الأربعاء 8 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

كيف استفادت ثورة 1919 من الصحافة؟!

كيف استفادت ثورة 1919 من الصحافة؟!
كيف استفادت ثورة 1919 من الصحافة؟!


كانت الصحافة جزءًا لا يتجزأ من ثورة 1919 التى قادها سعد زغلول ورفاقه، وكانت العلاقة بين الثورة والصحافة قائمة على التأثير والتأثر، إذ أثرت الصحافة فى مجريات الثورة وأفكار الثوار، كما أن صاحبة الجلالة ذاتها تأثرت سياسيًا واقتصاديًا وفنيًا بمجريات الثورة وتطوراتها والقرارات والإجراءات التى اتخذتها السلطات البريطانية والمصرية تجاهها.

العلاقة بين الصحافة والثورة وثقتها رسالة دكتوراه تعود لعام 1990 بعنوان الصحافة المصرية وثورة 1919، للباحث رمزى ميخائيل، وكانت تحت إشراف الدكتورة عواطف عبدالرحمن أستاذ تاريخ الصحافة بجامعة القاهرة.
الرسالة توثق لتعامل الصحافة مع الثوار وحركتهم فى جميع مراحلها منذ إبلاغ القادة الوطنيين ممثل دولة الاحتلال بمطالب الشعب المصرى فى مقابلة 13 نوفمبر 1918 حتى صدور تصريح 28 فبراير 1922 وإعلان استقلال مصر فى 15 مارس 1922.
وثقت الصحف ثورة 1919 وتعرضت للمصادرة والتعطيل، ومن ذلك حينما مُنعت الصُحف من نشر نبأ اعتقال الزعماء وهو السبب المباشر للثورة وهو الذى حدث فى 8 مارس واندلعت الثورة صباح اليوم التالى قبل أن تصرح الرقابة للصحف بنشر النبأ يوم 10 مارس وبعد أن عرفه الوطنيون بوسائل الاتصال الشخصى، وكانت «الوطن» التى يمتلكها جندى إبراهيم والمتعاونة مع سلطات الاحتلال    أول الصحف التى نشرت خبر اندلاع الثورة، وتلتها بقية الصحف يوم 11 مارس 1919.
وأدانت صحف الاحتلال ومنها «الوطن» و«المقطم» المظاهرات التى تصدرها الطلبة.
الصحف الوطنية ومنها: مصر والأهرام والمحروسة والأفكار والمنبر ووادى النيل والأهالى، فكان موقفها مختلفًا ففرقت بين المتظاهر السلمى والعنف ونصحت الجميع بالهدوء.. ولما صدر بلاغ السلطة العسكرية البريطانية يوم 11 مارس 1919 محاولًا استمالة الطلبة بتبرئتهم من أعمال العنف ونسبتها إلى «الرعاع».
وكتبت جريدة مصر تقول «إن طلاب المدارس العالية قاموا بمظاهرات سلمية فى جهات معينة لأغراض معينة»؛ وكتبت الأهرام تدافع عن الطلبة وتكذب الصورة التى حاولت السلطة البريطانية أن ترسمها للمتظاهرين فى بلاغاتها الرسمية، فقالت إن الطلبة عقلاء كرماء فلا يمكن أن نصدق أن الأزهريين يرتكبون منكرًا، وهم الذين يتعلمون كل يوم أن رأى منكم منكرا فليغيره.
تصحيح موقف
عدلت «الوطن» و«المقطم» والصحف الأجنبية الصادرة بمصر موقفهما من الطلبة تماشيًا مع سياسة السلطة البريطانية، مع استمرار إضراب الطلبة وسائقى سيارات الأجرة والمحامين، وانتهى الأمر إلى تبرئة كافة الصحف للطلبة من أعمال العنف.
ومع اشتداد الثورة وامتداد أعمالها إلى الأقاليم وتصدى الجيش البريطانى لها بالعنف وسقوط الشهداء والجرحى طغت أخبار الثورة على صفحات جميع الصحف فخصصت لها أبوابًا ثابتة.
 واشتدت كل الصحف فى حملتها على أعمال العنف والتخريب، وحاولت الصحف الوطنية نقد سياسة الاحتلال البريطانى وتصرفات رجاله، لكن الرقابة حذفت المواد الصحفية الناقدة لسياسة الاحتلال وسلوك سلطاته فظهرت مكانها مساحات بيضاء.
وبسبب قيود الرقابة الصحفية والتقاليد الاجتماعية لم تنل المظاهرتان النسائيتان فى يومى 16 و20 مارس 1919 حظهما فى الصحف.
تأييد الثورة وزيادة التوزيع
عندما تعاطفت «الأهرام» مع الثورة اتجهت مظاهرة 17 مارس 1919 إلى دارها لتحيتها، وأقبل الناس على قراءتها فارتفع توزيعها إلى 25 ألف نسخة يوميًا وهو أكبر رقم وصل إليه توزيع صحيفة مصرية فى فترة الثورة، بينا قاطع الوطنيون صحيفة «المقطم» وهاجموا إدارتها ومطبعتها وخربوا إحدى مزارع أصحابها لمعاداتها الأمانى الوطنية. فهبط توزيعها بشدة وأحنت رأسها أمام تيار الثورة.
ولما اتسع نطاق الثورة فى أسبوعها الرابع بانضمام الموظفين المدنيين وفئات أخرى إلى حركة الإضراب عن العمل تعاطفت سائر الصحف الوطنية معهم فشددت السلطات قبضتها على هذه الصحف، وحذفت الرقابة كثيرًا من مواد الأفكار والأهالى ووادى النيل، ومع هذا أعلنت الصحف الثلاث ومعها «الأهرام» «المنبر» و«مصر» مساندتها للجماهير الثائرة، واحتجت على سياسة الاحتلال بالاحتجاب عن الصدور عدة أيام خلال الأسبوع الأول من إبريل 1919.
الصحافة تحكم
تمسكت كل الصحف بالوفد المصرى بزعامة سعد زغلول ممثلًا وحيدًا للشعب المصرى وفندت فكرة تعدد الوفود ونجحت فى إفشالها، ورافق وفد المصرى إلى أوروبا محمود أبو الفتح مندوبًا عن «وادى النيل»، فتمكن من تغطية الزيارة بأخبار الوفد فى أوروبا، وحققت «وادى النيل» فائدة كبيرة من نشر رسائل مندوبها، وأفادت منها أيضًا بعض الصحف المصرية التى لم تستطع إيفاد مندوبين عنها بسبب العقبات المادية.
وفى هذه الفترة استشعر الصحفيون الأخطار تحيط بهم من كل جانب فألغوا نقابتهم فى إبريل 1919 خوفًا من بطش السلطات بهم، وحاول بعض الوطنيين الاستعاضة عن الصحف الدورية المقيدة أو المعطلة بإصدار النشرات السرية، فلما تعددت هذه النشرات واتسعت دائرة توزيعها هاجمتها «الوطن» وشوهت محتوياتها وألقت سلطات الاحتلال القبض على طابعيها وموزعيها، لكن حركة النشرات السرية لم تتوقف بفضل إصرار الثوار على فضح الاحتلال ومقاومته.
أما الصحف الوطنية العلنية فكانت عمليات نضالها وإجراءات السلطات الحاكمة لمقاومتها تبدو كموجات المد والجزر، فعندما اعترف الرئيس الأمريكى ولسن بالحماية البريطانية على مصر فى إبريل 1919 منعت الرقابة الصحف المصرية من معارضته فسكتت الصحف الوطنية بينما امتدحته «الوطن» المتحمسة لسياسة الاحتلال و«البصير» المسايرة لها.
كفاح الوفد بالخارج
تابعت الصحف المصرية نشاط الوفد فى الخارج ونقلت إلى المصريين خطبه وأقواله وكتاباته معتمدة على وكالات الأنباء والصحف الأجنبية المراسلين الخاصين: محمود أبو الفتح مبعوث «وادى النيل» ومجد الدين حفنى ناصف وعبدالرحمن البيلى مكاتبى جريدة مصر المقيمون بأوروبا، وشارك الثلاثة فى الأنشطة الإعلامية والسياسة للوفد وتجمعات المصريين هناك، كما وضع الصحفى المصرى قرياقص ميخائيل صاحب مكتب «الأخبار والاستعلامات» و«النشرات المصرية» بلندن كافة إمكاناته الإعلامية والسياسية فى خدمة الوفد والقضية المصرية.
مواجهة لجنة ملنر
تابعت الصحف المصرية وفى مقدمتها «الأهرام» و«المقطم» و«مصر» و«الأخبار» فكرة تأليف لجنة ملنر منذ نشأتها فى إبريل 1919 فى الصحف البريطانية خاصة «التيمس» وفى مناقشات البرلمان البريطانى، وتنوعت الآراء حول اللجنة فرأت «الأخبار» المؤيدة  للثورة و«الوطن» المعارضة لها ضرورة الكشف للجنة عن مطالب مصر، واستحسنت «الأهالى» طلب محمد سعيد تأجيل حضور اللجنة إلى مصر حتى توقيع معاهدة الصلح مع تركيا، بينما حاولت «مصر» و«النظام» المؤيدتان للثورة الاستفادة من اللجنة فى إلغاء الأحكام العرفية قبل قدومها، وفى آخر يوليو 1919 استقر رأى الوفد على اقتراح عبدالرحمن فهمى مقاطعة اللجنة فى مصر وإحالتها إلى زعامة الوفد فى باريس، وبعد إعلان تأليف اللجنة وبدء توزيع أسئلتها فى سبتمبر 1919 حاربت «الأهرام»، «النظام»، «مصر»، «وادى النيل»، «الأفكار» و«الأمة» الإجابة عن أسئلة اللجنة، وصدرت نشرات سرية تعارض بريطانيا ولجنتها فقاومت السلطات هذه النشرات باعتقال ونفى معديها وموزعيها وبالكتابة ضدها فى «الوطن» والنشرات المضادة.
اهتمت الصحف بمعرفة آراء كبار رجال السياسة والحكم فى مشروع ملنر واستشارة الأمة فيه، فأجرت «الأهرام» حديثين مع سعد زغلول وحسين رشدى فى أغسطس 1920 يفيدان التحفظ على المشروع وضرورة استشارة الأمة فيه، بينما يوضح حديث إسماعيل سرى مع «المقطم» فى سبتمبر موافقة الوفد على المشروع، وفى أثناء استشارة مندوبى الوفد للأمة فى المشروع أفسحت أكثر الصحف صفحاتها لنشر الآراء المتباينة وأعلنت كل صحيفة رأيها الذاتى بوضوح وعززته بالدلائل والوقائع.
انقسمت الصحف إلى 3 أقسام:
الأول: يؤيد المشروع تأييدًا كاملًا ويضم «الوطن» «المقطم» «مصر» و«البصير».
الثاني: يمثل الاتجاه السائد الذى يوافق على المشروع بعد تعديله بتحفظات الأمة ويتألف من «الأهرام» «النظام» «الأخبار» «وادى النيل» و«الأفكار».
الثالث: يرفض المشروع رفضًا تامًا ويضم «الأمة» و«المحروسة» الممثلتين للحزب الوطنى و«الأهالى» المعبرة عن محمد سعيد و«المنبر» لسان حال الحزب المستقل الحر.
ووقع الخلاف بين سعد زغلول وعدلى يكن وانقسم أعضاء الوفد بينهما وتمسك فريق سعد زغلول بتحفظات الأمة وتعديل مشروع ملنر بينما رأى فريق عدلى إمكان قبول المشروع دونها. وقدم الوفد تحفظات الأمة إلى ملنر وانتهت المفاوضات يوم 9 نوفمبر 1920.
وصاحب الانقسام بين سعد وعدلى مناقشة حامية بين الصحف تبلورت فى عدة اتجاهات:
الأول: تبنته «النظام» و«البصير» ويقوم على تأييد الوفد بجناحيه وتكتم الخلاف بينهما وتحبيذ التحفظات.
الثاني: تمثله «الأخبار» المؤيدة لسعد والتحفظات دون مهاجمة جناح عدلى.
الثالث: تزعمته «الوطن» و«الأفكار» اللتان أيدتا عدلى بشدة وعارضتا سعد.
الرابع: تمثله صحف «الأهرام «المقطم» و«مصر» التى وقفت على الحياد ثم أخذت جانب عدلى.
الخامس: مذبذب وتمثله «المنبر» التى رفضت مشروع ملنر ثم انحازت إلى عدلى وظلت معارضة للوفد.
أما الاتجاه السادس: فهو المناوئ لسعد وعدلى الرافض لمشروع ملنر المعارض للمفاوضات المحبذ لقطعها وتمثله صحيفتا الحزب الوطنى «الأمة» و«المحروسة» وصحيفة محمد سعيد «الأهالى».
يوم 23 ديسمبر 1921 اعتقل سعد زغلول وبعض قادة الوفد وتم نفيهم إلى عدن، فاحتجت كافة الهيئات واندلعت المظاهرات واتخذت أكثر الصحف موقف التأييد الصريح للقادة، وكان فى مقدمتها الوفد و«وادى النيل» والحزب الوطنى والأفكار و«المحروسة» و«اللطائف المصورة» وأيدت سعد زغلول بعد أن كانت تعارضه صحف «الأخبار» «الأهرام» و«الكشكول المصور» أما الصحيفتان المحبذتان للسياسة البريطانية «الوطن» و«المقطم» فدعتا إلى الهدوء والتعقل لتتحاشيا اتخاذ المواقف الصريحة. 