الخميس 19 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

أدت إلى ظهور أنظمة دولية جديدة.. ودول الغرب تتجنب نشوب الفوضى السياسية الحرب التى هزت عرش النظام العالمى

365 يومًا من الحرب الذكرى الأولى



فى 24 فبراير 2023 تمر ذكرى اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية التى أشعلت العالم شرقًا وغربًا بنيران آثارها، ولم تخمد هذه النيران حتى الوقت الراهن أو حتى بان فى الأفق إلى متى يمكن أن تخمد هذه النيران؟ فالوضع يزداد سوءًا يومًا تلو الآخر والآثار المدمرة تسببت فى مواجهة أزمات عالمية اقتصادية وسياسية، وخسائر بشرية بلغت 240 ألفًا ما بين مدنى وعسكرى من كلا الطرفين، ومازالت آثارها المدمرة ترمى بظلالها على شعوب وحكومات العالم حتى الوقت الراهن، ولا أمل يذكر إلا التفاوض بين الطرفين، وهو الأمر الذى يؤكد الجانبان الأوكرانى والروسى أنه بعيد المدى ولن يحدث فى الوقت القريب.

وعلى مدار العام الماضى حاولنا رصد آثار هذه الحرب الدامية، لعل الأزمات تساعدنا فى تجنب غيرها فى مستقبلنا، ولهذا تقدم «روزاليوسف» هذا الملف كخطوة لدراسة مستقبلنا، وماذا تحمل قادم الأيام؟ فربما فى رصد الأزمات يكمن الحل لهذا «الكابوس» الذى نجح في قلب جميع الأنظمة العالمية وحمل فى طياته بداية حقبة جديدة نتمنى أن تكون أفضل من سابقتها.

حطمت حرب أوكرانيا سكون التاريخ وأجبرت العالم على التحرك نحو التوترات السياسية والجيوسياسية. بل إن بعض البلدان اضطرت إلى إعادة النظر فى عقيدتها الأمنية، فضلا عن دورها فى العلاقات الدولية. على سبيل المثال، فنلندا والسويد من بين البلدان التى انسحبت من الالتزام بسياسة الحياد والاتجاه للانضمام إلى الناتو. إضافة إلى إعلان ألمانيا عن استراتيجية دفاعية جديدة ألا وهى ضخ 100 مليار يورو فى جيشها. وكذلك غضت سويسرا الطرف عن سياسة الحياد داعية إلى مزيد من التعاون مع الناتو.

 

وقد عملت هذه الحرب على إحداث تغييرات فى أجزاء من النظام العالمى، بما فى ذلك تشكيل كتل جديدة لم يشهدها العالم منذ الحرب الباردة، كما زادت الحرب من حدة النزاعات والمواجهة، فضلاً عن الاتجاه العالمى الحالى للدول لتشكيل كتل تتمحور حول واشنطن أو بكين.

فوضى عالمية

وقال منسق السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبى، جوزيب بوريل، خلال تصريحاته، ديسمبر الماضى: «لقد تحولنا إلى عالم غير منظم متعدد الأقطاب كل شىء فيه سلاح: الطاقة والبيانات والبنية التحتية والهجرة. ... الجغرافيا السياسية هى المصطلح الأساسى، كل شىء جيوسياسى».

كما أوضح بيار رازو، رئيس مركز أبحاث FMES فى فرنسا إن «إعادة التنظيم الجارية فى حالة من الفوضى حقيقية لكنها مؤقتة على الأرجح».

وأضاف: «حتما، ستؤدى الحرب فى النهاية إلى إضعاف روسيا وأوروبا وإرهاقهما، فى حين أن المنتصرَين الرئيسيين من هذا الوضع هما الولايات المتحدة والصين»، وفق ما نقلته فرانس برس.

وجاءت الحرب فى أوكرانيا لتمعن فى زعزعة الأمور فأضعفت قبضة روسيا على الجمهوريات السوفياتية السابقة فى آسيا الوسطى وفتحت الباب أمام تركيا للاضطلاع بدور جديد كوسيط.

أما فى الشرق الأسيوى فكان على الصين أن تفكر فى هذه الحرب من منظور هدفها الاستراتيجى طويل الأمد المتمثل فى أن تصبح القوة الرائدة فى العالم بحلول عام 2049، ولكن وعلى الرغم من أن بكين تدعم موسكو، إلا أنها تجنبت القيام بتحركات قد تنفر الغرب منها.

وقالت أليس إيكمان، محللة شؤون آسيا فى معهد الاتحاد الأوروبى للدراسات الأمنية، إن «الصين لا تنأى بنفسها، ولكنها عززت علاقتها الوثيقة» مع روسيا.

كما أوضحت إيكمان أن أجهزة الاستخبارات الإستونية قالت إنه «من السابق لأوانه النظر إلى تأييد شى جين بينج المتحفظ للحرب التى يشنها بوتين كعلامة على الابتعاد عن روسيا»، مضيفة أن الدعم قد لا يكون توافقا كاملا، والصين لا تقدم لروسيا مساعدات بحجم تلك التى توفرها واشنطن لأوكرانيا، لكن «علينا أن ننظر إلى الوقائع: لقد تعززت العلاقات الاقتصادية». وفى الواقع، تعنى الحرب أن موسكو تخاطر بأن تصبح مجرد تابع لبكين وأن تدور فى فلكها.

بهذا الصدد أوضحت الخبيرة الاقتصادية وخبيرة العقوبات أجات دوماريه فى تصريحاتها لإذاعة «دوتشية فيليه» الألمانية، إن «روسيا ليست فى وضع يسمح لها بالتفاوض مع الصين، التى ستأخذ ما تشاء من هذه الحرب دون أن تعطى روسيا ما تريد» مثل الأسلحة أو المكونات الإلكترونية المهمة. ومع ذلك، قالت إيكمان: «يمكن للأيديولوجيا أن تتقدم على عدم التوازن الاقتصادى ولا ينبغى تحليل العلاقة من منظور عقلانى فحسب»، فالكريملين يراهن على تنويع علاقاته الجيوسياسية والاقتصادية والاستراتيجية مع تركيا والشرق الأوسط وإيران وإفريقيا للحد من اعتماده على الصين. كما أن ترسانة روسيا النووية الهائلة - وهى أكبر بكثير مما تملكه الصين - تجنبها أيضًا أن تصبح خاضعة تمامًا.

تغيرات أوروبية

وفيما يتعلق بالجانب الأوروبى، فقد تمثل الحرب فرصة لأن يظهر قدرة اتحاد القارة العجوز على التحرك كجهة فاعلة رئيسية، فضلاً عن خطر أن يؤدى دور تابع لواشنطن من جديد.

وقد صرح مسؤول أوروبى رفيع المستوى طالبًا عدم الكشف عن اسمه لـ«دوتشيه فيليه»: «لم يكن أداء أوروبا سيئًا جدًا، فقد أظهرت مرونتها وقدرتها على الاستجابة بسرعة كبيرة منذ بداية الحرب، من خلال تقديم الدعم العسكرى ومساعدة اللاجئين وخفض اعتمادها فى مجال الطاقة» على روسيا. وأضاف أن الاتحاد الأوروبى «لبى الاحتياجات العاجلة. لكن هل استعد للمستقبل ومكانته على الخارطة العالمية؟ ما زال أمامه عمل يتعين القيام به». 

من جانبها قالت الخبيرة الاقتصادية أجات دوماريه إنه «من الواضح أن هناك كتلتين، واحدة أمريكية وأخرى صينية مع حلفائها وروسيا، فهل ستصبح أوروبا كتلة ثالثة أم لا، أم ستتحالف مع الأمريكيين؟»، كما أن القادة الأوروبيين، من خلال اتحادهم مع واشنطن فى الوقت الحالى فى دعم كييف، يريدون «تقوية العلاقة مع الولايات المتحدة، لكنهم يدركون أنهم قد يجدون أنفسهم بمفردهم خلال ولاية رئاسية أو اثنتين إذا وصل مرشح انعزالى إلى البيت الأبيض.

هناك مزيد من دول الاتحاد الأوروبى الأعضاء فى حلف شمال الأطلسى (الناتو) التى ترى أن لا مستقبل خارج المظلة الأمنية للولايات المتحدة والناتو، ومن ثم يبحث الاتحاد عن مزيد من المجالات لتقليل التبعيات الاستراتيجية أبعد من الوقود الأحفورى الروسى الذى استغنى عنه إلى حد كبير، كما أدرج إعلان فى قمة فى فرساى خارج باريس فى مارس 2022 مجالات مثل المواد الخام الرئيسية وأشباه الموصلات والمنتجات الغذائية كأولويات. 

وقد أوضح برونو تيرتريه من مؤسسة الأبحاث الاستراتيجية (FRS)، إن الأوروبيين يعانون من «المماطلة الاستراتيجية»، فهم يرفضون التحرك إلى أن يجدوا أنفسهم من دون خيار آخر. ومع ذلك، سيتطلع الاتحاد الأوروبى إلى شق طريقه لشغل مقعد فى أى مفاوضات تنهى الحرب. 

تطلعات واشنطن

 توقع الرئيس باراك أوباما فى عام 2009 أن «العلاقة بين الولايات المتحدة والصين ستشكل القرن الحادى والعشرين»، متوقعًا تحول انتباه واشنطن من العالم الأطلسى إلى المحيط الهادئ. وتدل الحرب الروسية لأوكرانيا على أن إهمال أوروبا قد لا يكون بتلك السهولة بالنسبة لجو بايدن، وقالت الباحثة فى جامعة واشنطن جيوفانا دى مايو إن على بايدن أن «يوازن الأمور»، مشيرة إلى «الدعوات المتزايدة لتسوية النزاع فى أقرب وقت ممكن»، من جانب السياسيين الأمريكيين، فضلاً عن تذمر الحزب الجمهورى بشأن تسليم بايدن أسلحة لأوكرانيا.

من جهته، صرح القائد الأمريكى فى اليابان جيمس بيرمان لصحيفة «فاينانشيال تايمز» مؤخرًا إنه يمكن استخلاص الكثير من العبر من الحرب بشأن نزاع محتمل مع الصين حول تايوان. موضحًا أنه بعد ضم روسيا لجزيرة القرم فى 2014 حاول الغرب الاستعداد بجدية لأزمات محتملة كهذه فى المستقبل خاصة فى أوكرانيا، وهو ما تم بالفعل خلال عام الحرب، مثل  تدريب الأوكرانيين والتخزين المسبق للإمدادات وتحديد المواقع التى يمكننا من خلالها تقديم الدعم، وأضاف بيرمان: «نحن نسمى ذلك إعداد المسرح. ونقوم بإعداد المسرح فى اليابان، فى الفيليبين، وفى أماكن أخرى».

ضربة للعولمة

 بالإضافة إلى إمداد كييف بالأسلحة، سعى حلفاء أوكرانيا بقيادة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى إلى خنق الاقتصاد الروسى بفرض عقوبات قاسية. وتظهر تأثيرات الإجراءات التجارية على نظام التجارة الحرة العالمى الذى كان السائد منذ نهاية الحرب الباردة، على الرغم من أنه كان يعانى قال باتريك بويان، الرئيس التنفيذى لشركة توتال إنرجى  Totalenergies لوكالة فرانس برس إن عقوبات مثل فرض مجموعة السبع والاتحاد الأوروبى سقفًا على سعر برميل النفط الروسى المصدر «أنهت السوق العالمية» فى ما يتعلق بالوقود الأحفورى  وتساءل «ما الذى ستعنيه فكرة سعر عالمى للنفط بمجرد أن نقرر فرض سقوف، بمجرد أن يتمكن المشتريان الرئيسيان الصين والهند (اللذان لا يطبقان العقوبات) من الشراء من الروس بسعر مختلف؟ هذا شىء جديد حقًا وسنختبره فى عام 2023».