الجمعة 2 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

سيناريوهات ضرب إيران عسكريًا

سيناريوهات ضرب إيران عسكريًا
سيناريوهات ضرب إيران عسكريًا


رغم أن قرار الانسحاب الأمريكى من الأراضى السورية يبدو ظاهريا أنه جاء فى صالح دول «تحالف سوتشى» والذى يضم روسيا وتركيا وإيران, فإنه - أى الانسحاب- ربما أحدث خللًا داخل التحالف بسبب بدء الخلافات بين دوله الثلاث فى بعض الأمور البينية الهامة، فإيران اعتبرت فى البداية، أنها  ستتحرر من الوجود الأمريكى، لكنها تعلم جيدا أن الأعمال العسكرية التى تقوم بها إسرائيل لن تتوقف بل هى فى تزايد بعد انسحاب القوات الأمريكية من سوريا.


ويبدو أن محاولات دول سوتشى لرسم خريطة جديدة على الأرض بدأت تتعقد مع وجود عوامل جديدة، تمثلت فى صراع المصالح بينهم، وهو ما ظهر عندما لوحت تركيا بسعيها للاستحواذ على منطقة شرق الفرات، بحجة منع تكوين منطقة نفوذ للأكراد فيها، غير أنها بدأت تصطدم بالتحالفات الدولية وعلى رأسها أمريكا وفرنسا، وتعهداتهم بالمحافظة على وضع حلفائهم الأكراد فى الحرب ضد داعش، وكذلك رغبة الحكومة السورية مدعومة بمساندة روسية فى السيطرة على المنطقة.
الأطماع الإيرانية لم تكن أكثر حظا من المطامع التركية، فقد جاء استهداف الاحتلال الإسرائيلى للأهداف العسكرية الإيرانية والميلشيات التابعة لها داخل سوريا بمثابة ضربة لها. ويرى مراقبون أن الهجوم الإسرائيلى على القوات الإيرانية يتم بتنسيق مع روسيا أو على الأقل بعلمها. فروسيا لم تخفى استراتيجيتها بأن حرصها على أالتنسيق مع إسرائيل يفوق حرصها على تحالفها مع إيران فى سوريا، وهو ما يعتبره كثير من المراقبين بمثابة ضوء أخضر من موسكو لتل أبيب بفتح الأجواء السورية التى تحميها منظومة الدفاع الروسية أمام إسرائيل، طالما كان أهدافها إيران أو الميليشيات التابعة لها.
ضعف الموقف التركى وتنافس روسى إيرانى:
رغم الترحيب التركى بقرار الانسحاب الأمريكى، إلا أنه بعد فترة من القرار، صار وضع أنقرة التفاوضى أضعف، خاصة بعد زيادة الضغوط لإخراج تركيا وإيران من سوريا، وهو ما يفسر تزايد احتمال التقارب بين أنقرة ودمشق، وربما طلبها المباشر بإعادة تفعيل اتفاق أضنة وعودة العلاقات مع بشار الأسد، وذلك بمباركة روسية، وفتح قنوات حوار مع الأكراد عبر أربيل العراق.
عقب الانسحاب الأمريكى تسعى روسيا لاتمام الانفراد بالساحة السورية، ولكى تحقق ذلك لا بد أن تحجم دور إيران. فروسيا ترفض أى نفوذ لأى دولة فى سوريا، سواء كانت إيران أو غيرها، إلا من خلالها.
منذ عام تقريبًا دبت خلافات بين  موسكو وطهران، لكن الانشغال بالمعارك سواء فى مواجهة الفصائل المسلحة أو وجود القوات الدولية بقيادة الولايات المتحدة، ربما كان يخفى هذا الخلاف.
لا شك أن تغيير الوضع الحالى بعد القرار الأمريكى بالانسحاب من سوريا سوف يدفع الخلافات بين موسكو وطهران للخروج للسطح فى الفترة المقبلة، وهو ما ظهر من خلال التعاون الروسى الإسرائيلى، والذى نتج عنه توجيه عدة ضربات لتمركزات القوات الإيرانية وحلفائها فى سوريا، وأيضا سعى موسكو لتقوية الجيش السورى، خاصة «الفيلق الخامس»، ليحل بدلا من المليشيات الإيرانية. وطهران تدرك هذا الأمر، وهو ما يفسر قيامها بتوقيع عدة اتفاقيات اقتصادية مع دمشق، حتى تضمن استمرار نفوذها، إذا ما اضطرت إلى الانسحاب من سوريا.
وكانت اشتباكات قد اندلعت نهاية يناير الماضى بين «الفرقة الرابعة» التى يقودها ماهر الأسد وتدعمها إيران، وبين «الفيلق الخامس» وقوات «النمر» التى يقودها العقيد سهيل الحسين وتدعمها روسيا، وذلك بسبب صراع نفوذ بينها على عدد من المناطق فى وسط سوريا.
إن الخلاف بين موسكو وطهران، فى محاولة إيران لتقاسم النفوذ مع موسكو فى سوريا، أكثر من خلافها مع تركيا، خاصة أن موسكو ستعتمد على خلافات حكومة دمشق مع حكومة أنقرة للقيام بهذه المهمة، وهو على خلاف الوضع بين دمشق وطهران الذى يعتبر تحالف استراتيجى قوى مشترك المصالح والأهداف.
السيادة السورية ومصير اللاجئين وخلايا داعش:
يرى مراقبون أن حكومة دمشق ستتعامل مع الانسحاب الأمريكى من سوريا بالعمل على إعادة  المناطق التى كانت تحت النفوذ الأمريكى إلى السيادة السورية، فوجود القوات التركية على الأراضى السورية يعد احتلال (على الأقل من وجهة نظر سوريا)، خاصة أن هذه القوات ليست حاصلة على إذن الدولة السورية.
وبعد أن كان بشار يستغل التدخل العسكرى السورى، بتوافق إيرانى روسى، لمنع قيام دول كردية فى سوريا نجده اليوم (وبعد ضياع أمل الأكراد فى قيام دولة لهم) يلتفت للتواجد التركى من خلال موائمات مع الأكراد فى شرق سوريا لأن الموقف قد اختلف.
ستحاول سوريا العمل على احتواء الأكراد مرة أخرى كما كان الوضع فى السابق، بل وربما ستستخدم الملف الكردى كورقة ضغط على تركيا بمساعدة روسيا فى ذلك.
تعد قضية اللاجئين من أهم الموضوعات بالنسبة للحكومة السورية، باعتبارها أن فى حال تحركها فى إعادة اللاجئين سوف يزيد من مصداقيتها دوليا وعربيًا. أما بالنسبة لتنظيم داعش فى سوريا، فهزيمته ميدانيا بمثابة وضع نهاية له فى سوريا عملياتيًا، وطبقا لخبراء فأن التنظيم سيعمل على تعويض خسارته بالقيام بتفجيرات إرهابية والعمل على تنشيط الخلايا النائمة له من آن لآخر.
أظن أن عودة الاستقرار كسابق عهده فى سوريا، بعد 8 سنوات من الصراع الذى خلف أكثر من نصف مليون قتيل، أمر صعب توقعه. وعلى الرغم أن البحث عن حل فى سوريا أمرًا ما يزال قائمًا، إلا أن الاختلاف يكمن فى كيفية هذا الحل.
السيناريو الأول: وقف التعاون التركى الروسى
يتضمن السيناريو الأول وقف التعاون التركى الروسى وتدفق مزيد اللاجئين السوريين إلى تركيا وأوروبا، وإحداث أزمة فى العلاقة الأوروبية الروسية، وذلك نتيجة لقيام قوات الجيش السورى بالهجوم على «إدلب»، بمساعدة القوات الجوية الروسية والميليشيات الإيرانية، حيث أن موسكو ودمشق يسعيان للتنسيق فى هذا الملف، ولكن لن تتحمل موسكو ضغط دمشق لتنفيذ الهجوم. والذريعة التى قدم تستخدمها موسكو لتبرير الهجوم هى «عجز تركيا عن تنفيذ اتفاق سوتشى، وسيطرة المتطرفين على القسم الأكبر من إدلب».
ولا يستبعد فى هذا السيناريو إمكانية استخدام الأسلحة الكيميائية، وما قد ينجم عنها من إجراءات عسكرية للولايات المتحدة وحلفائها ضد الجيش السورى كما حدث من قبل.
السيناريو الثانى: إصرار سوريا على دعم الأكراد
مع انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، ونتيجة لاستمرار تركيا فى عمليتها العسكرية ضد قوات وحدات «حماية الشعب» الكردية فى الشمال السورى، بهدف معلن مسبقًا وهو «فرض منطقة آمنة أو عازلة»، قد يقوم الأكراد بعقد اتفاق مع مع دمشق، وقد يتضمن دفاع سوريا عن الأكراد، مما سيؤدى إلى الاصطدام التركى السورى، وهذا سيولد أزمة خطيرة بين روسيا وتركيا، والذى قد يمتد ليفرض توترات جديدة بين روسيا والغرب.
قد يؤدى التطور الحاد فى المواجهة التركية- السورية- الكردية إلى موجة جديدة من الأعمال الإرهابية فى كل من سورية وتركيا.
السيناريو الثالث: انهيار تحالف سوتشى وعودة العنف
بدأ التنافس غير المعلن بين روسيا وإيران فى سوريا فى التأثير على دمشق، وقد ظهر ذلك من خلال الاشتباكات بين الفئات الموالية للبلدين، فإيران تعتبر أن روسيا قد ضحت بالمصالح الإيرانية لقاء تنسيقها مع تركيا، وأنها لم تُعاقب إسرائيل جراء اعتداءاتها على إيران، كما أن تركيا وإسرائيل سيضغطون على فلاديمير بوتين لتحديد موقفه تجاه إيران، وبالتالى ستشعر ايران بالعزلة وهذا سيؤدى إلى تشدد مواقفها حيال سوريا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بشكل عام، وبالتالى إلى انهيار تحالف أستانا وعودة وتصاعد العنف إلى سوريا.
السيناريو الرابع: ضرب عسكرية ضد إيران
مع إصرار الولايات المتحدة على تطبيق عقوباتها على إيران ومنعها من بيع النفط من جانب، واستمرار إسرائيل فى ضرب القوات الإيرانية فى سوريا، فقد تقوم إيران بأحد عملين: الأول وهو سلمى نسبيًا وربما يكون الإجراء الأكثر احتمالًا ويتمثل فى استمرار بيع النفط للصين وربما الهند ودول أخرى، مع فك التزامها ببنود الاتفاقية النووية.
الاحتمال الثانى وهو تنفيذ عمل عدائى فنظرًا لأن الاتفاق فى الجنوب السورى لم يعد مجديًا (حيث تقترب القوات التى تدعمها إيران من مرتفعات الجولان المُحتل، وأصبحت على تماس مع القوات الإسرائيلية، مما سيؤدى إلى تصاعد الهجمات الإسرائيلية، واحتمال عودة نشاط حزب الله إلى الحدود الشمالية مع إسرائيل) وقد يأخذ التحرك الإيرانى أحد العملين الآتيين أو كلاهما: تنفيذ ضربات صاروخية مباشرة ضد أى من السعودية أو الإمارات أوإسرائيل روبما ضد قواعد عسكرية أمريكية، أو إغلاق مضيق هرمز من (الأمر الذى يعد الأصعب احتمالًا).
رغم أن الاحتمال الثانى بهذا السيناريو يعد الأبعد إلا أنه أيضًا الاحتمال الأكثر خطورة، وقد يقابله ما قد خططت له إسرائيل مسبقًا، إذ من المحتمل قيام إسرائيل وبعض دول الخليج (ربما فى إطار الناتو العربى) واحتمال قيام الولايات المتحدة بمعاونتهم فى شن هجمات جوية وصاروخية ضد أهداف إستراتيجية إيرانية كمنصات الصواريخ والمحطات النووية غير السلمية وقيادات الحرس الثورى الإيرانى، وبما يدعم أيضًا الهجمات الإسرائيلية الحالية ضد العناصر الإيرانية فى الداخل السورى. إلا أن هذا الأمر سيتطلب موافقة الأمم المتحدة على استخدام عمل عسكرى ضد إيران، وهو ما يصعب تحقيقه.
الأمر الذى سيؤدى بالمقابل إلى قيام عناصر «حزب الله» بالهجوم على إسرائيل، كما ستزيد إيران من دعمها للحوثيين فى اليمن لتنشيط أعماله العسكرية فى الجنوب، وضمن هذه التطورات سيزداد الموقف الروسى إحراجًا وصعوبة، إلا أن روسيا ستعمل بقوة على محالة احتواء الموقف وتهدئته وبما يحفظ دورها ومكاسبها التى حققتها. على صعيد آخر قد تتحرك الصين سياسيًا فى محاولات لتهدئة الموقف، مع احتمال قيامها دعم الموقف الإيرانى سياسيًا.
وقد يترتب عن ذلك تزايد أسعار النفط بدرجة كبيرة، جديرٌ بالذكر أن الولايات المتحدة قد طالبت دول الخليج العمل على تخفيض أسعار البترول ارتباطًا بعواقب عقوباها على إيران، من جانب آخر ستتأثر اقتصاديات دول الخليج والذى قد يشمل تداعيات اقتصادية أبعد تشمل المنطقة بالكامل.
على أى حال، ليس من مصلحة الولايات المتحدة القيام بضربة عسكرية ضد إيران أو دعم أى تحركات فى هذ الاتجاه، فلا الولايات المتحدة ولا منطقتنا العربية مستعدة لتحمل تبعات أى حروب خاصة تلك التى يشارك فيها بشكل مباشر قوى إقليمية ودولية، خاصة أن الجميع أصبح متعب من الحروب الدائرة بالوكالة.. وعلى أى حال كل الاحتمالات واردة.
 زميل أكاديمية ناصر العسكرية العليا - استشارى ومحاضر دولى للأمن والدفاع.