الإثنين 26 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي

الموهبة تغلب التوحد

ربما لم يحظوا بفرصة كبيرة ليظهروا على ساحة النقاش العام، لكنهم أصرّوا أن يتركوا بصمة مميزة فى جميع التحديات التى خاضوها، آباؤهم «جنود معلومون» فى رحلة تأهيلهم، التى بدأت بالتخاطب وتنمية المهارات، وكللت بالبطولات والميداليات والعديد من التكريمات، لم تأخذ فئة التوحد حقها فى الدعم من قِبَل المجتمع، كما واجهت الكثير من الرفض، لكنها تسعى دائمًا لإثبات أنها الأفضل.. قائمة  طويلة  من المشاهير تضم «تشارلز داروين» صاحب نظرية التطور الشهيرة و«أينشتاين» واضع نظرية النسبية، والفنان الشامل «دان أكرويد»، و«سوزان بويل» صاحبة واحد من أروع الأصوات فى العالم، جميعهم أصيبوا بالتوحد فى طفولتهم، والتوحد مرض شائع من أمراض الجهاز العصبى يصاب به الأطفال وتختلف أعراضه من شخص لآخر، ولكنهم جميعًا يتفقون فى ظهور حركات لا إرادية ويفضلون العزلة المجتمعية والانطواء على الذات.



 

 

 

 

«مريم» ملكة جمال التوحد وبطلة الجمهورية فى ألعاب القوى

ظنت والدتها فى البداية أنها طفلة خارقة تجيد تسلق المرتفعات، لم تكن تعرف ما هو «التوحد»، حتى ذهبت بها إلى أحد المستشفيات واكتشفت إصابتها بـ«الأوتيزم»، بدأت رحلة علاج «مريم محمد أحمد» وكان عمرها عامين ونصف العام، انقطعت والدتها عمن حولها ووهبت نفسها إليها، تقول: «اتبهدلت بيها، وصرخت مَرّة أثناء ركوبنا المواصلات لدرجة أن بعض الركاب افتكرونى خطفاها، قعدت أعيط، ولمّا عيطت صدقونى وصدقوا لما قولتلهم هى مش بتنطق ولو بتنطق هتقولكم، مرّة جبتها من على سور البلكونة، كان بيحصلى حاجات صعبة بسببها، صرفت عليها كل اللى حيلتى ومحدش كان مصدق إنى وصلت بيها للمستوى ده». لدى «مريم» الآن 13 عامًا، هى مشوار تَحَدٍّ للأم وابنتها سويّا، بدأت «مريم» بتقديم الاستعراضات، حيث لاحظت والدتها أنها تُقلد مقاطع الكرتون، كما كانت تتميز فى الحفلات التى يقيمها المركز الذى تتلقى العلاج فيه: «كل ما حد يشوفها يقولى ذكية وهيبقى ليها مستقبل كبير، بتمشى على أطراف أصابعها، بس أنا غلطت إنى ركزت ليها على التخاطب مش المواهب، إن ده كان هيساعدها تختلط بالناس وده بوعى بيه أى حد بيستشيرنى، المدرس بتاع التخاطب قالى بلاش مدرسة فكرية، هى ذكية ومستواها هينزل وفعلا عملت بنصيحته ودلوقتى بتتكلم وبتغنى الحمد لله». تتذكر والدتها اليوم الذى نطقت فيه للمرة الأولى، حينما أصيب ابنها بفيروس «سى» فمنعت دخول جميع أنواع الحلوى إلى المنزل، وحينما شُفى من مرضه زارتهم إحدى الجارات وحملت بصحبتها شنطة مليئة بالحلوى: «أول ما شافت الشنطة قالت عصير، كلنا قعدنا نعيط ونحضنها ومكناش مصدقين إنها اتكلمت». مؤكدة أنها اتجهت إلى الغناء بعد الاستعراض مباشرة، وتمكنت من حفظ أغانٍ كاملة ومنها «ابن مصر، وقادرين نعملها»: «مريم فى مدرسة المنى فى أولى إعدادى، حافظة مقاطع من أغنية يا وردة على فل وياسمين، حافظة أغانى كرتون فروزن وأغنية إفريقيا عربى وإنجليزى، راحت كورال تبع مؤسسة أولادنا، اتعلمت السباحة وهى 7 سنين بس مدخلتش فيها بطولات». اتجهت «مريم» إلى ألعاب القوى، فالتحقت بنادى الجزيرة وحصلت على ميداليتين ذهب فى أول بطولة لها: «جابت جرى 200 متر و400 متر، وعمرها 10 سنين، وخدت بطولة الجمهورية فى ألعاب القوى 2017، وتأهلت للمنتخب، عملت شغل خرز، وخدت 5 ميداليات 3 دهب و2 فضة، تم تكريمها بمداليات فى حفظ قصار الصور فى القرآن الكريم فى مهرجان الإبداع الفنى 2018». مشيرة إلى أنها حصلت على لقب «ملكة جمال التوحد»، وشاركت فى حفلة «قادرون باختلاف» التى أقيمت فى 2019 وتم تكريمها من قبل الرئيس عبدالفتاح السيسى: «بتحب التقليد وبتمثل أى فيلم بتحبه، وخدت كمان ميدالية ذهبية فى ماراثون ذوى الهمم وشهادة تقدير، بتحب الرسم والتلوين، بارعة فى الكمبيوتر وبتجيب أعلى سكور فى ألعاب الذكاء». غنت على مسرح الجلاء بحضور وزير الشباب والرياضة أغنية «سلمولى على مصر». وتضيف والدتها: «نفسى يظهروهم ويوفروا ليهم كل حاجة وميبقاش فى وسايط لأى مكان هما فيهم ويهتموا بأمهاتهم لأن نفسيتنا لازم تبقى كويسة عشان نقدر نكمل معاهم، الناس اللى مستوياتهم عالية ماديًّا همّا اللى بياخدوا الفرصة، نفسى أعملها لقاء تليفزيونى ويكون فى وعى للناس عشان نعرّفهم إن اللى عندهم توحد بيقدروا يعملوا كل حاجة».

 

 

 

 

 

«محمود» مغنٍ وبطل فى الجرى ورمى الرمح

تحدَّثَ ذات مرّة وكان عمره عامًا ونصف العام، ثم فقد الكلام، كانت والدته تلاحظ التفاوت بيه وبين أخيه التوأم حتى اكتشفت إصابته بـ«التوحد» وعمره عامًا و8 أشهُر، «محمود أحمد محمد» 14 عامًا، طالب بالصف الثانى الإعدادى بمدرسة «دار المنى»، بدأ فى تعلم ألعاب القوى وعمره 11 عامًا، وحصل على ميداليات فى الجرى 400 و800 متر، تقول والدته: «كل تركيزى كان على التخاطب وتنمية المهارات، دلوقتى وصلت بيه لمستوى كويس، حصل على المركز الأول فى الجرى ورمى الرمح وعمل استعراض الأقصر بلدنا». حصل «محمود» على كأس مصر فى ألعاب القوى، وشارك فى مسابقات لحفظ القرآن وكان أيضًا من ضمن كورال حفلة «قادرون باختلاف» لعامين متتاليين: «غنّى أغنية أنا ابن مصر، وشارك فى حفلة على مسرح الجلاء كان فيها وزراء، شارك فى استعراضات تابعة لمؤسسة أولادنا وفى الملتقى العربى، خد بطولة الجمهورية، وجاب فيها ميداليتين دهب، وواحدة فضة، وفى ماراثون الجرى خد المركز الأول وشهادة تقدير». مؤكدة أنه يعانى من فرط حركة طفيف، الأمر الذى جعل الكثيرين يرفضونه: «مش بيحب الزحمة ولو الناس شافوه بينتقدوه لو صرخ». تؤكد والدته أنه اجتماعى ويحب التحدث مع الناس ويتفاعل معهم، متفوق دراسيّا ويشجع أصدقاءه دائمًا على النجاح. وتضيف: «بقالى 12 سنة شغاله معاه وبعمله، بس المجتمع مش واقف فى ضهرهم، مَهما نوصّل ونفهمهم محدش بيراعى، بنطالب لبتوع التوحد إنهم ياخدوا فرصتهم لأنهم مدفونين، بيهتموا بباقى الإعاقات عنهم، ومش بيتكلموا عنهم، مش كل مرّة هنقعد نقول إنهم همم وتعبانين، فى ناس بتفهم وناس لأ».

 

 

 

 

«رنا» بطلة مصر فى السباحة وعازفة بيانو وتحب الرسم

اكتشفت والدتها إصابتها بالتوحد وعمرها سنة وثمانية أشهُر، فهى طبيبة أطفال، عرضتها على الكثير من الأطباء، لكنهم نصحوها بأن تنتظر حتى تبلغ الثلاثة أعوام لتتأكد من إصابتها به.. تطرقت الأم إلى القراءة عن المرض وكيفية علاجه، وحصلت على بعض الدورات التدريبية؛ حيث فضّلت أن تبدأ المسيرة باكرًا دون أن تنتظر.. بدأت والدة «رنا أحمد الشيخ» 13 عامًا، بجلسات التخاطب لطفلتها وتعديل السلوك، والدمج فى حضانة مع أطفال طبيعيين، تقول: «فى فترة تبديل الأسنان بداية من عمر ٥ سنوات امتنعت عن تناول الطعام نهائيّا، فكان الحل الوحيد تحويل جميع أنواع الطعام إلى سوائل، فكانت فترة صعبة استمرت حوالى عامين». بدأت «رنا» مشوارها فى السباحة وعمرها 4 أعوام، كإحدى الوسائل العلاجية لها، وحينما بلغت عشر سنوات حصلت على أول ميدالية ذهبية لها: «فى عمر 5 سنوات لاحظت حُبها للرسم فبدأنا باستخدام الرسم كإحدى الوسائل التعليمية، ثم بدأنا بعدها بالموسيقى وتعليم البيانو وأخيرًا بدأنا بالمشاركة فى الاستعراض بداية من خلال حفل بالمدرسة وأخيرًا حفل افتتاح ملتقى أولادنا فى 2019». حصلت السمكة الصغيرة على بطولة الجمهورية فى السباحة تحت سن 6  سنوات لفئة التوحد، وحصلت على ميداليات ذهب وفضة وبرونزية، وتعزف أيضًا على البيانو: «حازت على المركز الثالث فى ملتقى أولادنا العام الماضى، وشاركت فى معارض للرسم واستعراض الأقصر بلدنا فى حفل افتتاح الملتقى، ده فضْل وكرم من ربنا الحمد لله وبنحاول ناخد بالأسباب، وبحس بقيمة تعبى معاها فى لحظات تكريمها على أى نجاح بتحققه، بتمنى من ربنا تكمّل دراستها وتدخل الجامعة ويتم شفاؤها».

 

«زياد» عازف بيانو وعود و«محمد» بطل فى الجرى

بدأت سمات التوحد تظهر عليه حينما كان فى الثالثة من عمره؛ حيث اكتشفها والده، من هنا بدأت رحلة «زياد إبراهيم» 14 عامًا، طالب بالصف الثانى الإعدادى بمدرسة المحلة، اكتشف موهبته فى العزف وبدأ يُعلّم ذاته، حتى صار يجيد عزف أى مقطوعة، يقول والده: «بيعزف أى مقطوعة بمجرد السماع، بالإضافة لقدرته على التعامل الرائع مع برامج المونتاج والفيديو». يرى «زياد» نفسه طفلاً مميزًا وموهوبًا، كما أن لديه بيانو فى المنزل يعزف عليه مقطوعات أغانى المنشد الدينى «سامى يوسف»، يقول: «شاركت فى حفلة قصر الثقافة، وكمان عملت إعلان، عشان حفلة اليونيسكو، مين قال إنى عندى توحد؟، أنا مش متوحد، أنا خلاص خفيت حتى عندى مواهب جميلة، وكمان بعمل فيديوهات وعندى برنامج بيانو على الكمبيوتر، أعمل بيه معزوفاتى، بابا أكتر حد شجعنى وكمان ماما، كمان بعزف على العود، ونفسى أطلع فنان عالمى وأعزف مع فنانى المفضل سامى يوسف». يؤكد والده أنه عبقرى بعيدًا عن إصابته بالتوحد، فهو يجيد العربية قراءة وكتابة، ويتحدث اللغة الإنجليزية بطلاقة، كما ظهر فى إعلان حملة قادرون باختلاف». أمّا «محمد عمار» 14 عامًا، فقد شارك برسوماته فى الملتقى الدولى لفنون ذوى القدرات الخاصة، كما شارك فى مهرجان الإبداع الفنى الثالث، تقول والدته: «شارك فى مسابقة حفظ القرآن وحصل على ميدالية وشهادة فى حفظ القرآن وهو مشارك فى فرقة القلوب الطيبة وحصل على ٣ ميداليات فى مجال الرياضة أحدها فى الاتحاد الرياضى المصرى للإعاقة الذهنية وحصل على المركز الثانى فى الجرى وحصل على ميدالية برونزية وحصل على ميدالية من مركز شباب جزيرة». مؤكدة أنها بدأت رحلتها معه منذ 12 عامًا، من خلال التخاطب وتنمية المهارات. وتضيف: «أمهات التوحد يواجهن صعوبات، كثير من الناس أو المؤسسات لأنهم مش بيعترفوا بيهم، عاوزين نعرّف العالم إنهم أبطال ونثبت وجودهم». 