الأسطى نيرمين!
هاجر عثمان:
تسيطر أخبار كورونا على العالم وتسبب حالة من الذعر لجميع شعوب العالم، ومعه اختفت كل الأخبار والنماذج الإيجابية فى المجتمع، التى تحاول السير عكس التيار خاصة فى ظل العديد من التحديات المجتمعية وكذلك الظروف التى فرضها الفيروس على جميع المواطنين بصفة عامة والنساء بصفة خاصة.
نيرمين ناجح، واحدة من العناصر الإيجابية التى شقت طريقها بصعوبة حتى أصبحت أول امرأة مصرية تمارس مهنة «النقاشة»، نجحت على مدار 18 سنة فى أن تصنع لنفسها اسمًا وسمعة طيبة فى مهنة يسيطر عليها الرجال، ولمهارتها ودقة عملها كسبت ثقة الزبائن.
«هى الستات عايزة من شغلنا إيه؟! ارجعى بيتك واطبخى لولادك مش هتقدرى على شغل الرجالة».. هكذا تتذكر نيرمين ناجح، ردود الفعل المليئة بالتنمر والاستنكار فى أول يوم عمل لها بإحدى الفيلات التى تسلمت أعمال الدهانات بها.
تحدث نيرمين مع «روز اليوسف» عن حياتها ومشوارها فى مهنة النقاشة وأسباب اختيارها لها والصعوبات التى واجهتها، لتصبح أول امرأة مصرية تعمل بالمهنة والتى طالما كانت حكرًا على الرجال.
نشأة صعيدية
ولدت نيرمين فى محافظة الفيوم لأسرة ذات أصول صعيدية تعمل فى تجارة الدواجن، وبعد وفاة والدها انتقلت مع والدتها للعيش فى القاهرة، ولعبت تربية والدتها دورًا كبيرًا فى حياتها، فالأم تحملت مسئولية 4 فتيات وذكرًا: «أمى أكملت عمل والدى فى تجارة الدواجن والسفر للمزارع لشرائها وكان عملًا يسيطر عليه الرجال، لذا حرصت على تربية البنات مثل الرجال، عودتنا على شق طريقنا فى الحياة وإثبات أنفسنا لكسب رزقنا بجهد وجلد».
لظروف عائلية لم تستطع نيرمين إكمال تعليمها وتوقفت عند الإعدادية، وانطلقت لسوق العمل فى مهن مختلفة كالتمريض لست سنوات، وبائعة فى محلات ملابس، وغيرها من المهن حتى تعرفت على زوجها عاطف فى 2002 وهو صاحب ورشة دهانات: «منذ أيام الخطوبة وأثناء زيارتى للورشة جذبنى عالم الدهانات، وكنت دائمة السؤال عن كواليس المهنة ونوعية الخامات وأسمائها، ولكن لم أمارسها إلا بعد زواجنا».
أول شغلانة
بدايات عمل نيرمين بالدهانات كانت مختلفة مثل طبيعتها الشخصية تمامًا، فبعد أسبوعين فقط من الزواج، تراكم الشغل على زوجها فى الورشة بسبب إجازة الفرح، وكان على رأس الطلبات صالون لشخصية ثرية كان مطلوب طلاءه فى أسرع وقت: «طلبت من عاطف إحضاره للمنزل لأن الصالون كان غاليًا، وقماشه مستورد، وبدأت العمل عليه وعندما عاد عاطف من الورشة فوجئ بما نفذته، وظل يشجعنى على كل الخطوات حتى أنجزته، وحصل عاطف من الزبون على مكافأة 200 جنيه إضافية للجودة النهائية».
متعة العمل
تعلمت المهنة بالممارسة مع زوجها: «استفدت من انتقالنا عدة مرات لشقق جديدة نظرًا للإيجار الجديد، وكانت كل مرة فرصة للتدريب على أعمال النقاشة، ولم تمنعنى فترات الحمل والولادة عن العمل، بل عندما كان يحدث تقصير فى الصنايعية المساعدين مع زوجى، كان يتصل بى ويطلب منى ارتداء ملابس الشغلانة والذهاب سريعًا لمساعدته، وكانت سعادتى لا توصف بهذا الاتصال، كانت أشبه بعزومتى على دريم بارك أو نزهة جميلة».
طورت نيرمين من نفسها من خلال مشاهدة فيديوهات لتعليم النقاشة على يوتيوب ومساعدة زوجها، وأصبحت معروفة ومطلوبة للعمل فى محيط الجيران والأصدقاء: «تسلم زوجى مقاولة كبيرة ولضغط العمل، كان سيرفض الذهاب لتشطيب فيلا، ولكنى طلبت الذهاب بدلًا منه، وعندما عرض الأمر على مهندس الديكور المسئول عن الفيلا، قال له يهمنى أستلم شغل نضيف سواء منك أو من زوجتك».
أول يوم عمل
تتذكر نيرمين ناجح تفاصيل أول يوم عمل بمفردها قائلة: «كانت تملأنى مشاعر مختلفة بين الخوف والرغبة فى إثبات الذات والنجاح أمام نفسى قبل الناس أو المهندس المسئول، كانت مهمة صعبة مليئة بالتحديات فهى ليست شقة صغيرة لن تظهر فيها عيوب النقاشة ولكن فيلا كبيرة والمساحات الواسعة تبرز العيوب بوضوح، وكان هناك صوت داخلى يقول لى هتقدرى تعملى حاجة وتنجحى».
فى هذا اليوم واجهت نيرمين تنمرًا وسخرية من الصنايعية المتواجدين بالفيلا خاصة الكهربائى، الذى طلب منها العودة للمنزل وطهى الطعام للأطفال وترك شغل الرجالة!: «استلمت عملى، وعندما جاء اليوم الثانى ووجدته ينظر لأحد الجدران قائلًا الله ينور ياسطى تسلم إيديك، لو راجل مش هيطلع الشغل مظبوط كده.. ومن ثم بدأت أكسب ثقة الصنايعية يومًا بعد الآخر، أصبحوا متعاونين وداعمين، يصنعون لى كوبًا من الشاى، حتى نجحت في تشطيب ودهان الفيلا فى 9 أيام بدلًا من 40 يومًا.. وفاجأت مهندس الديكور المسئول عن الفيلا من السرعة والجودة التى خرجت بها أعمال النقاشة».
7 صنايع
لم يتقصر عمل نيرمين فقط على أعمال الدهانات ولكن تقوم بمهن مختلفة فى ورشة زوجها المخصصة لجميع أعمال الدهانات: «نحن لا نقف على مهنة واحدة، ماذا لو انخفض الطلب على النقاشة؟! نحن نربى 4 أطفال ولدينا التزامات كثيرة، لذا أقوم بأعمال الأستورجى، ولصق الورق الذهبى على الأسقف والجدران، وأعمال الدوكو واللاكيه، التى هى أساس أى نقاش شاطر، وخياطة أقمشة تنجيد الصالونات»، كما أنها تتعلم رسم الجداريات من خلال فيديوهات على يوتيوب، بدلًا من الاستعانة بعامل للرسم.
وعن كيفية قيادتها للصنايعية والعمال المساعدين أثناء التشطيب، تقول نيرمين: «لا يوجد فرق بينى وبينهم، أنا أسطى صنايعى مثلهم، هدفنا إنجاز الشغل وخروج الدهانات بجودة عالية، لا يستقبلون توجيهاتى بخصوص تعديلات فى الدهانات بتحفظ أو استنكار لكونى أمراة ولكن لكونى أسطى الشغلانة، وهذه الثقة تكونت بعد سنوات من الجهد والعمل، عمرى فى مهنة النقاشة 18 عامًا، وأتلقى عبارات مدح من أسطوات كبار فى النقاشة، بل يطلب زملائى الصنايعية من محافظات مختلفة مثل سوهاج، أسوان والأقصر بث فيديوهات لهم أثناء قيامى بلصق الورق الذهبى على الأسقف والجدران لمهارتى فيه»، وتعتزم تنظيم رشة عمل فى فن لصق وتركيب الورق المذهب على الأسقف بعد انتهاء أزمة كورونا.
ترفض نيرمين ناجح تصنيف أى عمل بسبب الجنس: «الشغل واحد، وكل شخص وشطارته وصبره، لم يكن سهلًا الصعود على سقالة فى الأدوار العليا وتحمل التنمر فى بداية عملى من الصنايعية تجاه امراة تمسك بالفرشاة وتدهن الجدران.. وتم تجاوز التحديات.. واليوم فخورة بما وصلت له وتحقيق حلمى».
الفنون القتالية
لا تنكر نيرمين دور زوجها فى حياتها حيث كان الداعم الأول لها فى المهنة: «لم يكن أنانيًا تجاه رغبتى فى تحقيق حلمى وكيانى المستقل، كان يشجعنى فى كل خطوة، كان يخشى علىّ مثل أى رجل شرقى، ولكن كان يتعامل مع الخوف بشكل إيجابى، طلب منى تعلم الفنون القتال مثل الكونغ فو لكى أتمكن من حماية نفسى، لذهابى بمفردى لتشطيب فيلات أو وحدات سكنية بالمناطق السكنية الجديدة كالتجمع، الرحاب، الشروق».
وعن المنافسة مع الزوج بعد أن أصبح لها زبائن.. تضحك نيرمين قائلة: «عاطف ليس زوجًا غيورًا بل يسعد لنجاحى وسمعتى فى المهنة، عندما يتلقى اتصالات الزبائن يرد بفرح «نعم أنا زوج مدام نيرمين»، لا يشعر بأى ضغينة تجاه عملى، بل نساعد بعضنا فى العمل».
ماما نقاشة
وعن تقبل الأبناء لمهنة الأم النقاشة، تقول نيرمين:«لدى ثلاث بنات؛ ساندى (16 عامًا)، سيلفيا (14 عامًا)، سارة (10 أعوام) وكيرلوس (7 أعوام)، وجميعهم فخورون بعملى، فأصدقاء ابنتى الكبرى يتحدثون عن مهن آبائهم الطبيبة والمهندسة.. إلخ، وهى تقول بلا تردد (ماما نقاشة)، ترانى شخصية مميزة».
الأم المثالية
حصلت نيرمين ناجح على العشرات من شهادات التقدير والتكريمات من جمعيات نسوية وأمانات المرأة بالأحزاب ولقب الأم المثالية على محافظة الفيوم: «منذ صغرى ولدى أحلام كبيرة وأقرأ عن نساء سجلن اسمهن فى كتب التاريخ بعملهن وبمبادرتهن المختلفة، كان لدى شعور إنى سأكون مثلهن يومًا ما، وسعادتى رغم الصعوبات التى واجهتها فى حياتى وعدم استكمال التعليم أن ربنا ساعدنى على تحقيق حلم آخر وسعيدة بتكريم ربنا أكثر من حصولى على لقب أول نقاشة فى مصر».
المرأة ضد المرأة
ترى نيرمين أن الأفكار الذكورية التى تحارب عمل المرأة وقدرتها على تجربة مهن جديدة ومختلفة لا تقتصر على الرجال فقط ولكن واجهتها من نساء: «وجدت تنمرًا واستنكارًا من بعض النساء يطلبن منى الجلوس فى المنزل وعدم تعريض نفسى لشقاء عمل الرجال، أو العمل بالتمريض أو على ماكينة تنجيد أقمشة الصالونات، ولكن لا يتفهم أحد فكرة حبى للمهنة ورغبتى فى ترك بصمة مميزة فيها وأنه لا فرق لدى بين مهنة رجال ونساء».
تؤكد نيرمين أن السيدة المصرية قادرة على صناعة المعجزات والإنتاج والنجاح خارج وداخل المنزل، ولكن عليها التركيز على مواهبها وتطوير ذاتها باستمرار، وألا تقف فى مشوارها بسبب الخوف من كلام الناس أو نظرة المجتمع السلبية، طالما تسعى للعمل بجدية وعزيمة.
كورونا والزبائن
وعن تأثير أزمة كورونا على سوق العمل خلال هذه الفترة، تقول نيرمين: «الحمد لله فى شغل، البلد مش واقعة أوى زى ما الناس بتهول، أحيانًا نغلق باب الورشة بعد مواعيد الحظر، لاستكمال خياطة أقمشة الصالونات أو طلاء بعضها، وأتواصل مع الزبائن لتشطيب الوحدات السكنية، من أجل ترتيب مواعيد خلال الفترة المقبلة مع استقرار الأوضاع».