الخميس 27 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
 الجمال الموازى

الجمال الموازى

الوقت.. والحُب.. والموت.. ثلاثة معان تُعرّف الحياة وتُحددها وتُشكل الدوافع الأساسية فيها.. كما أنها المعانى التى يتساوَى فيها البشر أجمعين، فلا يأخذ أحدٌ ساعة إضافية تجعل يومه أطول من يوم غيره.. ولا ينجو أحدٌ من قفزة الحُب إلى قلبه.. ولا يهرب أحدٌ من مصير البَشر أجمعين..  كانت تلك المعانى الثلاثة هى محور حديث «هوارد إينلت» بطل فيلم (Collateral Beauty)، الذى قام البعض بترجمته إلى: جمال جانبى.. ولكن بعد مشاهدة الفيلم أظن أن الترجمة الأفضل هى: الجمال الموازى..  هوارد إينلت (ويل سميث) هو الشريك الأهم، والأكثر فعالية فى شركة الإعلانات التى تضم ثلاثة شركاء آخرين بالإضافة له.. وهو متوقد الذكاء ومؤمن بأن المعانى الثلاثة: الوقت والحُب والموت هو ما يجب أن يكون محور أى إعلان حتى ما يصل محتواه لأى إنسان.. ولكنه يفقد ابنته الطفلة وينقلب حاله تمامًا.. يصمت ويرفض العمل ويعيش حياة غريبة.. يذهب كل يوم إلى شركة الإعلانات لا ليعمل بل ليبنى بقطع الدومينو هياكل متسعة كبيرة على عدة مناضد متلاصقة.. ثم بعد أن ينتهى من رصّها فى عدة أيام يأتى ليهدمها بلمسة يد واحدة.. وكأنه فى كل مَرّة يعيد تصوير ما جرى فى حياته التى تهدمت بموت ابنته بعد أن كانت مبنية بعناية شديدة.. تبدأ مشكلة الفيلم بتعرُّض الشركة لهبوط شديد بسبب صمت وسلبية واكتئاب هوارد.. ورُغم حُب شركائه له، يتفقون على تأجير مُخبر سرّى (سيدة) لتتبع هوارد وتصوره فيما يمكن استخدامه لإثبات عدم قدرته العقلية على إدارة الشركة وبالتالى يحصلون على أسهمه وعلى الإدارة كاملة لهم.. وأول ما تقوم به هذه المخبرة السّرّيّة هو الحصول على ثلاثة خطابات كتبها هوارد للمعانى الثلاثة: خطاب للوقت، وآخر للحُب، وأيضًا خطاب للموت.. يقرأ الشركاء الثلاثة الخطابات الثلاثة ويقررون أن يبدأوا منها لإثبات عدم أهلية هوارد.. ثم تقود الصدفة أحد الشركاء لمجموعة ممثلين مغمورين يبحثون عن تمويل فرقتهم، فيتفق معهم للقيام بخطة جهنمية يقوم فيها الممثلون الثلاثة بتقمص أدوار الوقت والحُب والموت ويظهر كل منهم لهوارد على حدة وكأنه يرد بنفسه على الخطاب الذى أرسله له هوارد.. وبالتالى تحدث له هزة وشك فى نفسه؛ وبخاصة إذا استطاعوا إقناعه أنهم يظهرون له وحده ولا يراهم أحدٌ سواه.. فى الوقت نفسه، تقوم المخبرة السرية بتصوير هوارد وبعد ذلك يقومون بمحو صورة الممثل من المقطع ويظهر هوارد وكأنه يتحدث إلى شخصية فى خياله اسمها الوقت، وفى مقطع آخر يجادل الموت، وأيضًا الحُب.. الفكرة هنا هى أن كل واحد من الشركاء الثلاثة عنده مشكلة شخصية.. صاحب مشكلة الموت - الشريك الذى سيموت بعد فترة قصيرة بسبب مرضه الشديد - هو الذى يتابع الممثلة التى تقوم بدور الموت فى خطة إسقاط هوارد.. والشريكة التى فاتها الوقت وجرى عمرها فى العمل دون أن تتزوج وتنجب أولادًا تصير هى المسئولة عن متابعة الممثل الذى يقوم بدور الوقت.. وأخيرًا يقع نصيب الشريك الذى يُطلق زوجته ويترك ابنته من أجل حُب امرأة أخرى فى متابعة الممثلة الشابة التى تقوم بدور الحُب فى مسرحية هوارد الشريرة.. لم يجد الفيلم حظّا مع النقاد على الإطلاق.. فقد وجدوا أن القصة ملتوية وأن كمّ الكآبة عالٍ جدّا وأن القصة لا تستحق أن يُجسدها هؤلاء الأبطال العمالقة بأدائهم المتميز.. وقال بعض النقاد إن التفلسف فى مفهوم (الجَمال) لا علاقة له أبدًا بجو الفيلم الكئيب وتناوُل مفاهيم الوقت والحُب والموت.. وهى العوامل الأساسية التى تهزم الإنسان وقد هزمت البطل.. فالوقت لم يمهله ليتمتع بابنته، والحُب الذى أحبه لها لم يترك قلبه عندما ماتت، والموت أخذها منه.. ربما لديهم بعض الحق.. ربما لم يتم إخراج الفيلم بشكل يوضح معانى القصة!! لا أدرى.. ولكن رسالة الفيلم هى: لكل موقف فى الحياة الإنسانية مَهما بدا مظلمًا وقبيحًا بعض الجَمال.. والجَمال يوازى القبح.. كلاهما يسيران معًا.. فقط عليك كإنسان أن (لا تنسى مشاهدة الجَمال الموازى فى كل موقف).. وهى الرسالة التى تتكرر فى الفيلم.. فى تلك المسرحية القبيحة للإيقاع بهوارد جَمال جانبى.. نجحت الخطة وتنازل هوارد عن الإدارة.. ولكن الجَمال الجانبى هو أن الشركاء الثلاثة تم شفاؤهم من مشكلات الموت والحُب والوقت.. وهوارد نفسه عاد للحياة وتقبَّل موت ابنته وعاد لزوجته التى تركها بعد موت ابنتهما.. الجَمال الجانبى هو ما رأته زوجة هوارد، ما جعلها تحوّل حزنها على موت ابنتها إلى جلسات علاج نفسى لمن فقدوا أطفالهم مثلها.. 



رسالة الفيلم - ولو أنها ليست واضحة - هى: تصالح مع المعانى الثلاثة واقبلها، بل حاول أن ترى الجَمال الموازى فى الحياة قبل أن تنفلت من بين يديك..