الإثنين 20 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الهجرة الثانية للأقباط

الهجرة الثانية للأقباط
الهجرة الثانية للأقباط




 


بعيدا عن لغة «التطمينات الساذجة» فإن الأقباط قدموا نموذجا مشرفا ووطنيا للوقوف صفا واحدا ضد المختلين موريس وزقلمة وأعوانهما الإسرائيليين والأمريكيين ووقاحتهم ضد الرسول، لأن الكل يدرك أن الهدف هو حرق مصر بمن فيها من المسيحيين والمسلمين، واكتملت وطنية الأقباط بعدم مجاراة المتطرف «أبوإسلام» الذى لا يقل فى سفالته عن القس الأمريكى المختل «جونز» بحرقه الإنجيل، الذى كان من شأنه تفجير كل مصر وتقسيمها بين أنصار الرسول الكريم ضد الفيلم المسىء وأنصار الإنجيل ضد حرقه.. كلنا ضد «جونز» وأمثاله وضد «أبوإسلام» وأمثاله.
 

 

 
لكن واقعيا وبالأرقام والحالات يعيش المجتمع القبطى حالة من القلق، بل الرعب تتمثل فى الفترة الأخيرة فى موجات الهجرة القبطية المستفزة، فمن منا لا يعرف صديقا قبطيا له لم يسافر بغرض اللاعودة إلى أمريكا أو أستراليا أو غيرهما من الدول الغربية، بل حتى العربية وأبرزها الإمارات.. وبالطبع مخططات الأخونة والأسلفة الممتزجة بمخططات الفتن الطائفية من الداخل والخارج، التى نعيش أحداثها الآن تزيد من احتقان المسلمين والمسيحيين معا، لتجسيد موجة ثانية للهجرة القبطية بعد الهجرة الأولى التى كانت فى السبعينيات بعد الصعود الإسلامى وقتها!
 
للأسف اضطررنا أن نلف على السفارات التى لمعت أسماؤها فى قبول موجات هجرة الأقباط للالتقاء بالشباب والأسر القبطية المهاجرة، لنرصد الظاهرة المخيفة،  فهل يعيش «حسن» وحده بعد أن كانت مصر تحوى بين أحضانها «حسن ومرقص وكوهين» ليتصارع «حسن الإسلامى» و«حسن الليبرالى» على الحياة فى البلد؟ وهل تكون الغلبة للإسلامى؟ وهل يستسلم المسيحيون؟!
 
«أنا عايز أسافر.. أهاجر.. أهج من البلد دى..» بهذه الكلمات تحدث لى من أمام سفارة هولندا بالقاهرة شاب يدعى «مينا . س» يبلغ من العمر 28 عاماً ذهب لطلب الهجرة من مصر بعد قرار الحكومة الهولندية بالسماح للأقباط بالهجرة إليها دون إثبات وجود اضطهاد ضدهم وقال لى: «أنا كان نفسى أعيش فى بلدى، ولكن الظروف ضدى»، فسألته عن أسباب لجوئه للهجرة فرد قائلاً: «المجتمع المصرى ملىء بالتناقضات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وغير مستقر.. بصراحة إحنا كمسيحيين خايفين من اللى بيحصل لينا من مضايقات.. ده غير إنى مش لاقى شغل.. كل دى أسباب طلبى للهجرة».
 
فى الوقت الذى أصدرت فيه الحكومة الهولندية قرارها بالسماح للمسيحيين فى مصر للهجرة إليها والذى حصلت روزاليوسف على نسخة منه زاد عدد الذين توافدوا على السفارة لطلب الهجرة خلال الأيام الماضية سواء من خلال اللجوء الدينى أو السياسى.
 
وعلمنا أن السفير الهولندى جيرارد ستيخن تقابل مع عدد ليس بقليل من الأقباط بخصوص هذا الأمر، وصرح بعدها أن السفارة رصدت أكثر من حالة اضطهاد لأقباط مصر دون وجود حماية مناسبة من الحكومة المصرية لهم، وذلك وفقاً لتقارير دولية عديدة، مما دفعهم لتغيير شروط حق اللجوء السياسى للأقباط من مصر إلى هولندا وعلى كل مواطن مصرى قبطى راغب فى اللجوء لهولندا سياسياً أن يقدم دليلا على الاضطهاد وكل حالة ستدرس على حدة.
 
ولفت السفير الهولندى إلى أن الشرط الوحيد الذى تم تغييره فى طلب اللجوء السياسى من مصر هو حذف شرط إثبات القبطى تقدمه بطلب للحكومة المصرية لحمايته من الاضطهاد، وفقط على القبطى المصرى التأكيد أن التعدى عليه أو اضطهاده تم وفق الميثاق الأوروبى لحقوق الإنسان، وهذا التغيير يشمل مصر فقط دون باقى الدول وأنه على طالب اللجوء التقدم بالطلب وهو موجود بالأراضى الهولندية دون شرط الإقامة بها.
 
وأكد بهاء رمزى رئيس الهيئة القبطية الهولندية أن الحكومات المصرية المتعاقبة سبب رئيسى فى مشاكل الأقباط  وقال: «أنا لا أثق فى وعود الإخوان بحل مشاكل الأقباط وزيارة المرشد للكنيسة لا تحل المشاكل لأننا نتذكر حينما كان جمال مبارك يزور البابا فى ظل معاناة الأقباط، مشيرا إلى أن تسهيل إجراءات الإقامة فى هولندا لمن يأتون إلينا بسبب الاضطهاد»، وقال فى ختام حديثه معنا: «نحن لا نسعى لإحراج مصر أمام العالم ونسعى لتنفيذ اللجوء للأقباط لكل دول أوروبا وليس هولندا فقط».
 
وحصلت روزاليوسف على تأكيدات قبطية وكنسية أن هجرة الأقباط من مصر زادت فى أعقاب اندلاع ثورة يناير وخصوصا بعد نتائج انتخابات مجلسى الشعب والشورى التى أسفرت عن صعود التيارات الإسلامية، خوفاً من المسار الذى واجهه مسيحيو العراق ولبنان.
 
وزادت محاولات الأقباط فى الهجرة بعد فوز د. محمد مرسى برئاسة مصر ووصول جماعة الإخوان المسلمين للسلطة وسيطرتهم على معظم مؤسسات الدولة، حيث توافد عدد كبير من الأقباط وخاصة الشباب على مكاتب الهجرة إلى هولندا وكندا وأستراليا والسويد فى محاولة جديدة للهروب مما يعتبرونه «البعبع الإخوانى».
 
ولم يكتف الأقباط بمكاتب الهجرة، بل لجأت بعض العائلات والأسر القبطية إلى الكنيسة والضغط عليها من أجل تسفيرهم خارج مصر، حيث شهدت الإيبارشيات والكنائس فى مختلف محافظات مصر تلقى العديد من الخطابات الموجهة إلى الأساقفة والكهنة طالبين منهم المساعدة المالية والاجتماعية واتخاذ جميع الإجراءات للسفر لإحدى الدول الغربية.
 
 منظمة الاتحاد المصرى لحقوق الإنسان تتحدث عن رقم صادم، حيث تقول إن 100 ألف مسيحى تقدموا بطلبات هجرة لأمريكا وكندا من بينهم 10 آلاف بعد فوز مرسى، فيما كشف قيادى كنسى - رفض ذكر اسمه لحساسية الأمر - أن ما لا يقل عن 30 ألف مسيحى تركوا مصر خلال الشهور الماضية وهاجروا إلى أمريكا وكندا وإيطاليا وأستراليا والإمارات العربية، مشيرا إلى أن الكنيسة لا يمكنها الإفصاح التام عن أعداد المهاجرين الأقباط.
 
رصدنا قلقا قبطيا شبه عام من حالات ما أسموه بالتهجير القسرى المعلن وغير المعلن، فما شهدته منطقة العامرية بالإسكندرية مؤخرا من تهجير أسرة مسيحية أصاب العديد من المصريين وخاصة الأقباط بالقلق والصدمة من هذه الظاهرة الجديدة، خاصة بعد تجددها فى دهشور فى وقت ظهر فيديو لقيادى سلفى على مواقع التواصل الاجتماعى واليوتيوب يقول: «إن على الأقباط أن يهاجروا وأن يتركوا البلد»، وأضاف: «مش عاجبهم حال البلد يمشوا ويسيبوا البلد دى وأمريكا فى انتظارهم».
 
فى المقابل رد بعض شباب الأقباط على ظاهرة التهجير والهجرة بأغنية توضح معاناة الأقباط فى مصر، الأمر الذى جعل إحدى القنوات الفضائية المسيحية تذيعها على فترات متتالية. وتفند مظاهر المضايقات التى يعيشها الأقباط.
 
تحدثنا مع عدد من الأسر القبطية وشباب مسيحى حول أسباب لجوء البعض منهم إلى الهجرة وهروبهم من الواقع المصرى الآن خاصة بعد وصول الإخوان المسلمين للحكم وتصاعد التيار الإسلامى بكل أشكاله وأنواعه، وكانت أغلب الإجابات أن الهجرة لم تكن إجبارية بقدر ما هى ضرورية حيث السعى إليها لتحسين أحوالهم الاقتصادية وعدم شعور الأقباط بالأمان فى ظل حكم مرسى.
 
جواهرجى قبطى فى قرية دهشور - رفض ذكر اسمه خوفاً من تداعيات وأثر ذلك على أهالى القرية - تلك القرية التى شهدت تهجير الأقباط منها بسبب أزمة طائفية سببها حرق قميص لمواطن مسلم لدى مكوجى مسيحى- طلب اللجوء الدينى من سفارة هولندا وقال: «خايف تتكرر الأحداث تانى وفيه ناس بترمى كلام علينا وبتقولنا هتروحوا مننا فين، علشان كده أنا حاسس إنى مضطهد فى بلدى وكمان محل الدهب اتكسر واتسرق فى الأحداث وعملت محضرا ولغاية دلوقتى مخدتش حقى».
 
وقال مينا القمص بسادة - أحد الشباب الذين قرروا الهجرة: إننى قررت الهجرة من مصر بعد أن ارتبطت بفتاة مصرية أمريكية وقررنا الزواج هناك، وأعتقد أن البلد حالياً لم يعد آمناً على الإطلاق، مشيرا إلى أن الأقباط كانوا يعانون فى ظل حكم مبارك فلا يمكن أن يكون الوضع الآن أفضل منه، بل سيكون الأسوأ فى ظل حكم الإخوان.
 
وأضاف مينا بقوله: الأقباط يهاجرون لأن بلدهم لا يعطيهم حقهم كمواطنين وكأصحاب لهذا البلد فيلجأون إلى السفر للخارج للشعور بالحرية العقائدية دون تمييز أو تقييد أو تخويف، لكن أعتقد أن هناك كثيرا من الأقباط الذين يرفضون الهجرة ويتمسكون بالعيش فى مصر.
 
أما كروميل بهيج - مترجم - من قرية الكشح بسوهاج والتى شهدت الأحداث الطائفية مع مطلع  الألفية الحالية فأكد أنه يريد الهجرة من مصر لعدم شعوره بالأمان الاقتصادى والسياسى والاجتماعى وقال: «لست خائفاً من الإخوان أو من أى تيار إسلامى، لكن الظروف فى عهدهم لن تكون فى صالح الأقباط».
 
وقالت سالى شاكر: إن عددا كبيرا من الفتيات المسيحيات يفكرن بجدية فى الارتباط بأحد الشباب المهاجر لأى دولة أوروبية، مشيرة إلى أن هذا الأمر يعد هروباً من الوضع الحالى فى مصر.
 
فيما يفكر عصام لبيب الذى يعمل بالفن التشكيلى ويملك بازارا يعرض فيه لوحاته بالغردقة فى الهجرة إلى إحدى دول أوروبا على الرغم من أنه رفض الهجرة إلى أمريكا منذ سنوات وقال: «إن السياحة فى مصر لم تشهد رواجاً بعد تصاعد التيارات الإسلامية، وبالتالى فإن أغلب المحلات والمشروعات المعتمدة فى الأساس على قطاع السياحة توقفت وهناك خسائر لأصحابها».
 
ومن جانبها لم تجد الكنيسة حيلة سوى توجيه تحذيرات  للأقباط بعدم إعطاء أى بيانات أو معلومات لأى مواقع للهجرة لكندا أو أى موقع إلكترونى خاص بالهجرة لأن هذه المواقع - كما تعتقد الكنيسة - تجمع معلومات، حيث تم رصد إيميلات ترسل لبعض الأقباط وعلى الفيس بوك تقول إن هناك هجرة عشوائية إلى كندا وللمسيحيين فقط.
 
فيما حصلنا على طلب من أحد الشباب قدمه إلى السفارة الكندية، وكشف لنا أن السفارة تشهد إقبالا أكثر من الأقباط طالبين الهجرة إليها، وذلك بعد ترديد شائعات بقبول السفارة هذه الطلبات بأعداد غفيرة.
 
ومن خلال حديثنا مع أقباط حول هذا الشأن تم الكشف عن وجود بنك استثمارى يساعد الأقباط على الهجرة من مصر لعدد من الدول على رأسها أمريكا وكندا، وعرفنا أن البنك يتلقى 800 جنيه فقط للحصول على تأشيرة زيارة لأمريكا لمدة 15 يوماً.
 
من جانبه قال الأنبا بسنتى أسقف حلوان وتوابعها: يجب على الجميع أن يستوعب أن مصر وطن للجميع ولا فرق بين مسلم ومسيحى مادام كل منهم يحترم الآخر ويحترم دينه، مشددا على رفض الكنيسة هجرة الأقباط من مصر وتركها خوفا من الإسلاميين وأقول لهم: لا تنسوا أن «مبارك شعبى مصر»، وأكد أن الكنيسة فى المهجر تستقبل الأقباط المهاجرين إليها بحثاً عن عمل أو مسكن وقال: من الطبيعى أن يلجأ الأقباط للكنيسة المصرية فى بلد لا يعرفونه، وليس من الممكن أن تصد الكنيسة أبناءها وتتركهم تائهين، بل تقدم المساعدة.
 
من جانبه استبعد المطران منير حنا مطران أفريقيا والشرق الأوسط للكنيسة الإنجليكانية وجود مخطط داخلى أو خارجى حول ظاهرة تهجير الأقباط من مصر وقال: إنه أمر سيئ للغاية ما حدث فى السودان من تهجير ما يقرب من 5,4 مليون مسيحى، مشيرا إلى أن الشباب يهاجر لأنه يشعر بأن مستقبل مصر غير مستقر وضبابى، مؤكدا أن هجرة المسيحيين من مصر ليست فى صالح المسلمين.
 
فى المقابل وعلى عكس ما قاله المطران الإنجليكانى وجهّ عيسى مصلح المتحدث الإعلامى لبطريركية الروم الأرثوذكس اتهاما صريحا لإسرائيل بأنها تخطط لتطفيش المسيحيين من الشرق الأوسط، والدليل على ذلك مضايقة المسيحيين فى القدس وهدم كنائسهم.
 
وفى وثيقة لمجلس كنائس الشرق الأوسط أكدت أن مسيحيى الشرق جزء لا يتجزأ من الوطن العربى وأن المسيحيين فى الدول العربية لن يتركوا كنائسهم وأملاكهم لمجرد الخوف والقلق مما يتعرضون له وما يشيع عن التخويف من جانب الإسلاميين، وقالت الوثيقة: «هناك هجرة قبطية متزايدة كمّاً ونوعاً ووتيرة فى الأعوام الماضية».
 
فيما رفض مدحت قلادة رئيس اتحاد المنظمات القبطية فى أوروبا ما يتردد عن وجود ظاهرة هجرة الأقباط وقال: «موضوع الهجرة كلام فارغ  ومن المؤكد أن أقباط المهجر رغم أنهم سافروا وووصلوا لأعلى المناصب فإن مصر فى داخلهم ويعودون إليها» مشيرا إلى أن الهجرة هى أمنية كل شاب مصرى وليس للأقباط فقط لأن الدولة الدينية يتم فيها الذبح والنحر للآخر، وقال: «من الغريب أن معظم المسلمين طالبى الخلافة متواجدون فى الغرب وأن هناك مخططا لتخويف الأقباط من جماعات الإسلام السياسى».
 
 
 

مدحت جودة
 

سالى شاكر