الإثنين 20 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

قواعد العمل فى «مملكة كورونا»!

لحظات تفكير وترقب تنتاب عددًا من العاملين فى القطاعين العام والخاص بعد إعلان خطة عودة الحياة إلى طبيعتها تدريجيًا اعتبارًا من الشهر الجارى، حسب الخطة الموضوعة من قِبل اللجان المختصة، إلاّ أن الاتجاه العام ما زال قائمًا على فكرة الانفتاح مرة أخرى، مع أخذ الإجراءات الاحترازية بعين الاعتبار؛ لتحقيق التوازن بين الحفاظ على صحة المواطنين، والمحافظة على سير العملية الإنتاجية، وقوة اقتصاد الدولة.



 

عودة الحياة إلى طبيعتها مرة أخرى تعنى عودة النشاطات كافة، مع قليل من الحرص، لكن أهم ما يعنيه القرار هو عودة العمل من المكتب ومقرّات الأعمال الرسمية، بعد مرور 4 شهور مارس فيها العاملون بقطاعات الدولة المختلفة (العامة منها والخاصة)، أعمالهم عن بُعد، لتنتهى مرحلة العمل المنزلى المؤقت من على أريكة الـ«أون لاين».

 

 

توفير نفقة المواصلات

 

 

3 شهور مرّت منذ إعلان الموقع الإخبارى، الذى تعمل فيه «أميرة.م»، من المنزل بعدما طُلب منها تأدية نفس وظائفها اليوميّة خلال مدة الدوام الصباحى الذى يبدأ فى التاسعة صباحًا وحتى الرابعة مساءً يتخلله متابعة لحظية للأخبار المحلية والعالمية، وتغطية حيّة لكل أرجاء العالم الذى بات على صفيح كورونا الساخن وأحداث جديدة كل لحظة وصراعات دولية وتغطيات محلية تفتح فيها أميرة عيونها عبر شاشة جهازها المنزلى الصغير؛ حتى لا يفوتها أى خبر أو نبأ تطيره وكالات الأنباء فى التو واللحظة. 

 

تقول أميرة لـ«روز اليوسف»: «العمل من المنزل ساهم فى ادّخار مرتبى كاملاً بعدما استطعت توفير نفقة المواصلات اليومية، إضافة لتوفير مصروفات الطعام خلال اليوم، لاسيما وأن مرتبات العاملين فى الصحافة زهيدة للغاية، والتى تنتهى قبل منتصف الشهر تقريبًا، لذلك كان للعمل عن بُعد فوائد جمّة بالنسبة لى، ولعدد من الزملاء أيضًا».

 

تواصل أميرة حديثها وعيناها تراقب شريط الأخبار، فعادة ما يكون يوم الإعلان عن قرارات جديدة للحكومة خاصة بأزمة فيروس كورونا سواء في مؤتمر صحفى لرئيس الوزراء أو بيانات متتالية للحكومة ووزارة الصحة يومًا مشحونًا بالأخبار المهمة، يعنى «يوم ضغط جامد»:«كان يوم أربعاء مشحونًا جدًا، لأننا نكون على موعد مع إعلان أخبار جديدة، وتصريحات مهمة حول برنامج الحكومة فى ساعات حظر الانتقال خلال عيد الفطر، وخطة الانفتاح التدريجى بعد انتهاء إجازة العيد والعودة للعمل مرة أخرى، وهو ما أقابله بالخوف الشديد».

 

تواصل أميرة ضاحكة: «لا أريد العودة مرة أخرى للعمل المكتبى، أريد استكمال الخطة التى رسمتها لنفسى خلال فترة العمل من المنزل، لكن للأسف حدث ما كنت أتوقعه، فقد قررت الدولة العودة للحياة الطبيعية منتصف الشهر الجارى، وحسب خبرتى فى المجال الصحفى، لن تتردد بعض المنصات الإخبارية فى الموافقة على العمل من مقر العمل وهو أمر مزعج للغاية ولن أستطيع التكّيف معه مرة أخرى بسهولة».

 

البُعد عن الناس غنيمة

 

انطوائى الطبع، منعزل بالفطرة، كانت تلك الصفات التى اشتهر بها محمد سمير، المختص بصيانة الأجهزة الإلكترونية بإحدى الشركات الخاصة فى مصر الجديدة، الشركة التى أُصيب فى شارعها الجانبى 5 حالات بالفيروس التاجى، وهو  ما دفعها إلى مخاطبة طاقمها للعمل من المنزل بداية من 20 مارس الماضى؛ حتى يستقر وضع الوباء المتفشى فى البلاد.

 

وبينما كان القلق يسيطر على الموظفين بعد إعلان الشركة تخوّفاتها، كان لـ«محمد» رأى آخر: «كنت سعيدًا جدًا بالخبر، لأن بطبعى لا أحب الاختلاط مع الناس كثيرًا، لكن لا يمكننى تحقيق ذلك وسط السّعى والعمل ضمن فريق، أرحب أكثر بالعمل الفردى الهادئ دون مناقشات وجدالات تضيع الوقت والمجهود فى اللا شيء من وجهة نظرى».

 

خطط جديدة وطويلة وضعها مهندس الصيانة بعد تأكده من أن العمل المنزلى سيدوم؛ حتى تعود الحياة لطبيعتها من جديد: «بالطبع لا أتمنى تفشى فيروس كورونا، لكن لا أستطيع أن أنكر أننى سعيد بالعزل المنزلى جدًا بعيدًا عن الصّخب والضوضاء وعوادم السيارات، وحديث الناس الذى لا ينتهى، لكن تحطم كل شىء عقب الإعلان عن العودة منتصف يونيو الجارِى، فأنا تعوّدت على المنزل، وأعددت الاستيقاظ فى مواعيد جديدة أكثر راحة، بدأت ممارسة عملى من شُرفة منزلى الهادئة، فكيف يمكننى مقاومة صخب المكتب مرة أخرى، الآن، بعد أن أعلنت الشركة العمل من مقرها؟»

 

 

موظف أكثر إنتاجية

 

«لا أعلم لماذا نعود إلى العمل المكتبى حتى وإن انفتحت الدولة مرة أخرى؟ العمل يسير بأكثر إنتاجية عن بُعد، نستطيع عمل اجتماعات (أون لاين) للحالات الطارئة، نتمكن من التواصل جيدًا، أصبحنا نعمل بـ«تارجت» أكبر من المعتاد وما زلنا مرحبين؟، فلم العودة إذًا؟» بهذه الكلمات عبّرت شيماء الحصرى عن غضبها بشأن ما يتردد عن العودة لمقر العمل خلال الأيام القليلة المقبلة، فشيماء تعمل مصممة جرافيك بإحدى شركات التسويق الإلكترونى، وحصلت على دوام منزلى منذ يناير الماضى، أى قرابة 6 أشهر تعمل فيها من منازلهم». 

 

حول طبيعة العمل من المنزل تقول شيماء: «أحب غرفتى للغاية، فأنا صمّمت كل ركن فيها بنفسى، لذلك أعتبرها ملجأى الخاص، وفيها أصبحت أكثر إنتاجًا، وإلهامًا، يمكننى العمل على تصميم يوم كامل دون ملل، عكس العمل المكتبى الذى أحاول فيه مصارعة الوقت حتى ينتهى موعد الدوام وأعود للمنزل مسرعة بين مقتنيات غرفتى الجميلة، هذا ليس رأيى فقط، حتى رؤسائى فى العمل يرون ذلك، حصلت على مكافآت كثيرة خلال مدة عملى المنزلى، فلماذا نعود إذًا للضغط العصبى ومتابعة المديرين لنا، وكأن الفريق فى لجنة امتحان، فى الوقت الذى يتجه فيه العالم للعمل الإلكترونى كنوع من أنواع توفير النفقات!».

 

 

لعنة التواصل

 

على مرفأ آخر من شط تأمل قرار الحكومة بالعودة التدريجية للعمل، يعانى البعض من فكرة العمل المنزلى للموظفين، لاسيما المديرين الذين وجدوا صعوبة فى التواصل مع فريق العمل، إضافة إلى نوع من فقد السيطرة عليهم، وهو ما يراه عُدى، مدير قسم بإحدى شركات الاتصالات: «لم أستطع معرفة أين الفريق وماذا يفعل طوال فترة الدوام؟، رغم المتابعة اللحظية أون لاين والاجتماعات الدورية، لكن تظل السيطرة غير كاملة،.لم أجد زيادة حماس من العاملين مثلما كنت أتوقع، بل ازدادت الأزمات بين الفريق بعضه ببعضه، لذلك أفضل العودة للمتابعة المباشرة».

 

تأهيل النفس

 

يرى الطبيب النفسى الدكتور أحمد هلالى أن العودة للدوام بعد التأقلم مدة كبيرة على العمل من المنزل سيكون صعبًا بعض الشيء، لافتًا إلى أن الأمر يشبه شخصًا اعتاد العيش فى بيئة ما، ثم ينتقل مرى أخرى بشكل مفاجئ لمكان آخر، وقد يؤثر هذا على قوة الإنتاج فى البداية.

 

أضاف هلالى أن الموظفين الذين سيضطرون للنزول والعمل مرة أخرى من المكتب بعد الإجازة الطويلة، لا بدّ وأن يعملوا هذه الفترة على تأهيل أنفسهم قبل عودتهم الإجبارية؛ للحد من الآثار السلبية التى قد تصيبهم جراء التغيير الطارئ، على سبيل المثال الالتزام الاستيقاظ فى مواعيد العمل العادية، التواصل مع الزملاء، ومتابعة العمل بشكل جيد، مؤكدًا أن تجاهل التمهيد يمكن أن يُصيب البعض باكتئاب لفترة مؤقتة.