الإثنين 30 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

السينما والأدب.. من وهب الحياة للآخر؟!

السينما والأدب.. من وهب الحياة للآخر؟!
السينما والأدب.. من وهب الحياة للآخر؟!


كانت السينما المصرية رائدة وسبّاقة فى الاعتماد على موضوعات مستمَدة من أعمال أدبية. وتمثل الأفلام المعتمدة على نصوص أدبية نسبة 10 ٪ من الإنتاج المصرى بين عام 1930 و1969، تقريبًا نحو مائتَى فيلم من نحو ألفَى فيلم، على مَرّ العشرين سنة الأولى من تاريخها. واستوحت الأفلام من كلاسيكيات الواقعية الأوروبية الأولى، مثل: «غادة الكاميليا» لإلكسندر دوماس الابن، و«تيريز راكان» لإميل زولا، و«البؤساء» ﻟفيكتور هوجو، و«الجريمة والعقاب» ﻟفيودور دوستويفسكى.


وأعطى الأدب للسينما المصرية أفقًا فنيّا وجعلها متفردة وبعيدة عن دوامة التكرار التى تميزت بها، إذ ابتعدت السينما عن الأدب. ولقد كُتب النجاح لتوجُّه السينما للأدب المصرى لأسباب عديدة: أولها كان بصورة أساسية وجود جيل من كبار المخرجين والكُتّاب والسيناريست، مثل: نجيب محفوظ، وسعد الدين وهبة، وعلى الزرقانى، ويوسف جوهر، أولئك الذين جمعوا بين حداثة السينما وكلاسيكية الأدب. وكان محمد كريم أول مخرج وضع رواية مصرية فى سياق سيناريو فيلم صامت وهو فيلم «زينب» فى عام 1930 المأخوذ عن رواية تحمل الاسم نفسه ﻟلدكتور محمد حسين هيكل، وصدر منها أيضًا فيلم ناطق فى عام 1952، وشجع نجاح هذه المحاولة الاعتماد على الأدب المصرى وتحويله لعمل سينمائى.
وأخرج جمال مدكور فيلم «آثار على الرمال» فى عام 1954 المأخوذ عن رواية ليوسف السباعى بعنوان «فديتك يا ليلى»، الذى اتفق مع التحولات الاجتماعية التى تبعت ثورة يوليو عام 1952 فى مصر بعد ربع قرن منذ بداية الإنتاج السينمائى المصرى. وقبل الثورة، كان السينما والأدب مجالين منفصلين لدرجة أن الجزء الأكبر من الروايات المصرية فى فترة الثلاثينيات والأربعينيات حُوّلت لأفلام فقط فى وقت لاحق كما حدث مع أعمال طه حسين، ويحيى حقى، ونجيب محفوظ، وتوفيق الحكيم، ومحمد عبدالحليم عبدالله، وأيضًا مع أعمال يوسف السباعى وإحسان عبدالقدوس. وكانت فترة الخمسينيات والستينيات بمثابة انطلاق الشرارة للعلاقة الوطيدة بين الأدب المصرى والسينما، ثم أصاب هذه العلاقة الوَهن بعد وفاة قائد الثورة جمال عبدالناصر.
ووجّه فيلم «آثار على الرمال» السينمائيين للاهتمام بالإنتاج الأدبى للكُتّاب المصريين. وبعد «السباعى» جاء الدور على إحسان عبدالقدوس، بطل الخمسينيات؛ حيث تم تحويل كل رواياته تقريبًا إلى السينما بواسطة أحمد ضياء الدين الذى أخرج فى عام 1956 فيلم «أين عمرى؟». ولا نستطيع أن ننسى على وجه الخصوص رائد الواقعية المصرية صلاح أبوسيف، الذى أخرج العديد من الأفلام، مثل: «الوسادة الخالية» فى 1957، و«الطريق المسدود» فى عام 1958، و«أنا حُرة» فى عام 1959. وكان عز الدين ذوالفقار قد أخرج فيلم «رُد قلبى» فى عام 1957.
وبعد سنوات فى كتابة الموضوعات والسيناريوهات لأعمال كُتّاب آخرين، كان الإخراج الأول لرواية نجيب محفوظ «بداية ونهاية» فى عام 1960 على يد صلاح أبو سيف. وبداية من هذه الفترة، دخل اسم نجيب محفوظ فى عالم السينما. وأخرج كمال الشيخ فى عام 1962 واحدًا من أفضل أفلامه «اللص والكلاب» المأخوذ عن رواية تحمل الاسم نفسه لمحفوظ، التى من خلالها بدأ تحولًا مُهمّا لإنتاجه الأدبى وهو بزوغ اتجاه جديد فى مجال الأدب المصرى؛ وبالأخص فى الرواية المصرية، وخلال الستينيات أصبح نجيب محفوظ «مايسترو» الرواية العربية وأيضًا «مايسترو» السينما العربية.
وأصبحت تقريبًا كل الروايات الجديدة لمحفوظ أفلامًا بداية من فيلم «الطريق» الذى أخرجه للسينما حسام الدين مصطفى فى عام 1964، وليس هذا فحسب، بل امتد اهتمام المخرجين بالإنتاج الروائى الماضى لمحفوظ وتحويله لأفلام سينمائية، مثل «خان الخليلى» لعاطف سالم فى عام 1967، «القاهرة 30» لصلاح أبوسيف فى عام 1966، والثلاثية التى أخرجها حسن الإمام والمكونة من «بين القصرين» فى عام 1964، «قصر الشوق» فى عام 1967، و«السكرية» فى عام 1973.
وفى تلك السنوات، تم تحويل أعمال رواد الرواية الكبار إلى لغة السينما المصرية، أمثال يحيى حقى، وتوفيق الحكيم، وطه حسين، وأيضًا أعمال الكُتّاب أمثال: يوسف إدريس، وفتحى غانم، ومصطفى محمود، وعبدالله الطوخى. وفى النصف الثانى للخمسينيات، وصل عدد الأفلام المصرية المستوحاة من الإنتاج الأدبى للدولة إلى خمسة وعشرين فيلمًا. ويمثل بعض منها أحداثًا واقعية مثل فيلم «دعاء الكروان» لطه حسين فى عام 1959، وفيلم «رُد قلبى» ليوسف السباعى فى عام 1957، وفيلم «بداية ونهاية» لنجيب محفوظ فى عام 1959. وتضاعف هذا العدد فى الستينيات.
خلال السبعينيات، استمر بقاء نجيب محفوظ وإحسان عبدالقدوس على قمة الكُتّاب الذين حُوّلت رواياتهم إلى أفلام سينمائية، مثل: فيلم «الأرض» من إخراج يوسف شاهين فى عام 1970 المستمَد من رواية تحمل الاسم نفسه لعبدالرحمن الشرقاوى، وفيلم «السراب» من إخراج أنور الشناوى فى عام 1970، وفيلم «الحب تحت المطر» من إخراج حسين كمال فى عام 1975، وفيلم «ثرثرة فوق النيل» من إخراج حسين كمال فى عام 1971. وكل الأفلام السابقة مستمَدة من روايات تحمل الاسم نفسه لنجيب محفوظ، بينما فيلم «ليل وقضبان» كان من تأليف نجيب الكيلانى، أمّا فيلم «حمّام الملاطيلى» فمن تأليف إسماعيل ولى الدين، وفيلم «الندّاهة» وفيلم «قاع المدينة» من تأليف يوسف إدريس، وفيلم «السقا مات» الذى أُنتج فى عام 1977 من تأليف يوسف السباعى.
ويظهر الاختلاف بين الأفلام المستمَدة من نصوص أدبية وأفلام أخرى من خلال مهارة خاصة امتلكها مخرجو تلك الأعمال، وهى اختيار الأعمال السينمائية الفعالة والمؤثرة، والولع فى إجراء تعديلات عن طريق الكتابة بصورة مباشرة أو الإسهام فى صياغة السيناريو لهذه الأفلام. وأسهم الأدب فى رفع مستوى السينما المصرية مرسّخًا الهوية القومية ومقدمًا شخصيات غير معروفة إلى ذاك الوقت، قادرًا على إبداء الآراء، والمثاليات، والأفكار والأيديولوجيات. وتم تحويل الرومانسية القديمة عند اتصالها بالواقعية الاجتماعية والتغير السياسى إلى ارتفاع درجة العمق بين المُحبين بصورة تامة فى النهاية. وفى الواقع، قام الأدب فى السينما بتقديم مساحة ورؤية لطبقات اجتماعية كانت لمدة طويلة فى الظل مغيرًا الصور النمطية لها، التى اعتاد الجمهور على رؤيتها وكانت عالقة فى الأذهان.
ويتضح من الأفلام المستمَدة من الأعمال الأدبية أن الطرُق التى نُفّذت بها كانت مختلفة. وتعكس بعض الأفلام بالضبط الأعمال المستمَدة منها، مثل: «يوميات نائب فى الأرياف»، و«أمُّ العروسة» و«زُقاق المَدق» و«بداية ونهاية»، بينما تحيد أفلام أخرى عن الأعمال الأدبية النابعة منها بقراءة خاطئة أو بإضافة أحداث غريبة على الشاشة ليس لها علاقة بالرواية الأدبية الصادرة عنها.
وفى بعض الحالات، وصل المؤلفون ذوو الكفاءة العالية الخاصة، مثل نجيب محفوظ، إلى الاعتراف بأنهم لا يشعرون بأى شكل من أشكال عن المسئوليات الأخلاقية نحو الأفلام التى استوحت من أعمالهم بحُرية مطلقة. ولم يسمح مؤلف مثل جابريل جارثيا ماركيز طوال حياته أن تُحوَّل روايته «مائة عام من العزلة» إلى فيلم سينمائى؛ لأن هذا التحوُّل غير متوافق بين عالم الأدب وعالم السينما مفضلاً للقراء قراءة ومشاهدة وفهم أحداث كتابه، كلٌّ فيما يتفق مع خيال وطبقًا لثقافته. لقد مضت السينما المصرية قُدُمًا بداية من الرواية إلى الحكايات، ووصلت إلى نصوص مسرحية منتجة بصورة نادرة جدّا العديد من الأعمال المُعاد إنتاجها فى لغة السينما.
*مدير متحف الآثار- مكتبة الإسكندرية