وقائع اغتيال الإمام«الطيب»
رامى رشدى
فى خطوة وصفها البعض بالسير فى اتجاه سيناريو تمكين الإخوان من الأزهر «الجامع والجامعة».. كشفت تسريبات من مكتب الإرشاد بالمقطم عن دفع التنظيم بالدكتور عبدالرحمن البر عضو مكتب الإرشاد، لخوض انتخابات رئاسة الجامعة خلفًا للدكتور أسامة العبد الذى تمت الإطاحة به على خلفية تسمم 500 طالب بالمدينة الجامعية، وتردد اسم البر بقوة من قبل أساتذة الجامعة المنتمين للجماعة، خاصة أنه تنطبق عليه شروط الترشح.
وقال أحمد عارف المتحدث باسم جماعة الإخوان إن عبدالرحمن البر تنطبق عليه الشروط إذ يشغل موقع عميد كلية أصول الدين «جامعة الأزهر فرع المنصورة» كاشفًا عن أن الجماعة تعمل على الدفع بعدد آخر من مرشحيها ليكونوا على رأس جامعة الأزهر بخلاف البر، وفى نفس التوقيت لم يعلق الدكتور عبدالرحمن البر مفتى الجماعة على ما سبق، وقال نصًا: لن أتحدث لوسائل الإعلام خلال الأسبوعين القادمين!
على صعيد متصل أكد الدكتور حسن الشافعى مستشار المكتب الفنى لشيخ الأزهر أن الدكتور أحمد الطيب حرص فى الاجتماع الطارئ للمجلس الأعلى للأزهر، الذى عقد مساء الأربعاء على أن يكون رئيس جامعة الأزهر القادم، بالانتخاب الحر المباشر بين أعضاء هيئة التدريس، أسوة بقانون انتخابات رؤساء الجامعات المصرية المعمول به عقب ثورة 25 يناير، وطالب بتشكيل لجنة لإعداد قانون لانتخاب رئيس الجامعة الجديد فى موعد غايته أسبوعان من الآن، يحدد شروط الترشح لمنصب رئيس الجامعة ذ ومواعيد الانتخابات -وطرق التصويت- واللجان المشرفة.
على أن يعرض القانون على المجلس فى اجتماعه القادم ليتم إقراره فورا، ولم يحدد الدكتور أحمد الطيب أحد نواب رئيس الجامعة «فريد حمادة - أحمد حسنى - توفيق نور الدين» حتى الآن ليكون قائما بالأعمال، وأضاف أن كلا منهم يعمل فى موقعه حتى إشعار آخر خاصة أن الطيب يجدد ثقته فيهم للقيام بمهامهم.ووفقا لمصادرنا فإن استغلال جماعة الإخوان لحادثة تسمم طلاب الجامعة، وإجبار الطيب على التضحية بأحد أبنائه وتلاميذه «أسامة العبد» يكشف النقاب عن حقيقة الضغوط الكبرى، التى تعرض لها الطيب فى الأزمة الأخيرة، ومحاولات التنكيل به وإهانة هذا الرمز الكبير، خاصة أنه كان متمسكا به حتى آخر لحظة ورفض إقالته بشدة حتى فى اجتماع المجلس الأعلى للأزهر، ولكنه فى النهاية وافق عليها، بعدما طلب العبد بنفسه هذا الأمر.
فالطيب يعتبر العبد أحد تلاميذه المخلصين.. وفور توليه منصب رئيس جامعة الأزهر، استعان به ليكون نائبًا لشئون الطلاب، وقام بطرح اسمه ليكون وزيرًا للأوقاف خلفًا للدكتور محمد عبدالفضيل القوصى، لكن خيرت الشاطر دفع بطلعت عفيفى الوزير الحالى بديلا عنه فى أول محاولة إخوانية للنيل من الجامع والجامعة وشيخهما.
وليس من قبيل التخمين بالتأكيد أن نشدد على دور الإخوان فيما حدث- نقصد تصعيد موجة الغضب ضد الشيخ- فهذا ما عكسته صورة الفرحة العارمة والتكبير الذى فعله طلاب الإخوان، عقب إقالة أسامة العبد، وقاموا بفض اعتصامهم أمام مقر مشيخة الأزهر، وأقاموا الأفراح فى مبانى المدينة الجامعية، ورفعوا شعارات النصر والتكبير الخاصة بهم، خاصة بعدما نجحوا فى التصعيد منذ اللحظة الأولى للواقعة، وقاموا بقطع الطريق أمام المدينة الجامعية بمدينة نصر، ونظموا مسيرات حاشدة انطلقت من أمام المدينة الجامعية بمدينة نصر وصولاً إلى مقر مشيخة الأزهر بالدراسة بعدما أغلقت المسيرات شارعى الأوتوستراد وصلاح سالم.
وبمجرد وصولهم إلى مقر مشيخة الأزهر قاموا بمحاصرته، وحاولوا اقتحامه أكثر من مرة، خاصة بعدما تراجعت قوات الشرطة عن البوابات الرئيسية أمام الطلاب المتظاهرين.وكشفت مصادر أن الدكتور أحمد الطيب حاول تهدئة الطلاب، وعقد مع ممثلين عنهم اجتماعًا للتهدئة وتنفيذ مطالبهم ومحاسبة المقصرين، وكان على رأسهم «أحمد عبدالرحمن حسين» و«أحمد البقرى» و«أسامة الزين» وجميعهم من طلاب الإخوان، إلا أنهم رفضوا التهدئة نهائيًا، ولم يتعاملوا مع «الإمام الأكبر شيخ الأزهر» الدكتور أحمد الطيب بنوع من الاحترام لمكانته، بالإضافة إلى تعاملهم بعجرفة، حتى قال لهم بعض الحضور: أنت لو بتتكلم مع والدك مش هتتكلم معاه بالطريقة دى.
الأمر الذى دفع شيخ الأزهر، لإنهاء الجلسة عاجلاً وغادر المشيخة من الباب المخصص لكبار الزوار البعيد عن الباب الرئيسى واصطحب معه الدكتور أسامة العبد.ووفقا لما قاله لنا الدكتور توفيق نور الدين نائب رئيس الجامعة لشئون الدراسات العليا أن عدد الطلاب الذين تناولوا الوجبة الغذائية يزيد على أربعة وعشرين ألف طالب وطالبة، وألمح إلى أن هناك أيادى خفية تقف وراء هذا الحادث.. لكن لن نستطيع الجزم بذلك إلا بعد انتهاء التحقيقات.
بينما أكد الدكتور محمد مهنا مستشار شيخ الأزهر، أن تسييس القضية بهذا الشكل يمثل خطرا حقيقيا على الأزهر وجامعته، وتقسيم الطلاب لإخوانى وأزهرى ومستقل، وطالب كل القوى السياسية أن ترفع أيديها عن الأزهر وتحترم استقلاليته قائلا: إن الأزهر لن ينجر إلى السياسة مهما حدث وسيظل شامخا وراسخا من منطلقات علمية ودينية.
وقال بالنص: لا يحل مشكلة الأزهر إلا الأزهريون، ويعمل الدكتور أحمد الطيب منذ وصوله لكرسى المشيخة فى مارس من العام 2010 على النهضة العلمية والتطوير الإدارى، وإعادة الدراسة إلى أمهات الكتب، وقال إنه يبتعد دائما عن السياسة ويقوم بدوره الوطنى والعلمى والتعليمى فى مصر وفى العالم الإسلامى، وأضاف أننا طالبنا منذ فترة كبيرة بميزانية مستقلة للأزهر، ورد أوقاف الأزهر، ولكن هذا لم يحدث على أرض الواقع، بالإضافة إلى تخفيض ميزانية الأزهر إلى أكثر من النصف تقريبا، وبتوزيعها على قطاعات الأزهر الـ 5 لا يبقى للجامعة سوى الجزء اليسير مقارنة بالجامعات الأخرى، دون مراعاة أن جامعة الأزهر جامعة مركزية تخدم كل أبناء مصر من أدناها إلى أقصاها، بالمقارنة بالجامعات الأخرى التى لا تخدم سوى إقليم واحد، وأضاف: يقع على عاتق الأزهريين من الأساتذة الانتباه إلى أبنائنا الطلاب وإعادة المنهج الأزهرى الذى يعتمد بداية على الأدب.واستنكر مهنا إقحام الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر فى الصراعات والمهاترات السياسية، ورفض المطالبة بعزله داخل مجلس الشورى وتحميله المسئولية السياسية لكسب أرض فى الشارع لبعض القوى السياسية.
وفقا لمصادرنا دعت الجماعة لاجتماع طارئ عقب حدوث الأزمة وانتهت لضرورة الضغط بإقالة الطيب كهدف أكبر أو على أقل تقدير كسب قواعدها فى الشارع من جديد، والبحث عن انتصار سياسى بعد نكستهم فى موقعه المقطم ومحاولة اقتحام قدس الأقداس لهم وهو مكتب الإرشاد، بالإضافة إلى الضغط عليه لمنع وقوفه ضد مشروع الصكوك الإسلامية.والخطة كانت ممنهجة ونفذت فى وقت واحد اقتحام مشيخة الأزهر والاعتصام والتصعيد، وقيام نوابهم داخل البرلمان ومجلس الشورى بتعليق المشانق للدكتور الطيب، وخرج علينا عصام العريان متحدثا تحت قبة البرلمان يتحدث عن فساد مؤسسة وقيادات الأزهر ومطالبا بالتغيير الجذرى والهيكلى لجامعة الأزهر، نظرًا لأنها تعج بالفساد ولم ينس تحميل الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر المسئولية سياسيا، وهنا طرحت الجماعة اسم «البر» من جديد للمشيخة إذا ما استقال الطيب!
الدعوة السلفية وحزب النور فطنا للمسألة بحذافيرها وعلما أنها محاولات للضغط على الطيب لتمرير قانون الصكوك بعد نجاح حزب النور فى الضغط على الرئاسة وعرض مشروع قانون الصكوك على هيئة كبار العلماء التى لم تكد تمر سوى ساعات قليلة من قرار الرئاسة مساء الاثنين، وبمجرد وصول المشروع إلى الأزهر حتى وقعت الشوشرة على الأزهر وشيخه والتشكيك فيهما كنوع من حرق الأرض على الهيئة فى حالة رفضها لقانون الصكوك، حيث حذر نادر بكار المتحدث باسم حزب النور السلفى، من محاولات الزج باسم شيخ الأزهر فى مسئولية حادث تسمم الطلاب بجامعة الأزهر لتصفية الحسابات.
وهو ما كشفه لنا عبدالمنعم الشحات المتحدث الرسمى باسم الدعوة السلفية خلال لقائه بالدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر أواخر الأسبوع الماضى، عندما طلبت منه الدعوة السلفية ضرورة عرض قانون الصكوك على هيئة كبار العلماء، بعد تقديم نواب النور التماسًا لرئيس الجمهورية تطلب منه ضرورة عرض قانون الصكوك على الأزهر نزولا على نص المادة الرابعة من الدستور، بعد رفع القانون مباشرة إلى الرئاسة دون تمريره على الأزهر.
كان رد الطيب إيجابيا مع الدعوة السلفية والنور ووعدهم بمناقشة القانون فى اجتماع هيئة كبار العلماء ولكنه لن يصدر به قرارا نهائيا، دون قيام رئيس الجمهورية بإحالة القانون إليه فى نوع من إحراج مؤسسة الرئاسة من الأزهر، ونجاح الدعوة السلفية فى إصلاح ما أفسده برهامى للمطالبة بعزل شيخ الأزهر، بعد قيام عبدالمنعم الشحات بتقبيل رأس الإمام الأكبر وتقديم اعتذار رسمى عما بدر من رجل الدعوة القوى ياسر برهامى فى حق شيخ الأزهر.
لم تمر سوى ساعات قليلة على التصالح بين الأزهر والدعوة السلفية حتى خرج اجتماع مجمع البحوث الإسلامية الهيئة الفقهية الأعلى فى الأزهر، بالمطالبة بعرض قانون الصكوك على هيئة كبار العلماء وإنها ترفض نص المادة الرابعة من قانون الصكوك الجديد بتشكيل هيئة شرعية من وزارة المالية تكون مشرفة على القانون، الأمر الذى يلغى دور الأزهر الشريف، وهيئة كبار العلماء، ويعد مخالفة صريحة وواضحة للدستور الجديد.
وفقا لمصادرنا فإن المصالحة بين شيخ الأزهر والدعوة السلفية بالإسكندرية وذراعها السياسية حزب النور، كانت أيضا أحد الأسباب القوية، وراء تلك الأحداث، ناهيك عن محاولات الإخوان لضرب تلك العلاقة من خلال ملف آخر وهو محاولات توريطه فى ملف الشيعة، بشتى الطرق ويبرر هذا سعيهم للوصول لرئاسة جامعة الأزهر.
لكن ما فعله الإخوان مع شيخ الأزهر، أيقظ سبات العديد من القوى والائتلافات الإسلامية الوسطية «صوت الأئمة واستقلال الأزهر وبعض مشايخ الطرق الصوفية، وعدد من الحركات السياسية، ومن طلاب الأزهر وعدد كبير من العامة والناس التى تتضامن مع الأزهر ليظل رمزًا شامخا للدفاع عن الوسطية ونظمت مليونية الجمعة أمام مشيخة الأزهر بالدراسة، ومسيرات عديدة خرجت من مسجد عمر مكرم ومسجد الحسين. رافعين شعار «إلا الأزهر. ارفعوا أيديكم عنه».