العزف «باللوحات» فى معرض «وجيه يسى»

ليس بالضرورة أن يقف المطرب أو العازف على خشبة المسرح ليشدو للجمهور ببديع صوته، وجميل ألحانه، فمن الممكن جدًا أن يفعلها من داخل لوحات مرسومة، ومتراصة داخل قاعة عرض، ما سبق هو الانطباع الذى سيصلك منذ اللحظة الأولى التى ستطأ فيها قدماك قاعة (بيكاسو) بالزمالك التى تشهد حاليًا وحتى السابع من نوفمبر معرض (صبا) للفنان التشكيلى الكبير وجيه يسى.
المعرض يضم وجوهًا معروفة وغير معروفة لرموز الفن والموسيقى العربية، لكنها ليست مجرد وجوه وملامح مرسومة بدقة، فوجيه يأخذنا بلوحاته فى رحلة عبر الزمن، لنجد أنفسنا فجأة نجلس فى الصفوف الأمامية فى إحدى حفلات أم كلثوم، أو نشارك فى جلسة مليئة طرب وسلطنة مع سيد درويش، أو نتمايل مع كل رنة عود لبليغ حمدى يدق بها على مشاعرنا قبل الأوتار.
شجن وحنين وانطلاق
قبل أن أصل لأشاهد اللوحات، فكرت كثيرًا فى معنى الاسم (صبا) هل يقصد به (الشوق) لكل من رحلوا بفنهم الحقيقى الذى نحيا به حتى اليوم، أم يعنى به (سن الشباب) بروحه المنطلقة المحبة للحياة، أم يقصد (مقام الصبا) ذلك المقام الموسيقى المتفرد، الذى يجعل الآلات الموسيقية وكأنها تبكى من فرط الشجن، لكن بعد أن شاهدت اللوحات شعرت أنه لا داعى للاستفسار عن المقصد الحقيقى لاسم المعرض، فاللوحات تعبر عن حالة فطرية بها المعانى الثلاثة مجتمعين، فمشاهدة اللوحات كفيلة أن تخلق حالة من الحنين لزمن الفن الجميل، كما أن الألوان المبهرة واللقطات الساحرة تمنح حالة من الانطلاق والطاقة الإيجابية لكل من يشاهدها، لا يقطعها سوى نظرة على لوحة يدق صاحبها على أوتار الربابة أو العود، أو يعزف على الناى بوجه حزين.
اللعب بالماء
المعرض يضم حوالى 25 لوحة راقية، بالإضافة إلى مجموعة من اللوحات الصغيرة المجموعة فى إحدى جدران القاعة، إحداها لمجموعة من عازفى الآلات الوترية الذين يكونون فرقة موسيقية على الجدار، والأخرى لعازفى الآلات الشعبية كالمزمار البلدى والربابة، وكأنه يرغب أن يقول عبر هذه اللوحات الصغيرة المجتمعة، إن تراثنا الموسيقى والغنائى ثرى وضخم ولا يقتصر على النجوم والوجوه المعروفة، لكن أهم ما يميز اللوحات هو توظيف الألوان بشكل مبهر جعلها تلعب دور البطولة، فكثير من اللوحات لا تعتمد على تحديد تفاصيل أصحابها، فهى مجرد (لعب بالألوان) لكنها فى نفس الوقت جاذبة للانتباه، لأنها تجمع ما بين الوضوح والغموض فى آن واحد.
مدرسة فنية
البصمة التى يمتلكها وجيه يسى لا يخطئها أحد، لكنها لا ترجع فقط لكونه صاحب ريشة متفردة، فهو فنان موسوعى الثقافة، وتنعكس تلك الثقافة على لوحاته بشكل قوى، فتشعر أن وراء كل لوحة مرسومة حكاية ومقصد، أما المتخصصون فيشعرون بأنه مدرسة فنية مستقلة نظرًا لاستخدامه أكثر من خامة فى لوحاته، بالإضافة إلى التكامل والتوافق بين اللوحات الذى يعتمده بشكل انسيابى وهادئ.
سيرة الحب
أم كلثوم كان لها نصيب الأسد فى المعرض، لكن أهم ما يميز لوحاتها هى أنها لوحات ناطقة دبت فيها الحياة لدرجة أنك تسمع فى بعض اللوحات صوت آهاتها، وفى الأخرى صوت دقات قلبها وهى تستعد لدخول إحدى أغنياتها، بينما تعيد فى لوحات أخرى اكتشاف دور (المنديل) وأهميته بالنسبة لها، فطريقة احتضانها له التى صورها وجيه يسى فى بعض اللوحات، وطريقة تلويحها به تشير إلى أن استخدامها له ليس فقط من متطلبات الأناقة بقدر ما هو داعم وسند.
وجيه أصلًا وفنًا
الفنان وجيه يسى، حاصل على ليسانس الآداب قسم اللغة الإنجليزية من جامعة القاهرة، وعضو بالأكاديمية الكندية للبورتريه، كما أنه عضو بالجمعية الكندية للألوان المائية، وعضو نقابة الفنانين التشكيليين بالقاهرة، بالإضافة إلى كونه عضو مجلس إدارة التربية الفنية بتورنتو كندا لتدريس الفنون الجميلة والتصوير، كما أنه قام بإعداد أغلفة كتب نجيب محفوظ باللغة الإنجليزية وذلك بالجامعة الأمريكية في القاهرة، كما قدم العديد من المعارض الخاصة، جاء من بينها معرض «العزف بالألوان» في جزئيه الأول والثانى، ومعرض «وجدت نهرا»، ومعرض «الحلم».