الثلاثاء 10 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

في حب الحروف!

«القراءة غذاء الروح والعقل».. فكما يحتاج الإنسان إلى الغذاء لاستمرار حياته وتطوره الذهنى والجسدى، فالعقل يحتاج لعناية واهتمام خاص من خلال القراءة.. التى لا تُعدّ مجرد غذاء فقط للعقل؛ بل فضاء واسع من المعارف والمهارات والتجارب، وتشكل القراءة للنشء أهمية خاصة فى تطوير مداركه وقدراته الذهنية والحياتية.



خلال يناير من كل عام لا حديث فى مصر سوى عن القراءة، فمعرض القاهرة للكتاب يفتح أبوابه فى نهاية الشهر الأول من كل عام ويستمر لما يزيد على 15 يومًا، ينهل فى رحابه كل عشاق القراءة، ويفد إليه المطالعون من كل حدب وصوب، مستلهمين قصص عشاق القراءة والحروف من كل أنحاء العالم.

 

معلم الشارع

 

 فى إيطاليا، يستيقظ أنطونيو لا كافا، المدرس المتقاعد والبالغ من العمر 75 عامًا، فى تمام السابعة صباح كل يوم، لا يفارقه فكر تحطيم كل معتقد اعتنقه أى شخص حول المتقاعدين عن العمل، فلا تزال روح الشاب تدب به مع طلعة شمس كل يوم، يستقبل الحياة بروح مرحة ونشاط مبهج، يستقل سيارته السماوية اللون ذات العنوان متعدد الألوان «bibliomotocarro» ويبدأ جولته بين حارة وأخرى، لتوزيع كنوزه المحملة على عتق سيارته، كتب مجانية لأطفال المدينة. يُعرّف نفسه بأنه «معلم شارع»، على الرغم من أنه لم يكن مدرسًا لفترة طويلة، مع ذلك، يتمتع بحماس هؤلاء الحالمين القادرين على صنع ثورة ثقافية جامحة، ويتجاوزون أى صعاب بطريق طموحهم، وحتى إن كانت غير واقعية، بلغ عقده السابع، لكنه لا يفرط يوًما فى كتبه، وإنما يتخذها قربانًا تُقرّب للصغار بمدن إيطاليا الريفية، منذ أكتوبر عام 1999 فى حى الفلاحين القديم فى البلاد. شغف القراءة بدأ للمسن المرح منذ أن كان فى الثامنة، بعدما التفت لقراءة الكتب المصورة، فقد كانت والدته تطفئ نور المنزل عند تمام السابعة مساءً، فيذهب فى ليال شتوية للجلوس بين المزارعين فى قريته، والقراءة على ضوء الشموع: «منذ ذلك الحين، لم تخرج تلك الشمعة من داخلى أبدًا».  «لا تنسى أن تعيد للأطفال الصغار ما تعلمته» ..كانت تلك الجملة الشرارة التى أشعلت رغبة أنطونيو لتنفيذ مبادرته تجاه صغار القرى، فقد ولد لأسرة فقيرة لم تتمكن من الصرف على تعليمه، لكن تدخل إلهى بهيئة أستاذة مدرسية أنقذه، وحثت المُعلمة الأم على توفير احتياجات نجلها ليتمكن من التعليم مهما كلف الأمر، فاستجابت السيدة وجعلته معلمًا جيدًا، لكن طلبت منه أن يعيد ما تعلمه إلى الأطفال ليتوارث علمه بينهم. مبادرته تلخصت فى مركبة صغيرة، تحمل أشكالًا متنوعة من الكتب، جعل منها مكتبة متنقلة يجوب بها المناطق النائية فى إيطاليا ليقدم الكتب للأطفال والكبار منذ نحو 20 عامًا، ورحلته لا تزال مستمرة؛ حيث يقدم فى مشروعه الثقافى الذى سماه «إلى أقصى الحدود» ورشات عمل متعلقة بالقراءة للأطفال وغيرها من الأنشطة الثقافية، إضافة لتوزيع الكتب عليهم. يبدأ أنطونيو يومه حين يصل إلى بلد مجاور فى المدينة ليس بعيدًا، فى الساعة 8.30 صباحًا، يجتمع بالأطفال فى القاعة الرئيسية لقراءة نصوص سردية ومشاهدة الأفلام القصيرة الأدبية التى يتم إنتاجها أحيانًا بواسطة طلاب المدارس الابتدائية. أما عن الكتب الموزعة، فيوزع أكثر من 500 كتاب فى الأسبوع، يشترى بعضها من ماله الخاص، والبعض الآخر يحصل عليه من تبرعات المهتمين. ما زال صاحب العقد السابع يتقاضى معاشه، لكنه يوظفه فى شغفه بنسبة كبيرة، فالتقاعد سمة الضعفاء فى رأيه. لا يفضل لا كافا الكتب الإلكترونية، لأنها تجعل القارئ كالعبد أمام جهازه، لكنه يفضل الكتب الورقية، فلها بريقها الخاص مهما جار الزمن عليها.

 

عربة الحواديت

قصة أنطونيو لا كافا، أعيد إنتاجها بشكل مصرى منذ بضع سنوات بصدفة غريبة، لكن هذه المرة تحت عنوان «عربة الحواديت» ترجع القصة لصاحب المبادرة هيثم عبده مدرس اللغة الإنجليزية بالصعيد الذى وصف قريته بأنها على حافة الكون ليس بها خدمات أساسية للعيش كحال معظم قرى الصعيد.  استشعر المُعلم مدى البؤس الذى يعيشه أطفال قريته الذين لا يعلمون شيئًا عن قصص الأطفال،  خصوصًا فى القرى والنجوع التى لا يصل إليها الكتاب مثل العديد من الخدمات الأساسية، فقرر تكوين فريق عمل لعربة الحواديت لتوزيع الكتب مجانًا من خلال تبرعاتهم الشخصية. استقدم هيثم الفكرة من ألمانيا تحديدًا عام 1927 الذى ظهرت به المكتبة المتنقلة، وهى عبارة عن سيارة مصممة للاستخدام كمكتبة، وغالبًا ما تستخدم مكتبات متنقلة لتقديم الخدمات المكتبية للقرى وضواحى المدينة أو لتوصيل الكتب إلى كبار سن. الفرق بين عربة الحواديت والعربات المتنقلة سواء فى أوروبا أو الدول الإفريقية أن المشروع تطوعى وخدمى من الدرجة الأولى فالعربة تقوم بعمل ورش حكى ورسم وصناعة، أما العربات الأخرى فكانت تستخدم فى أغراض تجارية لبيع الكتب أو استعارتها. يصف «هيثم»، «عربة الحواديت» بخط الدفاع الأول ضد الأفكار الإرهابية والعنيفة، باعتبار أن تحويل المعرفة والمعلومات إلى سلوكيات أمر ضروري. موضحًا أن الفكرة بدأت تشهد تطورًا من خلال تنظيم ورش خاصة: «يأتى الأطفال ليتمكنوا من الحصول على كتاب ملون أو مجلة مصورة». أما عن الدعم فيوضح هيثم، أن هناك عددًا من دور النشر قامت بدعم الفكرة من خلال التبرُّع بعدد من الكتب وهى دار المصرية اللبنانية ودار نهضة مصر، بالإضافة إلى المركز القومى للطفل برئاسة مرفت موسى وتبرعت بحوالى 6 آلاف كتاب كدفعة أولى ونفذت الدفعة الأول والآن تقوم بتحضير الدفعة الثانية بحوالى 4 آلاف كتاب، وكُرم هيثم مؤخرًا بمؤتمر شباب العالم من قِبل الرئيس عبدالفتاح السيسى لإسهاماته الثقافية الواضحة.

 

اقرأ مع زينب

من الصعيد إلى طنطا، لكن بطل المبادرة هنا فتاة صغيرة، جعلت الكتاب هدفًا لها، وتوظيفه من أجل الأطفال، حلم عاشت من أجله منذ عام تخرجها 2013 من كلية الآداب قسم المكتبات، من خلال «اقرأ مع زينب» عنوان صغير يحمل فى طياته أنشطة كبيرة عملت عليها الفتاة العشرينية عدة سنوات، فشغفها الثقافى بالقصص بدأ منذ خليقتها، حين قصت عليها الأم قصصًا متنوعة تعلقت بها، وعام بعد الآخر، أخذت دور الأم على شقيقتها الصغرى، فعلّمتها ما تعلّمته، وفاضت عليها قصصًا متنوعة وأصدقائها، فأُغرمت بما تقدم، وجعلته مشروعًا لينتفع به براعم طنطا. الخطوة الأولى كانت حين بدأت التدريس فى مدرسة خاصة ببلدتها كمُعلمة مكتبات، لكن لم تعد حصة المكتبة للطعام والنوم فى انتظار القادم فى جدول اليوم، حركت الكتب المصطفة بالأركان الخشبية، ودبت بها الروح مرة أخرى، بدأت فى تناول كتاب كل حصة تشرح ما فيه للصغار، تفتح بابًا للمناقشة والمجادلة بينهم، ورسم ما سمعوا توًا فى أحيانًا كثيرة. بدأت زينب تطور فكرتها لتشمل الأطفال خارج الإطار المدرسى، وبمراحل مختلفة تصل للمرحلة الثانوية أحيانًا، تطرقت لتأجير أماكن صغيرة، وتنظيم مجموعات للقراءة، تشرح فيها كتبًا متنوعة، ومرات أخرى تجعل الصغار يمثلون مسرحية عن كتاب ما، أو إجراء تجربة علمية شرحتها لهم من كتاب علمى فى إحدى الحصص. فى البداية لم تحصل زينب على عائد مدى من المبادرة، لكن زيادة كهل المصروفات، جعلها تبدأ مؤخرًا فى الحصول على مبلغ رمزى يشمل تأجير مكان الحصة فقط، للتمكن من استكمال مبادرتها. رفوف الكتب بمنزل زينب تتعدى الـ400 كتاب، جمعتها بمصروفها الخاص، وتخطت نحو الـ100 كتاب مشاركة فى المبادرة حتى الآن قصتها على آذان الصغار، فى محاولة منها لجعل الأطفال قادرين على التأليف، والمشاركة فى مسابقات بحجم مسابقة «تحدى القراءة» بالإمارات المتحدة.  