«البنتاجون» لأوباما: «الإخوان» لا يصلحون للحكم.. و«الجيش» هو الأمل
روزاليوسف الأسبوعية
هاني عبدالله يكتب :
فى نهاية «يوليو» الماضى .. جمعت جلسة رسمية- غلب عليها طابع الصداقة- بين كل من وزير الدفاع الأمريكى السابق «ليون بانيتا»، وسفيرة الولايات المتحدة بالقاهرة «آن باترسون».
بدت الجلسة «ودية» أكثر من المعتاد، أمام رجال السفارة.. إذ لم تكن هذه هى المرة الأولى التى يتعاون خلالها المدير ''السابق'' للمخابرات المركزية (CIA) مع «آن باترسون».. فقد سبق وأن تعاملا معا، بشكل مباشر، وقت أن كانت الأخيرة بباكستان.
ابتسم «بانيتا» لـ«باترسون»، قبل أن يقول لها بهدوء: «حسنا.. دعينا نكمل- الآن- تعاوننا المشترك.. هنا فى مصر».
.. وبعد الجلسة، التى أطلعت «باترسون» خلالها «بانيتا» على ملامح المشهد المصرى، التقى وزير الدفاع الأمريكى كلا من: الرئيس «مرسى»، والمشير «حسين طنطاوى».
1
سمع «بانيتا» - الذى غادر موقعه فبراير الماضى - خلال اللقاءين، تأكيدات متنوعة عن ضرورة المضى قدما نحو التحول الديمقراطى فى مصر.. وتطرق خلال لقائه ومرسى، لما سبق أن وعدت به جماعة الإخوان الإدارة الأمريكية، قبل إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية، بأنها سوف تتكاتف معها - بشكل كامل- لاحتواء تيار العنف الإسلامى، والجماعات الجهادية.. فما كان من «مرسى» إلا أن أكد التزامه بما وعدت به الجماعة، فى وقت سابق!
فأردف «بانيتا»: «وأرجو أن نستمر على نفس النهج من التعاون ، فقد كانت علاقتنا (العسكرية- العسكرية) رمانة ميزان الاستقرار بالمنطقة على مدار الـ30 عاما الماضية».. فجاءته الإجابة بـ«القطع»، للمرة الثانية!
بعدها رفع «بانيتا» تقريرا للمكتب البيضاوى، أعرب خلاله عن دعمه الكامل لما قالته وزيرة الخارجية الأمريكية «هيلارى كلينتون»، بالإسكندرية- بداية يوليو - عن ضرورة دعم مصر مالياً، خلال الفترة المقبلة، لتتجاوز أزماتها الداخلية والاقتصادية، إذ يبدو النظام الجديد حريصا على الوفاء بوعوده لنا!
وربط «بانيتا» بين المضى قدما لدعم النظام الجديد، ووفائه بإصلاحات «دستورية وديمقراطية» حقيقية.. خاتما تقريره بالعبارة التالية: «أعتقد أن نجاح «مرسى» فى مواجهة هذه التحديات، سيؤمّن مستقبلاً أفضل وأكثر ازدهارا للشعب المصرى.. وعلينا أن نراقب ما يحدث بدقة».
ثم كان أن وجه «البنتاجون» رجاله، وعناصر المخابرات العسكرية الأمريكية الـ( DIA) لرصد المشهد بدقة فى مصر.
وخلال الـ 6 أشهر التالية للقاء، كانت التقارير المرفوعة لقيادات البنتاجون والمخابرات العسكرية الأمريكية، تدور إجمالا حول نفس النتيجة: «يبدو أنَّ «الإخوان» امتلكوا السلطة، لكنهم لا يسيطرون على الأوضاع بشكل جيد».
2
تقاطعت تقارير المخابرات الأمريكية- خاصة مارس الجارى- والتقارير «الدبلوماسية» فى نفس النتيجة تقريبا، إلا أنهما اختلفا- نسبياً - فى طريقة التعامل مع الشريك «السياسى» الجديد فى مصر!
قالت التقارير الدبلوماسية: (رغم تدهور الوضع الأمنى المصرى.. وتراجع الاقتصاد.. وفشل «الإخوان» السياسى.. لكن لايزال احتمال فوز جماعة «الإخوان»، بالأغلبية البرلمانية، خلال الانتخابات المقبلة، قائماً). وبينت التقارير أن المعارضة لا تزال ضعيفة للغاية.. وعلى ما يبدو- بحسب ترجيح التقرير - أن الجيش ليس لديه دافع للعودة إلى سدة الحكم من جديد، معتبرة أن رفض «الجيش» للعودة إلى الصورة مجددا، من شأنه إضعاف الضغط الداخلى المُمارس على الجماعة.. ولهذا: (لا يمكن التأثير على جماعة «الإخوان» وإلزامها بالإصلاحات الاقتصادية والسياسية «المطلوبة» إلا عبر الضغط الدولى) .
لكن «البنتاجون» كان له رأى آخر، إذ رأى أن «الجيش المصرى» فى ظل الإخفاقات المتكررة للإخوان، وعدم صلاحيتهم للاستمرار فى الحكم- بحسب التقرير- لا يزال هو الأمل فى إعادة ضبط «الحياة الديمقراطية» بالقاهرة.
فالجيش يمكن أن يتصدر المشهد من جديد، لفترة انتقالية محددة، على أن تكون مهمته الأولى، ضبط إيقاع التحول الديمقراطى، نحو حكم مدنى حقيقى.. لا حكم يسيطر عليه فصيل بعينه.
وأعرب «البنتاجون» عن أن قيادات الجيش تبدو أكثر حرصا على هذا الأمر، من جماعة الإخوان.. إذ لا تريد قياداته- السابقة بحسب ترجيح بانيتا، والحالية بحسب التقرير الجديد- القفز على السلطة بشكل مطلق.. بل ما يشغلها فى المقام الأول، هو الحفاظ على التماسك الداخلى للقوات المسلحة المصرية.. وهى رغبة جيدة، كفيلة- فى حد ذاتها- بتأمين عمله على تسليم السلطة، عندما تتحسن الظروف لسلطة (مدنية) حقيقية، تؤمن فعليا لا شكليا بالديمقراطية.
واستند التقرير الى تجربة «سوار الذهب» فى السودان.. مرجحًا نجاحها فى مصر بشكل كامل.
3
أوضح التقرير أن السودان فى عهد الرئيس «جعفر نميرى» شهد غضباً شعبياً عارماً، نتيجة الممارسات «الديكتاتورية» للرئيس و(بطانته).
وعندما قرر المشير عبد الرحمن سوار الذهب - قائد الجيش وقتئذ- التحرك لإنقاذ الوضع بالبلاد، وتسلم مقاليد السلطة، كان أن دعمه الشارع، والأحزاب الأساسية، بشكل كامل.
وبعد أن تولى سوار الذهب إدارة البلاد لمدة «عام واحد»، كان أن أوفى بتعهداته والتزاماته الإقليمية والدولية.. وسلم السلطة، بعد انتخاب جمعية تأسيسية وضعت دستوراً «ديمقراطيا» جديدا للبلاد.
وانتهى التقرير الى أن هذا الأمر هو ما تحتاجه ''القاهرة'' فى الوقت الحالى، خاصة مع تزايد حالة الفوضى، التى تشهدها البلاد.. مما يهدد العديد من مصالح ''الولايات المتحدة'' بالمنطقة، وهو ما أخفقت إدارة «الإخوان» فى تحقيقه للبلاد.
وتقاطع، من جديد، تقرير «البنتاجون»، وما رصدته المؤسسة الدبلوماسية، عن أنه «على الرغم من الانتصارات الانتخابية المتتالية التى حققها «الإخوان» منذ تنحى «مبارك» فى (فبراير 2011)، إلا أن شعبية الجماعة تراجعت بشكل كبير، داخل الشارع، إذ لم تستطع إصلاح الوضع الاقتصادى، فضلا عن رفضها مقاسمة باقى القوى السياسية الحكم، وهجومها العنيف على معارضى النظام من غير الإسلاميين».
وهو ما أدى إلى ظهور موجه جديدة من الاحتجاجات تمثل خطرا- حقيقيا- على الاستقرار.
.. لكن، كيف تحلل «الخارجية الأمريكية» المشهد الحالى؟
4
ترى الخارجية الأمريكية، أن جماعة «الإخوان» تراهن- حاليا- على توطيد شرعيتها، عبر الانتخابات التشريعية «المرتقبة».. اعتمادا على فكرة «الزبائنية السياسية»، أو توجيه الأصوات للصناديق، عبر فكرة «العرض والطلب»، إذ ترى أن هذا الأمر كفيلا، بإعادة تقديمها «دوليا» كحاكم شرعى للبلاد.
وبالتالى، فهى غارقة بالفعل فى التجهيز للحملة الانتخابية، ومن ثم إعادة هيكلة «حزب الحرية والعدالة» لكى يعكس ما تحظى به من تسلسل هرمى فى قيادتها. حيث يمكن استخدام الهيكل الجديد لـ«حزب الحرية والعدالة» لحشد آلاف الكوادر بشكل سريع عند الاقتضاء.. ولهذا فقد احتفظت الجماعة بسيطرتها المباشرة على أعمال الحزب عن طريق نقل القادة على مستوى المحافظات من المكاتب الإدارية لـ«الإخوان» إلى مقرات «حزب الحرية والعدالة» المناظرة فى المحافظات.
كما عيّن «مرسى» إخوانه بالجماعة فى مناصب حكومية رئيسية يمكن استغلالها فى التلاعب بنتائج الانتخابات!
.. ولهذا الغرض، أعاد وزير التنمية المحلية محمد على بشر -- العضو السابق بـ«مكتب الإرشاد»- رسم الدوائر الانتخابية لصالح مرشحى الجماعة!
ومؤخرا.. سمحت وزارة التموين- التى يترأسها عضو الجماعة باسم عودة - لأعضاء «الحرية والعدالة» بتوزيع سلع غذائية بسعر أقل من سعر السوق على المرشحين المحتملين فى البحيرة، كما عين صلاح عبدالمقصود وزير والإعلام - عضو الجماعة- متعاطفين وتنظيميين من الإخوان بمواقع قيادية فى وسائل الإعلام والقنوات التليفزيونية المملوكة للدولة، أملاً فى التأثير الانتخابى!
وبحسب بعض التوصيات التى ساقتها مراكز الدراسات التابعة لوزارة الخارجية الأمريكية، فإن الأمر اذا ترك برمته لتدبير «الجماعة»، فلن يكون لديها حافز قوى لتنفيذ أى إصلاحات مهمة، إذ يخشى الإخوان أن تدعم تلك الإصلاحات المعارضة وتقوض سعيها لترسيخ نفوذها.
وبالتالى، فإنه على واشنطن أن تتصدى لافتراض جماعة الإخوان بأنها تستطيع تجنب القيام بإصلاحات مهمة دون دفع ثمن دبلوماسى.
وبشكل خاص، يتعين على إدارة أوباما أن تخبر الجماعة أن تركيزها على تعضيد سلطتها على حساب الحوكمة سوف يؤدى إلى زعزعة استقرار مصر، وأن المجتمع الدولى لن يدعم حكومة ذات سيطرة داخلية هشة.
وعلى الإدارة الأمريكية- بحسب التوصيات - التنديد بشكل حازم بالحكم القمعى الذى تمارسه جماعة الإخوان.. فهذا من شأنه تقويض الاعتقاد السائد بأن الولايات المتحدة تدعم الإخوان.. وهو انطباع يجب أن تحرص واشنطن على تجنبه فى ضوء فشل جماعة الإخوان فى الحكم.
فهل تتغير «المعادلة» قريبا؟!
.. بالتأكيد، ليس هناك أقرب من الزمن.