السبت 3 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

عندما يصبح «الأهل» فريسة للوحدة والاكتئاب: أبناء الجحود!

عندما يصبح الأهل فريسة للوحدة والاكتئاب: أبناء الجحود
عندما يصبح الأهل فريسة للوحدة والاكتئاب: أبناء الجحود

عاد إلى المشهد من جديد الحديث عن العلاقات الاجتماعية والإنسانية بين أبناء العائلة الواحدة.. وكان لوفاة الفنان هيثم أحمد زكى وحيدًا بشقته دور كبير فى إثارة القضية القديمة المتجددة.. لا سيما وأن الوحدة تقترن دائمًا بقطع الأرحام والتنصل من المسئولية تجاه الأقربين.. ويحدث ذلك عن طريق انشغال كل إنسان بنفسه وأبنائه فقط.. حتى إن قطع الأرحام يصل إلى العلاقة بالآباء والأمهات والأشقاء وتركهم فريسة للوحدة والخوف والاكتئاب.جحود الأشقاءقابلته للمرة الأولى فى إحدى احتفالات الجالية المصرية بنيويورك.. رجل مصرى على قدر من الوسامة والأناقة.. كان حديث الحضور إلى الولايات المتحدة الأمريكية.. جاء بدعوة زيارة أرسلها له صديق قديم.. والمدهش أن السفارة وافقت على الدعوة ومنحته التأشيرة فى حين أنها لم تعتد بمثل هذه الدعوات فى الآونة الأخيرة.. تعدى الخمسين من العمر وغير متزوج.. وكان يشغل منصبًا مرموقًا فى مصر ويحصل على راتب كبير ورغم ذلك قرر أن يترك كل ذلك ويحضر للعيش بأمريكا لعام أو عامين على حد قوله.ربما جاء هاربًا من الضغوط النفسية والاجتماعية.. مثله مثل آلاف المهاجرين.. وقد استأجر شقة فاخرة إيجارها ألفا  دولار.. ويتواجد دائمًا فى لقاءات المصريين.. محبًا للناس واللمة.. وقد استطاع أن يصنع صداقات وعلاقات طيبة خلال فترة قصيرة.. ومع الوقت اطمأن لى: وحكى حكايته.. قائلًا بأسى: قررت أن أبتعد عن مصر.. بعد أن عانيت من جحود أشقائى الثلاثة وإهمالهم لى وعدم سؤالهم عنى.. بالرغم من أننى تفرغت لتربيتهم ووهبتهم عمرى.. وذلك بعدما رحل أبى وأمى ومعهما شقيقتى الصغيرة التى لم تتجاوز العاشرة فى حادث سيارة على الطريق الدائرى.. كنت أيامها خاطب وأستعد للزواج والسفر لألمانيا فى بعثة دراسية للحصول على الماجستير ثم الدكتوراة.وجاء الحادث الحزين ليغير كل حياتى ويقلبها رأسًا على عقب.. فألغيت بعثتى لألمانيا.. وتركتنى خطيبتى بعدما اشترطت عليها أن يقيم إخوتى معنا بعد الزواج.. فلدى ثلاثة إخوة.. ولدان توأم ما زالا بالصف الثانى الإعدادى وأخت تكبرهما فى الصف الأول الثانوى.. وعاهدت نفسى ألا أتركهم وأن أقوم برعايتهم حتى يستكملوا تعليمهم وتتزوج شقيقتى.وخلال هذه السنوات تزوجت زواجًا قصيرًا من فتاة عاهدتنى أن تساعدنى فى رعايتهم وتربيتهم ولكن لم يمض أسبوع إلا وبدأت تشعر بالغيرة منهم وتعاملهم بشكل سيئ. وتطلب منى أن نستقل بعيدًا عنهم.. ونزورهم مرة كل أسبوع.. وبالفعل رفضت وتم الطلاق بعد ثلاثة أشهر فقط من الزواج.. وتفرغت لهم ولرعايتهم والاهتمام بهم.إلى أن تخرج شقيقاى التوأم فى كلية الهندسة.. وانتهت أختى الصغيرة من دراستها الجامعية.. وتزوجت وسافرت مع زوجها الذى يعمل طبيبًا بالإمارات.. وبعدها تزوج شقيقاى وانتقلا إلى بيوتهما الجديدة.. ووجدت نفسى وحيدًا.. وما أصعب الوحدة وأقساها.. وما أسوأ ألا تجد أمامك سوى جدران الغرفة.. تسمع صدى صوتك وترد عليك.. كنت أظل دائمًا فى انتظار زياراتهم الأسبوعية لى.. ومع الوقت بدأت الزيارات تتباعد.. إلى مرة كل شهر.. ثم مرة كل شهرين.. وشعرت بإهمالهم وعدم اهتمامهم بى.. حتى أختى حين تأتى من الإمارات فى إجازات تقيم لدى حماتها.. وربما تزورنى مرة واحدة طوال الإجازة.. بدأت الأحزان تتمكن منى.. وفجيعتى فى إخوتى تتزايد يومًا بعد الآخر.. حتى أصبت بمرض السكر.. وينصحنى أصدقائى بضرورة الزواج.. لكننى أصبحت مريضًا وكان من الصعب أن أقبل على هذا القرار إلا بعد تحسن حالتى الصحية.. وفى أحد الأيام استبد بى الشعور بالوحدة وضياع العمر وتملكنى حنين حقيقى لأشقائى وخاصة أنه كان يوم عيد ميلاد شقيقى التوأم.. فاتصلت بهما وأخبرتهما أننى أشتاق إليهما وأحلم أن نتجمع اليوم مثلما كنا فى الماضى وأننى أعد لهما حفلًا.. وليتهما يحضران مع زوجتيهما وأبنائهما لنحتفل جميعًا.. ويعداننى بالحضور حتى إننى أعددت لهم عشاء يضم أصناف الطعام الذى يحبونه.. كما أحضرت كيكة عيد الميلاد وأنواع من الحلوى المفضلة لديهما ولدى أطفالهما.. وظللت ساعات فى انتظارهما.. لكنهما يعتذران عن الحضور بحجج واهية.. فى هذا اليوم حزنت جدًا لدرجة البكاء.. حتى إننى قد أصبت بعد ذلك بأزمة قلبية حادة نقلت بسببها للمستشفى وأجريت عملية قلب مفتوح.. وكان أحد أشقائى بجوارى يوم العملية والآخر قد سافر فى مهمة عمل خارج البلاد رغم أنه كان بإمكانه تأجيلها يومًا أو يومين ليظل بجوارى أثناء جراحة القلب الخطيرة.. وظل أخى الآخر معى أول يوم إلى أن أفقت من البنج.. وزارنى فى اليوم التالى لعدة دقائق.. وبعد ذلك باعدت زيارته لى طوال أسبوعين أقمتهما بالمستشفى.. وحين حان موعد مغادرتى للمستشفى لم أجد من يخرجنى من المستشفى. فاتصلت بصديق لى.. فجاء على الفور بصحبة زوجته واصطحبانى للبيت وقاما برعايتى هو زوجته.. بينما أخى يعتذر عن الحضور لانشغاله بالعمل مما يشعرنى بالحرج والألم أيضًا أمام صديقى.وشعرت أننى وحدى فى هذه الدنيا وكأننى بلا عائلة ولا أشقاء أفنيت من أجلهم عمرى.. فلم تشفع لى صلة الرحم ولا انفصالى عن زوجتى من أجلهم.. ولا ذكرياتنا الجميلة ولا تضحياتى بأجمل سنين عمرى لأتفرغ لرعايتهم.. كى يمنحونى شيئًا من حبهم واهتمامهم.. حتى فى محنتى تخلوا عنى.فحاصرتنى مشاعر مؤلمة مريرة.. وقررت أن أسافر إلى أمريكا وأعيش فى بلد آخر.. هاربًا من الجحود والنذالة والنكران.حيلة أمتتصل السيدة الشابة بأبناء جارتها العجوز التى تعيش بمفردها.. وتخبرهم أن والدتهم مريضة جدًا وترغب فى رؤيتهم.. يتوافد الأبناء تباعًا ويلتفون حول الأم العجوز التى تقترب من الثمانين.. وما أن تراهم الأم حولها حتى تعود لها ابتسامتها وتلتقط أنفاسها.. ويحضرون لها الطبيب فى كشف منزلى.. ليؤكد لهم أنها بخير ولا تعانى من شىء ويرفض نقلها للمستشفى. ويخبرهم أن ما تعانى منه حالة نفسية.. وربما تدعى الأم المرض حتى تشعر باهتمامهم بها ووجودهم معها وهى حيلة معروفة يلجأ إليها الكثير من الآباء والأمهات حين يشعرون بإهمال أبنائهم لهم.. وبعد أن ينصرف الطبيب.. يشعر الأبناء بالغيظ والضيق.. فأمهم تدعى المرض وتزعجهم كى تجمعهم.. وهذه ليست أول مرة تفعل ذلك.. بل كررت نفس الموقف مرتين من قبل دون أن تكون مريضة. يمضون معها ساعة أو أكثر.. ثم يبدأون فى الانصراف تاركين الأم وحيدة.. ولا تنسى الابنة أن توصى جارتهم الشابة التى تسكن فى الشقة المقابلة بأمها.. والمدهش أن لا أحد يقيم معها من أبنائها الخمسة ولا من أحفادها وحفيداتها الذين كبروا وصاروا شبابًا.. ويتركون والدتهم المسنة لرعاية جارتها.. مستغلين تدين الجارة وحبها لفعل الخير.. والجارة الطيبة لا تقصر رغم انشغالها ببيتها وأبنائها.. لكنها تعتبرها كوالدتها.. وكثيرًا ما تهديها الطعام الذى تحبه وتصنعه لها خصيصًا. وتندهش الجارة من موقف الأبناء تجاه أمهم. فهم لا يهتمون بها ولا يحرصون على زيارتها إلا نادرًا.. ويتركونها فريسة للوحدة وقسوتها وهواجسها.. وكثيرًا ما ترى الأم العجوز تحدث نفسها وتحكى لها حكايات وهمية عن زيارة أبنائها لها واصطحابهم لها فى سفرياتهم إلى لبنان وباريس!! إنها تخاريف وأمنيات العقل الباطن.. فهى تعيش على ذكريات الماضى.. فتضع بجوارها العديد من ألبومات الصور القديمة التى تجمعها بزوجها وأبنائها وهم ما زالوا أطفالًا.. وأحيانًا تكلم الصور وتضحك معها.. أو تتحدث مع زوجها التى تتوسط صورته جدران حجرة نومها.. ولا تنسى الجارة دموع الأم العجوز حين جاء عيد الأم ولم يتذكرها أحد من أبنائها أو أحفادها بهدية.. بل يكتفى بعضهم بتهنئة تليفونية وبعضهم لم يكلف نفسه حتى مشقة الاتصال أو التهنئة!!... فهم غير بارين بأمهم.. رغم أنهم أثرياء ويتقلدون مناصب مرموقة.. حتى الأم نفسها كانت قد وصلت لمنصب وكيل أول وزارة قبل خروجها للمعاش.. وزوجها رحمه الله كان أستاذًا جامعيًا.. وتعطى الأم لجارتها أرقام تليفونات أبنائها الخمسة ومن حين لآخر تطلب منها أن تتصل بهم وتخبرهم أنها مريضة كى يحضروا وتراهم.. فهى مشتاقة دومًا لهم.. وتعرف الجارة جيدًا أنها ليست مريضة.. لكن ادعاء المرض صار وسيلتها الوحيدة كى ترى أبناءها بعد أن تباعدت زياراتهم لها.وفى أحد الأيام تطرق الجارة باب السيدة العجوز.. لكنها لا ترد عليها.. تكرر الطرق دون جدوى.. فتشعر بالقلق عليها.. وتتذكر أنها قد أعطتها نسخة من مفتاح الشقة تحسبًا لهذا الموقف.. فتفتح الباب.. لتجد الأم ملقاة على السرير غائبة عن الوعى.. فتتصل بأبنائها وتخبرهم بما حدث.. والمدهش أنهم لم يتعاطفوا مع الأم هذه المرة.. ويخبرها أحدهم بلا استحياء.. أنها بالتأكيد تدعى المرض مثل كل مرة كى تجمعهم حولها غير مقدرة لظروفهم وانشغالهم.. أما الابن الثانى فيخبرها أنه سيمر عليها أثناء عودته من العمل.. كما تؤكد ابنتها أنها عند حماتها فى السويس وستحضر غدًا.. أما الابن الرابع فيخبرها أنه مريض ولديه نزلة برد جعلته يلزم البيت ولن يتمكن من الحضور.. والابن الخامس لم يرد على التليفون من الأساس..فتتطلب الجارة الإسعاف.. التى تأتى وتنقل الأم العجوز على الفور للمستشفى.. ولكنها تموت بمجرد وصولها للمستشفى.تتصل الجارة المتدينة بابنة السيدة تخبرها بصوت تخنقه دموعها أن تحضر هى وإخوتها لتسلم جثمان والدتهم من المستشفى.