الخميس 1 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

نصوص عادلة.. وتطبيق عنصرى!

نصوص عادلة.. وتطبيق عنصرى!
نصوص عادلة.. وتطبيق عنصرى!


«إن سألوك عن العدل فى بلاد الغرب، قل لهم لا يطبق على أصحاب اليمين». لطالما تفاخر الغرب بقوانينه العادلة، وصرامة تنفيذها، بأنها هى السبب فى تمتع المجتمع بحياة كريمة، ولكن هذا الجانب من الصورة، والذى رغبت بعض الدول الغربية فى إظهاره لا يمثل الواقع هناك فى بعض الأحيان.. فللصورة زاوية أخرى لا يراها الكثيرون.. حيث استخدمت قوانين «مكافحة الإرهاب» هناك بشكل غير عادل، من أجل معاقبة الأشخاص الذين لا تتمتع آراؤهم السياسية بشعبية، أو يُنظر إليهم على أنهم أجانب، وإن شئنا الدقة فى القول، فإن معاقبة الأشخاص تتم حسب التوجه السياسى للحكومة فى الدول الغربية.


وبما أن المشهد السياسى الغربى ينبئ لعصر «سيادة البيض»، فإنه من الضرورى النظر إلى «الولايات المتحدة» باعتبارها الرائدة لتلك الحركة فى العصر الحديث، خاصة خلال السنوات القليلة الماضية. فمنذ هجمات الحادى عشر من سبتمبر قامت الحكومة الأمريكية، ووكالات إنفاذ القانون الفيدرالية بحصر الإرهاب فى تنظيم «القاعدة» والتنظيمات الجهادية، وغيرها من الجماعات المتطرفة الدولية. ونتيجة لذلك، أصبح الكثير من الأمريكيين ينظرون إلى الإرهاب باعتباره ظاهرة إسلامية تخص الجهاديين دون غيرهم.
>القضاء الأمريكى لا يطبق قانون الإرهاب على اليمين
ويدور الحديث الآن عن القضاء، ووكالات إنفاذ القانون فى الداخل الأمريكى، فتظهر عنصريتهم فى عدة أمثلة، على رأسهم احتجاجات «تشارلوتسفيل» بولاية «فرجينيا»، التى وقعت فى أغسطس 2017، عندما اندلعت اشتباكات فى المدينة بين متظاهرين من حركات «سيادة البيض» المتنوعة، ومحتجين معارضين لهم، مما تسبب فى وقوع أعمال العنف، منها قيام «فاشى أبيض»، يدعى «جيمس أليكس فيلدز» بقيادة سيارته ودهس عدد من الأشخاص اليساريين المعارضين لليمين، مما أسفر عن مقتل شابة تدعى «هيذر هاير»، وإصابة 19 آخرين. ومع ذلك لم يتُهم «فيلدز» فى محكمة ولاية «فرجينيا» سوى بجريمة «قتل»، وفى المحكمة الفيدرالية اتهم بجرائم «الكراهية»، ورغم وصف المدعى العام - آنذاك - «جيف سيشنز» فى البداية لهجوم «تشارلوتسفيل» على أنه «إرهاب داخلى» فإن المتهم لم يحاكم وفقاً لقانون «الإرهاب الداخلى» بوصفه إرهابيًا.
وبالطبع، إذا كان «فيلدز» متحالفًا مع جماعة إرهابية دولية، فمن المؤكد أن وزارة العدل الأمريكية كانت ستتعامل مع قضيته بطريقة مختلفة،  مثل قضية المهاجر الأوزبكى «سيفولو سايبوف» المنتمى فكرياً لتنظيم «داعش» الإرهابى والذى نفذ الجريمة نفسها بكل تفاصيلها بعد نحو ثلاثة أشهر من هجوم «شارلوتسفيل»، حيث قاد شاحنة مستأجرة عبر ممر للدراجات فى «مانهاتن»، مما أسفر عن مقتل ثمانية أشخاص. جلسات المحكمة وصفت هجوم «سا يبوف»، بأنه «عمل إرهابى، وتمت محاكمته وفقاً لقانون الإرهاب، .. بالطبع «سايبوف» إرهابى، ولكن نظرًا لأنه كان مدفوعًا بأيديولوجية متطرفة من الخارج، بينما كانت أيديولوجية «فيلدز» محلية، فقد تعامل المدعون الفيدراليون مع «سايبوف» كإرهابى، و«فيلدز» كرجل أبيض عنصرى!
>إحصائيات تؤكد أن إرهاب اليمين أخطر من إرهاب الجهاديين
من جانبهم، كشف عدد من الصحفيين الغربيين فى تحليل للمحاكمات الفيدرالية منذ أحداث 11 سبتمبر، أن وزارة العدل الأمريكية رفضت بشكل روتينى توجيه اتهامات بالإرهاب ضد «المتطرفين اليمينيين»..حيث طبقت وزارة العدل الأمريكية قوانين «مكافحة الإرهاب» ضد (34) فقط من أصل (268) متطرفًا يمينيًا، تمت مقاضاتهم على مثل هذه الجرائم فى المحكمة الفيدرالية. فى نفس الفترة، استخدمت تلك القوانين، ضد أكثر من (500) إرهابى دولى مزعوم. رغم تعريف قانون «مكافحة الإرهاب المحلى» الأمريكى، المعروف باسم «قانون باتريوت» الإرهاب، بأنه: «أعمال خطيرة على حياة الإنسان، تهدف إلى ترهيب المدنيين، أو التأثير على الحكومة فى خدمة أيديولوجية متطرفة محلية، والتأثير على السياسة».
كما يظهر معيار القضاء المزدوج أيضًا، فى استخدام وزارة العدل الأمريكية لقانون «الدعم المادى».. حيث واجه أكثر من (400) من المتهمين بالإرهاب الدوليين، اتهامات «الدعم المادى» منذ 11 سبتمبر، فى المقابل استخدم المدعون العامون نفس القانون فى قضية إرهابية محلية (واحدة) فقط فى نفس الإطار الزمنى.
كما أوضح تقرير صادر عن «مكتب محاسبة الحكومة الأمريكية» لعام 2017، حول «العنف الإرهابى، فى الفترة من 12 سبتمبر 2001، وحتى 31 ديسمبر 2016»، أنه رغم قتل عدد من الأشخاص على أيدى الجهاديين، فإن المتطرفين اليمينيين كانوا مسئولين عن ثلاثة أضعاف أعمال العنف الخطيرة.
ومن جانبها، أظهرت الأبحاث التى أجرتها «رابطة مكافحة التشهير» أنه تم تنفيذ 80 % من جرائم القتل، ذات الصلة بالتطرف فى (الولايات المتحدة) من قبل أشخاص مرتبطين بحركات اليمين، بينما ارتبط 3 % فقط بأيديولوجيات يسارية، و17 % بالحركات الجهادية. بالإضافة إلى جميع عمليات القتل المتطرف التى حدثت فى عام 2018 (وحصيلتها 50 قتيلاً)، كانت لها صلة بحركات يمينية.
>إدارة «ترامب» تستخدم تقارير إرهاب الجهاديين لتبرير قراراتها
ولكن مع الأسف، لا يوجد تقرير حكومى أمريكى عام يحدد عدد المتطرفين المحليين اليمينيين، الذين اعتقلتهم السلطات الفيدرالية،  ولكن - فى المقابل- حافظ مسئولو وزارة العدل الأمريكية على قائمة من المحاكمات الدولية، المتعلقة بالإرهاب منذ 11 سبتمبر. وتم إصدار تلك القائمة بشكل دورى فى الأعوام 2010، و 2014، و 2015، وغالبًا ما يتم استخدام البيانات لدعم القرارات السياسية الأمريكية، كما حدث فى العام الماضى، عندما قامت إدارة «ترامب» فى محاولة لتبرير، ما يسمى بـ «حظر المسلمين»،  بعرض تقرير صادر عن وزارتى العدل والأمن الداخلى الأمريكيتين، أن ثلاثة من كل أربعة مدانين بتهم الإرهاب الدولى منذ 11 سبتمبر2001 حتى31 ديسمبر 2016، ولدوا خارج «الولايات المتحدة». وهو التقرير الذى دعم سياسات الرئيس الأمريكى الخاصة، بالحد من الهجرة من الدول ذات الأغلبية المسلمة، بدافع المخاوف الأمنية الوطنية.
تقوم وزارة العدل بتضخيم التهديد الذى يمثله الجهاديون، مقارنة بالذين لهم أيديولوجيات محلية يمينية، وقد عززت الصحافة ووسائل الإعلام هذه الفكرة، كما ذكرنا فى العدد الماضى من «روزاليوسف»، بأن دراسة حديثة لجامعة «ألاباما» كشفت أن الهجمات الإرهابية التى يشنها الجهاديون تلقى تغطية إعلامية بنسبة 357 % أكثر من الهجمات التى يرتكبها سيادة البيض، وهو ما دفع المدعى العام السابق «بريندان أر. ماكجواير»، الذى شغل منصب رئيس قسم الإرهاب فى مكتب المدعى العام للولايات المتحدة فى المنطقة الجنوبية من «نيويورك»، إلى القول بأن بلاده لديها جماعات إرهابية محلية، لكنهم لا يسمونهم إرهابيين مؤكدًا أن المجتمع يرتاح أكثر «فى تصدير رؤية الإرهاب على أنه شىء يأتى من الخارج فقط».
ويذكر أن مدير مكتب التحقيقات الفيدرالى «كريستوفر وراى» قد أخبر لجنة الأمن الداخلى والشئون الحكومية بمجلس الشيوخ الأمريكى فى أكتوبر الماضى، أن: «الحركات المتطرفة المحلية، تشكل مجتمعة تهديدًا مستمرًا بالعنف والأضرار الاقتصادية للولايات المتحدة»، ومع ذلك، فقد أوضح تقرير السنة المالية لعام 2009، (وهى آخر سنة تم نشر مثل هذه البيانات فيها)، أنه تم تعيين (335) فقط من عملاء مكتب (FBI)، الذين يزيد عددهم على 13 ألفًا - وفقاً لما هو معلن - بأن يكونوا عملاء للإرهاب المحلى. على النقيض من ذلك، فإن الإرهاب الدولى، يمثل أولوية قصوى لمكتب التحقيقات الفيدرالى، مع تكريس آلاف العملاء له.
أما حكومة «المملكة المتحدة» باعتبارها من أشد مؤيدى اليمين خطورة فى الاتحاد الأوروبى، قد سنت مؤخرًا قانون جديد لمكافحة الإرهاب والأمن، لتسهيل التصدى لخطر التطرف العنيف، ولكن خلقت هذه السياسة فكرة «المجتمعات المشبوهة»، والتى أدت إلى عزل المسلمين الشباب على مستوى المشاركة المجتمعية، والثقافية، وأيضاً على المستوى المؤسسى والقانونى والتنظيمى، ناهيك عن تأثير مستوى خطاب حكومة المملكة المتحدة وسياساتها.
وأوضحت منظمة «قياس الهجمات المضادة للمسلمين» فى «المملكة المتحدة»، التى تبحث فى معالجة جرائم الكراهية ضد المسلمين، والإبلاغ عنها، أنه من مارس2012 إلى مارس 2013، تم تسجيل 74 % من الجرائم المعادية للمسلمين عبر الإنترنت، وكان هناك 28 جريمة كراهية ضد المسلمين فى المتوسط ​​شهريًا. وبين مايو2013، وفبراير2014، تم الإبلاغ عن 734 حالة من حالات سوء المعاملة ضد المسلمين، ومن بينها (599) حالة اعتداء وتهديدات عبر الإنترنت، وغير معروف إن كان تم التحقيق فى أمر هؤلاء اليمينيين المتطرفين.
يعد المثلان السابقان مجرد أمثلة بسيطة، مما يقوم به القضاء ووكالات إنفاذ القانون فى الدول الغربية بشكل عام، مما يوضح كيف تتعاون مؤسسات الغرب فى صعود اليمين المتطرف.>