخفيضات الإجمالية التى تعهد بها تحالف أوبك+ إلى 5.16 مليون برميل يوميًا.
وفى السياق نفسه أعلنت وزارة الطاقة الجزائرية فى وقت لاحق، أن الدولة العضو فى منظمة أوبك ستخفض إنتاجها من النفط 20 ألف برميل إضافية فى شهر أغسطس بهدف دعم جهود السعودية وروسيا لتحقيق التوازن فى أسواق النفط واستقرارها.
وأضافت الوزارة أن الخفض الطوعى يأتى إضافة إلى آخر قدره 48 ألف برميل تقرر فى أبريل.
وجاءت التفاهمات الروسية السعودية فى وقت انتشرت فيه أخبار عن توترات شابت البلدين فى ظل تمسك منظمة أوبك+ والسعودية بتخفيض الإنتاج النفطى فى الوقت الذى لم تكن فيه موسكو تقوم بتنفيذ هذا الاتفاق وتقوم ببيع نفطها إلى دول شرق آسيا، خاصة الهند والصين، لكن بعد تفاقم الوضع بالنسبة للدول الأعضاء فى المنظمة ورغبة السعودية تحديدًا فى الوصول إلى سعر برميل النفط إلى 80 دولارًا.
أسباب عدم صعود أسعار النفط
على الرغم من خفض إنتاج النفط عالميًا إلا أن أسعار النفط لم ترتفع بالصورة المرجوة، وتتصدر 4 أسباب رئيسة فى صعود أسعار النفط وسط مخاوف ضعف الطلب، حيث تثير البيانات الواردة من الصين، ثانى أكبر مستهلك للنفط فى العالم، مخاوف من أن يكون تعافيها الاقتصادى من عمليات الإغلاق التى ترتبت على تفشى فيروس كورونا قد بدأ يفقد قوته. وبحسب وكالة «رويترز» فقد أكد كارستن فريتش المحلل لدى «كومرتس بنك»: «التعافى الاقتصادى فى الصين بعد رفع قيود فيروس كورونا كان أضعف من المتوقع بشكل ملحوظ، رغم أن بيانات الطلب الصينى على النفط جاءت قوية».
وأوضح أن قفزة الطلب الصينى على النفط هى عملية تعويضية بنسبة كبيرة ترجع إلى هبوطه العام الماضى وأن من المرجح أن ينحسر هذا الزخم بشكل كبير.
كما زادت المخاوف بفعل تحذير بنوك مركزية كبرى، منها مجلس الاحتياطى الاتحادى «البنك المركزى الأمريكى»، من احتمال الاستمرار فى رفع أسعار الفائدة لمحاربة التضخم الجامح.
كذلك كان رفع الإنتاج الأمريكى له تأثير قوى على عدم رفع سعر برميل النفط ليتجاوز الـ80 دولارا أو أكثر كما كان متوقعا، وأخيرًا فإن طلب النفط دائمًا ما يقل خلال فصول الصيف خاصة فى أوروبا عمّا هو فى الشتاء حيث يكون الطلب فى الشتاء بسبب برودة الجو بصورة أكبر فى دول الغرب.
حشد أطراف الحرب «النفطية»
من جهة أخرى كان رد الإدارة الأمريكية غامضًا منذ إعلان أوبك أواخر نوفمبر الماضى عن خفضها للإنتاج فى الوقت الذى تواجه فيه الولايات المتحدة أسوأ أزمة مالية تمر بها البلاد، وكان رد إدارة بايدن على هذا القرار أن الولايات المتحدة «ستعيد تقييم العلاقات مع السعودية» متهمة الرياض أن قرارها «سياسيًا» رغم نفى الأخيرة هذه التكهنات.
ومنذ هذا الوقت وبلغت العلاقات الأمريكية السعودية حالة من الجمود بعد أن كانت الرياض الحليفة الأولى لواشطن فى الخليج، لكن هل يعنى هذا أن بايدن قد استسلم لقرارات أوبك؟ بالطبع لا فإن الرئيس الأمريكى عمل على ضخ الإنتاج الأمريكى للنفط بوتيرة أسرع من المتوقع، فى وجود حالة من التشاؤم فى السوق إزاء ارتفاع أسعار النفط. وتتوقع إدارة معلومات الطاقة نمو إنتاج الولايات المتحدة من النفط الخام بواقع 720 ألف برميل يوميًا إلى 12.61 مليون برميل يوميًا هذا العام، وهو ما يتجاوز توقعات سابقة بأن يبلغ النمو 640 ألف برميل يوميًا. يأتى ذلك بالمقارنة مع إنتاج حوالى عشرة ملايين برميل يوميًا فى 2018. ووفق صحيفة «وول ستريت جورنال» فإن الولايات المتحدة تعمل أيضًا منذ شهور لتكوين اتحاد ينافس أوبك+ كما أنها تضاعف إنتاجها للنفط بصورة غير متوقعة ولأجل غير معلوم أيضًا.
تحدى أوبك
من جهة أخرى، نرى أن دول تجمُّع أوبك تعمل على خطة مماثلة تتمحور فى ضم دول أخرى للمنظمة، ووفق تقارير غربية أكدت أن هناك محادثات تدور بين السعودية وأربع دول للانضمام إلى منظمة أوبك+ وعلى الرغم من عدم تصريح الرياض بصورة صريحة عن أسماء هذه الدول إلا وكالة الأنباء الإماراتية «وام» قد صرحت وفق تصريحات لأمين عام المنظمة هيثم الغيص، أن أوبك+ تسع لضم كل من أذربيجان وماليزيا وبروناى والمكسيك. كذلك زادت التكهنات أيضًا وفق «وول ستريت جورنال» على ضم الأكوادور.
وأوضح الغيص أن «المشاورات مع الدول الجديدة من خارج المنظمة يسهم فى تعزيز تماسك وتقوية المنظمة»، مضيفًا أن هذه الدول لديها «نفس التوجه الاستراتيجى» لأعضاء أوبك.
ووافقت المنظمة فى نهاية 2016 على تأسيس تحالف «أوبك+» بالتعاون مع 10 دول من خارج المنظمة، لإعادة استقرار سوق وأسعار النفط، التى سجلت فى ذلك الوقت مستويات دون 30 دولارا للبرميل.
وبحسب الغيص، فإن الدول الأربع التى تم التشاور معها «متكاتفة مع المنظمة منذ العام 2017 ومرت بتحديات نوعية خلال انهيار الأسواق وجائحة كورونا فى 2020.. بالتالى لديها نفس الهدف».
حقل الدرة.. زوبعة الاتفاق
من جهة أخرى، كانت السعودية والكويت أكبر مصدرى النفط فى أوبك، قد واجهتا تحديا قويا خلال الأيام الماضية وهو حقل آراش أو الدرة، هذا الحقل أدى إلى تبادل بين كلٍّ من الكويت والسعودية وإيران بتبادل الاتهامات حول أحقية كل دولة فيه، فوفق الرؤية الإيرانية أن حقل آراش قد تم امتداده حتى وصل إلى حقل الدرة بين الكويت والرياض، وهو الأمر الذى تنفيه كلٌّ من دولتى الخليج، وكادت هذه الأزمة أن تتسبب فى توتر فى العلاقات بين الدول الثلاث فى وقت ما زالت الرياض وطهران فى خطواتهما الأولى لتنفيذ معاهدة السلام بينهما، وهو الأمر الذى بالتأكيد يصب فى مصلحة الغرب خاصة الولايات المتحدة، لكن وفق تقرير لصحيفة «إيران إنترناشيونال» أوضح أن وزيرى النفط الإيرانى والسعودى قد التقيا فى فيينا لبحث هذه الأزمة ووفق التقرير فإن اجتماع الوزيرين قد ينم عن نية كلا البلدين للتوصل إلى اتفاق لحل الأزمة دون خسائر وربما يتم الأمر بتقسيم حقل الدرة- آراش بين البلدان الثلاثة وفق «إيران انترناشيونال»، كما نقلت وكالة الأنباء الإيرانية، فى أبريل 2022، عن النائب السابق لوزير النفط للشئون الدولية الإيرانية سيد مهدى حسينى، تأكيده «ضرورة المشاركة والتعاون بين إيران والكويت والسعودية فى الاستثمار فى حقل (آرش)/ الدرة، المشترك للغاز».