الخميس 1 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

«ديان» عارياً .. فى مقر «المخابرات العامة المصرية»!

«ديان» عارياً .. فى مقر «المخابرات العامة المصرية»!
«ديان» عارياً .. فى مقر «المخابرات العامة المصرية»!




 
كانت لوحة «القدس» أقرب إلى جزء أصيل من جسد الرجل، فقد اعتاد النظر إليها «بعينه الوحيدة» منذ فترة بعيدة «!».. وعندما تولى مسئولية وزارة الدفاع، كان أن قرر وضعها فوق الحائط المواجه لمكتبه.. لكن لم يكن يدرى «موشيه ديان» أن «عين حورس المصرية» اعتادت أن تنظر إليه هى الأخرى من حيث ما اعتاد توجيه بصره «!»
 

 
 
 
كانت ترصد وتتابع بدقة كل ما يدور بغرفة الاجتماعات - التى لا يفصلها عن مكتبه - سوى الجدار المثبتة عليه لوحته الأثيرة «!».. ترصد.. تحلل.. تضع خططها، لتضلل قادة جيش الدفاع الإسرائيلى وأجهزة استخباراته «!»
 
فقد كان الرجل مطمئناً إلى حد الغرور - أو هكذا أوهم نفسه - إذ جلس منتصف ليل الخميس «4 أكتوبر 1973 يسترجع المناقشات الساخنة التى دارت من حوله داخل حزب العمل.. وفى لقائه الخاص وكل من: «تسافى زامير» مدير الموساد، وديفيد بن أليعازر، رئيس أركانه.. لكن ما زاد من اطمئنانه أن تقديرات الجميع «العسكرية والميدانية»، كانت تؤكد أن مصر وسوريا لن تشنا حربا فى القريب.. حتى تقديرات «إيلى زائيرا» مدير أمان «المخابرات العسكرية الإسرائيلية»، كانت ترى فى التحركات على الجبهتين «الجنوبية والشمالية» أمراً اعتيادياً، لا يعنى نية الدولتين إعلان الحرب على إسرائيل «!».
 
فأىٌ من النقاط الـ14 التى رصدتها وثيقة «الإنذار المبكر»، وصاغتها أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية للكشف عن نية المصريين لعبور القناة، لم يحدث.. فالمصريون لم يهجروا سكان السويس.. ولم تبدو هناك أى تغيرات جوهرية على أزياء قوات «الكوماندوز» العسكرية.. فلم يرتدوا خوذاتهم كالمعتاد عند الاستعداد للاشتباك.. ولم يغيروا أحزمتهم المميزة عن باقى قوات الجيش.. ولم ترصد دوريات الاستطلاع أى زيادة فى حشود القوات عند المناطق التى تبدو أسهل للاقتحام على طول خط بارليف «!».
 
.. ولم تتمركز قوات الكوماندوز «الصاعقة» بشكل لافت، كما هو متصور، بالقرب من حقول بترول «أبو رديس»، أو عند أى نقطة «موازية» لشرم الشيخ، تمهيداً للسيطرة على مدخل خليج العقبة «!».
 
.. ولم يدر بذهن «ديان»، وقتئذ، أن الوثيقة التى أجهدت صياغتها قيادات مخابراته، وضعت لها أجهزة الاستخبارات المصرية 240 طريقة للتضليل «!».. فقد رصدتها «عين حورس» أول الأمر عبر قيادة عسكرية بارزة بمكتبه.. نجحت المخابرات المصرية فى زرعها بوزارة الدفاع «!»
 
كان سيل المعلومات المتدفق على «القاهرة» من مكتب «ديان» كفيلا بأن يحسم معركة «الخداع الاستراتيجى» لصالح المخابرات المصرية.. فقد نجح «المصدر» فى الحصول على العديد من المعلومات «المهمة» الخاصة باستعداد قوات جيش الدفاع.. والإمدادات الأمريكية لإسرائيل لإجهاض أى تحركات يمكن أن تشنها «دمشق» أو «القاهرة».. وبالتالى ركزت توجيهات «القيادة السياسية» على ضرورة تركيز أعضاء البعثات الدبلوماسية، فى أحاديثهم على حل قضية النزاع «الإسرائيلى - العربى» سلمياً.. وهو ما أضفى - بالتبعية - بعدا مهما لعملية الخداع الاستراتيجى.. فضلا عن التكتيكات التى اتبعتها وزارة الإعلام، فى حينه بإذاعة ما يشغل الرأى العام عن موضوع الحسم العسكرى «!».
 
.. ولم يكن حال «شموئيل جونين» قائد المنطقة الجنوبية بأفضل حالا من وزير دفاعه، إذ كانت المخابرات، قد نجحت بالفعل فى تعريته هو الآخر «!».. وبات أغلب تكليفات مكتبه أمام «القاهرة» «!».
 
 
بدت على «جولدا مائير» التى كانت تسعى سعيا حثيثاً لدعم عسكرى أمريكى، سمات الارتياح «بعض الشىء».. عندما سمعت صوت محدثها «البطىء» عبر سماعة الهاتف، وهو يناديها على طريقته القديمة «ج - و - ل - د - ا».. فقد شعرت أن شيئا جديدا من الممكن أن يفعله الجنرال «حاييم بارليف» - رئيس الأركان السابق - على الجبهة الجنوبية «سيناء»، بعد الإخفاقات المتكررة التى منيت بها القوات الإسرائيلية تحت قيادة الجنرال «شموئيل جونين» خلال الخمسة أيام الأولى للحرب «!».. لكنه لم يكن سوى ارتياح مرحلى رسخته النظرة الأسطورية لقيادات جيش الدفاع.. الموصوفة، بـ«التاريخية» «!».
 
استخدام المصريين لعنصر المفاجأة كان مهما، فقد مكنهم هذا من الاستيلاء على الضفة الشرقية لقناة السويس خلال الأيام الأولى من الحرب، بفضل «العملية بدر» التى تمت بالتنسيق مع سوريا.
 
فأصبح القتال مع إسرائيل على جبهتين، مما مكّن السوريين من استعادة هضبة الجولان وغزو إسرائيل عبر غور الأردن، إذ لم يكن من الحكمة عبور صحراء سيناء الضخمة لمهاجمة إسرائيل.. وكان هذا أيضا أحد «الاحتمالات» الفاشلة التى كان يراهن عليها العدو الإسرائيلى «!».
 
فقد كانت إحدى «الوثائق السرية الإسرائيلية» التى حصلت عليها المخابرات المصرية، تشير - بحسب تقديرات المخابرات العبرية - إلى «احتمالية» أن يسيل لعاب المصريين، إذا ما وجدوا تقدماً عسكرياً ملحوظاً من جانبهم فى بداية المعركة.. ومن ثمّ يندفعون للهجوم، دون غطاء «مناسب» من المدفعية.. وحينها يمكن استخدام الطيران الإسرائيلى - الأمريكى، فى الواقع - للنيل منهم بسهولة، دون التعرض لخطر الصواريخ (سام 6) الرابضة على الضفة الشرقية للقناة «!».. إلا أن شيئا من هذا لم يحدث «!».
 
عزم المصريون على استعادة الأراضى التى فقدت خلال حرب 1967 على هذا النحو، بعد تقديرات «أجهزة معلومات القاهرة» لمحتوى الوثيقة:
 
إعطاء الأولوية لاستعادة الضفة الشرقية لقناة السويس .. عمل شبكة واسعة للدفاع مكونة من صواريخ «ماليوتكا» المضادة للدبابات وسام 6 المضادة للطائرات.. جعل الاقتراب من الجبهة صعبا فى وجه القوات الإسرائيلية.
 
وهو الأمر الذى شلَّ، بالفعل قدرة قوات «تل أبيب» على النيل من «فرسان القاهرة» وصقورها.. ففى 8 أكتوبر 1973 أمر الجنرال «شموئيل جونين»، بشن هجمات واسعة النطاق ضد الدفاعات المصرية الجديدة على الضفة الشرقية للقناة.. لكن فور أن خرج الأمر من فم «جونين» كان أن تلقته «القاهرة» فى حينه، عبر عميلها «النافذ» بمكتبه.
 
ونتيجة الإحباط والحيرة بسبب فشله فى اختراق خطوط القوات المصرية، أمر «جونين» بوقف فورى لجميع الهجمات.. وصبَّ هذا القرار - كالعادة - فى مصلحة المصريين، لكسب الوقت لحلفائهم السوريين، إذ تم تعطيل الدبابات الإسرائيلية فى معركة دفاع ثابت «صد الهجوم بدون محاولة كسب أرض».
 
كان جونين، لا يزال يعانى من عدم قدرته على اختراق الخطوط المصرية.. وفشله فى إنقاذ المشاة المحاصرين على خط بارليف، دون أن يعرف أن هناك «عيناً مصرية» ترقبه طوال الوقت «!».
 
.. فواصل إضاعة الوقت فى اجتماعات عقيمة دون وضع خطة جديدة «!»
 
وفى 10 أكتوبر، وبعد هذه الإخفاقات المتكررة، كان أن استدعت «رئيسة الوزراء الإسرائيلية» الجنرال حاييم بارليف من المنطقة الشمالية «الجولان»، ليحسم حدة الخلافات المتصاعدة بين كل من: ديفيد بن أليعازر «دادو» رئيس الأركان، وقتئذ و«جونين».. فقد كانت «جولدا مائير» على علم بالإحباط الذى أصاب «قائد المنطقة الجنوبية».. مما استدعى استبداله لمنع انخفاض الروح المعنوية.
 
ورغم أن هذه التغييرات مثلت عائقا «محدودا»، أمام «جاسوس المصرى» بقيادة المنطقة الجنوبية، إلا أن البدائل كانت متعددة ومتنوعة، إذ كانت عمليات استطلاع خلف خطوط العدو، التى قادها اللواء «لبيب شُرّاب» مدير المخابرات الحربية، حينئذ قادرة على كشف تحركات العدو بعمق «100 إلى 150 كيلومتر) خلف الخطوط«!».
 
.. وبالمناسبة، فقد كان الضابط «إسماعيل عتمان» ذ اللواء إسماعيل عتمان، فيما بعد، عضو المجلس العسكرى - أحد عناصر الاستطلاع المشاركة فى رصد تحركات خلف الخطوط، إذ كان يعمل تحت قيادة «العميد العرابى» بالفرقة 21 مدرع .
 
وضع «بارليف» فى 11 أكتوبر، وقادته الميدانيون: أرئيل شارون وأبراهام أدان، خطة لاختراق خطوط القوات المصرية. تحت اسم «أبراى ليف».. وكان أن استغلت الخطة اكتشاف «طائرة الاستطلاع الأمريكية «SR-71» وجود فجوة بين خطوط الجيش الثانى والثالث على الضفة الشرقية للقناة قرب الدفرسوار. نتيجة خطأ فى التخطيط، إذ كانت الوحدة المصرية التى تدافع عن ذلك الجزء، قد أُمرت بالاتجاه شمالاً، دون تكليف أى وحدة أخرى بأخذ مكانها.
 
.. واعتمدت خطة بارليف على أكثر من مرحلة:
 
كانت المرحلة الأولى أن تهاجم قوات «أدان» الجناح الجنوبى للجيش المصرى الثانى والجناح الشمالى للجيش المصرى الثالث، بهدف صرف الأنظار عن قوات شارون.
 
وأن تبدأ المرحلة الثانية باختراق قوات شارون خطوط القوات المصرية، وتدمير أى قوات فى منطقة الدفرسوار، ثم تأمين منطقة لعمل جسر عائم على جانبى القناة مع استخدام القوارب المطاطية. يقوم المهندسون العسكريون بعد ذلك، وتحت حماية قوات شارون، بتجميع «الجسر الدوار» عبر قناة السويس.
 
ثم تعبر قوات شارون - فى المرحلة الثالثة - القناة وتنسحب قوات آدان إلى منطقة الممرات والدفاع عنها.. وكان أن رصدت أجهزة الاستطلاع المصرية الخطة كاملة، وأبلغت بها القيادة السياسية.
 
وتقرر فى 14 أكتوبر، أن يطلق المصريون ثانى هجوم منسق على الخط الإسرائيلى بأكمله على الضفة الشرقية.
 
وكان هذا الهجوم بأوامر شخصية من الرئيس أنور السادات لتخفيف الضغوط على الجبهة السورية فى مرتفعات الجولان، رغم المعارضة القوية من الفريق سعد الدين الشاذلى - رئيس الأركان - إذ كان يرى أن الهجوم انتحار بسبب التعزيزات الحديثة فى الدفاعات الإسرائيلية.
 
وكانت المعركة أكبر معركة دبابات منذ الحرب العالمية الثانية، إذ قُدرت القوات المصرية بين 400 و1000 دبابة.. و5000 جندى مشاة ميكانيكى، فى مواجهة 800 دبابة إسرائيلية محصنة مع دعم قوات المشاة.
 
.. وعندما اشتدت المعركة، تحولت إلى قتال فى الظلام «!».
 
فى منتصف ليل 16 أكتوبر، وصلت برقية مختصرة للقاهرة تقول: ديان فى «المزرعة الصينية» صباحاً.
 
يقول موشيه دايان فى «مذكراته» عقب زيارته لموقع الاشتباكات.. يوم 17أكتوبر برفقة «شارون»: لم أستطع إخفاء مشاعرى عند مشاهدتى لها.. فقد كانت مئات العربات العسكرية «مهشمة ومحترقة» فى كل مكان.
 
ومع اقترابنا من كل دبابة كان الأمل يراودنى فى ألا أجد علامة الجيش الإسرائيلى عليها.. وانقبض قلبى فقد كان هناك كثير من الدبابات الإسرائيلية.
 
أما «أرئيل شارون» نفسه يقول: أكثر ما أذهلنا فى هذه المعركة لم يكن المفاجأة، بقدر ما كانت روح المقاتل المصرى.. فقد اكتشفنا مقاتلا غير الذى تصورناه.. ففى إحدى المرات كانت هناك 10 دبابات إسرائيلية، فى مواجهة ثلاثة جنود مصريين فقط.. فحمل كل منهم «أر - بى - جى» وصوبوا على ثلاث من الدبابات وأصابوها.. وكانوا يعلمون أنهم ملاقو حتفهم (!).. لم تهتز لأى منهم شعرة(!)