الأحد 16 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

مع دخول الحرب الخامسة إلى أين يتجه السودان؟

بين ليلة وضحاها، دخلت دولة السودان فى نفق الحرب مرة أخرى، وفى وقت كان يستعد فيه البلد الشقيق ليخطو خطواته الأولى نحو الاستقرار وتفاهم الفرقاء داخل الوطن الواحد، دخلت ميليشيات الدعم السريع لتفجر الوضع مع القوات السودانية وتفتح فصلاً مأساويًا جديدًا يدفع ثمنه ملايين السودانيين سواء بدماء أرواحهم أو بفرارهم من نيران المعارك المستمرة دون حتى احترام إعلانات التهدئة الدولية لإنقاذ ضحايا الحرب.



 

وعلى الرغم من أنها ليست الحرب الأولى التى يخوضها الجيش السودانى، داخل حدود بلاده، سبقتها 4 حروب، استهلكت 57 عاماً من عمر الشعب الجريح، فإن هذه الحرب تختلف عن سابقاتها فهى بدأت فى العاصمة ثم اتجهت إلى المدن الكبرى المحيطة، ومع دخول المعارك أسبوعها الثالث ومع تفاقم الأوضاع الإنسانية وكذلك عدم وجود بشائر لتخفيف نيران المعارك الدائرة بين ميليشيات الدعم والقوات السودانية فضلًا عن أنباء عن دخول قوى دولية وإقليمية أخرى لدعم فريق بعينه، بدأت تبرز عدة تساؤلات عن المشهد السياسى الإقليمى والعالمى، أهمها إلى أين تتجه الحرب فى السودان؟ وهل ميليشيا الدعم السريع هى الوحيدة التى تبرز فى المشهد السودانى أم أن هناك قوات أخرى انضمت لها؟

 نصف قرن من الحروب

على مدار أكثر من نصف قرن (57 عامًا) خاضت السودان 4 حروب أهلية، كان أكبرها وأكثرها تأثيراً هى حرب الجنوب السودانى السابق (استقل فى ختامها عام 2010)، واستمرت مراحل هذه الحرب على مدار 39 عامًا، وحرب دارفور 2003، وفى 2005 حرب بين الحكومة المركزية والحركة الشعبية لتحرير السودان، ثم حرب الحكومة السودانية مع الحركة الشعبية لتحرير السودان - قطاع الشمال، (أو ما يسمى بالجنوب الجديد) التى دامت 9 سنوات من عام 2011 وحتى 2020.

وبين هذه الحروب الأربع الرئيسية، قامت حروب صغيرة دامت أياماً، مثل تمرد هاشم العطا 1972، عملية المرتزقة عام 1976، حرب الذراع الطويلة، التى قادتها حركة العدل والمساواة، بقيادة إبراهيم خليل 2008، التى دخلت حتى حدود أم درمان.

حروب استطاعت أن تحول السودان الذى كان يطلق عليها «سلة لغذاء العرب»، إلى أحد أفقر دول العالم، وتعتمد الإعانات والمساعدات الدولية على الرغم من غناها بالعديد من الثروات الطبيعية.

وحروب الجيش هذه لم تنتهِ.. فحربه الجديدة مع ميليشيات الدعم السريع، رغم أنها ما زالت وليدة، فهى الأخطر على السودان، وعلى سلامة أراضيه، ومجتمعه، حسب الخبراء والاستراتيجيين. فهى أول حرب تنطلق من مركز القوة فى العاصمة الخرطوم، ومدن شمالية أخرى كانت بعيدة إلى حد كبير عن نيران الحروب السابقة، بينما كانت الحروب الأخرى تنطلق من الأطراف.

فهى حرب مدن وشوارع، وبالتالى فإن خسائرها بين المدنيين والممتلكات ستكون باهظة، وكما أكد الخبراء هذه الحرب الطرف الفائز فيها خاسر.

 مدينة «الموت»

بدأت خطورة الحرب استراتيجيًا، بأنها انطلقت فى وقت واحد فى عدة مدن الخرطوم، ومروى (شمال)، الفاشر ونيالا (غرب)، الأُبيِّض (وسط)، والقضارف وكسلا وبورتسودان (شرق)، وما زالت تزحف خطوات الحرب شرقاً وغرباً شمالًا وجنوبًا.

ونظرًا لطبيعة القتال الدائر فى السودان، خصوصا فى العاصمة الخرطوم، الذى يقوم فى الأساس على لعبة صفرية (إما أنا أو أنت) وانقسام الإرادة الدولية والإقليمية بشأن الضغط لوقف القتال، وتواتر الأنباء عن بعض خطوط الإمدادات للقوات المتحاربة، فإن احتمال حسم الحرب خلال أيام أو أسابيع قليلة ضعيف جدًا، ومع ذلك فإن إطالة أمد الحرب ليس حتميًا.

ومن هنا نفهم لماذا تحشد قيادة الجيش قواتها الضاربة من كل أنحاء السودان، بما فى ذلك المناطق الحدودية المكشوفة، لتشكل قوة كبيرة فى العاصمة، من أجل السيطرة عليها ودحر ميليشيات الدعم السريع.

لكن تبقى الخطورة هنا فى أن تتمركز المعركة فى الخرطوم، حيث يؤدى هذا الأمر إلى تدمير العاصمة وتخريب بنيتها الأساسية المدنية والعسكرية على السواء، كما تدفع سكان العاصمة إلى انتهاز أوقات الهدوء خلال كل هدنة بالرحيل عنها إلى ولايات أخرى أو دول مجاورة.

ومع بدأ الحرب عملت ميليشيات الدعم السريع على اتباع أسلوب حرب الشوارع والدخول فى الأحياء السكنية وعدم التمركز بصورة كبيرة فى مناطق معينة، كما تحاول القوات المسلحة فى استخدام أسلحتها الثقيلة كذلك الطيران لتجنب قتل وتدمير الأحياء فى المناطق المتكدسة، لكن هذا السيناريو له العديد من العواقب فمع استمرار القتال، وعدم وجود مستشفيات عاملة، وصعوبة دفن القتلى، وانقطاع إمدادات مياه الشرب النقية والغذاء، أن يتعرض السكان لانتشار الأوبئة، وأخطرها الكوليرا. فتصبح الخرطوم مدينة للموت بكل ما تعنيه الكلمة. ونظرًا لطبيعة القتال، فليس من المتوقع أن يأخذ أى من الطرفين بعين الاعتبار أهمية تقليل الخسائر فى الخرطوم، وربما يشتد القتال أيضًا فى المدن الكبرى والمناطق المجاورة، وهو سيؤدى إلى اتساع بؤرة القتال بصورة يصعب تضييقها خاصة إذا دخلت عناصر أخرى فى الصراع.

 حرب الأقاليم

وفق محللين سودانيين، فإن هذه الحرب لن تنتهى بانتصار.. وستستمر طويلاً، وستكون لها تداعيات جسيمة.. على المدنيين والبنية التحتية.. إضافة إلى تداعيات أخرى على حياة الأطفال النفسية والصحية وعلى مستقبلهم.

ويقول الجميل الفاضل، المحلل السياسى السودانى: إن هذه الحرب قد تفتح المجال لخروج مناطق وربما إقليم، من سيطرة الوطن فى حالة توسعها.

ويوضح الفضل فى أحد تصريحاته الصحفية، أن التكوين الإثنى والقبلى داخل القوى المتحاربة يجعل احتمالات توسعها إقليمياً أكبر، وأن هزيمة أحد الطرفين تجعل الإقليم الذى ينتمى إليه الطرف المهزوم منعزلاً.. ومرشحاً للانفصال على أرض الواقع، دون الحاجة إلى استفتاءات لتقرير المصير.

سيناريوهات أخرى أسوأ تتمثل فى وجود عدد من جيوش المجموعات المسلحة، التى كانت تقاتل نظام البشير السابق، ويزيد عددها على 8 جيوش موجودة حالياً داخل الخرطوم، تنتظر ترجح كفة على أخرى للاصطفاف.

وهناك جيوش جهوية أخرى تشكلت أخيراً، مثل درع الشمال وأبوعاقلة كيكل، والصوارمة خالد سعد، وهذه قد تدخل أيضاً دائرة الصراع، فتصير الخرطوم مثل بيروت زمن الحرب الأهلية، كل جيش يتمركز داخل حى أو منطقة، يتحكم فى مصيرها ويمنع دخول الآخرين لها.

وفى هذه الحالة ستتحول الحرب إلى حرب عنصرية وقبلية تصعب السيطرة عليها، فى ظل أن السودان قبل إطلاق الرصاص، هو بيئة خصبة للعنصرية ولإشكاليات مجتمعية.

 سيناريوهات محتملة

وفق مراكز الدراسات الدولية فإن استمرار الحرب هو الاحتمال الأكبر فى هذه الأثناء، وأفاد مركز «ستراتفور» (Stratfor) للدراسات الاستراتيجية والأمنية باستمرار المعارك فى المدن الكبيرة فى السودان ووضع المركز 4 سيناريوهات لتطور الحرب بالبلاد.

وأفاد المركز  فى تقييمه للأحداث الجارية أن من المرجح أن يستمر القتال المكثف فى المدن الرئيسية، على الرغم من أن توقفه المؤقت خلال الأيام المقبلة قد سمح بإجلاء الرعايا الأجانب.

ويبدو أن السيناريو الأكثر ترجيحًا هو استمرار حرب المدن الشديدة، على الرغم من أن الضغط المتزايد من القوى الدولية والإقليمية إلى توقف قصير للإجلاء ووصول المساعدات الإنسانية، إلا أن تقرير ستراتفور وضع احتمالية أن ينتقل القتال خلال الأسابيع المقبلة بـ 4 سيناريوهات مختلفة على الأقل.

السيناريو الأول وهو الأكثر ترجيحًا هو توافق القوات المسلحة وميليشيات الدعم السريع على وقف لإطلاق النار بشكل دورى، لكن القتال المتقطع سيستمر فى المراكز الحضرية.

ويرى التقرير الأمريكى أنه من غير المحتمل التوصل إلى وقف دائم أو غير محدد لإطلاق النار، لكن الضغط الدولى للسماح بعمليات الإجلاء قد يدفع أحد الطرفين المتحاربين أو كليهما إلى وقف القتال لفترة وجيزة.

السيناريو الثانى يتمثل فى استمرار القتال العنيف فى المدن دون وقف لإطلاق النار «فى ظل تكافؤ قدرات القوات المسلحة السودانية وميليشيات الدعم السريع نسبيًا من حيث عدد الأفراد والمعدات».

وهناك خطر يتمثل فى أن بعض الدول قد تبدأ فى تزويد «طرفها المفضل» فى الصراع بالمال والأسلحة وأشكال الدعم العسكرى الأخرى.

السيناريو الثالث الذى يصفه التقرير بأنه مرجح إلى حد ما هو أن يلحق أحد الطرفين الهزيمة بالآخر، مما يجبر الأخير على اللجوء إلى مناطق ريفية فى أطراف نائية من البلاد.

السيناريو الرابع وهو احتمال غير مرجح، بحسب التقييم، هو أن يوافق الجيش والميليشيات المسلحة على وقف دائم لإطلاق النار «لكن خطر اندلاع أعمال عنف فى المستقبل يظل قائمًا».

ويعتقد المركز الأمريكى أن هناك فرصة - وإن كانت ضئيلة للغاية- تفسح فيها الضغوط الدولية (خاصة العربية) المجال لوقف غير محدود لإطلاق النار بين الأطراف المتحاربة الأيام أو الأسابيع المقبلة.