الخلية الإخوانية التى اخترقت البيت الأبيض

داليا هلال
هى من شخصيات الظل المثيرة للجدل، تنتمى لخلفية معقدة ومتشابكة أسريا وثقافيا وتعليميا، وصلت إلى مكانة ربما فشل رجال يفوقونها علما وسنا وخبرة فى الوصول إليها، رغم أنها لم تتعد بعد منتصف الثلاثينيات، الآن يعتبرها الكثيرون الذراع الحديدية لهيلارى كلينتون، والناطق غير الرسمى باسم تنظيم الإخوان المسلمين وجناحه الدولى داخل مطبخ أوباما السياسى، فيما تتجاهل هذه الادعاءات وينفيها المقربون منها، وكما نقول فى مصر «مفيش دخان من غير نار».. عن «هيوما عابدين» - ابنة هيلارى كلينتون التى لم تنجبها- نتحدث.
ملامحها تجمع بين الشرق أوسطية والأفغانو- باكستانية تماما، لكنها غير محجبة إلا أن ملابسها ملتزمة بوضوح ولها حضور يتميز بالغموض والقوة فى آن واحد، من مواليد 1976ومرت بأزمة شخصية فى علاقتها الزوجية تشبه إلى حد ما تلك التى مرت بها رئيستها المباشرة - وزيرة الخارجية هيلارى كلينتون، وربما كان هذا أحد الأسباب القوية وراء ارتباط الشخصيتين غير العادى، والثقة اللامحدودة بينهما.
بحسب ما يرجحه بعض الأصوات من داخل الدوائر السياسية هناك، فإن هيلارى ربما تكون تعتبر مساعدتها المقربة «هيوما عابدين» عينا لها داخل المعسكر الآخر، ونعنى به هنا «المعسكر الإسلامى» ككل، فالحقيقة أن النشأة المتشابكة لـ«عابدين» - والتى تتماس إلى حد لا بأس به مع النشأة المختلطة لأوباما شخصيا- توحى للوهلة الأولى بإمكانية ذلك تماما.
هيوما عابدين - مساعد ونائب رئيس الأركان لوزيرة الخارجية الأمريكية، وكانت رئيس أركان متنقلا لها إبان حملة ترشيحها للرئاسة عن الحزب الديموقراطى فى انتخابات 2008 كما خدمت كحرس خاص لها فى هذه الفترة، وإن كان من المعتقد أنها لاتزال تضطلع بهذه المهمة حتى الآن، ولدت «هيوما» فى «كالاماتزو-ميتشجان»، وقضت أول سنتين من طفولتها هناك، ثم انتقلت مع أسرتها إلى السعودية - تحديدا فى جدة - حيث كانا يعملان بمجال التعليم، والدها «سيد زين العابدين» أصلا من مواليد الهند البريطانية وخريج جامعة اليجرا الإسلامية، وحصل على الدكتوراه من جامعة بنسلفانيا، وتوفى عام 1993 أما أمها «صالحة محمود عابدين» فهى من أصول باكستانية، حصلت على الدكتوراه من نفس الجامعة أيضا وتعمل أستاذ سوسيولوجى بكلية دار الحكمة بجدة، فيما عادت «هيوما» إلى واشنطن للالتحاق بجامعة جورج واشنطن.
وفى عام 96 التحقت عابدين للتدرب بالبيت الأبيض، وتبعت مكتب كلينتون، وتقريبا لاصقتها طوال مشوارها المهنى منذ ذلك الحين، وهى الآن تتبعها كظلها فى الخارجية، الجدير بالذكر أنه فى أواخر التسعينيات بدأت الإدارة الأمريكية تفعيل سياسة الدفع بالشباب إلى مواقع القيادة، وهى السياسة التى تبناها عدد من المنظمات العربية وتابعت أنشطتها بعض السيدات الأول فى المنطقة ومنهن «سوزان مبارك»، برامج هذه السياسة المدنية كان من شأنها بروز اسم «هيوما عابدين»، حتى إن مجلة التايم أدرجتها ضمن قائمة «أربعين تحت أربعين»، التى رصدت فيها 40 قيادة مدنية شابة لم تصل لسن الأربعين وتمثل الجيل الجديد والنجوم الصاعدة فى مسيرة السياسة الأمريكية، كان ذلك فى 2010وقبيل اندلاع ثورات الربيع العربى فى 2011 التى أتت بالتيارات الإسلامية إلى مقاعد الحكم فى دول المنطقة.
الصلة الوثيقة بين كلينتون وعابدين تبدت جلية، فلم تنكرها إحداهما - لاسيما كلينتون، ففيما حرصت عابدين على دعوتها إلى حفل زواجها، ألقت كلينتون «نخبا مؤثرا» فى الحفل تعكس عمق العلاقة بينهما، حيث قالت كلينتون: «ليس لدى إلا ابنة واحدة، لكن لو تأتى أن يكون لى ابنة أخرى، لكانت هيوما».
اللافت للانتباه أنه وبعد نحو عام من استقرار الإسلاميين فى عدد من حكومات المنطقة ومن بينها مصر، وفيما اندلعت نيران الحروب الأهلية فى سوريا وليبيا بين موالى الأنظمة الإسلامية والمعارضين لها وترقبها فى مصر، تسلم مكتب نائب المحقق العام بالخارجية - هارولد جيزل خطابا من كل من أعضاء الكونجرس «ميشيل باكمان - جمهورية عن مينسوتا»، «ترنت فرانكس-جمهورى عن أريزونا»، «توم روونى-جمهورى عن فلوريدا»، «لين وستمورلاند-جمهورى عن جورجيا»، يطالبون فيه المكتب بالتحقيق فيما وصف بأنه «ثمة تأثير لأى شخص له علاقة بالإخوان المسلمين على سياسة الخارجية الأمريكية»، نقلا عن مركز السياسة الأمنية، وهى هيئة معنية بفحص مصداقية نظريات المؤامرة المتهم فيها الإخوان المسلمين، وجاء فى الخطاب أن «هيوما عابدين» لها ثلاثة من أفراد عائلتها على صلة بأعضاء أو بتنظيمات تابعة للجماعة.
الخطاب المرسل لمكتب التحقيقات فى الخارجية بتاريخ 13يونيو الماضى، قوبل بدفاع لا يقل قوة عن الاتهامات المثبتة فيه، حيث اتفق أعضاء الكونجرس «جون ماكين-جمهورى عن أريزونا»، «لينزى جراهام - جمهورية عن ساوث كارولينا»، «سكوت براون-جمهورى عن ماساشوستس» على رفض ماجاء من اتهامات ضد عابدين، فيما ألقى «ماكين» خطبة مؤثرة تضامنا معها قال فيها: «إن هذه الادعاءات ضد هيوما والمأخوذة عن ذلك التقرير ليست أكثر من هجوم لا أساس له ولا داعم ضد امرأة شريفة، وأمريكية مخلصة وخادمة أمينة للشأن العام»، فالخطاب والتقرير الذى بحسب ما قاله ماكين لايتضمن أى إشارة لقرار أو منصب عام أو موقف اتخذته هيوما من شأنه إسباغ مصداقية على اتهامها بدعم نشاطات معادية للسياسة الأمريكية طوال عملها بالخارجية، رافضا تماما كل ما قيل بهذا الشأن واصفا إياه بأنه هراء غير منطقى.
موقف المتحدث الرسمى باسم البيت الأبيض لم يكن مختلفا، فقال إنه لا يعرفها شخصيا، لكن مما يعرفه عنها فهى شخصية واثقة وقوية ومن الخطر إثارة أقاويل مثل تلك حولها، بينما جرى وضع عائلة عابدين تحت حماية الشرطة عندما تلقت «هيوما» تهديدات من مجهول تبين أنه نفسه مسلم من نيو جيرزى.
تتحدث عابدين الإنجليزية والعربية والأردية، ما يجعل منها وسيطا جيدا بين الأمريكيين وبين شخصيات إسلامية عدة داخل وخارج الولايات المتحدة، وهو الأمر الذى قربها إلى كلينتون كثيرا، كما أن أزمة زواجها جعل الصلة بينهما أكثر قوة، فبينما تزوجت «هيوما» من نائب الكونجرس - آنذاك- «أنتونى وينر- ديموقراطى عن نيويورك» فى 2010 تناولت الصحف فضيحة تورطه فى إرسال صور فاضحة ومحادثات جنسية عبر تويتر مع إحدى العاملات بالحكومة، وهى الفضيحة التى أنكرها فى أول الأمر ثم أكدها فيما بعد مشيرا إلى أنه كشف عن هذه العلاقة لزوجته وأنها تفهمت وأنهما سيخرجان من الأزمة أقوى، وهو خطاب يشبه كثيرا خطاب كلينتون وهيلارى عقب أزمة «لوينسكى» الشهيرة.
المفاجأة المدوية يفجرها «وليد شباط» -عضو تنظيم الإخوان المسلمين السابق ونشط السلام حاليا- على موقعه الخاص تحت عنوان «حسنا، وماذا تعرف أنت»؟ هيوما عابدين كانت عضوا بمجلس إدارة جمعية الطلاب المسلمين، ويقول «شباط» إنه فيما عادت عابدين إلى الولايات فى حدود عام96 وحصلت على وظيفة مع كلينتون ومعهد شئون الأغلبية المسلمة - معا - فقد انضمت كذلك إلى الهيئة التنفيذية لجمعية الطلاب المسلمين بجامعة جورج واشنطن، وبموجب صورة من على الكومبيوتر لبيان بأسماء أعضاء مجلس الإدارة وعناوين بريدهم الإلكترونى، يؤكد «شباط» أنه لا يستطيع أحد إنكار علاقة «هيوما عابدين» بـ«عبدالله عمر نصيف»- أحد ممولى تنظيم القاعدة، أو علاقتها بجمعية الطلاب المسلمين التى يقول عنها «شباط» واجهة عمل الإخوان المسلمين، وفقا للتقرير الصادر عن مجموعة «مشروع تقصى الإرهاب»، وهى جهة غير ربحية أسسها النشط «ستيفن إمرسون» فى منتصف التسعينيات لتقصى الأنشطة الإرهابية لاسيما ذات المرجعية الراديكالية فى أمريكا، ويقول «شباط» كذلك على موقعه إن «هيوما عابدين» لها صلة قوية ووثيقة بجهة تابعة مباشرة للإخوان المسلمين الذى يتطلب تقصى توغلهم داخل المجتمع شجاعة خاصة.