الإثنين 20 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

كتب الخديعه والفتنه : إبليس يبحث عن ملاذ

كتب الخديعه والفتنه : إبليس يبحث عن ملاذ
كتب الخديعه والفتنه : إبليس يبحث عن ملاذ




 
الكتاب يتكون من 6 أبحاث، الثقافة العلمية والبؤس الدينى، مأساة إبليس، رد على نقد، معجزة ظهور العذراء، التزييف فى الفكر المسيحى الغربى المعاصر، مدخل إلى التصور العلمى المادى للكون وتطوره، بالإضافة لملحق يتضمن وثائق محاكمة المؤلف والناشر.
أثار الكتاب الإسلاميين عليه مما أدى إلى محاكمة المؤلف والناشر بشير الداعوق لاتهامهما بالتحريض على إثارة النعرات الطائفية وازدراء الديانات السماوية، وقد تم الحكم ببراءتهما باعتبار أنه رأى فلسفى ولا يوجد إجراء قانونى يحاكمهما على أفكارهما ومعتقداتهما باعتبار أن الدستور اللبنانى يكفل حرية الفكر والمعتقد، ومع ذلك بقى الكتاب ممنوعاً من التداول.
تقوم فكرة الكتاب على نقد الفكر الدينى الإسلامى والمسيحى، وكمثال لنقد الفكر الإسلامى نقرأ بحثاً بعنوان «مأساة إبليس»، حيث اعتبر العظم أن إبليس من الملائكة المجبورين على طاعة الله، وأن التدبير الإلهى لإخراج آدم من الجنة اقتضى منع سجود إبليس.
ويرى: «أن إبليس واقع فى قبضة الله القاهرة خاضع خضوعاً تاماً لقدره وأحكام مشيئته، شأنه فى ذلك شأن بقية المخلوقات، مما يبطل مفعول الأمر والنهى عنه».
وقد أخطأ العظم فى اعتباره أن المشيئة الإلهية قهرت إبليس، فهناك مشيئة للخالق: (.. يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ..) آل عمران 47 ومشيئة للمخلوق: (.. فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ) الكهف 29، ومشيئة للخالق وللمخلوق معاً: (..يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِى مَنْ يَشَاءُ..) النحل 93 وتعنى أنه تعالى يهدى ويضل من يشاء ويسعى بنفسه للهداية أو للضلال، وهو ما فعله إبليس لنفسه من سعيه للضلال.
ويقول العظم: «إذا كان اللـه صانع الأشياء كلها ومقدر الخير والشر على عباده لماذا أراد للناس أن يعتقدوا أن إبليس هو سبب الشر؟ هل باستطاعتنا أن نعلل هذه المفارقة بردها إلى إحدى الصفات الإلهية المعروفة؟ أعتقد أن الصفة الإلهية هى صفة المكر».
وقد أخطأ العظم فى كلامه عن المكر: (..وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) الأنفال 30.. فى الآية وصف تعالى استهداف الكفار للنبى بالمكر، فجاء الرد بمكر منع قتل النبى عليه الصلاة والسلام، ولو جاءت العبارة «والله أحسن الماكرين» لكانت تعنى المكر الأحسن فى الخير أو الشر، ولكن (خَيْرُ) حددت أن مكر الله للخير فقط.
واعتبر العظم قصة إبليس مثالاً للتناقض الدينى، وأنها أسطورة تنتهى بمأساة بطلها القديس المظلوم الذى وضع بين الأمر بالسجود لآدم وبين رفضه السجود لغير الله، ولذلك أخذ الكاتب بكلام إبليس ورفض كلام الله.
وافتراض العظم أن إبليس كان من الملائكة قد يكون افتراضاً صحيحاً ولكن تم استخدامه بشكل غير صحيح، فقد جاء على لسان النبى محمد عليه الصلاة والسلام فى تلاوة قصة خلق آدم: (مَا كَانَ لِى مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلإٍ الأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ) ص 69 أى ليس له معرفة باختلاف الملائكة واعتراضهم على خلق آدم، والجن لا يدخلون الملأ الأعلى: (وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعْ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَصَداً) الجن ,9 ولكنهم فقط كانوا يحاولون أن يستمعوا أخبار الملأ الأعلى ثم تم منعهم، ولو كان إبليس من الجن فكيف دخل الملأ الأعلى إن لم يكن من الملائكة؟.
ونفهم ذلك من قوله تعالى: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنْ الْجِنِّ..) الكهف 50 أى أصبح من الجن، فمن معانى كان فى القرآن أن تأتى بمعنى أصبح: (.. فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللَّهِ قَالُواْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ..) النساء 141 أى فإن أصبح لكم فتح.
فالأمر صدر لكل الملائكة وسجدوا جميعاً إلا إبليس: (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ.إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) الحجر 30-31  وسأله تعالى عن عدم سجوده إن كان تكبراً أو تعالياً: (قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَىَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ) ص 75 ويؤكد إبليس على استكباره الذى يرجع إلى خلقته النارية: (قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِى مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) ص 76  ونلاحظ أنه تعالى لم يوضح لنا مادة خلق الملائكة. 
فإن لم يكن من الملائكة فلا داعى لمراجعته: (قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ) الأعراف 12  فإما أن إبليس من الملائكة ومأمور بالسجود لآدم ولكنه استكبر فعاقبه تعالى بالطرد فأصبح من الجن، أو أن إبليس من الجن ورفضه السجود طبيعى فالأمر للملائكة وليس للجن وبالتالى فمعاقبته ظلم.
والأمر للملائكة بالسجود لآدم هو إقرار بأفضلية آدم عليهم وهو من السجود المعنوى مثل: (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ) الرحمن 6  ويعنى الإقرار بالطاعة لله، أما حركة السجود فترتبط بفعل خر: (..وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا..) يوسف 100 وتعنى الهبوط بالرأس حتى تقترب الذقن من الأرض مثل السجود فى الصلاة. 
ويتمادى إبليس: (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِى لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) الأعراف 16 وقول إبليس (أَغْوَيْتَنِى) جاء فى موقع اللوم على الله، لإدراك إبليس أن تفضيله لنفسه على آدم هو الذى أدى به إلى التكبر فأراد نسبة ذلك إلى الله.
والغواية من الفتنة والإختبار: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) العنكبوت 2 ومنها إغواء إبليس أى اختباره بإعطائه حرية القرار فى السجود لآدم: (قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِى..) الحجر 39 وقد اعتبر إبليس اختباره غواية ودافعاً للمعصية.
والفرق بين إغواء الله تعالى لإبليس وبين إغواء إبليس للإنسان، أنه تعالى أعطى إبليس الحرية فى اتخاذ القرار دون تدخل، بينما إغواء إبليس هو تدخل فى قرار الإنسان: (..لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِى الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) الحجر .39
وقد يكون صحيحاً افتراض العظم بأن إبليس كان من الملائكة، إلا أنه أخطأ فى باقى بحثه عن إبليس، فقد بنى فكرته على اعتبار أن إبليس رفض السجود لغير الله مع أنه رفض الأمر تكبراً، واعتباره مظلوماً لاستخدامه كأداة لتنفيذ المشيئة الإلهية مع أنه شاء وقرر الاستمرار فى عصيانه، وأنه وقع ضحية المكر الإلهى مع أنه هو الذى قرر أن يستخدم المكر فى إضلال الناس.
ولذلك كان منهج العظم فى نقد الفكر الدينى خاطئاً ونتائجه غير صحيحة.