روسيا تتحفز والصين تراقب كيف تؤثر أزمة أوكرانيا على تايـوان؟

آلاء شوقى
على مدى الأسابيع القليلة الماضية، أثار نشر «روسيا» لآلاف الجنود، بجانب دبابات، وأنظمة الدفاع الجوى على الحدود الأوكرانية، قلق الناتو وصناع السياسة الأمريكيين. وفى الوقت الذى حاول فيه المحللون، والسياسيون، وصناع القرار الغربيين فهم هذه الأزمة، صارت صورة أزمة «تايوان» تلوح فى الأفق بشكل كبير.
فقال الأستاذ المساعد فى جامعة تافتس «مايكل بيكلى»، وأستاذ الشؤون العالمية بجامعة «جونز هوبكنز»، «هال براندز»، إن مسؤولى وزارة الدفاع الأمريكية لا يزالون قلقين من أن «الصين» يمكن أن تبدأ نزاعاً عسكرياً فى مضيق «تايوان»...خاصة إذا نجح الرئيس الروسى «فلاديمير بوتين» فى غزو «أوكرانيا»، حينها من الممكن أن يغرى هذا الرئيس الصينى «شى جين-بينج» لمهاجمة «تايوان»، خاصة أنه زاد الضغط المحلى على الزعيم الصينى من قبل القوميين المتحمسين، إذ يستشعرون بنهاية الحقبة الأمريكية.
ومن جانبه، دق النائب الجمهورى فى لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكى «مايكل ماكول»، ناقوس الخطر خوفاً من الفشل فى ردع الرئيس الروسى «فلاديمير بوتين»، لأنه قد يشجع آخرين، ويضعف مصداقية «الولايات المتحدة» من («كييف» إلى «تايبيه»).
كما حذر مستشار الأمن القومى الأمريكى السابق «روبرت أوبراين» من مراقبة خصوم «واشنطن» لتحركات الرئيسين «بايدن» و«بوتين» فى الصراع بين «أوكرانيا»، و«روسيا»، إذ رأى أنه من الممكن أن يؤدى الغزو الروسى إلى مزيد من الأعمال العدوانية التى تهدد «الولايات المتحدة»؛ مشيرًا إلى الرئيس الصينى بأنه يراقب كيف يتجدد الصراع الحالى، قائلاً: «يراقب «شى جين بينج» كل خطوة يتخذها «بوتين»، وهو يقرر ما إذا كان سيغزو «تايوان» بعد الألعاب الأولمبية أم لا».
أما الباحث المخضرم فى «معهد هدسون»، «سيث كروبسى»، فقد حذر من التعاون الاستراتيجى بين «روسيا، والصين»؛ موضحاً أن «تايوان، وأوكرانيا» مترابطان كجزء من (المنافسة السياسية الأكبر لأوراسيا).
وفى السياق ذاته، وصف تحليل إخبارى لجريدة «نيويورك تايمز»، كيف يمكن لموقف الرئيس الأمريكى «بايدن» من «أوكرانيا» أن يصبح اختبارا أوسع لمصداقية «الولايات المتحدة» فى الخارج.
خلفية التهديد الصينى على «تايوان»
تعتبر «الصين» أن «تايوان» جزءًا لا يتجزأ من أراضيها، ولطالما كرر الرئيس الصينى تعهداته بتحقيق (إعادة التوحد) مع «تايبيه»، وخلال العامين الماضيين، كثفت الحكومة الصينية من الضغوط العسكرية والدبلوماسية لتأكيد مطالبها بالسيادة على الجزيرة، مما أثار غضب الحكومة التايوانية، وقلق الإدارة الأمريكية.
كما أقامت «الصين» - خلال الأعوام القليلة الماضية - قواعد عسكرية فى جميع المناطق المتنازع عليها فى بحر الصين الجنوبى، ثم صارت تهديدات «بكين» بغزو « تايبيه» أكثر صراحةً وتكراراً، فى الوقت الذى ازدادت فيه وتيرة التدريبات على الحدود الصينية-التايوانية، حيث كان آخر حدث، هو إطلاق «الصين» 39 طائرة حربية باتجاه «تايوان»، فى أكبر طلعة جوية من نوعها فى العام الجديد.
ولا تزال التوترات عالية فى بحر الصين الجنوبى، حيث ذكرت جريدة «ذا ناشيونال إنترست» إن «بكين» تنظر إلى الامتداد الواقع قبالة سواحل شرق آسيا على أنه منطقة ذات سيادة، بينما تعتبر «واشنطن» أن عسكرة «الصين» للمنطقة بمثابة إعادة كتابة شفافة للقواعد الدولية».
بشكل عام، تنظر «الصين» إلى «تايوان»، بصورة شبيهة كتلك التى تنظر بها «روسيا» إلى «أوكرانيا»، إذ ترى «موسكو»- أيضاً- أن الروس، والأوكرانيين، والبيلاروس ورثة روسيا القديمة، وأن الدولة الأوكرانية الحديثة تعد وريثة للحقبة السوفيتية.
أوجه الاختلاف بين «أوكرانيا»، و«تايوان»
رغم تشابه رؤى الحكومتين الصينية والروسية، فإن الواقع على المسرح الدولى يفرض نفسه، إذ توجد أوجه خلاف بين وضع «أوكرانيا»، و«تايوان»، يمكن حصرها فى ثلاث نقاط رئيسية، هى:
أولاً» أصبحت «تايوان» أحد الأصول الجيوسياسية الأكثر أهمية للولايات المتحدة فى منطقة المحيطين الهندى والهادئ؛ ثانيًا، تختلف دوافع «روسيا، والصين» لبدء الصراع أكثر مما يعتقد كثيرون، مما سيؤثر على الطريقة التى من المرجح أن تتصرف بها كلتا الدولتين؛ ثالثًا، تم دمج «تايوان» بشكل أعمق فى سلاسل التوريد الرئيسية، والشبكات التجارية أكثر من «أوكرانيا».
بعبارة أخرى، فإن القياس بين «تايوان»، «أوكرانيا» يحجب بقدر ما ينير. فمن الصعب مقارنة الأولى بالثانية، إذ تعد الأولى قوة اقتصادية بطريقة ليست عليها الثانية. وتوضح الإحصائيات والأرقام الصورة كاملة.
فكانت «تايوان» تاسع أكبر شريك تجارى للولايات المتحدة فى التجارة الثنائية فى عام 2020، بينما احتلت «أوكرانيا» المرتبة 67 وفق آخر إحصائية فى عام 2019. ومع ذلك، فإن ما يجعل اقتصاد «تايوان» بالغ الأهمية للولايات المتحدة ليس حجم التجارة فحسب، بل دوره الرئيسى فى سلاسل التوريد الضرورية للاقتصاد الأمريكى، حيث تهيمن «تايبيه»على صناعة أشباه الموصلات، بعد أن استحوذت «شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات» على 54% من حصة سوق تصنيع أشباه الموصلات فى عام 2020.
جدير بالذكر أن أشباه الموصلات هى مكونات خام ضرورية لأجهزة الكمبيوتر والهواتف وغيرها من الإلكترونيات. وبالتالى،تغذى الصناعة التى يمكن القول إنها الأهم بالنسبة للولايات المتحدة لمنافسة «الصين»- المتأصلة الأخرى بعمق فى سلاسل التوريد فى «تايوان» - فى مجال التكنولوجيا.
ومن هنا، تختلف المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة حاليًا، إذ تعد منطقة المحيطين الهندى والهادئ- وليس أوروبا الشرقية ما بعد الاتحاد السوفيتى- الساحة الرئيسية للتنافس على النفوذ الجيوسياسى،إذ أكد وزير الخارجية الأمريكى «أنتونى بلينكين»، فى خطاب ألقاه فى شهر ديسمبر الماضى فى «جاكرتا»، على الأهمية الإقليمية لمنطقة المحيطين الهندى والهادئ؛ مشيراً إلى التجارة والاستثمارات القوية.
أما فيما يخص الدوافع الصينية والروسية، فيمكن القول إنها مختلفة أيضاً، بشكل يغير استراتيجية الطرفين، ففى الوقت الذى تسعى فيه «روسيا» إلى تأكيد سلطتها الإقليمية، ترى «الصين» نفسها قوة صاعدة ذات أفق زمنى أطول بكثير لتحقيق نفوذ عالمى.
هل تسعى موسكو للحصول على دعم بكين؟
فى الاجتماع الافتراضى للرئيسين الروسى، والصينى فى 15 ديسمبر الماضى - الذى صادف فى نفس اليوم، الذى كانت فيه مساعدة وزيرة الخارجية الأمريكية للشؤون الأوروبية والأوراسية «كارين دونفريد» فى «موسكو»، لإجراء محادثات بشأن «أوكرانيا» - أعرب الزعيم الروسى عن أمله فى مقابلة نظيره الصينى شخصياً فى «بكين»، قبل 4 فبراير المقبل، مع بداية دورة الألعاب الأولمبية الشتوية، وفقا لصحيفة «نيويورك تايمز».
وحسب الصحف الأمريكية المتنوعة، فقد ألمح الطرفان - خلال الاجتماع الافتراضى - إلى دعم بعضهما البعض فى مواجهتهما المستمرة مع «الولايات المتحدة»، والغرب حول قضايا مثل: «تايوان»، و«أوكرانيا».
واستشهدت جريدة «تايمز» بتقارير وسائل الإعلام الصينية الحكومية، التى أكدت أن «شى» أخبر «بوتين»، بضرورة حفاظ البلدين على تنفيذ المزيد من الإجراءات المشتركة لحماية المصالح الأمنية لكلا الطرفين بشكل أكثر فعالية.
وعلق الباحثون السياسون الأمريكيون أن المحادثة بين الرئيسين، بينت أنهما يريان أن هذا هو وقت ضعف الغرب، مع الأخذ فى الاعتبار الانسحاب الفوضوى للولايات المتحدة من «أفغانستان»، والنفور الواضح من قبل إدارة «بايدن» للدخول فى حرب أخرى، والنظر أيضًا فى السياسة والاضطرابات الوبائية التى تستهلك الغالبية العظمى من اهتمام القيادة فى كل من «الولايات المتحدة» والقوى الأوروبية الكبرى.
مما أثار -الآن- تساؤلا غربيا واضحا، عما إذا كان «بوتين» يحاول إقناع «شى» باتباع استراتيجية كانت موضع تكهنات العام الماضى، وهو هجوم مزدوج، غزو روسيا لأوكرانيا بينما تلاحق الصين تايوان.
ولكن، على الجانب الآخر، وبعيداً عن التساؤل الغربى للأوضاع، أكد المحللون السياسيون أن هذا الاحتمال يبدو بعيدًا فى الوقت الحالى، إذ لم يعط المسؤولون الأمريكيون مؤخرًا أى إشارات للقلق الفورى بشأن مثل هذا الاحتمال. كما يذكر أن البلدين ليس لهما تحالف رسمى، حيث رأى المحللون أن التعاون الصينى الروسى يعوقه قضايا خلافية حول القضايا الرئيسية مثل: ضم «روسيا» لشبه «جزيرة القرم»، وتهديدات «الصين» الإقليمية عبر بحر الصين الجنوبى.
ومع ذلك، وعلى الرغم من عدم اعتراف «الصين» بضم «روسيا» لشبه جزيرة القرم، فإن الحكومة الصينية دعمت نظيرتها الروسية فى أعقاب ذلك، من خلال زيادة التجارة لدعم «روسيا» ضد العقوبات الغربية. وهو ما قد يفسر سر إصرار الخبراء الدوليين أن تكرار مثل هذه المساعدات، قد يعنى أن العقوبات التى تهددها «الولايات المتحدة» ضد «روسيا»- الآن- فى حالة حدوث غزو جديد على «أوكراينا» قد لا تكون فعالة كما تأمل الإدارة الأمريكية الحالية، سواء كرادع أو كعقوبة. بالإضافة إلى ذلك، فإن التهديد بفرض عقوبات غربية واسعة النطاق على «موسكو» سيضر ببعض حلفاء «الولايات المتحدة»، عبر قطع «الكرملين» إمدادات الغاز الروسى عن بعض الدول الأوروبية.
على كل، لا يكاد يخلو تحليل سياسى أو مقالة رأى غربية من تحذيرهم لصناع السياسة الأمريكية بأن تحركاتهم حيال الأزمة الأوكرانية، ستوفر نقطة بيانات مفيدة للصين، تماماً كما فعل الانسحاب من «أفغانستان» قبل بضعة أشهر. كما أن الوضع فى «أوكرانيا» المختلف عن «تايوان» لا يعنى أن «الصين» لا تراقب عن كثب.
كما نوه أغلبهم أنه يمكن قراءة الغزو الصينى الناجح لتايوان على نطاق واسع على أنه علامة على انتهاء حقبة الهيمنة الأمريكية على المحيط الهادئ. وفى هذه المرحلة، قد تختار العديد من الدول فى المنطقة التى تتطلع حاليًا إلى «الولايات المتحدة»، من أجل الحفاظ على أمنها فى التكيف مع نظام جديد تهيمن عليه «الصين»، وما قد ينشأ عنه نظام عالمى جديد.