الإثنين 6 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
«كمالا»  و«خاتيرا»

«كمالا»  و«خاتيرا»

قرع الطبول الذى دَوّى صخبه فى أمريكا - باختيار كمالا هاريس للحكم - اخترق إيقاعه أذن العالم، فرقصت على نغماته نساء الكون، الصوت الهادر كان إيذانًا بصدع تاريخ أنثوى مختلف شق جدارًا فولازيًّا مصمتًا سميكًا بناه الرجال الناقصون عقلاً ودينًا حول رأس المرأة /عقلها لسنوات طوال، أطول من حزنها وذلها ونفيها فى الفكرة الخرساء، كمالا هاريس فكرة قديمة وليست بدعة، كمالا نسل نساء حكمن الرجال عبر الأزمنة والأمكنة قبل أن يسجنها - نسل هؤلاء الرجال المحكومين والمسجونين بفكرة الضلع الأعوج ، فكان أن قادوا العالم بعقل أعوج.



كمالا هاريس هى المعادل الموضوعى لـ «خاتيرا»

من هى خاتيرا؟ هل تردد اسمها أمامكم من قبل؟

هى المرأة الأفغانية ذات الـ33عاماً التى استيقظ العالم منذ شهر على حكايتها الأليمة، المرأة التى فقأوا عينيها بالسكاكين وتركوها عمياء، الحكاية المكررة فى خيالات الكون المحكوم بأشباه الرجال، خاتيرا امرأةً أفغانية جميلة تعمل فى قسم شرطة بكابول، تعقبها ثلاثة رجال من طالبان واختطفوها ثم طعنوها فى عينيها، فلم تعد ترى وجوههم الكريهة، سحبوا نور عينيها لأنها قررت أن تعمل وتخرج من بيتها كل صباح، كيف لها ذلك؟ كيف تجرؤ امرأةً على الخروج من البيت إلا إلى القبر؟ أطفأوا نور عينيها، نور عينيها الضائع والمتفرق مياهه بين طالبان وبين أبيها، المرأة اتهمت والدها بأنه منح صورتها وهويتها لعصابة طالبان كىّ يفعلوا بها ما فعلوا لأنها خرجت عن التقاليد والأخلاق وذهبت إلى عملها بدعم وبتشجيع وبرضا زوجها؟ طالبان نفت مسئوليتها ووالدها محتجز ومتهم بالفعل، وأهلها يلومونها ويطاردونها ويهددونها بالقتل لأنها تسببت بسجن والدها، فى أفغانستان أستطيع أن أحكى لك عن مئات الحكايا الشبيهة بتلك، بطلاتها فنانات تشكيليات ومخرجات سينما وموظفات وعاملات يسعيْن للرزق فى غياب عائل.

خاتيرا - وكل خاتيرا فى هذا الكون - هن نساء الكون الذى لم يردع رجاله فيروسات وحروب وموت وفقر وجهل ومرض وتشرد وطالبان، الرجال الذين (مقدروش على الظالم وقدروا على خاتيرا)!

كمالا وخاتيرا وجهان لعملة العالم، وللمصادفة تنتمى المرأتان لنفس المنطقة المنكوبة برجال يلعبون لعبة الحكم بالدين، تنتميان للجذر المُنتَهك من رجال فاقدى العقل والدين، أو رجال يلعبون لعبة الدين والعروش، اللعبة القديمة التى لعبها رجال الدين من قبل فى أوروبا فى العصور الوسطى للسيطرة والحكم، قتلوا وفقأوا أعين نساء مثل خاتيرا واستحلوا فى السر كل خاتيرا!

كمالا حاكمة أمريكا الجديدة جاءت إليهم كطلب عاجل وضرورى بعد حكم نخاس وبلطجى وتاجر، كمالا ليست بدعة ولا اختراعًا، لكنها نسل وسلسال وقدر كان لابد أن يجيء، فالأرض الأمريكية الشمالية أيضا باتت مُتْرَعةً بماء عيون آلاف من خاتيرا، سود أفارقة وسمر هنود وخلاسيات، وما كان ترامب المتخفى فى لباس الكاوبوى سوى المعادل الموضوعى لفكرة «طالبان»، ترامب تاجر عقارات ونساء أُختِير للحكم لأسباب لا يعلمها أحد!

 وما كامالا ببدعة، ولا خاتيرا كذلك، لكنهما نساء الحكايات القديمة، خرجن كعاداتهن من أسطر صفحات الكتب والبرديات والأوراق العتيقة وقد نفضن تراب القبر وبُعِثنَ من جديد بأسماء مختلفة، وهكذا تبدأ الحكايات: كان فى قديم الزمان وسالف العصر والأوان نساء عظيمات مدهشات، كُنَّ راجحات العقل كاملات الإيمان بالخالق وبالأرض وبالأوطان وبالضعفاء والمستضعفين، حاكمات وقائدات جيوش ومحررات أوطان وثائرات كُنّ يتولين حكم البلاد بكفاءة ورجاحة عقل تفوق حكم الرجال فى آسيا وأفريقيا تحديداً وبالذات، آسيا وأفريقيا لأنهما قارتان كبيرتان قديمتان ضاربتان فى الحضارة والتاريخ، كانتا أصل الكون وفخره وتقدمه، لذا عليك أن تسأل وتجيب: لماذا صارت أفريقيا وآسيا قارتين مفخختين؟

تمتلآن بالجهل والتخلف والتعصب والفقر والموت والهوان وكل هذا الانهيار بفعل احتلال خارجى وداخلى؟ لماذا يتحالف رجال الحكم الضعفاء مع رجال الدين المرتزقة مع المحتل؟ ليصبح العدو هو المرأة! ستجد أنه دائماً وأبداً: فى مجتمعات النساء العَوْرة يزدهر حكم الرجال الناقصين عقلاً ودينًا. 

نعود للسؤال بتنويعات عدة: لماذا عمّت الفرحة بكمالا هناك وهنا؟ الإجابة: لأنها جاءت فى اللحظة المناسبة.

هل قرأت صفحات من تاريخ نساء كـ«كليوباترا حاكمة مصر» و Ana Nzinga التى حكمت أنجولا لمدة ثلاثين عامًا فى العام 1624 وحتى 1654 وقادت الجيوش وحررت بلادها من البرتغال؟ هاتان الحاكمتان تُصنفان من ضمن أفضل من حكمن العالم.  

ولدىّ حكايا أُخَر.