الثلاثاء 7 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

كتاباتى ستعيش لقرون

كتاباتى ستعيش لقرون
كتاباتى ستعيش لقرون


 ترجمة: رولا عادل رشوان


قبل أيام قليلة من الاحتفال بعيد ميلادها المائة، شرعت ديانا آتهيل (رحلت أوائل يناير الماضى) فى مغامرة أدبية جديدة. وقد وافقت على القيام بمحادثة إلكترونية مباشرة، حيث أجابت على أسئلة من معجبيها وأبدت وعيا بالحاضر كان قد بدأ يغيب عنها بالفعل قبل ثمانى سنوات عندما قررت أخيرًا الذهاب إلى دار للتقاعد تحت معاناة مع ألزهايمر. تتحدث ديانا هنا أيضا على خلفية تجربة طويلة قبل ستين عاما من العمل فى مهنة النشر.


إجابة لاستفسار عن الملل الذى يعترى القارئ أثناء إعادة القراءة، قالت آتهيل: «فقدان ذاكرتك له مميزاته؛ لأنه فى بعض الأحيان يمكنك أن تلتقط كتابًا ولا تتذكّر أنك قرأته على الإطلاق، وتفاجأ بأنك بالأصل تملكه». وفى سؤال عن أفضل نصيحة قد تمنحها لامرأة على وشك البدء فى الثلاثينيات من عمرها، قالت: «أظن أن عليها أن تجتهد لتكون طرفًا فى علاقة حب جديّة».
يسأل أحد المشاركين فى الحوار عن نمط «الواقعية الإيجابية» فى كتاباتها. «حسنًا»، أجابت: «أنا أحب أن تكون الكتابة واضحة وموجزة. لا أحب إضافة الكثير من الكلمات. هذه طبيعتي. أحب أن أُبقى الأمور بسيطة جدا وواقعية بقدر طبيعتها. لا أومن بالخيال أو بالمبالغات فى الوصف، ولكن هذا الأمر - فيما أعتقد - مرتبطٌ بطبيعة المرء ذاته. لست متأكدة من كون هذا أمر يمكن للأشخاص تعلّمه. فى الحقيقة أنا متأكدة تمامًا من أن الكتابة هى انعكاس للشخصية؛ تمامًا كما أسلوب الكتابة».
على الرغم من عدائها للخيال، ازدانت مؤلفاتها بحس أنيق فى الكتابة، وأنتج إخلاصها فى الاحتفاظ بـ «واقعية الأشياء والأحداث» سلسلة من السير الذاتية التى كشفت فى أكثر من مرّة عن حياة غير تقليدية ذات تفاصيل حميمية مؤلمة. نُشرت أولها «بديلًا عن رسالة» عام 1963، والتى حكت فيها عن علاقة حب مؤلمة عاشتها فى سن الخامسة عشرة مع طالب من جامعة أكسفورد، قد عيّنه والدها لتدريس أخاها الأصغر. استمرت العلاقة حتى التحاقها هى شخصيًا بأكسفورد فيما بعد، ثم انتهت فجأة بعد إرسال الشاب للعمل فى مصر كطيّار مهاجم وتوقف تمامًا عن الرد على رسائلها، ليكسر بعد عامين حالة الصمت ويخبرها أنه يرغب فى الزواج بأُخرى، عن هذا كتبت: «لقد تقلّصت روحى حتى صارت بمثل حبة بازلاء».
كان كتاب السيرة الثاني؛ «بعد جنازة»، «الذى لم ينشر حتى الثمانينيات، بعد مرور سنوات بالفعل على زمن كتابته الفعلى - عن الكاتب المصرى وجيه غالى، الذى انتحر فى بيتها عام 1969. تقول فى هنا: «كانت تلك علاقة مقلقة للغاية. كان عليّ الكتابة عنها للتخلص منها ولملمة نفسى».
كلا الكتابين، بالإضافة إلى رواية ومجموعة من القصص القصيرة، قد كُتبا «ليلًا على مكتبها»، بينما كانت تعمل كمحررة لدى الناشر أندريه دويتش، فى دار النشر التى فاجأت الجميع بازدياد سطوتها فى عالم النشر فى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي. تقول آتهيل: «لم نكن نظن أننا نتميّز عن الآخرين فى أى شيء. كُنا فقط نحاول أن نتعلم القيام بالأمور بشكل أضبط وأسرع».
اتخذت سيرتها المهنية منحًا متميزًا، فقط حينما اعتزلت عملها اليومى: «عندما تقاعدت، قال الجميع أن عليّ أن أبدأ بالكتابة عن تجربتى فى مجال النشر، ولكنى أخبرتهم أن هذا لا يقع ضمن نطاق اهتماماتى فى الكتابة. ولكننى بشكل ما صرت أتذكر أشياءَ ممتعة، ثم خطر لى فجأة أنه يمكننى أن أكتب من باب التسلية، ولربما ساعدنى ذلك فى تخطى أحزانى».
بدأت فترة الازدهار فى كتاباتها فور نشر كتابها «ستيت»، ويشير العنوان فى عالم النشر إلى الأمر الذى يصدر حين الطباعة للاحتفاظ بالنص الأصلى وتجاهل تصحيحات خاطئة قام بها المحرر. «هذا الكتاب كان بمثابة محاولة للحكى والاحتفاظ ببعض أجزاء من تجربتى كما حدثت فى الواقع دون تعديل»، كتبت عنه: «هذا الكتاب هو قصة حياة محرّرة سابقة، ظنّت أنه إن اطلع عليه بعض الناس، لربما استردت قليلًا من شعورها بكونها لا تزال حيّة».
«صباح يوم أمس، سيرة بريطانية جدًا»، كان الاسم الذى حملته سيرتها الذاتية التى تلت كتابها عن عالم النشر بعامين، كشفت فيه عن الكثير من إغراءات الماضى البعيد التى أنهكتها حد الضجر. بدأ الكتاب بحوار مع والدتها التى بلغت من العمر آنذاك 92 عاما، والتى ورثت منها ديانا جيناتها كمُعمّرة، على حد قولها ثم تحوم الذكريات فى الكتاب حول نشأتها المرفّهة ما بين المهور والكتب فى ديتشنجهام، والضيعة فى نورفولك، تلك التفاصيل التى تلفّها بمشاعر مختلطة حين تتذكرها.
«نشأت فى أسرة حملت من الثقة بنفسها حد أن ظنوا أنهم من أفضل أجناس البشر على الأرض»، «عندما أتذكر هذا الأمر الآن، يبدو لى مقيتًا تمامًا، بينما أشعر فى الوقت ذاته أننى كما لو نشأت بداخل صوبة زجاجية، وزُرعت بداخلى جذور الثقة بالنفس، ربما كانت المبالغة فى الشعور بالأهمية فى واقعها مؤسفة، ولكنها جعلت خيارات الحياة عليّ أسهل».
فازت ديانا فيما بعد بجائزة كوستا لأفضل السير الذاتية فى عام 2008، عن سيرتها «فى مكان ما قرب النهاية»، والتى كتبت فيها بصراحة مطلقة عن تفاصيل معاناتها مع تدهور علاقتها الطويلة بشريك حياتها الكاتب المسرحى الجامايكى «بارى ريكورد». كتبت الصحفية كاثرين وايتهورن عن تجربة آتهيل فى الكتاب، وعن كونها لم تُبد «أى ندم، على الرغم من معايشتها لحياة لو خبرتها أى من النساء من طبقتها وعصرها لحكوا عنها بمزيد من ندم ومرارة».
بينما الآن، تبدى ديانا بعض الندم حول أشياء أخرى فعلتها فى الماضى وكانت غير متوافقة مع تصرفات النساء من نفس طبقتها لكنها خجلت من الاعتراف بها، منذ سنوات عمرها الأولى، بدأت فى التمرّد على تقاليد عائلتها، «ولكننى لم أعلمهم بتمردى هذا، ذهبت للعيش وحدى واعترضت فى سرّى، وإننى لألوم نفسى على ذلك أحيانًا، أظن أنه كان يجب عليّ الدفاع عن مبادئى، ولكننى انسحبت من المواجهة».
خاضت آتهيل غمار الكتابة عن أدب الرحلات مرورًا برحلتها إلى فلورنسا فى الأربعينيات من القرن الماضى فى كتاب «يوميات فلورنسا»، ثم كتابها الأخير عن عالم الشيخوخة «حيّة، ما زلت حيّة»، والتى حكت فيه عن رحلتها من شقتها فى شمال لندن بمنطقة بريمورس هيل إلى «دار التقاعد للمسنّين النشطين» فى هايجيت حيث تسكن حاليًا.
«إن الأمر أسهل عليّ حقًا مما توقعت»، بينما مضت عليها ثمانى سنوات حتى الآن فى المكان، تقول ديانا، «لقد شعرت بانقباض عندما دخلت غرفتى لأوّل مرّة، كانت صغيرة جدًا، إننى أملك حاليًا حوالى 400 كتاب فقط، كان عليّ أن أتخذ قرارًا بتخفيض عدد ما أحمله إلى الدار لمثل هذا العدد فقط».
أشرفَ ابن أخيها ووريثها «فيل آتهيل» على عملية نقل الكتب. «جاء بصحبة صناديق من كتبى وأمسك بكل كتاب، الواحد تلو الآخر، وكان عليّ أن أجيبه هل سأحتفظ به أم لا»، وأعتقد أننى اتخذتُ خيارات جيدة فى النهــاية، لأنـنى سـعدّتُ بإعادة قراءة كل ما احتفظت به. ليس هناك بوصة فى المكان لا يسكنها كتاب، لكنى اعتدّتُ على غرفتى الصغيرة. أعتقد أنه عند تقدّمك فى العمر، لا تحتاج حقًا إلى أكثر من غرفة واحدة».
لكن القصة لا تنتهى عند هذا الحد. فديانا تعمل حاليّا على كتاب جديد - قصة عن الحراك الصاعد فى إنجلترا ترسمها بمثال واقعى من خلال صعود عائلتها من الأطباء فى أوائل القرن التاسع عشر فى يوركشاير وتحوّلهم إلى طبقة ملاك الأراضى الأثرياء فى نورفولك. يتصدّر المشهد فى القصة، جد ديانا الأكبر، والذى مُنح مبلغ 44 ألف جنيه استرلينى من قبل مريض ممتن فى وقت لم يكن الأطباء فيه يعاملون بأى تقدير.
بينما اقتربت من الاحتفال ببلوغها عامها المائة، تقول :«لا أشعر بأننى تغيّرتُ على الإطلاق، بيد أن تلك فى الغالب ليست الحقيقة، لقد أصبحت أكثر ثقة بذاتى، هذه واحدة من أهم ميزات التقدّم فى العمر؛ أن يكف المرء حقًا عن الاهتمام بما يظنّه الناس عنه».
وعن فلسفتها فى الحياة، وإدراكًا بوفاة أخيها وأختها الأصغر قبل فترة، قالت: «حتى الآن ما زلت أشعر أننى كنت محظوظة للغاية، وأن كفة النجاح رُجحت لصالحى بما يكفى لأستطيع استخلاص فلسفتى فى الحياة؛ وهى أن نستمتع بالحياة قدر ما نستطيع شريطة ألا نؤذى الآخرين بينما نفعل».
فى هذا الحوار، كان لدى ديانا آتهيل فكرة أخيرة صرّحت بها بعد حياة اقتربت من قرن طويل من الزمان؛ «إننى أؤمن أن كتاباتى ستبقى لقرون عديدة أخرى».