السبت 3 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

«هولى».. الدنيا ربيع «هندى»

«هولى».. الدنيا ربيع «هندى»
«هولى».. الدنيا ربيع «هندى»


تستعد دول العالم باختلاف ثقافاتها للاحتفال بفصل الربيع، وذلك بمهرجانات متنوعة ومسيرات نابضة بالحياة، وتُعتبر الهند من الدول التى لها احتفال خاص بهذا الفصل من العام، إذ تخصص له أكثر من مهرجان شعبى، ومن أهمها مهرجان الهولى.«الهولى» أحد أكثر المهرجانات احتفاءً بالهند بصفة خاصة، وتحتفل به دول كثيرة، ويُسمى أيضًا بـ«مهرجان الحب ومهرجان الألوان.

يستمر المهرجان الهندى الكبير ليوم وليلة ويبدأ فى مساء Purnima أو يوم اكتمال القمر فى شهر Falgun، وسيتم الاحتفال به هذا العام فى 20 مارس الجارى، ويُعتبر من أشهر المهرجانات الهندوسية الشعبية،
وعادة ما يقام فى الهند خلال الفترة من بداية مارس إلى منتصفه، ويُعتبر يوم هولى فى الأساس احتفالًا بموسم الحصاد وخصوبة الأرض ووداع فصل الشتاء واستقبال فصل الربيع.
ويتم الاحتفال بهولى الملون بأسماء مختلفة فى الولايات الهندية، لكن تختلف التقاليد المتبعة فى المهرجان قليلًا من ولاية إلى أخرى، وتُعد الأماكن المرتبطة بميلاد وطفولة اللورد كريشنا، وهو أحد الآلهة فى «البانتيون» الهندى هى أكثر الأماكن حرصًا على الاحتفال بعيد الهولى، وتبدأ طقوس المهرجان قبله بأيام، فيجمع الناس أكبر كمية من الخشب لإشعالها فى ليلة الاحتفال، ويسمى هذا المشعل بـ«هوليكا» (وهى شقيقة مَلك الشياطين فى الأسطورة الهندية) ويوضع على الطرُق الفرعية والرئيسة للمدينة، كما ينصب المحتفلون تمثال هوليكا فوق المشعل ويُحرق، ويُسمى هذا التقليد موت هوليكا (Holika Dahan)، فهذا الطقس الاحتفالى يرمز لانتصار الخير على الشر وبهجة المؤمن المخلص.
وفى يوم المهرجان، الذى يسمى دهوليتى (Dhuleti)، يبدأ المحتفلون من الهنود والسياح اللعب بالألوان برش بعضهم بعضًا، إما بالمساحيق الملونة التى تسمى (جولالGulal) أو بالماء المضاف إليه هذه المساحيق مرددين عبارة (هولى هاى Holi-Hai)، التى تعنى لا تشعر بالإساءة فهذا مهرجان هولى، كما يعتقد الهنود أن كل لون من هذه المساحيق يحمل رمزية خاصة به، فاللون الأحمر يرمز إلى صفاء القلب والأخضر للحيوية والنشاط والأزرق للهدوء والسكينة والأصفر لمشاعر التقوى والإيمان وحب الإله، وفى ختام اليوم يقلد المحتفلون كسر القِدر، إذ يُعلق وعاء اللبن فى الشوارع ويشكل الرجال هرمًا إنسانيّا هائلًا ويَكسر واحدٌ على قمة القِدر برأسه، بينما تغنى النساء أغانى هولى الشعبية، ويرش المحتفلون الماء على بعضهم البعض، وهذا التقليد له جذور دينية، حيث كان الإله كريشنا مولعًا بحليب الزبدة الذى اعتاد أن يسرقه من كل بيت يسهل الوصول إليه فى القرية.
وفى ولاية البنغال يتم الاحتفال بعيد الهولى، الذى يسمى هناك (بسانت اوتساف) بطريقة مختلفة، إذ يقوم طلاب جامعة Vishwa Bharti التى أسستها رابندراناث طاغور بتزيين الحرم الجامعى ويرتدون الملابس التقليدية ويغنون الأغانى الشعبية، ويحضر إلى المهرجان أعداد كبيرة من المتفرجين وفى أجزاء أخرى من البنغال ويتم الاحتفال بهولى باسم (دول ياترا)، إذ يتم وضع أصنام رادها وكريشنا على بالانكين المزخرف ويخرج فى موكب ويجوب الشوارع فى وجود أعداد كبيرة من أبناء الشعب والسياح أيضًا.
وفى الشمال الشرقى تحتفل ولاية مانيبور بالمهرجان بطريقة ملونة لمدة 6 أيام متواصلة بعد أن جمعت الولاية بين مهرجان هولى ومهرجان ياوسانغ لمانيبور، وأهم ما يميز المهرجان هنا هو رقصة مانيبورى، خصوصًا أنه أحد أنواع فنون الرقص الهندية وجزء لا يتجزأ من النسيج الدينى والاجتماعى والثقافى فى ولاية مانيبور وتسمى (ثابال تشونغبا)، وبعض العائلات تقيم مراسم دينية، والأغلبية تعتبره عيدًا للمتعة والمرح وليس للممارسات الدينية.
كما تُعتبر المأكولات التقليدية المميزة جزءًا من برنامج المهرجان التى يتميز بها، إذ يُعد الهنود 5 أطباق شهية تقليدية فى هذا اليوم، وهى «غوجيا» وهى عبارة عن جيوب عجين مقلية مليئة بالخويا والجاغرى والمكسرات والزبيب والغوجيات المنقوعة فى شراب المحلى، وأيضًا طبق «المالبوا» ويُعتبر من أقدم أطباق الحلوى التى نشأت فى شبه القارة الهندية، وهو عبارة عن فطيرة مصنوعة من دقيق الأرز فى حساء السمن وشراب السكر، وارتبط طبق مالبوا فى الهند دائمًا بالاحتفالات والأعياد والأخبار السعيدة، ومعه طبق «ضاحى بهلا» المكون من نباتات البهالات القطنية مغموسة فى الزبادى ومجموعة من التوابل، وطبق «ثانداى» وطبق «ناماك بارى» وهو عبارة عن وجبة خفيفة مقلية ومليئة بالملح أو الأجاوين أو التوابل، كما توجد أطباق أخرى تقليدية مثل البورانبولى والبطاطا الضاحى وغيرها.
السيخ يعتبرون عيد هولى مناسبة مهمة لإظهار قوتهم البدنية وبراعتهم العسكرية، وهم يجتمعون فى مدينة أناندبور صاحب، بعد يوم واحد من هولى للاحتفال به، وبدأ هذا التقليد من قِبل المعلم العاشر والأخير لدى السيخ غورو جوبيند سينغ جى.
ويرجع تاريخ الاحتفال بالهولى حسب أول مخطوطة تتحدث عن المهرجان إلى كتابات من القرن السابع الميلادى، إذ أشارت إلى طقوس هندية قديمة يلجأ خلالها الناس إلى تلطيخ وجوه بعضهم بعضًا بالمساحيق الملونة ورمى المياه المعطرة، وهذا هو السبب فى تسميته بمهرجان الألوان، وكان من المعتاد أن تُصنع المساحيق الملونة من مواد طبيعية وبعض الأعشاب الطبية المذكورة فى الأيورفيدا، وهى منظومة تعاليم الطب التقليدى فى الهند، لكن مع مرور الوقت بدأت صناعة الأصباغ من مواد كيمائية، التى اكتشفوا أن بعضها يتكون من مواد ضارة سببت إصابات للمتراشقين بها.
يعود أصل المهرجان إلى جذور دينية، وترتبط طقوس المهرجان ببعض الأساطير الهندوسية بداية من الاسم المأخوذ من الأسطورة التى تحكى عن إحراق هوليكا شقيقة مَلك الشياطين، ومن هنا جاء اسم هولى، ويعتقد البعض أن طقوس إلقاء الألوان أيضًا تعود إلى قصة طفولة الإله كريشنا الذى كان صاحب بشرة قاتمة وكان يشعر بالغيرة من بياض بشرة صديقه رادها، فاشتكى أمره لأمّه التى أمرته أن يضع اللون الذى يريده على وجه صديقه، وأعجبت الفكرة كريشنا وطبّقها على صديقه كنوع من اللعب، وبعدها اكتسبت لعبة الألوان شهرة واسعة وأصبحت من أهم تقاليد مهرجان الهولى، أمّا طقس إشعال النار فى اليوم الأول من المهرجان فيعود إلى قصة براهلاد التى ترمز إلى انتصار الخير على الشر، فقد كان أميرًا، ووالده الملك أراد من الجميع فى المملكة عبادته، ولكن براهلاد رفض وعبد الإله فيشنو، وهنا قامت هوليكا شقيقة الملك التى كان يُفترض بها أنها محصنة ضد النار بخداع ابن أخيها بإجلاسه على رِجْلها وهى على مشعل لتدمره، ولكن لأنها استخدمت قواها فى الشر فشلت الخطة وخرج براهلاد من النار سالمًا، بينما التهمت النيران هوليكا، وفى بعض مناطق الهند يضرمون النار فى دُمَى تمثل هوليكا، ويُعتقد أن رماد هذه الدُّمَى يجلب الحظ.