الخميس 9 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الملايين فى إفريقيا وآسيا مهددون بالحرمان من القمح الأوكرانى: ماذا سيحدث لــو اندلعـــت الحرب بين موسكو وكييف؟

منذ أشهر وحتى الوقت الراهن، مازالت التهديدات الروسية لشن حرب على أوكرانيا تهدد القارة الأوروبية التى عملت على مدار 30 عامًا فى فرض الهدوء «النسبى» على أرجاء القارة العجوز رغم العديد من الأزمات والتوترات السابقة. ومنذ عام 2014 مع ضم جزيرة لروسيا بدأت أوروبا تتجه لمحاولة كبح القوة الروسية وزعيمها فى فرض سيطرته على جميع مناحى أوروبا، كما حاولت الولايات المتحدة أن تساعد حلفاءها بأكثر من طريقة، تارة بالطرق الدبلوماسية وتارة أخرى بفرض عقوبات والتلويح بفرض المزيد حتى لو توصل الأمر لفرض «عقوبات على بوتين» شخصيًا، وفق تصريحات الرئيس الأمريكى جو بايدن.



 

لكن يبدو أن روسيا لم ترضخ لأى ضغوط أوروبية أو أمريكية، وعملت روسيا لزعزعة استقرار القارة العجوز وحلفائها فقط بنشر مزيد من قواتها على الحدود الأوكرانية (أكثر من 100 ألف جندى)، بل أخذت تلوح أيضًا بوقف ضخ الغاز الروسى لدول الاتحاد (تعتمد أوروبا على %40 من الغاز على روسيا) ومازالت التوقعات بالمزيد مستمرة.

وبدأت الدول فى الغرب وضع سيناريوهات الحرب الوشيكة التى أفادت مصادر استخباراتية أمريكية بأن الغزو الروسى على أوكرانيا سيكون خلال الشهر الجارى، واتجهت أوروبا وحلفاؤها لوضع خططهم للوقوف أمام «الدب الروسى» وطموحاته المقلقة والتى ستؤثر على دول واقتصاد العالم كله خاصة أن الاقتصاد العالمى مازال يعانى من أزمة فيروس كورونا وتبعاته.

الثمن الباهظ

رغم التأكيدات الأوروبية على أن روسيا ستدفع ثمنًا باهظًا فى حال غزوها أوكرانيا، لكن هذا الأمر لا يخفى حقيقة مفادها أن الاتحاد الأوروبى يواجه معضلة خطيرة فى الرد على أى توغل روسي فى أوكرانيا. فى ضوء ذلك، أكدت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك على أن الهدف المشترك للتكتل الأوروبى حيال الأزمة الأوكرانية لا يزال يتمثل فى «الدفاع عن سيادة أوكرانيا وأراضيها».

وتزامن هذا مع تعثر المباحثات التى استضافتها العاصمة الفرنسية باريس بين روسيا وأوكرانيا بوساطة فرنسية ألمانية، إذ خرج مبعوث الكرملين الخاص بشأن النزاع الأوكرانى ديميترى كوزاك فى ختام المحادثات ليؤكد أنّ المباحثات «ليست سهلة»، لكنه أشار إلى اتفاق الأطراف الأربعة على عقد جولة جديدة فى برلين خلال أسبوعين.

وتمثل المباحثات الباريسية أول مفاوضات مباشرة بين مسئولين من روسيا وأوكرانيا منذ حشد موسكو قواتها قرب حدود أوكرانيا فيما يستعد الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون إلى الحديث مع نظيره الروسى فلاديمير بوتين فى مسعى جديد لنزع فتيل الأزمة. ورغم تأكيد ماكرون على عقد المباحثات الهاتفية مع بوتين، فإنه حذر من أن روسيا ستدفع «ثمنًا باهظًا جدًا» إذا شنت هجومًا عسكريًا يستهدف أوكرانيا.

فى المقابل، أكدت الولايات المتحدة عدم وجود نية لإرسال قوات أمريكية إلى أوكرانيا، لكن إدارة الرئيس بايدن حذرت روسيا مجددًا من عقوبات مشددة فى حال مهاجمة أوكرانيا. وفى ظل هذا الحديث عن دفع روسيا «الثمن باهظًا»، لا يزال هناك غموض حيال ما هى عواقب وتداعيات غزو روسيا لجارتها أوكرانيا.

 تداعيات الغزو 

خلال قمة أوروبية عقدت فى منتصف ديسمبر 2020، اتفق قادة بلدان الاتحاد الأوروبى من حيث المبدأ على فرض إجراءات عقابية ضد روسيا، لكنه كان هناك اختلاف حيال ماهية هذه الإجراءات. يشار إلى أن بعض الدول الأوروبية لديها روابط اقتصادية مع الدب الروسى، فعلى سبيل المثال ترتبط ألمانيا والنمسا والمجر بشكل وثيق بالاقتصاد الروسى أكثر من البرتغال أو هولندا.

ولأن القرارات الأوروبية يتطلب تمريرها الإجماع، لذا فإن الشىء الوحيد الذى تملكه المفوضية الأوروبية فى الوقت الحالى قائمة بالعقوبات المحتملة فعليًا وهى معروفة داخل أروقة المفوضية فى بروكسل حاليًا. وفى السياق ذاته، شدد دبلوماسيون أوروبيون على أن هذه العقوبات – التى لا يُعرف ملامحها حتى الآن- يتعين أن تنفذ فى غضون 48 ساعة من أى غزو روسى لأوكرانيا فيما يستدعى الأمر التنسيق مع الولايات المتحدة وبريطانيا التى أعلنت من جانبها عن خطط لفرض عقوبات على موسكو رغم أنها لم تفصح عنها الكثير.

وإزاء كل هذا، لا يزال غير واضح ما هى العقوبات التى ينوى الاتحاد الأوروبى أو حتى الولايات المتحدة وبريطانيا فرضها على روسيا وهل قد تشمل فصل روسيا عن نظام تحويل المدفوعات فى جميع أنحاء العالم الذى يُعرف باسم «سويفت» أو وقف خط أنابيب الغاز «نورد ستريم 2» بين روسيا وألمانيا؟

أوضحت أماندا بول، خبيرة أمنية فى مركز السياسة الأوروبية المعنى بالتكامل الأوروبى، خلال تصريحات لوكالة «دوتشيه فيلية» الألمانية، أن فرض عقوبات صارمة على روسيا قد يكون له «عواقب على الاتحاد الأوروبى بسبب الترابط الاقتصادى». موضحة أن هذا الأمر سيحمل فى طياته «تكلفة يتعين دفعها فى حين لا ترغب بعض بلدان التكتل فى تحمل هذه التكلفة». وأضافت بول أنه يتعين على المسئولين الأوروبيين النظر فى احتمالية دخول لاجئين من أوكرانيا إلى بلدان الاتحاد الأوروبى، فضلاً عن ضرورة الأخذ فى الاعتبار أن زعزعة الاستقرار فى أوكرانيا قد يؤدى إلى زعزعة استقرار منطقة البحر الأسود بأسرها.

ورغم التداعيات الاقتصادية على الاتحاد الأوروبى حال فرض عقوبات على روسيا، فإن جوستاف جريسيل، الزميل البارز فى المجلس الأوروبى للعلاقات الخارجية، شدد على أن العقوبات القاسية والصارمة تعد الكفيلة لدفع بوتين إلى تغيير مواقفه والتراجع عن أى غزو لأوكرانيا.

من جهة أخرى نقلت صحيفة «فورين بولسى» الأمريكية، أن المسئولين فى البيت الأبيض يدرسون فرض قيود على الصادرات فى القطاعات الحيوية للاقتصاد الروسى، حيث يمكن أن تحظر تصدير منتجات مختلفة تستخدم الإلكترونيات الدقيقة إلى روسيا استنادا إلى المعدات أو البرمجيات أو التكنولوجيا الأميركية.

وقال مسئول كبير فى الإدارة الأمريكية لصحيفة وول ستريت جورنال إن «خيارات مراقبة الصادرات التى ندرسها إلى جانب حلفائنا وشركائنا ستضرب طموحات بوتين الاستراتيجية فى تصنيع اقتصاده بشدة وستضعف المجالات التى تعتبر ذات اهمية بالنسبة له».

 العالم سيواجه آثارا «خطيرة»

أزمة الغزو الروسى لأوكرانيا سيكون لها العديد من التداعيات ليس على المستوى الأوروبى فحسب، بل على العالم أجمع.

فوفق الخبراء إن تأثير هذه الحرب سيمتد ليصب عدد من القطاعات الحيوية.

 اقتصاديًا

يتوقع أن تتأثر بنوك أوروبية عدة بالحرب المحتملة، كما أن البنوك الفرنسية والنمساوية لديها النسبة الأكبر بين المقرضين الغربيين لروسيا، حيث تبلغ مستحقاتهما معا نحو 41 مليار دولار، ويليهم المقرضون الأمريكيون بمبلغ 16 مليار دولار، واليابانيون بقيمة 9.6 مليار دولار، والبنوك الألمانية بقيمة 8.8 مليار دولار، وفقًا لبيانات بنك التسويات الدولية (BIS).

وستكون الأصول الروسية والأوكرانية فى طليعة الخاسرين من أى تداعيات للأسواق من العمل العسكرى المحتمل.

وكان أداء السندات الدولارية لكلا البلدين أقل من أداء نظيراتها فى الأشهر الأخيرة مع تقليص المستثمرين لخططهم وسط تصاعد التوترات بين واشنطن وحلفائها وموسكو.

فى حين تقلص الوضع العام لروسيا فى أسواق رأس المال فى السنوات الأخيرة وسط العقوبات والتوترات الجيوسياسية.

وعانى الروبل الروسى والهريفنا الأوكرانية أيضًا، مما يجعلهما أسوأ عملات الأسواق الناشئة أداء حتى الآن هذا العام.

ونقلت وكالة «رويترز» الإخبارية عن كريس تيرنر، الرئيس العالمى للأسواق فى «إن جى»، الذى أوضح أن الوضع على الحدود الأوكرانية الروسية يمثل «شكوكًا كبيرة» بالنسبة لأسواق العملات الأجنبية.

وأضاف «تذكرنا أحداث أواخر عام 2014 بالثغرات فى السيولة واكتناز الدولار الأميركى التى أدت إلى انخفاض كبير فى الروبل فى ذلك الوقت».

أزمة غذاء عالمية

وفق صحفية «فورين بوليسى» الأمريكى، فإن أوكرانيا تعتبر «سلة غذاء» أوروبا.. ومنتجاتها ضرورية لإطعام السكان من أفريقيا إلى آسيا، حيث تعتبر أوكرانيا خامس أكبر مصدر للقمح فى العالم والمصدر الرئيسى للذرة والشعير والكثير من بذور الزيوت، كما تعتمد أكثر من 50 % من دول الشرق الأوسط على القمح الأوكرانى، وفق آخر إحصاءات البنك الدولى.

من جهة أخرى تعمل روسيا على التهديد بشن الحرب على المناطق الشرقية لأوكرانيا التى تحتوى على أكثر الأراضى الزراعية المسئولة عن إنتاج القمح والحبوب، وهو الأمر الذى سيؤدى إلى تعطيل الزراعة، وحال نشوب الحرب، سيؤدى إلى تدمير البنية التحتية وانخفاض صادرات القمح وهو الأمر الذى يهدد الأمن الغذائى العالمى.

ومن المرجح أن يكون لأى انقطاع لتدفق الحبوب من منطقة البحر الأسود تأثير كبير على الأسعار وأن يضيف المزيد من الوقود إلى تضخم أسعار الأغذية فى وقت تشكل فيه القدرة على تحمل التكاليف مصدر قلق كبير فى جميع أنحاء العالم فى أعقاب الأضرار الاقتصادية الناجمة عن وباء COVID-19.

ويقوم أربعة مصدرين رئيسيين، هى: أوكرانيا وروسيا وكازاخستان ورومانيا - بشحن الحبوب من موانئ فى البحر الأسود، لكنها قد تواجه اضطرابات بسبب أى عمل عسكرى أو عقوبات.

وقال دومينيك شنايدر، الخبير الاستراتيجى فى بنك يو بى إس لوكالة رويترز إن: «المخاطر الجيوسياسية ارتفعت فى الأشهر الأخيرة فى منطقة البحر الأسود، مما قد يؤثر على أسعار القمح المقبلة».

 الطاقة

وتعتمد أوروبا على روسيا للحصول على نحو 40 %من الغاز الطبيعى، ويأتى معظمها من خلال خطوط الأنابيب التى تعبر بيلاروس وبولندا إلى ألمانيا، ونورد ستريم 1 الذى يذهب مباشرة إلى ألمانيا، وغيرها من خلال أوكرانيا.

وفى عام 2020، انخفضت كميات الغاز من روسيا إلى أوروبا بعد أن خفضت عمليات الإغلاق الطلب ولم تتعاف التوريدات بشكل كامل فى العام الماضى عندما ارتفع الاستهلاك، مما ساعد على رفع الأسعار إلى مستويات قياسية.

وكجزء من العقوبات المحتملة فى حالة غزو روسيا لأوكرانيا، قالت ألمانيا إنها قد توقف خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2 الجديد من روسيا.

ومن المتوقع أن يزيد خط الأنابيب من واردات الغاز إلى أوروبا، لكنه يؤكد أيضًا اعتماده على موسكو فى مجال الطاقة.

وقال محلل السلع فى SEB بيارن شيلدروب: إن الأسواق تتوقع أن تنخفض صادرات الغاز الطبيعى من روسيا إلى أوروبا الغربية بشكل فى حالة فرض عقوبات.

وقال مركز «ستاندرد آند بورز جلوبال بلاتس» فى مذكرة إن تمرير أوكرانيا للنفط الخام الروسى للتصدير إلى أوروبا بلغ 11.9 مليون طن مترى فى عام 2021، بانخفاض عن 12.3 مليون طن مترى فى عام 2020.

وقال جيه بى مورجان إن التوترات تخاطر بـ«ارتفاع مادى» فى أسعار النفط، وأشار إلى أن ارتفاعه إلى 150 دولارًا للبرميل من شأنه أن يخفض نمو الناتج المحلى الإجمالى العالمى إلى 0.9 % فقط سنويا فى النصف الأول من العام.

كما يمكن للشركات الغربية المدرجة فى البورصة أن تشعر بالعواقب المترتبة على الغزو الروسى، على الرغم من أن أى ضربة لشركات الطاقة للإيرادات أو الأرباح قد تقابلها إلى حد ما قفزة محتملة فى أسعار النفط.