الثلاثاء 7 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

شكسبير بعيد عن مسرح الدولة

شكسبير بعيد عن مسرح الدولة
شكسبير بعيد عن مسرح الدولة


ربما تكون تلك الصور المتحركة للترويج الإعلانى لمسرحية «الملك لير» للفنان الكبير يحيى الفخرانى علامة واضحة على تفكير إنتاجى مختلف.
لأنها تستعيد لمصر أداء الإنتاج الخاص كما كان فى فرقة رمسيس ليوسف وهبى الذى قدم أعمالا لكبار الكتاب العالميين فى إطار المسرح الجاد بمعناه الجمالى والمعرفى، وكذلك فعلت جوقة جورج أبيض الذى قدم عددا كبيرا من أعمال وليم شكسبير، وهذه هى المرة الأولى التى يستعيده فيها الفن المصرى بعيدا عن إنتاج الدولة.

وعلى مسرح الريحانى يقدم أشرف عبدالباقى مجموعة عمل تعرض مسرحية معاصرة يتم عرضها فى القاهرة بحقوق ملكية فكرية حضارية تتواصل مع دوائر المسرح الغربى الذى يقدم التسلية بصيغة مسرحية مهنية.
هكذا كان يفعل نجيب الريحانى فى فرقته، والمخرج الكبير عزيز عيد، وفرقة أولاد عكاشة، وحتى الشعبى النقى البديع على الكسار كثيرا ما كان يذهب بأمواله فى اتجاه السخرية الصاخبة القادمة من عالم ألف ليلة وليلة.
وفى شارع عماد الدين ومن أموال المصريين الخاصة تم ميلاد عبقرى المسرح الغنائى الاستعراضى فنان الشعب سيد درويش، ولذلك فالعودة لهذا الاتجاه الفنى ربما تكون بمثابة بداية تتبعها موجة جادة نرى فيها أعمالا للقمم الإبداعية فى الدراما من مصر والوطن العربى والعالم.
فقد وصل الإنتاج المسرحى الخاص فى مصر لحالة تشبع تام من التكرار للهزل الخشن، جعل الجمهور ينصرف عنه.
ولعل الفخرانى وعبدالباقى قد أدركا ذلك فسارا فى الاتجاه الصحيح.
يبقى للبنوك الوطنية ولرأس المال المثقف دعم هذا الاتجاه حتى يتأكد.
ذلك أن عددا من العروض الجادة الجميلة فى المواسم المسرحية الأخيرة، رسخت صحة الاعتقاد بأن الجماهير المصرية مازالت تحتشد وبقوة خلف الفنون الجميلة.
يحدث هذا فى مصر الآن، وهو الأمر المؤثر فى محيطها العربى المقبل على تعاون فنى واضح مع الفن المصرى. نتمنى أن يكون تعبيرا عن تفاعل ثقافى حر إيجابى. كما نأمل أن تأخذ الكيانات المالية المصرية الكبيرة خطوة إيجابية لدعم هذا التيار.
ذلك لأنه من دون استعادة دور طلعت باشا حرب وتجربة بنك مصر فى الإنتاج المسرحى والسينمائى، ربما تحدث صيغة احتكارية تفرض مجموعة فنانين بعينها، فلا تقدر التجربة على استعادة حيوية الفن المصرى الجاد، والتى ظهرت من قلب المجتمع المدنى المصرى واضحة وحية خلال النصف الأول من القرن العشرين.
يحدث الآن محاولة لاستعادة ذلك المسار وبطريقة معاصرة تظهر فى إدراك الإنتاج الجديد المحترف الذى يديره فنيا مجدى الهوارى وعبدالباقى لأهمية التسويق والترويج الجديد عبر الشبكة الدولية للمعلومات، وطرح التذاكر وحجزها من خلالها، وظهور كيانات تسويق محترفة ومنضبطة.
ومعها بدأت طريقة الدعاية تختلف فى هيئة صياغة جمالية مبهجة فى الشوارع وعلى حواف الطرق الحضارية التى تربط القاهرة الجديدة.
هذا وقد صاحب ذلك تغيير ملحوظ فى شكل دور العرض المسرحى، نحو أن تظهر أكثر جمالا، ولا تعتمد فقط على مركزها القديم بوسط المدينة، فبعضها يغادر إلى أطراف القاهرة التى تتمدد وتكبر وتصنع لنفسها مراكز جديدة للتجمع.
يحدث هذا بينما المؤسسة الإنتاجية لمسرح الدولة تحاول النجاة من دوامات اللوائح والقيود البيروقراطية المعقدة، والتى يديرها خارج إرادة القيادات العليا والمتوسطة أصحاب نفوذ كبير من صغار الإداريين يبتكرون فى استظهار تطبيقات تبدو قانونية، ولكنها تصنع بيئة مضادة للإبداع، حيث ذلك التوتر اليومى بين إدارة الإنتاج الثقافى والمبدعين الذين يعيشون حالة عبثية من الإنتاج ودعاية غير فاعلة، ومنافسة غير شريفة مع المخرجين الإداريين، ومنافسة غير عادلة مع آليات السوق.
ولذلك خرج شكسبير من مسرح الدولة للقطاع الخاص.
ولهذا فالمؤسسة الرسمية للدولة فى لحظة حرجة، وتحتاج لإعادة صياغة طريقة عملها لأنها تملك أصولا ثابتة وثروة بشرية مهمة.
ظاهرة جديدة إذن تلوح فى الأفق وهى الإنتاج الخاص الجاد والجميل والذى ربما يساهم فى عودة المسرح المصرى لدوره المهم.>