الخميس 11 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

صعيدية فى مواجهة كوفيد!

فى منتصف مارس الماضى، طالبت وزارة الصحة والسكان، كل من يرغب فى الانضمام إلى فريق العمل الخاص بمواجهة تفشى فيروس «كورونا» المستجَد «كوفيد 19»، بملء بياناته من خلال استمارة إلكترونية، على موقع الوزارة الرسمى، تحت شعار «كُن بطلًا».  



 

على الجانب الآخر، كان البعض لا ينتظر بيانًا رسميّا؛ ليمارس إنسانيته على أكمل وجْه، فمع بداية انتشار جائحة «كورونا» فى مصر، كان هناك جنودٌ سخّروا حياتهم لخدمة مصابى الوباء القاتل، لا يهابون العدوَى، وهم يسمعون آهات المرضى تخرج من الحناجر ولا تجد دواءً شافيًا لدائهم الذى حير العالم فى التوصل إلى علاج له.

 

النهار للعزل.. الليل للخير

 

فى صعيد مصر، وتحديدًا بمحافظة أسيوط، كانت هناك «بسمة رشاد» تعمل مشرفة تمريض بأحد مستشفيات العَزل فى مدينة أسيوط، ففى بداية مايو الماضى، قرر المستشفى تحويل الدُّور الذى تشرف عليه، لدُور خاص لرعاية حالات فيروس «كورونا» فى المدينة: «مهمة الإشراف هى متابعة الحالات، وتوزيع الورديات على الممرضين والممرضات وفق جدول زمنى مُعين، لكن لى سُلطة الدخول للحالات والمتابعة معهم طوال فترة حَجْرهم الصحى».

 

لم يكن المستشفى يعلم بعد؛ أن مشرفة التمريض لديهم ليست بحاجة إلى قرار رسمى؛ لتتابع الحالات المستجَدة، لكنها تطوعت لتفعل ذلك بعد نهاية ورديتها بالمستشفى كل يوم: «مع بداية انتشار المرض فى مصر، لم يكن الكثيرون على علم بمدى خطورته، وطبيعة عملى جعلتنى أكثر اطلاعًا على ذلك، بدأتُ تحصين نفسى وأبنائى بجدية من أول يوم، ووهبتُ نفسى للمعركة المقبلة، حتى جاء موعد التفشى والشعور بالرهبة الحقيقى، فى مطلع إبريل 2020م، ازدادت الحالات، ولم نعد نستطيع حساب أرقامها، فقررتُ معالجة أهل مدينتى بنفسى، من خلال الإشراف على علاجهم فى منازلهم؛ لتوفير أماكن لآخرين فى المستشفى، فكان النهار مكرسًا لخدمة مرضى المستشفى، وفى المساء منازل الحالات المجاورة».

وقت الحرب

 

قبل تفشى الفيروس بشهور قليلة، تعرضت مشرفة التمريض «بسمة» لمرض شديد بسبب قلة المناعة: «تعرضتُ لوعكة صحية جعلتنى راكدة بالفراش لمدة طويلة، ولم يمر على شفائى شهور ضئيلة، حتى تفشى فيروس «كورونا»، فكانت مسألة التطوع لعلاج المرضى فى عزلهم المنزلى بمثابة «انتحار» أمام أبنائى وزوجى، فرفضوا الفكرة تمامًا فى البداية، وعارضوا خروجى، لكننى لم ألتفت لأى تحذيرات حولى، فأنا أعمل بمستشفيات منذ نعومة أظافرى، والآن وقت حرب، وأعتبر نفسى أحد جنودها وعلىّ المقاومة».

 

درع مساعد

 

4 أبناء، كانت تلك هى تركة  مشرفة التمريض بمستشفى أسيوط من الحياة، خلال الظروف الراهنة، أصبحوا لها درع المساعدة لتتمكن من مواجهة الفيروس المستجَد بعقل خالٍ من التشتت: «لدىّ 4 أبناء، الكبير بينهم مصور صحفى حُر، والصغيرة بالمرحلة الابتدائية، ولدى ابنتى بمنتصف العشرينيات، وابن أخير بالجيش».

 

تابعت: «خلال تواجدى خارج المنزل للعمل، والمرور على منازل المرضى، يقسّم أبنائى تدابير العمل المنزلى بينهم، حتى الطعام، يطبخ ابنى الكبير يومًا، وابنتى يومًا حسب التقسيم بينهما، فلا أشعر بأى عبء من ناحية المنزل، حتى أن نجلى الكبير قرر عدم السفر إلى القاهرة لمباشرة عمله حتى يتمكن من مساعدة أشقائه ومساعدتى خلال هذه الفترة، كل هذا إضافة لبذل قصارى جهدى حتى لا ينتقل الفيروس داخل منزلنا البسيط».

 

«كورونا» لا سلكى

لم تتوقف خدمات سيدة أسيوط عند محل إقامتها والمنازل المجاورة، لكن امتدت إلى ما هو مُصنّف «خارج الحدود»: «تواصَل معى بعض المرضى خارج  مصر من الدول العربية، مثل السعودية، بتوصية من أقاربهم ومعارفهم؛ لأتابع حالتهم حتى يُكتب لها الاستقرار.. «من خلال الفيديو أو المكالمات، لأتمكن من متابعة حالاتى؛ حيث يبدأ المريض فتح فيديو كول على سبيل المثال؛ لأتمكن من رؤية الأعراض وتطورها، وتحديد إذا كانت أعراض المرض اللعين، أمْ مجرد أعراض نزلة معوية عادية، وإذا كانت الحالة لا تستدعى الرؤية، أتواصل معها عن طريق الهاتف إلى أن تتعافى».

 

أصدقاء وجيران، كُتب لهم الشفاء خلال 14 يومًا من العَزل المنزلى، بعد اتباع إرشادات مشرفة أسيوط، التى تسير فيها وفق بروتوكول وزارة الصحة والسكان للعزل المنزلى، والموضوع لفئات معينة، وهى: «السّن أقل من 60 عامًا، درجة الحرارة أقل من 38، تركيز الأكسجين فى الدم أعلى من 9، نبضات القلب أقل من 110 نبضات فى الدقيقة، معدل التنفس أقل من 25 مرّة فى الدقيقة، نسبة كرات الدم البيضاء المحببة/ كرات الدم البيضاء الليمفاوية أقل من 3.1، حال وجود أمراض مزمنة مثل السكرى، وارتفاع ضغط الدم، تكون الحالة مستقرة بالأدوية، ولا يتلقى أدوية مثبطة للمناعة، لا يوجد حمل،لا يعانى من أورام سرطانية، وغير خاضع للعلاج الكيماوى، لا يعانى من سمنة مفرطة بمؤشر كتلة الجسم أقل من 40 كجم/م2». 

 

بعض الحالات لم تكن لديهم إلا أعراض شبيهة للمرض، فتوهّموا الإصابة بفيروس «كورونا» بسبب الأحداث حولهم: «بعض من أصدقاء نجلى الكبير، كان لديهم أعراض، لكن بعد متابعتى للحالات، اكتشفت أنها حالات «نزلة برد» عادية ليس «كورونا»، لكنهم توهّموا، مع العلاج والمتابعة، كتب لهم الشفاء خلال أيام بسيطة».

 

أيام خاصة

 

أيام خاصة، أراد أبناء «بسمة» تواجدها جانبهم، فهى لحظات لا تكرر كثيرًا فى العام، لكن إخلاصها لمهمتها منعتها من ذلك، يقول «محمد سويفى» نجل مشرفة التمريض الأكبر: «فى رمضان كانت أمى تفطر خارج المنزل بسبب طبيعة عملها، كنا ننظر عودتها مع أذان المغرب لتكون بيننا، لكنها دائمًا تقدّر مهمتها وتعلم أننا نفتخر بها أيضًا بين الناس ولم نكن عائقًا أمام الثواب الذى تحاول جاهدة إخفاءه عن الجميع، فهى لا تحب الحديث عن نفسها، تحاول العمل فى هدوء فقط، والسعادة الحقيقة تتمثل أمامها عند شفاء المرضى».

 

عزل 3 أيام

 

لحظات صعبة، خاضتها «بسمة رشاد» حين علمت بمرض إحدى السيدات المسنات فى منزل قريب من منزلها، ذهبت لتباشر حالتها ومتابعتها، لكن خوف السيدة، أجبرها على الانعزال معها حتى تستقر الحالة: «كانت خائفة جدّا، ترتجف، لكننى اعتدتُ مواجهة الوباء، ولا أسمح له أن يُخيف أحبابى، لذا قررتُ الانعزال مع السيدة حتى تطمئن وتستقر حالتها، وبالفعل ظللنا سويّا طيلة 3 أيام حتى عُدتُ إلى منزلى بعد الاطمئنان على حالتها، كانت أصعب الليالى خلال مسيرة المواجهة، لكننى أتوقع الأصعب». 