الثلاثاء 12 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

النسوية الإسلامية (وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً) خدمة الزوجة لزوجها.. محبة وتكليف! "39"

يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخـرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21.  



حالة من الجدل ثارت بعد تصريحات د.هبة قطب، استشارى العلاقات الأسرية، عن خدمة الزوجة فى بيت زوجها؛ فقد أكدت أنه لا يوجد ما يجبر المرأة على الالتزام بخدمة زوجها دون مشاركة أو تبادل للأدوار.

 

بَعد هذا التصريح تدخلت دارُ الإفتاء المصرية لتحسم الجدل؛ لأن الحياة الزوجية بين الرجل والمرأة لا تقوم على الحقوق والواجبات وإنما المعاشرة بالمعروف، والرأى الفقهى الذى يقول بعدم وجوب خدمة الزوجة لزوجها والقيام بالأعمال المنزلية، هو قول واحد وليس إجماع الفقهاء.

والكثير من الفقهاء رأوا أنه يجب على المرأة أن تقوم بأعمال المنزل وخدمة زوجها، وعن النبى عليه الصلاة والسلام: «إنما النساء شقائق الرجال»، فالحياة الزوجية شراكة بين المرأة والرجل، وكان النبى يحلب الشاة ويخصف نعله ويخيط الثوب، كما أن أزواج النبى كن يخدمنه.

 خادمة للزوجة:

أكدت دارُ الإفتاء أنه إذا كانت الزوجة ذات منزلة اجتماعية رفيعة فكانت تُخدَم فى بيت أبيها، والزوج مقتدر فلا بُد أن يوفر لها خادمة كما كان الأمر عند أبيها، ما لم تسامحه؛ لأن هذا من جملة النفقة الواجبة، وإن كان أمثالها ليس لهن خدَم، لم يجب على الزوج أن يأتى لها بخادمة، فتخدم نفسها.

وأصدر مركز الأزهر العالمى للفتوى الإلكترونية بيانًا شرعيًا قال فيه إن العلاقة الزوجية علاقة سكن تكاملية، تقوم على المودة والمسامحة، وحفظ حقوق الرجل والمرأة والطفل، وليست علاقة ندّية أو نفعيّة، وتغذية روح المادية والعدائية فيها جريمة أخلاقية.

وأكد البيان أنه: «لا يليق بقدسية الزواج ومكانة الزوجة فيه أن تعامَل معاملة الأجير فى أسرتها، بأن تفرض لها أجرة مقابل رعاية أولادها وزوجها؛ وإنما على الزوج واجب النفقة بالمعروف لها ولأولادهما، وإفساد منظومة الأسرة يؤذن بفساد المجتمعات».

ورأى البيان، أن عمل الرجل خارج المنزل: «خدمة ظاهرة لزوجته وأهل بيته، حتى يوفر لهم النفقة، وأعمال المرأة المنزلية خدمة باطنة لزوجها وأبنائها، حتى يتحقق السكن فى الحياة الزوجية».

ورفض الأزهر الفتاوَى العشوائية التى تحرّض المرأة على عدم القيام بواجباتها الأسرية، وقال: «جرى العُرف على قيام المرأة على خدمة زوجها وأولادها، وهو كالشرط الملزم، وتطوع الرجل بمساعدة زوجته فى أعمال المنزل سُنة عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنفاق المرأة على بيتها من مالها الخاص يعد من تعاونها مع زوجها وحُسن عشرتها له، وهو غير واجب عليها».

 طاعة بالمعروف:

ونشر البعض فيديو لشيخ الأزهر خلال برنامج عام 2019، تناول فيه حقوق المرأة فى الإسلام، وأكد خلاله أن حق الطاعة بالنسبة للزوج ليس على إطلاقه؛ وإنما هو مقيد بأمور منها أن تكون الطاعة فى ما يتعلق بشئون الأسرة، وألا يأمرها بمعصية أو بمحرم، بمعنى أن تكون الطاعة بالمعروف.

وأوضح شيخ الأزهر، أن المرأة هى الركن الأهم فى بناء الأسرة الصالحة والمجتمعات المتحضرة، وقد أوجب الإسلام تقديرها واحترام حقوقها، وعلاقة الزوج بزوجته يجب أن تسودها المحبة والمودة والاحترام المتبادل والرحمة والتكامل، فهى أمّ أولاده، وأمينة سره، ومصباح منزله، ومَصدر سعادته.

وعلقت د. هبة قطب على الانتقادات الموجهة لها بشأن عدم إلزام الزوجة بإعداد الطعام وعمل البيت، قائلة، إنها لا تهتم بالحملة ضدها، ولا تزال مُصرة على رأيها بأن الزوجة غير ملزمة بعمل المنزل.

وأضافت أنها لا تعترض على الخدمة فى حد ذاتها؛ ولكن اعتراضها على صيغة الأمر فى إلزام المرأة بخدمة الزوج، وأنها ليست ضد الخدمة؛ بل ضد إجبار المرأة.

ورأت أن رسالة الزوجة هى: «تدليل زوجها والتزين له، ولو استطاع الراجل أنه يجيب خدّامة أو خادم يساعد زوجته لتوفير طاقتها للتزين لزوجها يكون أفضل».

وتابعت: «أنا لا أدعو السّت إنها لا تعمل فى المنزل أو تطبخ، أنا شخصيًا بطبخ وبعمل كل حاجة فى بيتى، ولكن يكون كل شىء بالحب وليس الإلزام».

 قبل الإسلام:

نزل القرآنُ الكريمُ فى مجتمع من القبائل التى تهاجم بعضها البعض، وتقوم بالسلب والنهب وسبى النساء، وكانت المرأة وقتها سلعة يمتلكها الرجل، ولذلك انتشر بينهم أنواع من الزواج الفاسد، منها زواج الشغار، وهو بلا مَهر، يزوّج فيه الرجل ابنته أو أخته لرجل أخر، على أن يزوجه الآخر ابنته أو أخته. 

وزواج الاستبضاع؛ بأن يرسل الزوج زوجته إلى رجل آخر مشهور بالقوة لتحمل منه ولدًا يأخذ صفاته، ثم ينتسب الابن للزوج، وزواج الرهط، وهو أن يعاشر مجموعة من الرجال امرأة، فإذا حملت وولدت ولدًا تنسبه إلى من تختاره منهم.

كما أنهم اعتبروا المرأة ضمن الميراث، فالابن له أن يتزوج مَن تزوّجها أبوه، وأقارب الزوج المتوفى يرثون زوجته، ويتزوجها أحدهم باعتبارها ضمن الميراث، ولهم حق عضلها بمعنى منعها من الزواج.

ولم يكن لهم تشريع محدد للمحرمات فى الزواج، وعند الطلاق تخرج المطلقة من البيت محرومة من أى حقوق، ولا توجد عدة للمطلقة أو الأرملة، فتتزوج المطلقة الحامل أو الأرملة الحامل وينتسب ولدها إلى غير أبيه.

 الزواج فى الاسلام: 

يقوم على العفة والتراضى؛ أمّا العفة فلا زواج بالزانى والزانية، ولأن هدف الزواج هو العفة فالتيسير واجب فى الزواج حتى لا يوجد مبرر للوقوع فى الزّنَى. 

وفى الزواج بين المسلمين وأهل الكتاب يأتى الحديث عن المحصنات المؤمنات، وهو اشتراط العفة والإيمان؛ ليكون حلالاً الزواج بين المسلمين وأهل الكتاب، وأن يأكل بعضهم طعام بعض: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِى أَخْدَانٍ)، المائدة 5.

أمّا التراضى؛ فلا يجب إرغام امرأة على الزواج حتى لا يكون الزواج باطلاً، ولا إرغام زوجة على الحياة مع زوج تريد فراقه، فإذا كان من حق الزوج الطلاق؛ فمن حق الزوجة الخُلع بأن تفتدى نفسها منه بدفع بعض ما قدمه لها من مَهر: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَن يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ)، البقرة 229.

 الزواج والطلاق:

المَهر فى القرآن يسمى أجْر أو صداق، والله فرضه حقًا للمرأة: (وَإِنْ أَرَدْتُمْ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً)، النساء 20.

والمَهر أساسٌ فى صحة العَقد: (فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً)، النساء 24، ويمكن استثناء المَهر إذا سمحت المرأة: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً)، النساء 4.

وبالنسبة لزواج المملوكة فيكون بعَقد، ولها الحق فى المَهر، والعدة، والمعاملة الطيبة: (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمْ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ)، النساء 25. 

والاستثناء فى الزواج من دون مَهر كان للنبى: (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِى أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ)، الأحزاب 50،( يَسْتَنكِحَهَا) بمعنى يعقد عليها أو كتْب الكتاب.

ومقابل هذا الاستثناء المؤقت للنبى؛ فقد حرم تعالى عليه بعدها الزواج على زوجاته: (لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ)، الأحزاب 52. 

كما جاء تحريم الزواج ممن تزوجها الأب، إذا طلقها أو مات عنها: (وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاءَ سَبِيلاً)، النساء 22، والنكاح هو عقد الزواج، حتى من دون الدخول بالزوجة. 

وتحريم عضل المرأة بمعنى عدم منعها من أن تتزوج مَن تشاء، وتحريم أن توَرَّث ضمْن الميراث، والأمر بالإحسان للزوجة حتى لو كرهها زوجها: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً)، النساء 19. 

أمّا تشريع الطلاق؛ فقد أكد تعالى على وجود شاهدين، وأن يكون الطلاق بدرجاته مرحلة فى التوفيق بين الزوجين قبل الانفصال التام، مع حفظ حقوق المطلقة فى المتعة والنفقة وألا تخرج من بيتها فترة العدة، وحضانة طفلها ورضاعته على نفقة الزوج، وعليها العدة للتأكد من حملها أو عدم حملها، وبعد الانفصال يكون من حقها الزواج من جديد.