الأحد 5 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

صناعة الرموز فى الثقافة والفن

صناعة الرموز فى الثقافة والفن
صناعة الرموز فى الثقافة والفن


عن تجديد الخطاب الثقافى فى مصر الآن وعن الخطاب الموجه للجمهور، وعن الصور الذهنية التى يمكن للفن والكتابة نشرها، حوار يتردد على استحياء فى جميع جهات الإنتاج الثقافى والفنى الرسمية والخاصة فى مصر، وهو سؤال مهم عن الخطاب الثقافى لمصر الآن والمستقبل، بما يحتويه من محاور عديدة مثل تجديد الخطاب الدينى، تجديد خطاب الثقافة الشعبية، تجديد الصور الذهنية ونماذج السلوك المهنية، ترتيب سلم القيم والأخلاق، علاقة الفرد بالجماعة، وغيرها من الأهداف والمشكلات معًا.

أما أكثر ما تردد بعيدًا عن المتن الثقافى الرسمى فى مصر، فكان سؤالًا مصحوبًا بالدهشة والارتباك ارتبط بالمكان الجديد لمعرض القاهرة الدولى للكتاب بمركز مصر للمعارض الدولية، هناك فى فضاء القاهرة الممتد وامتدادها فى التجمع البعيد عن الزحام.
الفضاء المكانى الجديد نتج عنه شكل جديد للمعرض، ففى يد الزائر المخطط العام لمعرض 2019 وفيه بيان تفصيلى بدور النشر ومواقعها ومسقط رأسى مخطط بدقة يرشد الزائر، المخيمات التقليدية اختفت، الجمهور استجاب للنظافة والنظام، لم ألحظ ورقة واحدة على الأرض أو أية مخلفات، سلوك الزائرين كان حضاريًا على قدر المساواة من تحضر مركز مصر الجديد للمعارض الدولية، هواء نظيف ذكرنى بمشهد الأستاذ فى مسرحية «إحسان عبدالقدوس»،«لا أستطيع أن أفكر وأنا أرقص»، إذ يدخل المثقف فيها لتأمل فى الصحراء وتأتيه على آليات بتقنيات حديثة قافلة من الجمال تحمل كتب التراث، وقافلة أخرى بمعدات حديثة تحمل المعرفة المعاصرة، بينما هو حائر كمثقف وطنى ماذا يفعل فى سؤال الهوية؟ وفى سؤال الماضى والحاضر، وفى سؤال مصر فى عالم متغير ومحيط إقليمى ملتهب ومتوتر.
ولعله السؤال الذى يشعر به المثقفون فى قاعات الأنشطة والفعاليات التى تمت فى قاعات حديثة بعيدًا عن الصياغات القديمة، فالفضاء الحضارى الجديد به أبواب مغلقة، وبرنامج منظم ولا مجال للتدخين والثرثرة، مما طرح أسئلة جديدة عن الخطاب الثقافى الجديد.
الحقيقة أن مسئولية المثقف والفنان الآن فى مصر مضاعفة، إذ إنه وبعد ثورتين عظيمتين وتسامح مذهل للمصريين مع الماضى، وترقب إيجابى للدخول فى المستقبل، على الجماعات الثقافية والفنية فى مصر أن تسأل نفسها سؤال الفنان الملتزم والمثقف الملتزم، وهو سؤال «سارتر» الفيلسوف الفرنسى الشهير فى مرحلة إعادة بناء فرنسا بعد تحريرها من النازية فى أواسط القرن العشرين، إنه سؤال مشابه لأسئلة الثقافة المصرية والتى تحتاج لصياغة واضحة.
إنه سؤال الالتزام، التزام المثقف مع الحفاظ على حريته إزاء الجماعة الوطنية ومشروعها المستقبلى، وهو السؤال الذى يقودنا إلى مواجهة حقيقية مع هذا الصمت الثقافى أمام التحديات المطروحة لتغيير الذائقة والحساسية الفنية فى مصر.
جدير بالذكر أن الأدوار المعروفة للكتابة والإبداع عريقة فى مصر وتحتاج فقط من المبدعين لتفعيلها، وتحتاج للمجتمع المدنى وللأفراد الفاعلين أكثر من مؤسسات الدولة، لأن الإبداع فعل لا يحدث عبر التكليف أو التوجيه أو الخطط الاسترشادية.
الإبداع فعل حر للمثقف الملتزم وهو دور يجب أن يحدث بدافع ذاتى من الفنان والمثقف جامعًا بين الضرورة والخيال، بين الألم والأمل، بين الممكن والمستحيل.
السؤال الذى تطرحه عدد من المؤسسات المعنية فى مصر على استحياء هو: أين الكتاب الجدد؟ وأين المخرجين الجدد؟ وأين النجوم الجدد؟
والحقيقة أنهم بخير وعدد لا محدود، ولكن صناعة الرموز الثقافية والفنية هى جوهر السؤال، كم عرضًا مسرحيًّا تقدم فى مصر الآن؟ والسؤال أين نجيب الريحانى، أين كرم مطاوع أين سعد أردش؟
السؤال السابق سؤال على سبيل الاسترشاد، وهو مطروح على جميع المجالات الفنية والثقافية.
مائة عنوان رواية تم إيداعها وحصلت على أرقام إيداع من دار الكتب المصرية عام 2018، ولكن أين نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم؟
السؤال، إذن، عن صناعة الرموز الثقافية والفنية، وهى صناعة ثقيلة تحتاج للدعم وللظروف الموضوعية، ولمساندة الدولة والمجتمع المدنى للفنان والمثقف الملتزم، تحتاج لإعادة إطلاق الرموز التى شكلت وجدان وثقافة المصريين، تحتاج لإيمان حقيقى بأن الماضى هو سند الحاضر وأن الفن والثقافة وهما فى حالة تجديد لا ينفى حديثها قديمها، المعالجة المعاصرة هى الفيصل بين القديم والجديد، وقيمة الجديد تكمن فى فهمه واستيعابه للقديم وقدرته على إنتاج الإبداع الجديد.
مصر فى لحظة مخاض ثقافى حقيقى، والسؤال المتردد على استحياء، فى جوهره ليس عن القديم والجديد، ولكن عن صناعة الرموز الثقافية والفنية الجديدة فى مصر التى هى قادرة على ذلك بالتأكيد، لأنها مركز إنتاج الأحلام والإبداع والرموز.>