الإثنين 6 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
ترامب خَطَف المسلّة

ترامب خَطَف المسلّة

أنت هنا أمام حدث عالمى يبدو للوهلة الأولى بسيطًا، مُحَاطًا بحالة من الكوميديا والتفاهة المفرطة أرادت 2020 أن تنهى به جِدّية أيامها الطويلة الطاحنة والقاسية على مجمل سكان الأرض.



فالعام الذى بدا أطول الأعوام عددًا فى ثوانيه وأوجاعه ها هو منذ بداية نوفمبر تتراجع للخلف ثقل خطواته، وينزع عن أعيننا ولحم قلوبنا حوافره، ويسارع فى الرحيل معتذرًا بفكاهة، بإلقاء بعض النكات التى أضحكتهم هناك فى أمريكا وألمانيا ورومانيا، أما هنا فقد اكتفينا بنقل الخبر، بالرغم من خطورة أو جدية أو رعب داخل ضحكاته البلهاء.

لم يتوقف إعلام الغرب يوما منذ أكثر من شهر عن نشر ومتابعة وتحليل خبر وجود واختفاء أعمدة معدنية وخشبية فى صحراء أمريكا وألمانيا ورومانيا، وأرجع المحللون الاستراتيجيون والإعلاميون الأمرَ وبكلِ بساطةٍ للأطباق الطائرة، لكن المواطنون فى أمريكا بالذات كان لهم رأى ساخر آخر مختلف تمامًا عما يريد أن يثبته إعلامهم، تبدو فى تعليقاتهم على مواقع الصحف والفضائيات، وتستطيع أن تسمع قهقهة عالية وأن تقرأ إيفيهات عادية وأخرى قليلة الأدب موجهة إلى المسئولين فى ولاية «يوتا» حيث ظهر فى 18 نوفمبر العمود المشع واختفى فى صحرائها، وفورا وبعد اختفاء العمود من أمريكا ظهر عمود خرسانى رومانى فى مدينة (Piatra Neamt). ثم اختفى سريعًا، وكانت ألمانيا فى ذات التوقيت أعلنت هى الأخرى عن اختفاء عمود خشبى منظره قليل الأدب من جبل (Gruenten) مع أنه كان موجودًا منذ عام، حتى إنه اختفى كليةً من خرائط جوجل. 

لكن شاهدًا لم تفصح السلطات الأمريكية عن اسمه حتى الآن قام بتصوير أربعة أفراد يلبسون قفازات ولا يرتدون ماسكات على وجوههم، ظهروا فى صحراء يوتا وهم يفككون فى جنح الظلام المسلة المعدنية وينقلونها فى عربة يد ويسيرون بها إلى حيث لا يعلم أحد ولا حتى السى آى إيه ولا وسائل الإعلام ولا جنس مخلوق فى أمريكا يعلم أين اختفى العمود!! ولا يعلم أحد فى رومانيا وألمانيا أين اختفى العمودان. 

لم يعرف الإعلام الأمريكى ولا السلطات الأمريكية بجلالة قدرها: من هؤلاء الأربعة ولا إلى أين أخذوا المسلة المعدنية؟ هل هم رجال من الفضاء هبطوا على الأرض؟ وما هى قيمتها؟ ولماذا ظهرت فى قلب صحراء ولاية يوتا، حيث تم اكتشافها بالصدفة عن طريق طائرة كانت فى الجو تحصى عدد الخراف فى الصحراء فقامت بتصويرها وسربتها للصحف، فكان أن تورط من وضعها وأُسقِطَ فى يده.

ولمن يتبنونَ نظرية المؤامرة عليهم أن يرجعوا للخلف ثلاث سنوات ويصلوا حتى عام 2017، ولحظة اعتقال المواطن الأمريكى الذى أطلق الرصاص بكثافة على الناس الآمنين السائرين فى شوارع واشنطن، وفى التحقيقات اعترف بأنه كان يقاتل كائنات فضائية، وأن ترامب هو من أمره بقتالها ومنحه الأسلحة، وطبعًا - زى ما أنت عارف - أودعوه بعد التحقيق معه مستشفى الأمراض العقلية بواشنطن، هل ترامب خلف ما يحدث؟ هكذا يُلمّح البعض. 

ستكتشف من تلك الواقعة أمرين: أولهما إيمان الأمريكان إيمانًا مطلقًا بوجود الكائنات الفضائية البديلة للهو الخفى فى بلاد شقيقة، وهذا مرجعه لمدى تأثير السينما الهوليودية فى ذهنيتهم، ثانيًا لم ينسَ المواطن الأمريكى لغز المنطقة 51 فى صحراء نيفادا، المنطقة المحظور دخولها أو تصويرها أو حتى الحديث عما يجرى فيها وبها، حيث يرى الجيران هناك أشباحًا ويسمعون (خَبْط ورَزْع) وقرع أصوات عالية، يقولون بجدية أنه فى هذا المكان يتم تصنيع كل مصائب العالم، ولم ينفِ أوباما أثناء حكمه جدية ما يحدث فى المكان كلما كان يسأله الصحفيون عن لغز المنطقة.

خبر ظهور واختفاء الأعمدة الثلاثة فى البلدان الثلاث غطت سعة انتشاره وتصدره اليومى كخبر أول مهم على كل الأخبار شديدة الأهمية الأخرى كخبر مرضى وموتى كورونا فى طلعته الثانية، وخبر سقوط ترامب، والحروب والفقر والبطالة.

ما الذى يجرى؟ لا أحد يعرف، هل ستظهر مسلات وأعمدة أخرى فى بلاد أخرى؟ لا أحد يعرف، هل يعنى كل ذلك شيئًا؟ أو لا يعنى شيئًا على الإطلاق؟ لا أحد يعرف.

الأمر حتى الآن يبدو كنكتة، والخوف أن تصبح ضحكاتنا وضحكاتهم من نوع: خير اللهم اجعله خيرًا، فلاتزال هناك ثلاثة أسابيع بطولها وعرضها وعمقها حتى تنتنهى 2020. 