طائرة تجسس بـ 300 دولار

منى بكر
الطائرات بدون طيار التى تستخدم فى المجال العسكرى سواء الطائرات المسلحة فى حربى الولايات المتحدة فى العراق وأفغانستان أو للمراقبة أو حتى التجسس على كوريا الشمالية بعد الأزمة الأخيرة التى أعلنت الولايات المتحدة واليابان على أثرها عزمهما نشر طائرة تجسس لمراقبة الأوضاع فى شبه الجزيرة الكورية.
استخدام هذا النوع من الطائرات شهد تطورا مثيرا فلم يعد حكرا فقط على الأغراض العسكرية، بل شمل أيضا الاستخدامات المدنية مثل رش الأراضى الزراعية بالمياه أو المبيدات ومجالات مصايد الأسماك وفحص خطوط الأنابيب وشبكات الكهرباء ومراقبة خطوط الغاز والنفط، فضلا عن الاستعانة بها فى العثور على المفقودين فى الكوارث الطبيعية أو المناطق المائية وإنقاذهم، كما تستخدمها الشرطة فى الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية للبحث عن الخارجين عن القانون.
فى الهند قررت الحكومة أوائل الشهر الجارى تخصيص طائرات بدون طيار لمراقبة المحميات الطبيعية بعد زيادة هجمات الصيادين على حيوان وحيد القرن المهدد بالانقراض. تزويد الطائرات بكاميرات لديها قدرة على التقاط صور عالية الجودة بدلا من نشر أعداد كبيرة من الحراس بتكلفة عالية.
بينما قامت مقاطعة أوفيرن الفرنسية بتجربة جديدة، حيث يستلم سكان المقاطعة صحفهم عبر طائرات بدون طيار منذ بداية الشهر الجارى. بعد شراكة بين مكتب توزيع البريد الخاص بالمقاطعة وشركة باروت التى تعد من كبرى الشركات الفرنسية المصنعة لهذا النوع من الطائرات. ولم يتم الاستغناء عن عمال البريد الذين كانوا يتولون مهمة التوزيع، بل أصبحت مهمتهم هى التحكم فى الطائرة باستخدام هاتف ذكى أو smart phone، وأعلنت الشركة فى حال نجاح التجربة الجديدة فى توزيع الصحف ستتوقع فى استخدامها فى المناطق النائية.
اتساع الاستخدامات المدنية لهذا النوع من الطائرات أزعج المنظمات الحقوقية فى أمريكا وأوروبا من مخاطر سوء استخدام هذه التكنولوجيا فى المجالات المدنية، مما قد يضر بخصوصية المواطنين ويؤدى إلى التطفل على حياتهم الشخصية بحجة البحث عن مشتبه بهم. وقد نظم المعارضون لانتشار الاستخدام المدنى للطائرات بدون طيار فى الولايات المتحدة الأمريكية مظاهرات تنديدا بتعدى بلادهم على حرياتهم.
الأخطر هو انتشار أنواع من طائرات التجسس بدون طيار فى متناول الأفراد العاديين، وهى أشبه بالكاميرات الصغيرة الطائرة التى تباع على الإنترنت بأسعار زهيدة لا تتجاوز 300 دولار، وبالتالى يمكن لأى شخص اقتناؤها.
عدد من الكتاب والمثقفين فى الولايات المتحدة وأوروبا أعلنوا عن قلقهم بشأن السماح بامتلاك طائرات بدون طيار صغيرة للغاية للمدنيين والذى قد يفتح المجال أمام الشركات التى تتسابق لأخذ نصيبها من هذه الكعكة لأن تقوم بتصنيع طائرات أخرى ذات حجم صغير أيضا، لكنها مسلحة مثل الطائرات بدون الطيار التى تستخدم فى المجال العسكرى، ولكنها أصغر حجما، وبالطبع أسهل فى التحكم وهو ما قد ينذر بكارثة إذا ما أصبحت هذه الأسلحة الطائرة فى متناول المدنيين إذ قد تستخدم فى ارتكاب جرائم.
أما «إريك شميدت» المدير التنفيذى لموقع جوجل الشهير فقد دعا الأسبوع الماضى إلى ضرورة تنظيم تكنولوجيا الطائرات بدون طيار بقوانين واضحة محذرا من أن الموديلات صغيرة الحجم من هذه الطائرات قد تقع فى أيدى من يسيء استخدامها خاصة بعد أن أصبحت تباع بأسعار زهيدة. لفت شميدت إلى إمكانية استخدام الجيران المتنازعين لمثل هذه الكاميرات الطائرة للمراقبة والتجسس على بعضهم البعض أى استخدامها فى النزاعات الشخصية، كما أعلن عن مخاوفه من استخدام الإرهابيين لمثل هذا السلاح الخطير الرخيص رغم تطوره ودقته. وتساءل شميدت عن جدوى توفير سلاح تستخدمه القوات العسكرية ليكون فى متناول أى إنسان عادى ليكون بذلك لديه نفس سلاح الشرطة والجيش.
أول استخدام معلن لهذه الكاميرات الطائرة من جانب المدنيين كان عام 2011 حين قام أعضاء حركة «احتلوا وول ستريت» بشراء طائرة بدون طيار من طراز باروت آى آر لمراقبة الشرطة ردا على وضعها كاميرات لمراقبة المتظاهرين. المروحية الصغيرة التى اشتراها أحد المتظاهرون من موقع أمازون مجهزة بكاميرا يمكن أن ترسل صورا حية عالية الجودة يراها صاحبها على شاشة هاتفه. وقام المتظاهرون بإجراء تعديل بسيط جعل المروحية ترسل بثها الحى عبر الإنترنت بحيث أصبح أى إنسان فى العالم بإمكانه مشاهدة المظاهرة ومراقبة تحركات رجال الشرطة ويرصد أيضا أماكن الكاميرات التى وضعتها الأجهزة الأمنية. المتظاهرون أعلنوا فى ذلك الوقت أن الشرطة لن تستطيع إسقاط المروحية شديدة الصغر لأنه لا يوجد قانون يمنع استخدامها للمدنيين.
ومن ناحية أخرى أعلنت شركة« إيروفيرونمنت» التى يبتاع الجيش الأمريكى منها نحو 85 بالمائة من أسطوله من الطائرات بدون طيار عام 2011 عن سعيها إلى تسويق الطائرات بدون طيار المسلحة للاستخدام المدنى بشكل واسع، وبالفعل فإن الشركة الأمريكية تقوم اليوم بالتسويق لمنتجاتها لدى الوكالات الأمنية المختلفة.
وتحتكر الولايات المتحدة الأمريكية صناعة هذا النوع من الطائرات حتى عام 2000 حين أصبحت بريطانيا وإسرائيل أيضا فى مقدمة الدول المنتجة للطائرات بدون طيار.
وبالطبع لم يكن للصين أن تبقى بعيدة عن هذه الساحة فقدمت خمسة وعشرين موديلا دفعة واحدة عام ,2010 وكان تقرير أعده الكونجرس الأمريكى العام الماضى قد كشف عن أن حوالى ست وسبعين دولة فى العالم تعمل على تطوير وتصنيع 900 نظام من نظم الطائرات بدون طيار ليقفز عدد الدول التى تمتلك هذا النوع من الطائرات من 41 دولة عام 2005 إلى 76 دولة عام 2011 جاء ذلك بعد أن شاهدت دول العالم نجاح هذه الطائرات التى استخدمتها أمريكا فى حربيها فى العراق وأفغانستان.
المفوضية الأوروبية من جانبها أعدت وثيقة أكدت فيها أنه سيتم إنتاج نحو 35 ألف طائرة بدون طيار حول العالم خلال السنوات العشر المقبلة، وهو ما يعنى أنه مع التوسع فى الاستخدامات المدنية لهذه الطائرات سوف يجعل من تحليقها فى سماء أمريكا وأوروبا على وجه خاص أمرا اعتياديا وغير مثير للانتباه.