الثلاثاء 7 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
المرأة الدجاجة.. حكاية لم يكتبها كافكا

المرأة الدجاجة.. حكاية لم يكتبها كافكا

المرأة البلجيكية التى تحولت إلى دجاجة  - حالة كافكاوية بامتياز- نتيجة اكتئاب شديد واقتطعت لنفسها ركناً قصياً فى حديقة البيت واعتزلت الناس وتصرفت كطائر مسكين  وصارت تصيح - وتكاكى- بصوت دجاجة عند الجوع والعطش والخوف، أمرها لا يثير الضحك ولا الشفقة.. بل يثير فينا الرعب على أنفسنا .. أمرها ينذرنا ويحذرنا بأن نراقب أنفسنا ونحن نختلى فى الأركان القصية من الروح ونتحول إلى أى كائن غير الإنسان.. من قال أننا لا نفعل ذلك دون أن ندرى ودون أن يخبرنا أحد.. فربما كان هذا الأحد قد صار طيراً أو حيواناً. 



حالة المرأة التى ذاع صيتها فى الريف البلجيكى اعتبرها أطباء إحدى جامعات بلجيكا - الذين يعملون فى علم الأدب الطبى التاريخى - بأنها حالة نادرة الحدوث  - إذ تم رصد أقل من 60 حالة منذ القرن السابع عشر للآن.. لكن بعضهم أرجعها إلى ما يعرف بعلم الحيوان السريرى ووجدوها حالة من الوهم الخالص النادر ينتج عن اضطراب نفسى كامن.

المرأة التى ظهرت عليها تلك الأعراض الآن وفى خضم مأساة كورونا العظيم لم يشر الأطباء أنها أحد أعراض الفيروس  بالرغم من أن توصيفهم الطبى لا يتعارض مع أعراضه المصاحبة للاكتئاب.. ربما البعض صار يهوهو ولا يكاكى .

بلجيكا الأكثر حريةً وثراءً وسعادةً وثقافةً وعلماً وطباً من بلادنا  لماذا يتحول فيها المكتئبون إلى دجاج ؟ ماذا عنا بكل هذا البؤس الذى نحياه؟  

كافكا التشيكى رائد الكتابة الكابوسية والمولود فى نفس الأثناء التى ظهرت فيها أولى حالات المسخ الإنسانى والذى اشتهرت وازدهرت كتاباته بتلك الشخوص المتحولة والتى لا تتناسب مع صفات الإنسانية البشعة  فترتقى  إلى الحيوان أو طير أو زواحف. 

هل مرّ كافكا بأحد هذه التحولات؟ كانت قصته «التحول» هى الأشهر  على الإطلاق ذلك النص الذى تحول فيها البطل الإنسان إلى حشرة قبيحة.. القصة التى أنقذت  البشرية من صورتها الإنسانية المتدنية ومنحتها فرصة الرقى إلى الهوام.. ما أروع أن يتنازل الإنسان عن إنسانيته  الوضيعة المتدنية.. وليس لنا الحق أن نجادل فى ذلك وقد عرّتنا كورونا وكشفت ذاك الهوان وتلك الهشاشة اللذين يغلفان الجسد الآدمى ويحشوان قلبه بالصديد.   

ولسوف نعاود السؤال الأهم: مَن سبق مَن؟ الأدب أم الواقع؟ هل كتب كافكا واقعيته العجائبية مستلهماً مشاهداته، أم أننا نتقمص رواياته: المسخ والمحاكمة والقلعة ونتحول إلى شخوصه إلا على الورق؟

وُلِدَ كافكا فى 1853، وظهرت أول حالة إنسان متحول إلى دجاجة عام  1850  فى أوروبا!!.. ثلاث سنوات بين ولادة كافكا وبين جنونه. 

حتى عند كافكا نفسه يجب أن نتوقف عند عظمته وجنونه وتحوله ربما إلى كائن آخر.. ونتساءل: لماذا أحرق الكاتب التشيكى الألمانى معظم مخطوطاته؟ وهل  صار كافكا مسخاً هو الآخر بعد إصابته باكتئاب إثر حرق هتلر لمؤلفاته؟ ولماذا تظل رسائله  لـ«ميلينا جيسينسيكا»، الحبيبة، هى الأكثر جمالاً وتداولاً بيننا؟  

المرأة البلجيكية التى تحولت إلى دجاجة لم تنَلْ اهتمام التليفزيونات والمواقع  والصحف الغربية.. كانت الجارديان فقط هى من أشارت إليها منذ شهر وقد نقلت الواقعة من مجلة طبية بلجيكية.. المرأة البلجيكية التى تحولت إلى اكتئاب ثم إلى  دجاجة إثر فقدانها  لوظيفتها أثناء كورونا ثم خذلان حبيبها، ووفاة قريبة لها. 

كأن العالم كله منذ بداية العام المشئوم لم يفقد الناس فيه وظائفهم وأحبتهم!! كلنا المرأة البلجيكية.. كلنا الدجاجة البلجيكية لكننا لسنا كانتاكى ولا تكا ولا باباى. 

كم عام ومواسم عدّت والبشرية على هذا الحال الصرصارى والدجاجى والثعبانى منذ أن تم تسجيل أول حالة  فى علم الحيوان السريرى فى العام 1850 وحتى 2020؟؟ ما بين الديمقراطيات والديكتاتورية  وما بين الرأسمالية والشيوعية وما بين السلم والحرب وسط كل الديانات السماوية والأرضية ولم يفارقنا الاكتئاب ولا الأسى.. ولم  ترتقِ الإنسانية وسط هذا الزخم من النظم والعقائد.. لم يحدث سوى تحولها إلى مسخ كافكاوى دجاجى بامتياز.