عيشة ذل.. وموتة ذل!

سيد دويدار
لا نعرف إلى متى تستمر معاملة مجندى الأمن المركزى بهذه الطريقة المهينة التى تصل أحيانا إلى درجة الموت، فهؤلاء المجندون «الوطنيون» الغلابة مرابطون دائما فى أخطر المناطق المصرية، حيث يحرسون حدودنا مع إسرائيل ولا ترحمهم رصاصات الجنود الإسرائيليين ولا مهربى البشر والمخدرات، وفى الوقت الذى تضيع حقوقهم لمجرد اعتذار فارغ من الإسرائيليين، لا توفر لهم وزارة الداخلية أى وسيلة للراحة رغم بطولاتهم ومعاناتهم الحقيقية لدرجة أن «21» منهم ضاعوا هباء وبلا ثمن فى حادثة العلامة الدولية «50»، لمجرد أنه لا توجد وسيلة نقل مناسبة للطبيعة الجبلية.. تصوروا أن هذا السبب التافه قتل هؤلاء الأبطال الأبرياء الذين كانوا فى طريقهم لقضاء إجازة قصيرة، إلا أن «علبة السردين» التى كانوا يستقلونها كان لها رأى آخر وذهبت بهم إلى مثواهم الأخير.
لن ننسى أبدا أن الشرطة عندما اختفت فى أحداث 28 يناير «جمعة الغضب» تركت مجندى الأمن المركزى فى مواجهة المتظاهرين الذين رحموا ضعفهم فى الغالب واستوعبوا أنهم «عبيد المأمور»! كل هذه المعاناة بمقابل مادى غير آدمى بالمرة ووجبة مهينة، وكل الخوف أن يصل بنا الموقف إلى انتفاضة أمن مركزى جديدة، لأنهم يعيشون فى حياة أرحم منها الموت، ويجب أن تكون هناك وقفة حقيقية لا دعائية!
فيوم «المجند» فى غاية الصعوبة قبل الثورة وبعد الثورة.. فيتركونه فى مواجهة الخناقات الثأرية والمتظاهرين الغاضبين والمحتجين الثائرين والإسرائيليين والمهربين، ولا يرحمونه لدرجة أنه ينام فى هذه المواقع الساخنة بالأيام، وأحيانا يشترى أكله بنفسه،وإن أرسلوا له وجبة تكون غير آدمية!
فمجند الأمن المركزى هو هذا الرجل الذى كل غلطته أنه فقير لم يتمكن من التعليم، فكان هذا مصيره، فتجده ملقى فى الشوارع بطول كيلومترات كثيرة لتأمين المواكب قبل الثورة وبعدها بشكل مهين، وبالتالى له الكثير من الحقوق يجب أن نطالب له بها.. قبل فوات الأوان أكثر من ذلك!
لمن لا يعرف فإن انتفاضة الأمن المركزى فى 25 فبراير 1986 التى تجمهر بها أكثر من 10 آلاف جندى من إدارة الأمن المركزى بالجيزة اعتراضا على سوء أوضاعهم وسوء معاملة القيادات لهم وتسرب شائعة مد الخدمة العسكرية من 3 سنوات إلى 5 سنوات، وهو ما أثار حفيظة المجندين وثاروا وحطموا شارع الهرم وأمر وقتها الرئيس المخلوع بإعلان حالة الطوارئ وفرض حظر التجوال وتمت إقالة اللواء أحمد رشدى وزير الداخلية وقتها رغم الحب الذى كان يتمتع به من الشعب فى ذلك الوقت.. رغم كل ذلك حتى الآن لم تتعظ وزارة الداخلية ولم تتخذ خطوات لتحسين معيشة المجندين ويتعاملون مع المجندين بالأمن المركزى على أنهم آلة، حيث يتركونهم فى الشوارع لتأمين منطقة أو منشأة بالأيام مقابل وجبة بسيطة من الأرز ورغيفى عيش وأحيانا قطعة لحم تحتاج أكثر من ربع ساعة لمضغها!
ورغم قيام أمناء شرطة بالتسبب فى إحراق الداخلية أثناء تظاهرهم أمام الوزارة لتحسين أوضاعهم وبالرغم من اعتصام ضباط ملتحين للمطالبة بحقهم أيضا فى إطلاق اللحى، وأيضا قيام ضباط البحث الجنائى بإغلاق مراكز وأقسام الشرقية اعتراضا منهم على نقل ضابط مباحث فى واقعة سرقة سيارة تابعة للحرس الجمهورى المكلف بحراسة منزل رئيس الجمهورية، إلا أن جنود الأمن المركزى صابرون وصامتون يدعون الله بسرعة مرور الأيام وانتهاء فترة التجنيد حتى يعودوا إلى أهلهم سالمين وينتهوا من الحالة غير الآدمية التى تتم معاملتهم بها.
وقبل أن تحدث انتفاضة أخرى لمجندى الأمن المركزى رصدنا سلبيات يدار بها هذا القطاع العريض والمهم فى وزارة الداخلية، وما خفى عنا كان أعظم.
مجندو الأمن المركزى الذين تصل قوتهم إلى حوالى نصف مليون فرد منهم من يعمل فى قوات فض الشغب أو على إشارة مرور 24 ساعة متواصلة ومنهم أيضا من هو متخصص فى شراء الخضر من السوق واحتياجات المنزل للضابط الذى يعمل معه، وبعضهم يعمل سائقا خاصا لنجل الباشا فيقوم بتوصيله إلى المدرسة والنادى بسيارة الشرطة!
والأخطر منهم هو من تتم التضحية به بطريقة غير مباشرة عندما يتم وضعه فى وش المدفع إذا صح القول فيكون فى أول الصفوف فى أى مواجهات عنف سواء فى مظاهرة أو مشاجرات بالاسلحة النارية أو مطاردة خارجين عن القانون، و«روزاليوسف» ترصد عدة حوادث نسخة بالكربون وفيها استشهد أكثر من مجند ولم تتعظ قيادات الداخلية ولم تبال بدماء المجندين!
واقعة استشهاد المجند محمد عبداللطيف عيد من قوة الأمن المركزى بشمال سيناء والذى كان يشارك فى حملة أمنية لضبط الخارجين على القانون بمنطقة المحاجر بالعريش فوجئت القوة بحركة غريبة فى منطقة الزراعات المتاخمة، وعندما اقترب المجند الشهيد إلى هذه المنطقة وخلفه القوة فوجئوا بوابل من الأعيرة النارية فى اتجاه القوة، مما اضطرهم إلى الرد بإطلاق النيران واستشهد المجند بطلق نارى فى الظهر وآخر بالفخذ وكان ذلك فى يوم 15 أبريل سنة 2012 وفر المتهمون ولم تستطع القوة القبض عليهم حتى اليوم ومازالت أسرة المجند لا تعلم من قتل ابنها ولم تبرد نارهم حتى الآن كما استشهد أيضا فى نفس اللحظة زميله الذى كان يقف بجواره ويدعى محمد فوزى شرف بطلق نارى فى الرأس.
وفى نفس مديرية شمال سيناء أيضا وبعدها بأكثر من أسبوع استشهد 3 مجندين، حيث كانوا يشاركون فى تأمين سيارة تابعة للهيئة القومية للبريد وأثناء مرور السيارة بالطريق الساحلى بمنطقة بئر العبد فوجئوا بسيارة دفع رباعى يقودها مسلحون يطلقون وابلا من الأعيرة النارية وظل تبادل إطلاق النيران لأكثر من نصف ساعة استشهد على أثرها المجندون أشرف عبدالرازق سالم ومحمد إبراهيم أحمد وجمال سعد بطلقات فى الرأس والصدر وفر أيضا المتهمون هاربين وتم القبض على شخص واحد فقط.
وطريقة أخرى أيضا تتم فيها التضحية بالمجندين بإصدار أمر للمجند بفحص السيارات المشتبه فيها على الطرق الصحراوية رغم أنه غير مؤهل لذلك سواء علميا أو عمليا، وبالفعل فى يوم 15 مايو الماضى كانت قوة تابعة للأمن المركزى بمديرية أمن الإسماعيلية تتفقد الحالة الأمنية على طريق مصر - الإسماعيلية، وتلاحظ للقوة وقوف دراجة بخارية على جانب الطريق بدون لوحات معدنية متروكة بالجزيرة الوسطى بالطريق، فأمر الضابط المجند السيد ناصف محمد بالذهاب وتفقد الدراجة البخارية، وما إن وصل إليها حتى فوجئ بوابل من الأعيرة النارية يتم إطلاقها من اتجاه الزراعات وبعد تبادل لإطلاق النيران سقط المجند مصابا بطلقة فى الرأس وفارق الحياة.
واقعة أخرى مشابهة تماما وذلك بعدها بـ10 أيام، استشهد فيها المجند خالد محمد محمود من قوة الأمن المركزى بمديرية أمن الإسماعيلية أيضا والذى كان مشاركا فى قوة تأمين طريق مصر - الإسماعيلية الصحراوى دائرة قسم ثالث الإسماعيلية، حيث فوجئت القوة بسيارة نصف نقل تقف بجانب الطريق وكالعادة صدر أمر واقترب المجند منها لاستكشاف الأمر وفحصها فأطلق مجهولون بداخلها أعيرة نارية فسقط المجند قتيلا وفر المتهمون هاربين ولم يتم القبض عليهم حتى الآن!
وفى يوم 4 من شهر يولية استشهد أيضا المجند إبراهيم محمد عبدالرحمن بطلقة فى الرأس إثر قيام مجموعة من البدو بإطلاق أعيرة نارية من أسلحة متعددة بدائرة قسم شرطة أبورديس بشرم الشيخ وأصيب ثلاثة مجندين آخرين بطلقات نارية فى مختلف أنحاء الجسد.
وبعدها بشهر أيضا استشهد المجند ضياء محمد السيد من قوة الأمن المركزى بمديرية أمن الإسماعيلية الذى تحرك مع قوة إلى الطريق الصحراوى لضبط سيارة بداخلها مجهولون يسرقون المارة بالإكراه وتكرر نفس السيناريو وتقدم المجند الشهيد أول الصفوف فى مواجهة السيارة واستشهد المجند وتم القبض على 2 من المتهمين وفر الباقون هاربين.
وقد تم دفن المجندين فى محافظتهم، بعضهم فى جنازة عسكرية والآخرون فى جنازة مدنية، وقد أرسلت وزارة الداخلية مبلغا ماليا بسيطا يبلغ نحو ألفي جنيه وحتى الآن لم يتم إدراج المجندين الشهداء ضمن شهداء الثورة، حيث استشهدوا فداء للوطن.
مأساة أخرى يعيشها جنود الأمن المركزى بعد تجاهل الداخلية رفع المعاناة عنهم، حيث يتم وضع جنود الأمن المركزى فى مواجهة مع الشعب، وهو ما حدث مؤخرا فى مشاجرة بين عائلتين بالبدرشين بقرية الشوبك، حيث اضطر الأمن إلى الاستعانة بجنود الأمن المركزى لفض المشاجرة، مما أثار حفيظة العائلتين وانهالوا بالضرب على المجندين وأصيب وقتها 7 جنود بجروح بعضها خطير.
وفى المنيب حدثت مشاجرة بين عائلتين بشارع المدبح، حيث اضطرت أيضا قيادات أمن الجيزة للدفع بجنود الأمن المركزى لفض المشاجرة التى استمرت لأكثر من ساعتين وراح ضحيتها سيدة وشخصان وكانت النتيجة إتلاف 4 سيارات تابعة للأمن المركزى وإصابة 7 جنود بجروح بالوجه والجسد، والغريب أنه تم نقلهم إلى مستشفيات غير مستشفى الشرطة بالعجوزة رغم أنها الأحق بمعالجة المجندين المصابين، ولكنها تعالج فقط الضباط!
وأخيرا تعرض جنود الأمن المركزى إلى الرشق بالطوب والزجاجات الفارغة أثناء محاولتهم فض مشاجرة بين قريتى غمازة والإخصاص والتى راح ضحيتها أكثر من 5 أشخاص وتم إحراق منازل من القريتين وكذلك محلات تجارية.
وعندما تجمهر أهالى القريتين بطريق مصر - أسيوط الدولى تدخل جنود الأمن المركزى لمحاولة فض المشاجرة لتتحول الأمور للمرة الثالثة إلى رشق الجنود كأنهم هم الأعداء وأصبحوا خصما للعائلتين، وأصيب أيضا جنود بجروح خطيرة.
ومن المعاناة الصعبة التى تواجه مجندى الأمن المركزى تركهم فى مكان الأحداث لأكثر من 3 أيام فيضطرون للنوم فى سيارات الشرطة ويشترون الطعام على نفقتهم الخاصة ونادرا ما تأتى لهم وجبة أرز وبطاطس مسلوقة فيصبحون بين نارين: نار المواطنين الذين يرشقونهم بالطوب ويعتبرونهم أعداء أثناء ممارسة عملهم وتنفيذ تعليمات القيادات الأمنية ونار فرمانات الداخلية والمعاملة غير الآدمية، فمجند الشرطة ليس له مصدر رزق إلا مبلغ بسيط لا يتعدى 200 جنيه شهريا! والمطلوب أكل وشرب وتنفيذ تعليمات تحت أى ضغوط.. وقبل أن تتكرر أحداث الأمن المركزى مرة أخرى ندعو قيادات الداخلية إلى الرفق بجنود الأمن المركزى الذين ساقهم حظهم العاثر من عدم التعليم إلى قطاع الداخلية لتأدية الخدمة العسكرية!