الأحد 16 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الدول العظمى.. من سيدفع التريليون؟!

دخلت الدول العظمى، خلال الأيام الأخيرة، فى سباق جديد لإقرار حزم تحفيز اقتصادية تصل قيمتها لتريليونات الدولارات؛ تستهدف منع انزلاق الاقتصاد فى ركود عميق بسبب تداعيات فيروس كورونا، يأتى ذلك بعد أقل من شهرين على إطلاق حزم تحفيز ضخمة للغاية، ما فتح الباب أمام التساؤلات حول قدرة دول العالم فى تجاوز هذه الأزمة.



 

الوضع الراهن

 

عند تشخيص الوضع الذى يمر به الاقتصاد العالمى فى الوقت الراهن، نتيجة تداعيات الفيروس المستجد، يمككنا القول أن الاقتصاد العالمى تلقى صدمة كبرى، لكن يبدو أن الاقتصاديات الكبرى لم تستوعب الدرس حتى الآن، فبحسب البنك الدولى،فإن انكماش الاقتصاد العالمى سيصل إلى نسبة 5.2 % فى العام 2020 بسبب تداعيات الوباء السريعة والضخمة، وذلك رغم المساعدات المالية غير المسبوقة.

 

واعتبر البنك الدولى أن الانكماش سيكون «الأسوأ» منذ الحرب العالمية الثانية، متوقعا أن تنكمش الاقتصادات المتقدمة 7.0 % فى 2020، بينما ستنكمش اقتصادات الأسواق الناشئة 2.5 %.

 

كما توقع بنك الاحتياطى الفيدرالى أن ينكمش الاقتصاد الأمريكى بنسبة 6.5 % هذا العام وينمو بنسبة 5 % العام القادم وهو الأمر الذى دفعه للالتزام بتدابير السياسات الميسرة لبعض الوقت، والحفاظ على سعر فائدة يترواوح ما بين صفر و0.25 %.

 

من جانبها، قالت «كريستالينا جورجيفا» مديرة صندوق النقد الدولى إنه من المرجح جدا أن يجرى الصندوق المزيد من الخفض لتوقعاته للنمو العالمى،مؤكدة أن فيروس كورونا يلحق ضررا بالكثير من الاقتصاديات بصورة أكثر حدة مما كان متوقعا فى السابق.

 

وتابعت: «البيانات الواردة من دول كثيرة أسوأ من توقعاتنا المتشائمة بالفعل، ومن المرجح جدا أن نصدر تحديثا لتوقعاتنا فى وقت ما من يونيو، وفى تلك المرحلة فإن توقعاتنا ستكون أسوأ بعض الشيء من حيث كيفية رؤيتنا للعام 2020». 

 

وكان صندوق النقد الدولى قد توقع فى شهر إبريل الماضى،أن إغلاق الشركات وإجراءات العزل العام سيدفعان العالم نحو أعمق ركود منذ الكساد الكبير عام 1930بما يدفع الناتج المحلى الإجمالى للعالم للانكماش بنسبة 3% فى 2020، مع خسائر تصل إلى 9 تريليونات دولار، ثم سيشهد الاقتصاد العالمى انتعاشا جزئيا فى عام 2021.

سباق جديد

 

فى السياق نفسه بدأت الحكومات الكبرى تتسارع لإجراء حزمة تحفيز جديدة بهدف المساعدة فى انتشال الاقتصاد من الدخول فى حالة ركود عميقة، تجعل دخوله فى حالة انكماش يتطلب سنوات. 

 

وأقرت الحكومة اليابانية، حزمة تحفيز جديدة بقيمة 1.1 تريليون دولار، تشمل إنفاقا مباشرا كبيرا، بهدف منع وقوع الاقتصاد الوطنى فى ركود عميق جدا، على خلفية انتشار فيروس كورونا المستجد. 

 

وأظهرت مسودة الميزانية اليابانية أن تمويل التحفيز البالغة قيمته 117 تريليون ين يابانى،سيتم بشكل جزئى،من ميزانية إضافية ثانية، وذلك عقب حزمة بنفس القيمة نفذت الشهر الماضى بالفعل.

 

وبهذه الحزمة الجديدة، يصل إجمالى إنفاق اليابان لمكافحة تداعيات الفيروس إلى 234 تريليون ين (2.18 تريليون دولار) ما يعادل 40 %، من إجمالى الناتج المحلى لليابان.

 

ويعد إجمالى الإنفاق اليابانى هو الأضخم فى العالم لمواجهة تداعيات كورونا، يليه برنامج المساعدات الأمريكى الذى بلغ 2.3 تريليون دولار، وهو ما جعل البعض يرى أن الدول الكبرى قد دخلت فى سباق تحفيز على غرار ما يطلق عليه سباق التسلح.

 

كما أقرّ مجلس النواب اليابانى ميزانية طارئة تبلغ قيمتها نحو 300 مليار دولار الأربعاء الماضى،والتى تأتى ضمن حزمة التحفيز الجديدة وذلك لمضاعفة للإجراءات الرامية لدعم ثالث أكبر قوة اقتصادية فى العالم.

 

وقال رئيس الوزراء اليابانى «شينزو آبى«، فى اجتماع مع مشرعين من الحزب الحاكم قبل أيام: «يجب أن نحمى الشركات والتوظيف بكل وسيلة فى مواجهة الطريق الصعب مستقبلا.. وأن نتخذ جميع الإجراءات الضرورية للاستعداد لموجة أخرى من الجائحة».

 

وتشمل الحزمة الجديدة، خطوات لزيادة الإنفاق الطبى ومساعدات للشركات التى تجد صعوبة فى سداد إيجارات، ودعم الطلبة الذين فقدوا وظائف مؤقتة، ومزيدا من الدعم للشركات التى تضررت من انخفاض المبيعات.

 

لم يختلف المر بالنسبة لألمانيا الاتحادية،  فبعد مفاوضات استمرت ليومين، توصل قادة أحزاب الائتلاف الحاكم فى ألمانيا،  إلى اتفاق بشأن حزمة تحفيز اقتصادى بقيمة 130 مليار يورو، سيتم إنفاقها خلال عامى 2020 و2021 لمواجهة تداعيات كورونا وتسريع تعافى أكبر اقتصاد فى أوروبا.

 

وتتضمن الحوافز شراء سيارات جديدة وتقديم مساعدات للبلديات المثقلة بالديون، وهو ما يمهد الطريق أمام برنامج للإنفاق العام أكبر بكثير من حزم تحفيزية مماثلة أقرها شركاء ألمانيا فى منطقة اليورو. 

 

وتتضمن حزمة التحفيز الألمانية خفض معدلات ضريبة القيمة المضافة لتعزيز الاستهلاك، كما تم الاتفاق على تقديم دعم للأسر المعيلة بقيمة 300 يورو عن كل طفل، وتوفير تمويل إضافى للبلديات لمواجهة تزايد البطالة، واستثمار 28 مليار يورو فى مشروعات البنية التحتية.

 

وتأتى هذه الحزمة بعد أقل من شهرين، من إقرار حزمة التحفيز الأولى والتى بلغت نحو ترليون و100 مليار دولار.

 

الديون والسندات

 

وبجانب ما أقرته الحكومة الالمانية مؤخرا،  أقر عدد من الحكومات الأوروبية خطط انقاذ مماثلة وعلى رأسها الحكومة الايطالية والبريطانية،  كما اقترح الاتحاد الأوروبى مؤخرا توفير حزمة تحفيز مالى بقيمة 750 مليار يورو (823 مليار دولار) فى خطوة غير مسبوقة تستهدف التغلب على أزمة الركود الاقتصادى الراهن.. ومن المتوقع توزيع مبلغ 500 مليار يورو على الدول الأعضاء فى صورة منح، وتخصيص 250 مليار يورو للقروض.

 

  ويتطلب تمويل تلك الحزمة من المفوضية الأوروبية اقتراض ما يصل إلى 750 مليار يورو من الأسواق المالية، كما يستلزم دعم جميع الدول الأعضاء الـ27 للمقترح.

 

وتثقل هذه الحزم من كاهل الحكومات الكبرى التى من المنتظر أن تحصل على هذه الأموال عن طريق إصدار سندات سيادية،  وهو ما يفتح المجال أمام صدامات كبرى على مستوى الاقتصاد العالمى،قد تصل لاندلاع الحروب.

 

وذكرت وزارة الخزانة الأمريكية، أن الدين الحكومى الأمريكى بلغ مستويات قياسية جديدة، إذ وصل إلى 26 تريليون دولار، ووفقا لبيانات الوزارة فإن الدين العام نما خلال السنوات الثلاث سنوات ونصف الأخيرة بمقدار 6 تريليونات دولار.

 

الحرب الثالثة

 

ومع كل هذه الإجراءات الاقتصادية «المبالغ فيها» خاصة بعدما أظهرت التجربة أن كثير من بلدان العالم بدأت السيطرة عليها فى غضون شهور معدودة، اتجه بعض الخبراء للحديث عن استغلال الجائحة لإحداث تغييرات اقتصادية ضخمة،  وكان من أشهر هذه الرؤى، رؤية عالم الاقتصاد الروسى «فالنتين كاتاسونوف».

 

ويفترض عالم الاقتصاد الروسى «فالتين كاتاسونوف» أن الحرب العالمية الثالثة - إذا ما نشبت - فستؤدى حتما إلى استعمال أسلحة الدمار الشامل، لذلك بدلا عن حرب ساخنة، يمكن أن تشنَّ حربٌ باردة أو «حرب الهجينة». 

 

وأشار لأن الحرب القادمة تعتمد على استعمال الوسائط المالية، والتجارية الاقتصادية، والنفسية، والإعلامية، وكذلك الأسلحة السيبرانية، والأساليب الخاصة عند أجهزة الاستخبارات ضد العدو، موضحًا أن ذلك كله لا يعطى السلطات صلاحيات تخولها الانتقال من أساليب السوق فى إدارة الاقتصاد، إلى الأساليب الإدارية، ما يعنى أن التغلب على الاختلالات الاقتصادية لن يُدرك، هذه المرة أيضا.

 

وأوضح «فالتين» أنه مع ظهور فيروس كورونا بدأت السلطات الغربية بتضخيم حالة الذعر جراء ذلك، وخلق جو من الرعب فى المجتمع، وباستغلالها حالة الرعب، تمسك السلطات بصلاحيات غير محدودة وتبدأ بالتدخل فى الاقتصاد. 

 

كما يرى أن الطريقة التى تتعامل بها الدول الغربية مع الوباء تناقض مبادئ الرأسمالية «الحضارية» كما يصفونها، مشيرًا لأن التسيير الإدارى لن يدوم إلى الأبد، فما أن تُصحح اختلالاتُ الاقتصاد حتى تعود ثانية أساليب السوق فى الإدارة والتسيير.

 

ويرجح «فالتين» أن يستمر نظام «حالة الطوارئ الاقتصادية» فى العالم حتى نهاية هذه السنة أو حتى منتصف السنة القادمة على أقصى تقدير، لافتًا لأن العالم سيشهد فى الفترة القادمة حالات إفلاس على نطاق واسع من شأنها إلغاء ديون ومطالب بتريليونات الدولارات، ليستعيد الاقتصاد العالمى أنفاسه من جديد.

ما يدعو للتساؤل أيضًا أن تكون إجراءات الإغلاق التى تبنتها تلك الدول قد أدت إلى كل هذه الخسائر المهولة فى الاقتصاد، خاصة أن نفس هذه الإجراءات اتخذتها دول نامية وفقيرة، لكن لم يكن لها نفس التأثير على الاقتصاد.