الثلاثاء 7 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
عكس الاتجاه.. هدى العجيمى.. راوية الأساطير

عكس الاتجاه.. هدى العجيمى.. راوية الأساطير

 .. وكان كتابها عن العشق، ولم تكن مجرد راوية لحكايا الحب أو شاهدة على القصص الجميلة وقت حدوثها؛ بل مشاركة فيها، كانت بطلة عاشقة داخل الحكايات، كانت طرفًا رئيسيّا واسمًا من الأسماء العظيمة التى صنعت أسطورة «الراديو» الذى كان، تستطيع هى أن تقلب الأسطورة فلا يصبح الحدث الرئيسى هو «مجوهرات مَغارة على بابا»، ولا الأبطال هم على بابا وقاسم ومرجانة؛ بل عن العاملين الأساسيين وأصحاب الفعل، من جلبوا الذهب للمَغارة، من صنعوا المجوهرات فى وِرَش المغارة، مبنى الإذاعة والتليفزيون، كان الأبطال فى الأسطورة التى نفتح بابَها الآن هم مئات الأسماء التى ملأت المغارة بجواهرها التى سُرِقت أو نَفَدَت أو يتباهَى بضوئها آخرون.



 «هدى العجيمى» كانت واحدة من أولئك اللواتى، والذين كدّسوا المغارة بأزيار العقيق القديم، ففى كتابها المهم- كشاهدة على التاريخ- شديد الجمال، المُعَنون بـ(قصة عشق)، والذى يحكى عن سنوات عمل المذيعة الأشهَر فى تاريخ الإذاعة من جيل الوسط، عن ذكرياتها بالعمل فى الراديو منذ بداية الستينيات، فترة الزخم السياسى والاجتماعى وسنوات التاريخ الأهم فى مصر الحديثة، ولأنها شاعرة دارسة للغة العربية فقد روت بلغتها الأدبية العذبة الشيقة الآسرة أجمل الحكايا فى ٢٧٥ صفحة، وأنت تستعذب الأَسْرَ والقيد والقراءة ولا ترغب بالفكاك. فى الكتاب المهم ستفاجئك الأسماء الكبيرة التى التقتها وعملت معها أو شاهدتها أثناء سنوات عمرها بالإذاعة المصرية، أسماء سياسية وأدبية وفنية وشخصيات مصرية بسيطة تعمل فى مهن بسيطة ثم تحوّلت إلى شخصيات مهمة لها مكانة ودور كبير، «مش بقول لك إحنا دخلنا مغارة على بابا؟»، ولا تنسَ عذوبة صوتها الأخّاذ حين تنطق ولا ذكاء الطرح حين تتناول ولا  أهمية الأسئلة والتحقيقات حين يكتمل البرنامج، وتذكّر أنها لم تكن فقط مذيعة بل مُعدة ومُخرجة برامج ومسلسلات داخل البرامج ومديرة برامج، وتذكّر لماذا كانت للإذاعة رونقًا آخر لا يزول، قد فقد الآن رائحته المحببة. 

وعليك أن تتوقف عند عناوين الكتاب التى تشبه عناوين مجموعة قصصية، وعند انتقاء الحكايا من بين مخزون الذكريات، ثم طريقة كتابتها وأبطالها، فالكتاب لا يُعنوِن الشخوص فى فصول، لا، أنت ستقرأ الشخصية منثورة داخل كل الصفحات ومتداخلة حتى النهاية مع الأحداث فى فترة زمنية محددة ومتشابكة ومشتبكة مع الراوية، والشاهدة الإذاعية «هدى العجيمى» إحدى بطلات الكتاب.

هل تريد أن تقرأ ما لا تعرفه عن كبار الشعراء والروائيين والمذيعين والساسة؟ مثل أم كلثوم والقصبجى وصلاح عبدالصبور ويوسف إدريس وجابر عصفور وسعاد الصباح وعبدالقادر القط ورجاء النقاش ونزار قبانى، أمْ تقرأ حكايا شخوص لم ولن تقابلها أو تسمع حكاياها إلا داخل الكتاب الذى أهدته «هدى العجيمى» إلى اثنين: الأولى هى السيدة «صفية المهندس»، أستاذتها وصديقتها وأمّها الروحية، والثانى «جمال رسمى» شريك حياتها وصاحب الأثر المُهم فى مسيرتها الإنسانية و الإذاعية. لكنها كتبت واستفاضت عن شخوص هامشية مُعدَمة أميّة منحوا المغارة بريق الماس وتحولوا إلى أدباء وفنانين، ولا تنسَ أنها صانعة (الأدباء الشبان) الذين صاروا كُتّابًا كبارًا يُشار إليهم بالبنان ببرنامجها (مع الأدباء الشبان)، الذى سافر إلى الكُتّاب الناشئين فى أقصَى بحرى والصعيد ووضعهم فى الواجهة.

«هدى العجيمى» لم تكن فى بداياتها مجرد مذيعة شاطرة ذات صوت ساحر مميز؛ بل إدارية ناجحة وذكية، فازت بالمركز الأول فى اختبارات الإذاعة وقتها حين كانت الاختبارات فى اللغة العربية، وفى المعلومات الثقافية والتاريخية والجغرافية، حين كان المذيع مثقفًا!  وصاحب دور إنسانى وتنويرى وتثقيفى حين كان المذيع ينتمى للناس.

ستجد «هدى العجيمى» تعترف بأخطائها (المعلوماتية) على الهواء، الأخطاء التى وقعت فيها حين (استبسطت) الأمرَ أو حين لم تكن تتخيل أنها تخطئ، الأخطاء التى لا تنكرها، ولم تلق اللوم على الآخرين، وهى حين تحكيها لا تقدم اعتذارها لنا أو للإذاعة بل أظنها تقدم درسًا واجبًا لمن أراد أن يتعلم، فى الوقت ذاته ستجدها طايرة من الفرح وهى تحكى عن فوزها بالمركز الثانى فى انتخابات مجلس إدارة اتحاد الكتاب، أو فرحها حين «ضللت» فى شقتها ببرلين على أصدقائها الإذاعيين واستأنست بهم، زملاء مطرودين من سنوات السادات أيام أن زارت ألمانيا الشرقية خمسة أشهُر ويزيد، فى منحة إذاعية بداية السبعينيات.