الجمعة 3 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

سعيًا خلف لقمة العيش حطمن شعار "للرجال فقط" الأيدى الناعمة تقتحم مهنة الجزارة

لقد وضعت النساء بصمتهن فى عدد من الأعمال التى هيمن عليها الرجال لقرون ونجحن وبمهارة فى تبديد الأساطير التى تثنيهن عن العمل فى أى مهنة يطلق عليها للرجال فقط ومعالجة الصور النمطية لعمل المرأة، فقد أصبح دخول المرأة هذه المهن خطوة مهمة لتقدم المجتمع وإزالة الحواجز الوهمية بينها وبين الرجل، ومن الضرورى التشجيع عليها لإثبات أهليتها وأنه خير لها أن تعمل فى مهنة من أن تكون عاطلة أو منتظرة لأى نوع من أنواع الإعانة أو الدعم الخارجى وتعتبر مهنة الجزارة للسيدات من المشاهد غير المألوفة فى أى مكان فى العالم، ولكن تغير الوضع كثيرًا فى السنوات الأخيرة حتى أصبح فى كل محافظة يوجد جزارة سيدة أو أكثر وأصبح مشهدًا مألوفًا خاصة فى موسم الأضاحى حتى فى المناطق الريفية وقرى الصعيد. 



 نساء تحدين العادات والتقاليد 

تعتبر المعلمة «نورا» أصغر جزارة بصعيد مصر من معالم محافظة قنا. أحبت نورا هذه المهنة الشاقة من حب والدها لها وقررت العمل معه ومساعدته وهى فى سن الـ ١٥ وتركت دراستها من أجل تعلم أصول الجزارة وتقطيع اللحوم والتعرف على أنواع اللحوم وغيرها. فى البداية كانت نورا تنزل العمل مع والدها للتسلية ومشاهدته وهو يقوم بعمله بكل حب، فقد كان والدها أيضًا ورث المهنة عن أبيه وكانت تراقبه عن كثب وهو يقوم بتقطيع اللحوم، واستمرت هكذا لفترة حتى تمكنت من إمساك السكين ومساعدة والدها إلى أن شربت المهنة وصارت ذراعه اليمنى بالمحل وسعت إلى استكمال مهنة والدها خاصة بعد مرضه منذ سنوات والذى منعه الخروج من المنزل وقررت التفرغ للعمل كجزارة. لم يعجب والدها الأمر فى البداية خاصة أنهم من قرية فى صعيد مصر الذى يعتبر مثل هذه المهن حكرًا على الرجال، وحاول بشتى الطرق أن يعيدها إلى دراستها وإبعادها عن المحل وكان يظن أن مساعدتها له مجرد هواية أو تسلية وقت، ولكنه أدرك بعد فترة أنها اتخذت المهنة طريقًا لها واستطاعت بمساعدة شقيقيها أن تنجح وتصبح المعلمة نورا الجزارة من أشهر جزارى محافظة قنا ويأتى إليها الزبائن من كل القرى والمراكز ليس فقط لمهارتها وتشجيعًا لها، ولكن أيضًا حبًا فيها وفى طريقتها اللطيفة واللينة معهم ومظهرها النظيف المنسق الذى يختلف كل الاختلاف عن طريقة ومظهر الرجال.

حيث كان أخوها يقوم بشراء المواشى من الأسواق ويذبحها لها، ثم تتولى هى عملية التقطيع وتعليق قطع اللحوم. لم يقتصر عمل المعلمة نورا على مواسم الأعياد مثل الكثيرات، بل إنها تعمل يوميًا، فتبدأ عملها فى السادسة صباحًا حتى التاسعة مساءً فى الأيام العادية والمناسبات والأعياد للساعة الحادية عشرة مساءً، نظرًا للتزاحم وإقبال المواطنين على شراء اللحوم خاصة فى مثل هذه الأيام مع اقتراب عيد الأضحى المبارك.

 مروة تنشر صورًا وهى تقوم بأعمال الجزارة والذبح بمجزر مركز ساحل سليم

كما تمكنت أيضًا الفتاة الصعيدية مروة ناصر من محافظة أسيوط من كسر كل العادات والتقاليد الصعيدية المتعارف عليها بعدما قامت بنشر صورة لها على مواقع التواصل الاجتماعى وهى تقوم بأعمال الجزارة والذبح بمجزر مركز ساحل سليم، وقالت عبر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعى فيس بوك إن الجزارة مهنة والدها وأجدادها، وكثيرًا ما كانت تحلم بالعمل فى هذه المهنة ودخول المدبح لتمارس المهنة التى تحبها والتى تعلمتها من والدها وعائلتها، وبعد سنوات حققت حلمها مشيرة إلى أنها حتى الآن لم تستطع احتراف المهنة بشكل كامل، ولكنها مستمرة بها فى موسم الأعياد حتى تتعلم جميع أصولها وخباياها، وقدمت الفتاة المبتدئة فى المهنة كلمات رقيقة تشكر فيها والدها وشقيقها وخطيبها الذين قاموا بتشجيعها على الاستمرار واستكمال ما تحبه قائلة: لولا حلمهم ما حققت حلمى.. لما تبقى عيلتك بتدعمك أكيد هتحقق حلمك.

 جزارات بالوراثة

وقد ورثت أيضًا الست هويدا جزارة البساتين والشهيرة بـ«إمبراطورة اللحم الجملى» التى تبلغ من العمر ٥٤ عامًا. ورثت المهنة عن أبيها وأجدادها وبدأت فى العمل من سن صغيرة جدًا، حيث لم تكن تتجاوز العشرة أعوام، ورغم أن كان لديها أشقاء رجال فإن والدها كان يفضل مساعدتها هى له وتعلمت المهنة وهى صغيرة وأتقنتها حتى صارت شابة وتزوجت. حاول زوجها إبعادها عن العمل مدعيًا أن هذه المهن للرجال فقط، ولكنها تمسكت بعملها لحبها له وأرادت أيضًا أن تساعده فى تحمل نفقات الحياة وأعبائها.

استطاعت هويدا خلال مسيرتها المهنية أن تبنى امبراطورية جزارة خاصة بها وبأبنائها خاصة بعد أن كبر أبناؤها الأربعة وأصبح لديها عدد كبير من الأحفاد فهم جميعًا كانوا يعملون معها. عانت هويدا فى بداية الأمر كثيرًا من معاملة الجزارين الرجال لها الذين كانوا دائمًا ما يبلغون التموين والطب البيطرى عنها بسبب غيرتهم منها لأنها كانت محبوبة من الزبائن الرجال قبل النساء، حيث ذاع صيتها فى المنطقة كلها وطريقة تقطيعها المميزة للحوم وميزانها الفياض إلى جانب أنها كانت تقدم نصائح استخدام السيدات لقطع اللحم المختلفة فى الطهى عند شراء الزبائن للحم حسب احتياجات الطهى، ولكنها تمكنت بفضل اجتهادها وتركيزها فى عملها وحبها لمهنتها من النجاح والتوسع وفتح محل آخر للجزارة بالشراكة مع نساء أخريات يمتهن نفس المهنة.

 جزارات بالصدفة 

وهناك من امتهن هذه المهنة بالصدفة البحتة وبعد فترة بحث كبيرة عن عمل دون جدوى، وتعتبر إسلام جزارة الإسماعيلية الشهيرة بلوما أشهرهن، فقد خرجت إسلام للبحث عن عمل بعد تخرجها مباشرة فى كلية السياحة والفنادق وعملت فى عدة مجالات، ولكنها لم تكن راضية، واقترحت عليها إحدى صديقاتها العمل فى محل جزارة شهير لم تستوعب الفكرة فى البداية، ولكنها رحبت بها وذهبت إلى المحل الذى قام بوضع إعلان مطلوب جزار، وتلقى صاحب المحل الأمر بذهول شديد، ولكنه بعدها وافق على عملها وقد روت إسلام قصتها كاملة خلال مقابلة لها فى برنامج «صباح الخير يا مصر» وتقول إسلام إن الموضوع فى البداية كان مجرد مغامرة وحب استطلاع، ولكن عندما بدأت فى العمل وقام صاحب المحل بتعليمها كل أمور الجزارة تدريجيًا من تقطيع وذبح وتشفية أصبحت تحب المهنة وبدأت تذبح فعليًا أضاحى صغيرة، وبعد أن شربت المهنة رفضت العديد من الوظائف بمرتبات أعلى مما تحصل عليه كجزارة حبًا فى العمل والعاملين معها.

نفيسة أشهر بطلات مستورة

وأيضًا تعتبر السيدة نفيسة الجزارة أشهر بطلات مستورة التى تعد من أهم المبادرات المصرية الجديدة التى تمكن المرأة من بدء مشروع خاص بها، وعرضت قصتها بالكامل فى احتفالية عيد الأم وذكرت معاناتها مع أبنائها من ضيق الحال بعد وفاة زوجها الذى كان يعمل جزارًا ولديه محل مستأجر تم إغلاقه بعد وفاته، وطرقت الأم كل الأبواب لمدة 15 عامًا دون فائدة وتغيرت حياتها تمامًا بعد أن قررت السيدة نفيسة أن تعمل بنفس مهنة زوجها بالجزارة، وبالصدفة ورغم كل المعوقات تمكنت من النجاح وفتح لها باب أمل ورزق جديد، وبالفعل توجهت الست نفيسة وهى فى عمر الـ60 عامًا إلى بنك ناصر بعد أن استوفت كل الأوراق الرسمية المطلوبة من إيصال كهرباء وإيصال مياه وبطاقة الرقم القومى وبحث اجتماعى وعقد إيجار المحل للحصول على القرض، وفى وقت قصير تعلمت المهنة بكل حرفية، حيث إنها كانت على دراية بأمور الجزارة، إذ كانت تساعد زوجها المتوفى من وقت لآخر فى مهنته، وتمكنت السيدة نفيسة من سداد قيمة القرض قبل الميعاد المحدد له بـ6 أشهر بعد أن زاد رزقها وذاع صيتها فى المنطقة كأول امرأة تعمل بالجزارة فى منطقة الشرابية الشعبية فى القاهرة.

 ثلاث طبيبات يفتتحن محل جزارة بمحافظة بنى سويف

ومن منطلق البحث عن عمل افتتحت قبل عدة سنوات ثلاث طبيبات خريجات كلية الطب البيطرى دفعة 2016 محل جزارة بمحافظة بنى سويف بعد أن اتفقن فيما بينهن على إدارة عمل خاص لهن كبديل لعدم وجود فرص عمل لهن فى ذات مجال الدراسة بعد بحث شاق عن فرص عمل مناسبة لم تتوقع الفتيات النجاح الكبير الذى وصلن إليه فى فترة قصيرة، ولكن كان ذلك واضحًا منذ اليوم الأول، حيث شهد المحل إقبالاً كبيرًا من أهالى المدينة الذين تعرفوا على المحل من خلال موقع التواصل الاجتماعى الفيس بوك وأصبح لهن زبائن يأتون إليهن من كل أنحاء المحافظة، وبعد أقل من عام تمكنَّ من فتح فرع ثانٍ للمحل الذى حقق شهرة واسعة، وذلك بسبب ثقة المواطنين فى لحومهن وطرق الذبح والتشفية والحفظ والتخزين ويرجع ذلك لكونهن طبيبات متخصصات فى التعامل مع اللحوم والمواشى بكل أنواعها.

 شهيرات السوشيال ميديا 

لم تتوقف الجرأة النسائية عند هذا الحد، إذ نجد أخريات اقتحمن عالم الرجال بقوة وجرأة غير مسبوقة إما بدافع الشغف والفضول أو بدافع كسب الرزق الحلال واشتهرن بسرعة البرق حتى بتن حديث الصحف ومواقع التواصل الاجتماعى ومن بينهن صباح السنانة أشهر سنانة فى منطقة السيدة زينب بالقاهرة التى عملت فى مهنة سن السكاكين والأسلحة البيضاء منذ أن كانت طفلة تبلغ الـ 10 سنوات، فقد كانت تساعد والدها الذى كان يمتهن نفس المهنة، فهو كان يقوم بسن السكاكين وهى تقوم بصنع المقابض الخشبية حتى تعلمت سن كل أنواع الأسلحة البيضاء واستمرت فى هذا العمل حتى بعد زواجها وإنجابها 5 أبناء، وورثت المحل والمهنة عن والدها، ورغم أن هذه المهنة من المهن التى بدأت فى الانقراض فى الشارع المصرى فإنها لا تزال ترتبط ارتباطًا وثيقًا بموسم عيد الأضحى، حيث تبدأ فى الانتعاش من جديد فى ذلك الموسم فتقوم صباح قبل العيد بحوالى شهر بشراء السكاكين وسنها.

واستحدثت لوازم الذبيح والشواء والتقطيع وتعرضها للبيع من أجل كسب الرزق وأيضًا من ضمن النساء الشهيرات اللاتى يعملن فى المهن الموسمية التى احتكرها الرجال لأعوام عديدة رانيا الإسكندرانية التى تقوم بذبح الأضاحى فى محافظة الإسكندرية والتى تعمل لمدة ثلاثة أيام فى أعمال الذبح والسلخ وتقطيع الأضحية بجانب الرجال وتنافسهم بمنتهى القوة والمهارة، وأيضًا السيدة منى قاسم الملقبة بأخت الرجال أشهر جزارات محافظة الشرقية والتى تبلغ من العمر 49 عامًا، وتقود عمليات ذبح الأضاحى فى موسم العيد والتى أصبح يفضلها الناس عن غيرها فى هذا الموسم الشاق بسبب مهاراتها وقوتها وأمانتها.

 النساء ناجحات فى مجال الجزارة فى أمريكا وأستراليا

كما أن الأمر لم يقتصر على النساء المصريات، فوفقًا للبيانات الصادرة عن وزارة العمل الأمريكية فإن النساء يشكلن الآن حوالى ربع الجزارين وغيرهم من عمال اللحوم والدواجن والأسماك، وهو ما يمثل ارتفاعًا عن 21 بالمائة فى عام 2006.

وفى أستراليا أيضًا يتم تبادل قصص النساء الناجحات فى مجال الجزارة لتشجيع الشابات الأخريات على دخول المهنة، حيث أشار تقرير حديث إلى أن نسبة الجزارين من الإناث تبلغ 5.3 ٪ وهى زيادة مؤكدة عن الأرقام فى السنوات السابقة، وفى إسبانيا كان معظم الجزارين يمثلهم الرجال، ولكن منذ عامين فقط بدأ اتجاه جديد فى سوق القوى العاملة لهذا القطاع وفقًا لكارنيماد الرابطة المهنية للجزارين فى مدريد، حيث كانت محلات الجزارة والأطعمة المعلبة والدواجن ومخلفاتها من قبل تجارة يمارسها الرجال بشكل رئيسى، وكان يوجد عدد قليل من النساء مسئولات عن الأعمال التجارية فقط، ولكن بدأت الكثيرات فى الخروج من تلك الخلفية التى اكتسبنها من العادات الاجتماعية، وأصبحن يعملن بمهنة الجزارة بشكل مباشر.