الخميس 19 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الصدمة «التأسيسية» تفوق «سلق ترزية مبارك»!

الصدمة «التأسيسية» تفوق «سلق ترزية مبارك»!
الصدمة «التأسيسية» تفوق «سلق ترزية مبارك»!







وسط احتمالات شبه مؤكدة لانهيار «التأسيسية» بعد الانسحاب المرتقب من كل القوى المدنية منها، تعالت أصوات المصريين باستثناء الإسلاميين والإخوان طبعا لوقف مناقشات الدستور الأخيرة خاصة أنها تحترف «السلق» بطريقة فاقت أيام النظام السابق بكل المقاييس وفق تأكيد كل المراقبين، حيث أنهوا «232» مادة فى 4 أيام فقط، ليسجلوا رقما قياسيا مرعبا فى سلق الدساتير رغم أنهم كانوا هاجموا «د. فتحى سرور» رئيس البرلمان السابق على تمرير «34» تعديلا على الدستور خلال 48 ساعة فقط!.. فهل تأمرون الناس بالمعروف وتنسون أنفسكم؟!
 

 
فى مارس 2007 واجه سرور انتقادات عنيفة من جميع القوى السياسية المعارضة فى ذلك الوقت وبالتحديد من جماعة الإخوان المسلمين متهمين سرور بسلق القوانين ومواد الدستور بعد أن قام مجلس الشعب بسلق 34 مادة من مواد الدستور فى يومين بمعدل 17 مادة فى اليوم الواحد، الأمر الذى جعل الرأى العام فى هذا الوقت ينظر إلى هذه المواد على أنها مواد مشكوك فى سمعتها الدستورية، واتهموا سرور والدكتور مفيد شهاب وزير المجالس النيابية وقتها بأنهم ترزية قوانين محترفون.
 
 
على ما يبدو أن الإخوان كانوا أكثر سرعة وتفوقا من الحزب الوطنى وقياداته فقد عرضت الجمعية التأسيسية للدستور برئاسة المستشار حسام الغريانى على أعضاء الجمعية 232 مادة لنظرها أيام الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء الماضى فى أكبر عملية «سلق» تاريخى لمسودة الدستور.
 
وتمت الاجتماعات وسط حالة من الغضب الشديد التى اجتاحت الرأى العام خصوصا القوى المدنية التى عبرت عن قلقها الشديد من أسلوب الغريانى وطريقته فى أداء الجلسات المريبة خاصة مع إصراره على التعتيم عليها، الأمر الذى جعل الجميع يدرك أن هناك أكبر عملية لسلق مواد الدستور من خلال التعجيل بتمرير مسودة الدستور بأى وسيلة وتحت دعوى أن هناك توافقا على بعض المواد بين القوى والتيارات المختلفة، لكن الحقيقة تقول إن هناك توافقا بين التيار السلفى وجماعة الإخوان حول ما يزيد على 99٪ من مواد الدستور الحالى، وهناك خلاف حاد بين التيارين من ناحية والتيار المدنى من ناحية أخرى.
 
وحسب جدول الأعمال الذى وزع على الأعضاء الذى وضعه الغريانى بالاتفاق مع أعضاء الجمعية من الإخوان والسلفيين، فإن الجمعية عرضت مناقشة نحو 232 مادة هى إجمالى مواد مسودة الدستور بخلاف ديباجة الدستور والأحكام الختامية والانتقالية على مدار الأيام الأربعة على أن تعود الجمعية للانعقاد هذا الأسبوع لاستكمال باقى مواد مسودة الدستور التى من المفروض أن تنتهى منها يوم 19 نوفمبر رغم كل الاعتراضات على التشريع المريب، وترفع المسودة بعد ذلك للرئيس محمد مرسى لطرحها للاستفتاء، لكن الأمر ازداد تعقيدا بعد قيام الجمعية بالموافقة على تكوين لجنة صياغة مصغرة من أربعة أعضاء برئاسة الغريانى، الأمر الذى جعل التيار المدنى يهدد بالانسحاب الكامل من الجمعية والذى من المتوقع أن يحدث فى أى وقت.
 
فى اليوم الأول وهو «الأحد» ناقشت الجمعية باب «الدولة والمجتمع» ويضم نحو 27 مادة، وهو يحتوى على الكثير من المواد الخلافية بين التيار الدينى والتيار المدنى، أهم هذه المواد مادة الشريعة الإسلامية ومادة الأزهر، ورغم ذلك يجب على أعضاء الجمعية التصويت على هذه المواد فى يوم واحد خلال أربع أو خمس ساعات أو على الأقصى 6 ساعات، وهو معدل يفوق المعدل الذى كان يسير عليه الحزب الوطنى وترزية القوانين بتمرير 27 مادة يوميا.
 
وحسب الجدول أيضا ناقشت الجمعية «الاثنين» 15 مادة والتصويت عليها يتم فى نفس اليوم.
 
والأغرب أن التوافق بين الإخوان والسلفيين لم يمنع الخلافات من الظهور لتؤجل نقاش أهم الأبواب وأكثرها تعقيدا «باب نظام الحكم» والذى يصفه البعض بمفجر التأسيسية، لما يجده هذا الباب من انتقادات عنيفة وخلافات بين كل التيارات السياسية داخل الجمعية، فهو يضم السلطات الثلاث الأولى هى السلطة التنفيذية المتمثلة فى صلاحيات رئيس الجمهورية والحكومة والسلطة التشريعية والمتمثلة فى مجلس النواب والشيوخ والسلطة القضائية المتمثلة فى القضاء والنيابة العامة والمحكمة الدستورية، بالإضافة إلى القوات المسلحة والمحليات ومفوضية الانتخابات، ويقع هذا الباب فى 121 مادة بدءًا من المادة 80 وحتى المادة 201 وهو أعلى معدل لمناقشة مواد دستورية فى العالم فى يوم واحد!
 
والمطلوب بعد ذلك مناقشة آخر الأبواب وهو المستجد باب الأجهزة الرقابية والهيئات المستقلة الذى يحتوى على 31 مادة من المادة 202 حتى ,232 وهو باب يخص هيئات الإعلام والجهاز المركزى للمحاسبات ومفوضية مكافحة الفساد.
 
وإذا أضفنا إلى هذه المواد التى يتفق عليها أعضاء الجمعية ذات الأغلبية من التيارات الدينية أن هناك 200 مادة تقدم بها أعضاء التيار المدنى على مسودة الدستور والتى تنظم العلاقة بين الدولة والدين وقضايا الحريات خصوصا الحريات الصحفية والإعلامية وسلطات رئيس الجمهورية الذى لم تجد أغلبها استجابة من أعضاء الجمعية المتفقين على كل المواد.
 
باب السلطة القضائية الذى شهد شدا وجذبا بين التأسيسية والقضاة انتهى إلى رفض تعديلات نادى القضاة على الباب من جانب التأسيسية، خاصة باب السن الذى تتمسك به الجمعية ليكون فى سن الستين عاما وليس فى سن السبعين عاما.
 
وهناك أزمة أخرى بسبب المادة التى تلغى نسبة العمال والفلاحين فى الدستور التى كانت 50٪، وسيرد اتحاد العمال ونقابة الفلاحين بإجراءات تصعيدية ضد التأسيسية خاصة بعد تصريحات «الغريانى» التي أكد فيها أن ثورة يوليو قامت بالنصب على العمال والفلاحين بهذه النسبة!
 
وطالب قيادات العمال بعقد جمعية عمومية طارئة استعدادا لحشد العمال والفلاحين فى مليونية بالملابس الزرقاء للتأكيد على أهمية الحفاظ على نسبة الـ50٪ فى جميع المجالس المنتخبة، وهاجم الاتحاد الأحزاب لعدم دفاعها عن نسبة تمثيل العمال والفلاحين، وهددوا بالانضمام للقوى الوطنية التى تنادى بتشكيل جمعية تأسيسية موازية والتى ثبت أنها تعمل لمصالح شخصية بحتة وليس لصالح الشعب المصرى خاصة بعد أن هاجمها كل فئات المجتمع بدءًا من القضاة حتى أعضاء النيابة العامة وانتهاء بالعمال والفلاحين، وعلى ما يبدو أن الأيام المقبلة خاصة أثناء التصويت على مواد الدستور سوف تشهد تصعيدا شديدا ضد الجمعية التأسيسية والدستور القادم، رغم محاولات مرسى لتمريره من خلال عقد مهادنات مع قيادات القوى المدنية والمرشحين الرئاسيين السابقين!
 
ومن الأبواب التى سلقت بسرعة قياسية، باب الحقوق والحريات الذى سوف يجد جدلا واسعا بعد الانتهاء من التصويت على الدستور داخل الجمعية باعتباره واحدا من أهم أبوابه بعد المادة الثانية، وهو نفس الباب الذى وجد خلافا شديدا بين التيار الإسلامى والتيار المدنى حول حقوق المرأة ومساواتها بالرجل، ومواد الإتجار فى البشر والرق وغيرها من المواد التى كانت بداية الخلاف بين التيارين والتى جعلت الجمعية التأسيسية تنشق إلى قسمين ويطالب بتطبيق كل المواد التى يراها من وجهة نظره بدعوى مطابقته للشريعة الإسلامية.
 
وفى هذا السياق يدافع القيادى الإخوانى «صبحى صالح» وعضو الجمعية عن رؤية التيار الغالب بأن القوى التى لا تنتمى إلى التيار الإسلامى هى التى تريد تعطيل الدستور رغم أنهم لا يمثلون سوى 20٪ من الشعب، وليس هناك فى الأصل مصطلح يسمى القوى المدنية، وإذا انتهت التأسيسية من أعمالها فلا محل لأى حكم قضائى بإبطال الدستور، ويتعجب من دعوات البعض بالانسحاب من التأسيسية، مؤكدا أن أى عضو يريد أن ينسحب من الجمعية التأسيسية عليه أن ينسحب، لكن لماذا التهديد كل يوم خاصة فى وسائل الإعلام ولا يتقدم أحد بالانسحاب من الجمعية؟!
 
ويضيف - فى تصريحات خاصة لـ «روزاليوسف» : أغلب المواد التى تمت صياغتها داخل الجمعية تمت بالتوافق ووافقت عليها الأغلبية، والديمقراطية هى حكم الأغلبية فلماذا عندما تكون الأغلبية من التيار الإسلامى يهاجمونها ويشككون فيها، أليس هذا ضد الديمقراطية وضد الحرية؟ وهل لو كان التيار غير الإسلامى هو التيار الذى يسيطر على الجمعية ويفصل فى الدستور كيفما يشاء يومها لو حاولنا أن ندافع عن وجهة نظرنا سوف يتهموننا أيضا بتهم أشد من ذلك!
 
ودعا صالح الجميع إلى أن يضع ما أسماه بمصلحة مصر أولا وأخيرا فوق كل اعتبار وفوق أى مزايدات لأن المرحلة الحالية لا تحتاج إلى شعارات ومزايدات وتحتاج إلى تكاتف الجميع من أجل المصلحة العامة، وفى النهاية الشعب هو صاحب الحق الأصيل فى الحكم على الدستور، لكن فى المقابل يقول «إيهاب رمزى» عضو مجلس الشعب المنحل عن حزب الحرية: إن التأسيسية تقوم بإعداد دستور يعود بنا إلى الوراء مئات السنين لأنه يغلب مصلحة فئة أو مجموعة على حساب باقى الشعب المصرى وكل الدساتير فى مصر السابقة كانت وستظل من أهم وأفضل الدساتير فى العالم، فهم جعلونا نترحم على دستور ,71 وليركزوا هم فى مصلحة مصر فكان يجب بعد ثورة 25 يناير أن نعد دستورا نفتخر به جميعا وليس دستورا لجماعة أو مجموعة على حساب الآخرين، لذلك ندعو أعضاء «التأسيسية» لتغليب المصلحة العامة للوطن على المصالح الشخصية أو مصالح الجماعة أو مجموعة من أجل الوطن.
 
فيما قال الدكتور وحيد عبدالمجيد المتحدث الرسمى السابق باسم الجمعية وأحد أعضائها القريب جدا من الانسحاب: إن الإخوان يتعاملون مع الدستور على أنه ملكية خاصة ونحن الذين نريد تعطيله، وقد بدا واضحا استحواذ التيار الإخوانى والسلفى على كل مواد الدستور ووضع ضوابط للمواد تخدم فقط مصالحهم، ومن ناحيتنا منحناهم مهلة حتى غد الأحد للاستجابة لمطالب التيار المدنى أو الانسحاب من الجمعية، ونحن قوة لا يستهان بها حتى إن كانت هذه القوة لن تعطل التصويت لأنهم يمتلكون الأغلبية، لكن انسحابنا شهادة أمام الرأى العام ليتأكد للجميع أن هذا الدستور يمثل فئة بعينها بعيدا عن باقى طوائف وفئات المجتمع المصرى.∎