مُطلقون لكن أصدقاء!

حينما يقرر الزوجان الانفصال، تبقى محكمة الأسرة بطل المشهد فى أغلب الحالات، حيث يلجآن إليها على أمل الحصول على حقوقهما القانونية، أحيانًا تمضى الإجراءات فى هدوء وأحيانًا أخرى ينخرط الطرفان فى صراعات لا تنتهى، لا سيما فى حالة وجود أطفال، حالة تبدو شبه عامة فى مجتمعنا الشرقى، ولكن لكل قاعدة استثناء، حيث اختارت فئة أخرى الانفصال بعيدًا عن المشاحنات والخلافات التى لا تخمد، فتحول انفصالهم إلى علاقة وّد وصداقة طيبة غير مسبوقة.
روت مجموعة من النساء المطلقات لـ«روزاليوسف» حكاياتهن بعد الانفصال، منهن من قررت أن تحافظ على علاقتها بطليقها حتى لا يتأثر أطفالها بما حدث، ومنهن من أجبرتها الظروف على الانفصال كونها زوجة ثانية لكنها ما زالت متشبثة بوجود طليقها كصديق.
من أجل الأطفال
كانت حياة زوجية سعيدة فى البداية، عاش الشريكان فى ألفة وأنجبا طفلهما الأول وبعد ثلاثة أعوام جاء إلى الحياة طفلهما الثانى، مرت الـ 8 أعوام الأولى فى سلام وهدوء إلى أن اكتشفت «منة» خيانة زوجها: «اكتشفت أنه بيخونى مع واحدة صاحبتى، وده كان سبب الطلاق، قعدنا 6 شهور منفصلين وهو كان بيحاول يصلح الأمور ويرجع، ورجعت فعلًا وقعدت معاه 3 سنين وطول المدة دى كنت بحاول أرجع معاه زى الأول بس مقدرتش، وفى آخر سنة مكنتش قادرة استوعب ومش قادرة أنسى، صحيت من النوم فى يوم، قولتله مش هينفع نكمل وخلينا ننفصل بهدوء عشان نبقى محترمين قدام الولاد».
انعزل الاثنان لمدة ثلاثة شهور.. اجتهد الزوج خلالها فى إعادة الأمور كما كانت لكنه لم ينجح، حتى تصاعدت الأمور إلى الطلاق الرسمي: «بقالنا 3 سنين منفصلين تمامًا، بقينا أصحاب حلوين جدًا مفيش أى مشاكل عشان الولاد، هو قدم استقالته من شغله وعايش برا مصر، ولما بينزل أجازة بنخرج سوا ونتعشى سوا وبنتفسح والولاد بيسافروا معاه والدنيا لطيفة جدًا مفيهاش أى حاجة»، مؤكدة أنها طلبت من زوجها قبل الانفصال أن تتحول علاقتهما إلى علاقة ود وصداقة طيبة من أجل أبنائها.
وتضيف: «قولتله الولاد مهلمش ذنب إنهم اتولدوا بين أب وأم اختلفوا فى حياتهم ومقدروش يكملوا، ولحد دلوقت بيحاول يرجع بس على فترات متباعدة، بس قولتله بلاش نعمل كده، عشان إحنا خسرنا فى إننا نبنى بيت حلو وأسرة، فبلاش نخسر كمان إننا نبقى صحاب عشان الولاد»، منذ أن اكتشفت «منة» خيانة زوجها وهى تشعر أن إحساسها به بات مختلفًا، لم تعد تراه زوجًا لها مثلما كان، وإنما صديق مخلص يشاركها حياتها هى وأبناؤها فقط: «مبقاش فى نظرى إنه كل حاجة فى الدنيا زى الأول، نزل من نظرى جدًا وفى حاجة بينا وقعت، فالقصة مش قصة إنى لسه بحبه أو كرهته قد ما هى قصة إن فى حاجة اتكسرت ومش هتتصلح تانى».
«فى ناس كتير مستغربين إن أنا وطليقى أصدقاء»..لم تجد «مها» ما يدعو إلى الاندهاش فى علاقتها الحالية بطليقها، فهى ترى أن الحياة تمضى فى لمح البصر، ولا داعٍى للصراعات والمشكلات التى لا تنتهي: «معقولة الحياة متستحقش إننا نقضيها فى سلام!، عدم التوافق فى الزواج لا يعنى إننا نكون أعداء، إحنا بينا طفل ونكن لبعضنا احترام، طب ليه ما نبقاش أصحاب ونقف جنب بعض وندعم بعض كمان، من بعد ما انفصلت عن زوجى هو شاف حياته واتجوز ومراته صديقتى كمان لإنها خلفت منه ولد اللى هو أخو ابنى فلازم العلاقة بينا تفضل طيبة وكويسة عشان الأولاد، والحمد لله لسه فى ستات دماغها كبيرة».
زوجة ثانية
كان الأمر شديد الاختلاف لدى المرأة التى قررت أن تكون زوجة ثانية، نمّت علاقة حب قوية بين «أمل» وطليقها، تزوجها لمدة عام دون علم زوجته الأولى، إلى أن جاء اليوم الذى اكتشفت فيه وجود زوجة ثانية لتفتح أبواب الجحيم عليهما معًا «قالت عليا كلام وحش وشوهت سمعتى، وسببت ليه أذى فى شغله وطردوه بسببها، كنا بنحب بعض جدًا بس الظروف كانت أقوى مننا، وأنا استحملت معاه كتير بس فى الآخر مقدرتش أكمل وقررت أربى عيالى من زوجى الأولانى وأعيش عشانهم».
تؤكد «أمل» أن قرار الانفصال كان عسيرًا حتى أنها لم تستوعب حدوثه، مما دفعها إلى الاحتفاظ بطليقها بصفته صديقًا مقربًا لها، تستشيره دائمًا وتلجأ إليه فى كل شىء: «فضلنا نتواصل وبنتكلم ولو فى حاجة مهمة أو مشوار مهم كان بييجى معايا ويساعدنى ويقف جنبى، فضلنا أصدقاء وبس رغم إن مفيش بينا أولاد، ولسه مع بعض وعارفين إننا مستحيل نرجع تانى».
أما «عبير» فقد التقت بطليقها بعد وفاة زوجها بثلاثة أعوام، لديها 4 أبناء لكنها ما زالت امرأة جميلة فى الثلاثينيات من عمرها، أحبته واختارت أن تكون زوجة ثانية له، لكن الأمور لم تستقر بينهما كثيرًا بسبب زوجته الأولى: «عيالى حبوه أوى واتعلقوا بيه، كان معانا فى كل حاجة وبيخاف علينا، الأولاد كانوا حاسين إنه أبوهم بالظبط، بس مراته عملت مشاكل كبيرة وهو اللى قرر الانفصال، بس لحد دلوقت بيزورنا وبيسأل علينا وبنتكلم لإن عيالى متعلقين بيه جدًا خاصة بنتى الصغيرة، هو الراجل الوحيد اللى فى حياتنا، وبنلجأ ليه فى كل حاجة، بناتى بقوا على وش جواز ولما واحدة فيهم بيتقدملها واحد لازم ناخد رأيه ونحضّره».
صداقة حتمية
من جانبها قالت «أسماء مراد الفخرانى»، أخصائية علم اجتماع المرأة والإرشاد الأسرى إن هناك نساء كثيرات يلجأن إلى الحفاظ على التواصل والوّد بعد الانفصال فيتقربون إلى بعضهم من جديد، وهذه حيلة نفسية يلجأن إليها ليخبرن أنفسهن بأنهن لم يفشلن فى علاقتهن ولديهن القدرة على تحويلها إلى صداقة: «وعشان الطرفين ميالين لبعض كمان بيشتاقوا لبعض فسيولوجيا ودى حقيقة وسمعتها من ستات كتير، وفى نفس الوقت مش بتبقى قادرة تعيش معاه مثلًا عشان علاقته بأهله أو إنه بخيل أو فى حاجات فى شخصيته دمرت علاقتهم ببعض» مؤكدة أن هذا ما يطلق عليه «طلاق عن حب».
وأوضحت أخصائية علم اجتماع المرأة والإرشاد الأسرى أنه من الصعب تحويل علاقة الحب إلى صداقة: «الموضوع بيبقى عبارة عن فتح جرح كل شوية بشكه بسكينة وأرجع أقفله وأجرحه تانى، مفيش حاجة اسمها حب يتحول لصداقة، لكن ممكن علاقة عادية روتينية تتحول لشبه صداقة مش صداقة، بتبقى بتكلمه عشان الولاد بس لكنها متقدرش تعيش معاه، زى ما المثل بيقول لا أحبه ولا أقدر على بعده»، مشيرة إلى أن هذه الحالة باتت منتشرة بين المطلقين فبعض المنفصلين لا يربطهم وجود أطفال ورغم ذلك يتحدثون دائمًا ويخرجون معًا: «ممكن الست تطلب منه يقولها شكلك حلو، وإنه يهنيها فى عيد ميلادها، عشان تحس إنها مرغوبة وبرضه الراجل عنده حتة الطمع عاوز ست يحبها وست تبقى عشيقة وست تبقى صديقة، لإنه مش بيحب يفقد العلاقات فى حياته».
فيما قال «أحمد علام»، استشارى العلاقات الأسرية إن الصداقة بعد الطلاق شىء حتمى فى حالة وجود أولاد، أما غير ذلك فهذا شىء ثانوى أحيانًا يحدث وأحيانًا لا: «جزء كبير من العلاقات فى مجتمعنا بتدخل فى محاكم وقضايا ولو محصلش بيكون فيه صراعات بينهم وبين الأهل، لكن الطبيعى والحتمى والمفروض واللى ربنا قال عليه، إذا انتفت المودة لا تنتفى الرحمة، والجواز رباط مقدس وميثاق غليظ فإذا انفك لازم تستمر علاقة صداقة بين الأب والأم عشان نفسية الأولاد».
وأوضح علام أن الصداقة هنا تختلف، حيث تقتصر على علاقة طيبة تجمعهم ليتحدثوا فى الأمور التى تخص أبناءهم فقط: «مش صداقة بمعنى أنه يقولها رايحة فين وبتعمل إيه فى حياتها، لكن بمعنى إنه لو مثلًا عنده مشكلة فى الشغل فيأخر مصاريف الأولاد شوية، لو هى هتاخد أولادها وتسافر فتاخد رأيه، الحديث بينهم دايمًا بيصب فى مصلحة وحياة الأولاد ولكن بيدخل فيه الزوج والزوجة بطريقة غير مباشرة، بتبقى صداقة غير مباشرة وغير مقصودة».
وأضاف استشارى العلاقات الأسرية قائلًا: «نتمنى نشوف بعد الطلاق علاقات سوية، الزوج والزوجة كل واحد يستمتع بحياته لوحده، وعشان الأولاد كمان نفسيتهم هتبقى أفضل، لإن ده تأثيره إيجابى على الصحة النفسية ومعدلات الإنتاج، معدلات الإنتاج بتعلى لما بيكون مفيش مشاكل والدنيا مظبوطة، لكن لو فيه مشاكل ده بيأثر على العمل ومعدلات الإنتاج والماديات الخاصة بكل طرف من الطرفين».