الخميس 19 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

أصعب اختبار..  AI v.s Human هل يكون البشر فى خطر إذا كان البقاء للأذكى؟!

فى صيف عام 2018، سلط مسح أجرى على نحو 979 من رواد التكنولوجيا والمبتكرين والمطورين وقادة الأعمال والسياسة والباحثين والناشطين الضوء على المخاوف العميقة من التهديدات المتوقعة جراء التطور فى تطبيقات الذكاء الاصطناعى.. ووفق تقرير لصحيفة الإندبندنت، فقد رأت النسبة الأكبر من تلك العينة أن الأفراد قد يعانون فقدان السيطرة على حياتهم، مما يدفعهم فى النهاية إلى التنازل بشكل تلقائى عن اتخاذ القرارات، فى حين تنبأ البعض بمزيد من تآكل الهياكل الاجتماعية والسياسية التقليدية، وإمكانية حدوث خسائر كبيرة فى الأرواح بسبب النمو المتسارع للتطبيقات العسكرية المستقلة واستخدام المعلومات والأكاذيب والدعاية المسلحة لزعزعة استقرار البشرية بشكل خطر.



تلك نظرة «تشاؤمية» لمستقبل قائم على التطبيقات المستمدة من الذكاء الاصطناعى، لكنها تتماشى وتتوافق مع ما أعلنه سام ألتمان مؤسس شركة «أوبن أى آى» الناشئة التى أطلقت برنامج CHAT GPT من أن الذكاء الاصطناعى العام سيجعل أنظمة الذكاء الاصطناعى أكثر ذكاء من البشر، الأمر الذى يفتح باب النقاش حول ملامح عصر الهيمنة الذكية، ومدى قدرة الآلة على التطور لمرحلة تدفعها إلى «الاستبداد بالبشر».

المواجهة..

«إننى نادم على العمل الذى كرّست حياتى من أجله فى مجال الذكاء الاصطناعى، فمن الممكن إساءة استخدامه بواسطة جهات فاعلة سيئة، وعلينا أن نقلق بشأن ذلك»، هذا ما أفاد به عالِم الحاسبات البريطانى والباحث جيفرى هينتون لصحيفة نيويورك تايمز فى أول شهر مايو الجارى، متحدثا عن أعماله فى هذا المجال ومعلنا استقالته من شركة جوجل العملاقة.

سبق هينتون محذرا من خطورة الذكاء الاصطناعى رائد التكنولوجيا ونجمها الحالى إيلون ماسك (مؤسس شركة تسلا للسيارات الكهربائية وسبيس إكس لأبحاث الفضاء وأخيرا مالك تويتر) فأدلى فى مارس 2018 بحديث فى مؤتمر «الجنوب فى الجنوب الغربى للتكنولوجيا South by Southwest» فى أوستن تكساس، أكد فيه على أن الذكاء الاصطناعى أخطر من الأسلحة النووية، ثم عاد وحذر العالم من أن البشر يواجهون خطر تجاوز الذكاء الاصطناعى فى مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز فى يوليو 2020: «إن الاتجاهات الحالية تشير إلى أن الذكاء الاصطناعى يمكن أن يتفوق على البشر بحلول عام 2025، وإن البشر يخاطرون بأن يعامَلوا مثل الحيوانات الأليفة المنزلية عن طريق الذكاء الاصطناعى ما لم يتم تطوير التكنولوجيا التى يمكنها توصيل العقول بأجهزة الكمبيوتر» وأخيرا وليس آخرا عاد ماسك فى فبراير الماضى فى منتدى حكومات العالم الذى يعقد سنويا فى دبى مؤكدا: «أن الذكاء الاصطناعى هو أحد أكبر المخاطر التى تهدد البشرية».

أما الذى سبق الجميع فى التحذير من الذكاء الاصطناعى فهو عالم الفيزياء الراحل ستيفن هوكينج عندما أفاد فى ديسمبر 2014 بأنه: «يمكن أن يؤدى تطوير الذكاء الاصطناعى الكامل إلى نهاية الجنس البشرى، فالبشر محدودو القدرات بسبب تطورهم البيولوجى البطىء ولن يستطيعوا المنافسة، وستتجاوزهم الآلات».

 تكاتف عالمى

كشف عدد من الخبراء فى الولايات المتحدة والمملكة المتحدة توقعاتهم بشأن كيف يمكن للذكاء الاصطناعى أن يغير حياتنا بحلول عام 2030، حيث بات هذا المارد التكنولوجيا قادرا على التوصل إلى حلول لمشاكل مستعصية والتواصل مع البشر بفعالية والإجابة على جميع الأسئلة فى مختلف المجالات بغض النظر عن صعوبتها.

يأتى ذلك بالتزامن مع دعوات عالمية لـ«تقنين» الذكاء الاصطناعى والاستخدام المسئول لهذه الأدوات بالنظر إلى المخاطر، التى تمثلها على البشرية.

وفى خطوة للحد من مخاطر التطور التكنولوجى للذكاء الاصطناعى، أعلن النواب الأوروبيون موقفهم خلال تصويت فى لجنة أوائل الشهر الجارى، فى ستراسبورج سيتم تثبيته خلال جلسة عامة فى يونيو، وستبدأ بعد ذلك مفاوضات صعبة بين المؤسسات المختلفة.

ويسعى الاتحاد الأوروبى ليكون الأول فى العالم الذى يتبنى إطارًا قانونيًا شاملًا للحد من تجاوزات الذكاء الاصطناعى (AI) مع ضمان الابتكار.

واقترحت بروكسل مشروع قانون طموح قبل عامين، لكن درسه يتأخر، وتأجل فى الأشهر الماضية بسبب الجدل حول مخاطر الذكاء الاصطناعى التوليدى القادر على ابتكار نصوص أو صور. وحددت الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى موقفها فقط فى نهاية 2022.

من جهة أخرى، اتخذت الحكومة الأمريكية، فى ابريل الماضى خطوة أولى نحو تنظيم قطاع الذكاء الاصطناعى تتيح للبيت الأبيض وضع كوابح على التقنيات الجديدة، مثل «تشات جى بى تى».

ووجهت وزارة التجارة الأمريكية دعوة للجهات الفاعلة فى هذا القطاع لتقديم مساهمات لإدارة الرئيس جو بايدن من أجل إعداد تصور حول أنظمة خاصة بالذكاء الاصطناعى.

وتأتى هذه الخطوة لتشير إلى انفتاح البيت الأبيض على وضع بعض القواعد الأساسية فى هذا المجال، خاصة أن بايدن صرّح سابقًا بأنه لا يوجد حكم نهائى فيما إذا كان الذكاء الاصطناعى يشكل خطرا على المجتمع.

 التهديد الأكبر

ووفق الدلالات المطروحة فإن العديد من العلماء يصبون مخاوفهم فى هذا التطور السريع على أمر هام وهو تفوق الآلة على البشر، والخطر هنا يأتى من حقيقة أن تطوير هذه التطبيقات يؤدى إلى تسارع معدل تعلم الآلة وأن هذه الشبكات العصبية الاصطناعية، ولئن كانت حاليا فى مرحلة التعلم وبالتالى ما زالت تعتمد على العنصر البشرى لتحسين مستوى ذكائها الاصطناعى، إلا أن استمرار تعليمها وتصحيح أخطائها وتحسن مخرجاتها سوف يمكنها فى مرحلة معينة من الاعتماد على نفسها والتعلم بمفردها، بحيث تصبح فى غير حاجة للعنصر البشرى الذى علمها فى الأساس، وفى هذه الحالة سوف تكون قادرة على التفكير المنطقى واتخاذ القرارات بذاتها وهى الخاصية التى تميز الجنس البشرى عن الآلة. وهذا ما أكده جيفرى هينتون (عراب الذكاء الاصطناعى) عن تعلم الآلة وقال: «فى الوقت الحالى، هم ليسوا أكثر ذكاء منا، لكننى أعتقد أنهم قد يكونون كذلك قريبا». وأضاف قائلا: «نحن أنظمة بيولوجية وهذه أنظمة رقمية. والفرق الكبير لصالح الأخيرة».

هذا هو لب الموضوع، فعندما يصرح إيلون ماسك أن الذكاء الاصطناعى أخطر من القنبلة الذرية فبالتأكيد أنه كان يعنى الوصول إلى مرحلة التفرد فى سياق الذكاء الاصطناعى وهو الوصول لمستوى معين من التطور يطلق عليه التفرد التكنولوجى (Technological Singularity)، وهى النقطة التى يتفوق فيها الذكاء الاصطناعى على الذكاء البشرى وقوته العقلية، وفى هذه الحالة يمكن للآلات أن تبتكر تقنياتها الخاصة وتصبح غير قابلة للسيطرة وقادرة على التطور من تلقاء نفسها بسرعة تفوق القدرات البشرية فى مختلف المجالات، ومبتكرة لتقنيات جديدة بمعدل غير مسبوق، والأهم من هذا وذاك أن الآلة فى هذه الحالة لن تصبح تحت سيطرة الإنسان.

ولو ظلت حدود التنافس فى هذه التقنية تقتصر على أنظمة الذكاء الاصطناعى الأخيرة مثل (ChatGPT، وGoogle Bard، وMicrosoft Bing) فلا يوجد مشكلة، فهى فى النهاية تطبيقات دردشة اجتماعية، ولكن ماذا لو استخدمت تقنيات تعلم الآلة فى المجالات العسكرية؟ فى هذه الحالة لن يصبح الأمر تنافسا بل سيتحول إلى صراع، ومن المؤكد أن هذا المجال الذى يتسم بالسرية سيخضع لمزيد من التطوير لن يعلم عنه أحد شيئا. والأهم، هل سيخضع تطوير هذه النوعية من الأسلحة تحت سيطرة الإنسان؟

 الصين وأمريكا.. منافسة بلا حدود

إذا ألقينا نظرة أشمل، سنجد أن التنافس على المستوى العالمى فى مجال الذكاء الاصطناعى يدور بين الولايات المتحدة والصين، وفى الوقت الذى تجزم فيه وسائل الإعلام الأمريكية أن السبق والريادة الحالية هما لأمريكا، أقرت الحكومة الأمريكية ذاتها منذ سنتين بغير ذلك. ففى عهد الرئيس دونالد ترامب وبتعليمات منه فى مارس عام 2018 تم تأسيس «لجنة الأمن القومى للذكاء الاصطناعى» وهى لجنة مستقلة تابعة للحكومة الأمريكية لتقديم توصيات إلى الرئيس والكونجرس من أجل تعزيز تطوير الذكاء الاصطناعى والتعلم الآلى والتقنيات المرتبطة بها لمعالجة المشكلة بشكل شامل لصالح مقتضيات الأمن القومى واحتياجات الدفاع للولايات المتحدة».

وفى مارس 2021 أصدرت اللجنة تقريرها مؤكدة «إن الولايات المتحدة ليست مستعدة بما يكفى للدفاع عن نفسها ضد الصين أو حتى منافستها فى عصر الذكاء الاصطناعى إلا بعد تبنى توصيات هذا التقرير وبتكلفة تصل إلى 32 بليون دولار أمريكى بحلول عام 2026».

وعلى الرغم من أن كلتا الدولتين لديهما الكثير من المقومات للمنافسة والسيطرة على سوق هذا المجال، أمريكا لديها شركات التكنولوجيا العملاقة بخبراتها واستثماراتها البليونية ولديها أيضا الريادة التاريخية فى مجال إنتاج الشرائح الإلكترونية. أما الصين لديها التفوق فى الأبحاث والتمويل والعنصر البشرى والأهم أن لديها المعلومات، علما بأن الصين أعلنت عن خطتها لتخطى الولايات المتحدة فى هذا المجال بحلول عام 2030.

وعلينا ألا ننسى أن الذكاء الاصطناعى له فوائد فى مجالات عديدة وآثاره الإيجابية واضحة خصوصا فى قطاعات الصحة والصناعة والاقتصاد. لكن فى الوقت نفسه يجب ألا نتغاضى عما يدور فى الساحة العالمية الآن بخصوص آثاره السلبية ومخاطره المحتملة.

وهنا يجب الانتباه لعدد من الأسئلة، هل بالفعل ستسمح واشنطن لبكين بأن تنفذ وعدها باقتناص موقع الريادة فى مجال الذكاء الاصطناعى بحلول عام 2030، وإذا قررت عدم السماح لها ولم تستطع تحقيق ذلك علميا فهل ستلجأ إلى الخيارات الأخرى؟، والسؤال الأهم.. ماذا عن وطننا العربى.. هل ستحاول الدول العربية الدخول للتزاحم على موقع ريادى فى هذا المجال؟ وماذا عن مستقبلنا نحن.. هل بالفعل نستطيع مجابهة الذكاء الاصطناعى وما يحمله المستقبل من تطورات ونحن لا نزال نواجه أزمات متعددة فى التعليم أو حتى العمل فى مجال الكمبيوتر؟.. أسئلة عديدة صعبة.. لكن يجب أن نبدأ فى الاستعداد لمواجهة هذا الصعب.