بارتـــــى طــــــــــــــلاق
شيماء سليم
فى أحد مشاهد فيلم «حلاق السيدات» للمخرج فطين عبدالوهاب فى 1960 تقيم بطلة الفيلم «إلهام - كريمة» حفلا لطلاقها من «زيزو - عبدالسلام النابلسي».هذا المشهد كان غريبا فى مضمونه على المجتمع المصرى الذى لم يكن من المعتاد أن يقام فيه مثل هذا الاحتفال بأبغض الحلال، لكنه يحمل منطقا لحدوثه من خلال التعبير عن عدة مواقف فيه ويقدمه المخرج بشكل هزلى يليق وكوميديا الفيلم، ولكنه قدمه بشكل درامى أقرب للتراجيديا..
ولكن هل كانت المرأة فى هذه الفترة قد حصلت على الحرية الكافية لتتصرف بمثل هذه الجرأة وتقيم حفلا لطلاقها، حتى وإن جاء ذلك من خلال أحد الأفلام الكوميدية؟ الإجابة عن هذا السؤال ربما تكون بالإيجاب. لأن المشهد على غرابته على المصريين فإنه لم يتم انتقاده بشكل حاد مثلما يحدث هذه الأيام من انتقادات حادة من البعض عند سماعهم لأخبار حفلات الطلاق.
ومنذ «حلاق السيدات» وحتى الآن والدراما تقدم غالبا مشاهد الطلاق بأسلوب واحد. إلا فى استثناءات قليلة جدا، حيث نجد الزوجة فى أى عمل درامى تصرخ طالبة الطلاق وعندما يستجيب الزوج لطلبها. تنهار باكية وتكتئب. على الرغم من أنها هى التى طلبت الطلاق.. ربما يعود السبب فى ذلك إلى بساط الحرية الآخذ فى الانسحاب شيئا فشيئا من تحت أقدام النساء.. فوفقاً للشريعة ليس من حقها الاحتفال بأبغض الحلال. وأصحاب هذا الرفض الدينى لتلك الظاهرة (حفلات الطلاق) لم ينتبهوا إلى أن الطلاق أبغض الحلال وليس حراما، ولم ينتبهوا كذلك إلى أن معظم المحتفلات بالطلاق هن نساء تعذبن فى زيجاتهن وتعذبن أكثر للحصول على حريتهن التى تأتى فى الأغلب بعد مساومات مادية، وهو ما تحكيه بعض السيدات اللائى احتفلن بطلاقهن.. حيث لم يطبق الأزواج آية قرآنية ثانية تأمر بإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان. ولكن لا ملامة على الرجال فالنساء عند هؤلاء المفسرين هن الناقصات عقل ودين.الغريب أن ظاهرة حفلات الطلاق تنتشر بكثرة فى السعودية أكبر البلاد التى تطبق الشريعة الإسلامية.
أما اجتماعيا فالتفسير المضاد لحفلات الطلاق ينتقد القائمين بها وأغلبهم من النساء أنهم قد هدمن البيت ويحتفلن على أنقاضه، بالإضافة إلى أنهن يدمرن بذلك نفسية أبنائهن - إذا كان هناك أبناء - وإن لم يكن فالغيظ للطرف الآخر الذى تحاول النساء فعله بإقامة هذه الحفلات هو أمر غير حضاري. وبينما تفسر بلادنا العربية هذه الظاهرة على أنها انتقام وكيد وتقليد أعمى للغرب، نجد باقى دول العالم فى أمريكا وأوروبا وحتى الدول الأسيوية تعتبر هذه الاحتفالات ظاهرة صحية إن دلت على شيء فإنما تدل فقط على الرغبة فى البداية الجديدة والمضى قدما فى الحياة بشجاعة وتفاؤل.
من الاختلافات الواضحة أيضا فى هذه الظاهرة عند العرب والغرب. أن هذه الظاهرة فى البلدان العربية غالبا ما تقتصر على طبقة اجتماعية معينة، هى الطبقة العليا من الأثرياء الذين يعشقون إقامة الحفلات بمناسبة أو بدون. ونفس الأمر عند المشاهير والفنانين الذين يستغلون هذه الحفلات أحيانا للإعلان عن أنفسهم بشكل أو بآخر. أو بمحاولة منهم لتسليط الأضواء ولفت نظر الصحافة لهم. بينما فى الغرب يقوم بعمل هذه الحفلات المنتمون للطبقات المتوسطة ونادرا ما يقيمها الفنانون ومن الطريف أن إحدى المجلات نشرت مقالا يستنكر عدم قيام بعض الفنانين بإقامة حفلات طلاق، خاصة أنهم كانوا قد عانوا كثيرا فى زيجاتهم أو انتهت هذه الزيجات بصورة سيئة كانت تتطلب الاحتفال. مثلا زواج ساندرا بولوك الذى انتهى منذ عامين بفضيحة انتشرت فى كل وسائل الإعلام، حيث كشف الإعلام عن خيانة زوجها لها مع فتاة تعمل عارضة وشم.. ساندرا لم تتحدث كثيرا عن هذا الموقف واكتفت بتعليق ساخر فى أحد حفلات توزيع الجوائز أنها لن تتحدث عن الأمر والتصريح الوحيد الذى سوف تعلنه أنها تتعامل مع الأمر بصلابة دون اللجوء للأطباء النفسيين الذين يتقاضون مبالغ كبيرة.. وفى نفس المقالة تعجب الكاتب من أن النجمة «اليزابيث تايلور» التى تزوجت ثمانى مرات لم تقم ولا حفلة طلاق واحدة ويستطرد كاتب المقال قائلا: «يبدو أنها لم تكن مشغولة بالطلاق بقدر ما كانت منشغلة بالزواج التالي».
فى الحالات القليلة التى أقام فيها المشاهير فى أمريكا وأوروبا حفلات طلاق كان دائما الاتفاق بين الطرفين - الزوج والزوجة - لإقامة حفل مشترك وهذا ما حدث مع المغنى «جاك وايت» وزوجته السابقة عارضة الأزياء «كارن السون»، فالاثنان أقاما حفلا مشتركا عند طلاقهما وأرسلا دعوة لأقاربهما وأصدقائهما المقربين قائلين فيها «ندعوكم أن تأتوا للمكان «الفلانى» للحضور على شرف الأيام التى قضيناها معا. حفل عيد زواجنا السادس والإعلان عن طلاقنا. ونحن نريد من خلال هذا الحفل أن نؤكد على صداقتنا ونحتفل فيه بالماضى والمستقبل».
هذه الحالة من التفاهم ظهرت فى مصر فى تسعينيات القرن الماضى من خلال حفل طلاق أقامته النجمة إلهام شاهين وزوجها السابق المنتج عادل حسني. وكانا قد قدما معا مجموعة من أشهر وأنجح الأفلام فى هذه الفترة والتى أنتجها عادل حسنى وقامت ببطولتها إلهام شاهين. وعندما قررا الطلاق أقاما حفلا ضخما فى أحد فنادق الإسكندرية ودعوا إليه أكثر من 300 شخص من الفنانين والإعلاميين. ومن خلال الحفل أعلنا عن طلاقهما وأكدا أنهما سيحتفظان بصداقتهما. وقد قررا إنهاء زواجهما بهذا الشكل الجميل لأنهما قضيا معا سنوات جميلة.. ومؤخرا عادت هذه الظاهرة فى أوساط المشاهير فى مصر من خلال حفل أقامه الإعلامى عماد الدين أديب احتفالا بطلاقه.. وما بين حفلى طلاق إلهام شاهين وعماد أديب كانت هناك عدة احتفالات بالطلاق أقامتها مجموعة من الفنانات تحديدا، فمن النادر أن يحتفل رجل بطلاقه، فمثلا احتفلت هنا شيحه بالخلع من فنان الديكور فوزى العوامري.. وكذلك أقامت الفنانة هالة صدقى حفلا لطلاقها غنى فيه محمد منير ومحمد فؤاد - وفقا لما كتبته بعض وسائل الإعلام - وكانت هالة صدقى قد عانت حوالى عشر سنوات للحصول على هذا الطلاق من خلال المحكمة، وذلك لصعوبة الطلاق فى الديانة المسيحية التى تنتمى إليها هالة... وأحيانا تستخدم مثل هذه الحفلات كنوع من الدعاية وهو مافعلته المطربة «ميسم نحاس» التى أقامت حفلا لطلاقها وفى نفس الحفل أعلنت عن ألبومها الجديد.. وبعيدا عن الحفلات الصاخبة التى يقيمها الفنانون المصريون والعرب لطلاقهم فإن نجوم هوليوود يحتفلون على طريقتهم الخاصة. والتى تكون دائما تعبيرا عن الاستجمام ومحاولة التخلص من الضغط النفسى الذى يسببه الطلاق. مثلا النجمة «كيت ونسلت» عندما انفصلت عن زوجها السابق المخرج «سام منديس» سافرت هى وأولادها ومجموعة من أصدقائها المقربين إلى المكسيك وهناك حاولت الاستجمام والاستمتاع بالبحر مع أطفالها.. أما النجمة «سكارليت جوهانسون» التى نالت الطلاق بصعوبة من زوجها «ريان رينولدز» فقد اكتفت بالذهاب إلى أحد البارات مع أصدقائها لإقامة احتفال بسيط.
وعلى النقيض من الهجوم الذى تلقاه هذه الظاهرة فى البلاد العربية إلا أنها تلقى ترحيبا وتشجيعا فى الدول الأخري، فمثلا فى أمريكا التى بدأت فيها هذه الظاهرة وانتشرت من خلال مدينة «لاس فيجاس». هناك متعهدون لإقامة حفلات الطلاق.. ونظرا للاهتمام الذى تشهده هذه الظاهرة فقد نشر كتاب بعنوان «كيف تقيم حفل طلاق» للكاتبة كريستين جالجير . تشرح فيه كل الوسائل المفترض اتباعها عند إقامة حفل طلاق: «الدعوات - الأشخاص المفترض دعوتهم يجب أن يكونوا من الأصدقاء الإيجابيين المساندين للمطلق وليس الذين كانوا يرفضون فكرة الطلاق - الحلوى والطعام والمشروبات التى تقدم - الديكورات - الأغانى المختارة - الهدايا المقترح تقديمها للشخص المطلق»، وهناك طقوس تتبع فى حفلات الطلاق تشبه حفلات الزواج، بداية من إرسال الدعوات وتجهيز «قالب حلوى» من عدة طوابق مثل التى تقدم فى حفلات الزفاف ولكنها تقدم فى شكل يعبر عن الطلاق كأن يأخذ العريس شكل رجل مقتول أو منزلقا على سلم. وكذلك يتم عمل توابيت مصغرة يتم فيها دفن خاتم الزواج. بالإضافة إلى لافتات «تطلقت للتو» مثل التى تكتب فى حفلات الزفاف «تزوجنا للتو».. وأيضا هناك تقليد بأن ترتدى المطلقة فستان زفاف يتم تلطيخه بالطين.
هذه الطقوس منتشرة فى الدول الأمريكية والأوروبية أما فى الدول الأسيوية وتحديدا اليابان التى يجد المتزوجون فيها صعوبة كبيرة إذا أرادوا الحصول على الطلاق. وذلك فى محاولة الدولة للحد من ظاهرة الطلاق التى تنتشر بقوة هناك. حيث إن هناك تقريبا 250 ألف حالة طلاق سنويا أى بمعدل ثلث حالات الزواج. فى اليابان يقوم الزوجين بعمل بعض الطقوس عند طلاقهما كأن يذهبا إلى المعبد الذى سيطلقان فيه فى عربتين منفصلتين. ويحضر المراسم بعض الأصدقاء المقربين لهم وقبل إعلان الطلاق يقوم أحد الأشخاص من المسئولين عن إتمام إجراءات الطلاق بقراءة أسباب الطلاق على الحضور، بعدها يقوم الزوجان بتحطيم خاتم الزواج باستخدام المطرقة. ويضعا نحطام الخواتم فى فم تمثال على شكل ضفدع ويتم استخدام الضفدع تحديدا لأن كلمة ضفدع تستخدم فى اللغة اليابانية أيضا كمرادف لكلمة تغيير.
وتشرح مؤلفة كتاب «كيف تقيم حفل طلاق» لماذا يجب الإقدام على إقامة حفل للطلاق. مؤكدة أن مثل هذا الاحتفال قادر على أن يساعد المطلق نفسيا ويجعله يقدم على الحياة من جديد دون اعتبار أن هذا الطلاق كان نهاية العالم.ومن ناحية أخرى يؤكد بعض المتخصصين النفسيين أن الطلاق يجب أن يتم التعامل معه بشكل أكثر إيجابية. ومن المفترض أن يخرج عن دائرة المحامين والأطباء النفسيين حتى يستطيع المطلق أن ينطلق فى حياته بشكل أكثر مرحا.