الثلاثاء 7 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الكتابة باسم مستعار: عندما يُصبح القناع حريّة!

الكتابة باسم مستعار:  عندما يُصبح القناع حريّة!
الكتابة باسم مستعار: عندما يُصبح القناع حريّة!


محمد علاء

نحن على أبواب معرض الكتاب، وسيقابلنا كعادة كل عام طوفان هائل من الكتب لمؤلفين مجهولين، يكتبون لأوّل مرّة، أو ناشرين صغار جديدين على الساحة، دواوين الشعر غير المنضبطة ولا المنقّحة، مغنّو راب يؤلّفون كتبًا فى التنمية الذاتية، وغيرها من الظواهر  والأخبار التى يتم تداولها بطرافة عن فعاليات معرض الكتاب، هذه المشاهد ذكّرت بتقليد قديم جديد فى عالم الكتابة الإبداعية وهو الكتابة باسم مستعار.

لماذا لجأ كُتّاب عديدون فى بداية حياتهم فى الكتابة أو استمروا على ذلك، للكتابة باسم مستعار؟ إن أسماء كُتّاب كثيرين تضحى مع الوقت علامة تجارية فى حد ذاتها، إلا أن الكتابة باسم مستعار لها العديد من الأسباب التى قد تدفع البعض للجوء لذلك، ومن أهم تلك الأسباب: الكتابة فى الموضوعات المحظورة، وقد يكون للمؤلف سابقة نشر كانت الآراء سلبية حولها، فلذا تلجأ دور النشر إلى تلك الحيلة خوفًا من ألا يُقبل القراء على شراء الكتاب نظرًا للموقف السلبى من كاتبه.
>فى الغرب: النبلاء والنساء يمتنعون

من أهم الكُتّاب الذين استخدموا أسماءً مستعارة فى تاريخهم الأدبى، جان باتيست بوكلين الذى كان يكتب باسم «موليير»، وذلك لأنه كان من عائلة مرموقة وبرجوازية، وكانت نظرة الناس إلى التأليف والكتابة وخصوصًا للمسرح فى القرن السابع عشر سلبية، وتتسم بالدونية، لذا قرر أن يتفادى ردود الأفعال المعادية له، خصوصًا من جانب عائلته. موليير كاتب فرنسى، ولديه مسرحيات عديدة، ومن أشهر مسرحياته «مدرسة الزوجات» التى أحدثت ضجيجًا حولها نظرًا لوصفها باللا أخلاقية من جانب العديد من فئات المجتمع، إلا أن «موليير» واجه تلك الاحتجاجات بعمل مسرحى آخر أسماه «انتقاد مدرسة الزوجات»، كما كان لديه كتابات كوميدية مثل «طرطوف المنافق» و«دون جوان» التى لم تنتشر إلا بعد وفاته.

وفى القرن التاسع عشر كانت الثقافة المجتمعية حينها ترفض فكرة أن تكون المرأة كاتبة، لذا اضطرت «جين أوستن» للكتابة فى البداية بأسماء مستعارة، الأمر الذى جعلها لم تنل من الشهرة فى حياتها بقدر ما نالت بعد وفاتها، وذلك حينما نشر أحد أقربائها سيرتها الذاتية عام 1869 وقدّمها بذلك إلى جمهور واسع لم يكن يعلم عنها شيئًا فى ذلك الوقت، وقد تم تحويل بعض كتاباتها الشهيرة إلى أفلام سينمائية مثل: «كبرياء وتحامل» و«إيما».

ولم تكن «شارلوت بيرنتى» ذات حظ أفضل من «جين أوستن»، حيث كانت تهوى الشعر، وعندما أرادت معرفة رأى الشاعر «روبرت سوثى» فى قصائدها فأرسلت له رسالة باسمها الحقيقى، إلا أن رده عليها كان: «ليس العمل الأدبى هو ما يجب أن تهتم به السيدات المحترمات»، ولذا لجأت الكاتبة بالتعاون مع شقيقتها إلى نشر ديوانهما الأول بأسماء ذكورية، ولعل رد «روبرت سوثى» الصادم الذى تلقته فى بداية مشوارها الأدبى هو الدافع الذى جعل «شارلوت» تكتب فيما بعد عن دور المرأة وكيفية تمكينها فى المجتمع.

وعلى نحو مغاير لما سبق، فإن الكاتب «بينجامين فرانكلين» كان ينشر أعماله باسم سيدة فى المجلة التى كان يعمل بها أخوه، وذلك تجنبًا لرد فعله الذى كان يعتقد أنه سيرفض فكرة أن يكون كاتبًا، ومن أنجح أعمال فرانكلين كتاب «الفقير ريتشارد».

وفى عام 2011 عادت ظاهرة الكتابة بأسماء مستعارة لتطل علينا من جديد، وذلك بالتزامن مع نشر الجزء الأول من رواية «صديقتى المذهلة» وقد حازت الرواية على إعجاب الكثيرين، خصوصًا بعد ترجمتها إلى لغات أخرى، وتوالى نشر باقى أجزاء الرواية، الأمر الذى دفع العديد من القراء للبحث عن أية معلومات شخصية حول الكاتبة «إيلينا فيرانتى» ولكنهم صُدموا بعدم واقعية الاسم، وقد حاول أحد الروائيين الربط بين مواصفاتها وبين سمات شخصية إحدى أساتذة جامعة نابولى مشيرًا إلى كونها الشخصية الحقيقية لفيرانتي، ولكن سرعان ما ظهرت تلك الأستاذة ونفت علاقتها بإيلينا على الإطلاق، وقد صرحت الكاتبة إيلينا نفسها فى حوار لها مع «الجارديان» أنها حريصة على الحفاظ على شخصيتها المجهولة لأن ذلك يجعل كل تركيزها منصبًا على الكتابة فقط، كما أوضحت أنها معجبة بمجهولية «جين أوستن».

وقد تكرر الأمر ذاته مع الكاتبة الأنجح والأكثر ثراءً الآن فى بريطانيا وهى «جوان رولينج» مؤلفة السلسلة الشهيرة «هارى بوتر» حيث اعتقد الناشر فى المرة الأولى التى تقدمت إليه فيها بروايتها الأولى أن الأطفال والشباب لن يجذبهم اسم امرأة لقراءة رواية بوليسية، ومن هنا بدأت الكاتبة باختيار الحروف الأولى من اسمها واسم أبيها لتصبح «جيه. كيه. رولينج».

>فى العالم العربى: الخوف من العواقب السياسية

وبالانتقال إلى العالم العربى، فإن تجارب الأسماء المستعارة ليست بالكثيرة أو على الأحرى فإنها تتخذ طابعًا سياسيًا فى كثير من الأحيان، ومن أبرز  الأمثلة على ذلك الكاتب «حسن عبدالله حمدان» الذى ربما لم يعرف الكثيرون أنه هو نفسه الكاتب «مهدى عامل» الذى اشتهر بالعديد من الكتابات السياسية سواء عن الفكر الاشتراكى، أو أسباب الحروب الأهلية والطائفية، وكذلك القضية الفلسطينية.

وفى الشأن ذاته، لا يمكن تجاهل الكاتب «محمود حسين» والذى ذاع صيته فى الأوساط اليسارية فى فترة حكم الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، إلا أن الجمهور تفاجأ عندما اكتشف أن هذا الاسم يتخفى وراءه كاتبان هما: «بهجت النادى» و«عادل رفعت» اللذان تم اعتقالهما لمدة خمس سنوات فى فترة حكم عبد الناصر، وتلك الفترة هى التى دفعتهما إلى كتابة «الصراع الطبقى فى مصر»، وقد اتفقا مع الناشر فى ذلك الحين أن يضع اسمًا مستعارًا على الكتاب وهو «محمود حسين»، وقد صرّح الكاتبان فى حوارٍ لهما عام 2014 أن اختيارهما لهذا النمط من الكتابة هدفه جعل الكتابة أعمق وأكثر نضجًا، وقد انتشر وصفهما بمصطلح «الكتابة بأربعة أيادٍ».

أما الشاعر «أنسى الحاج» سبق وأن نشر بأسماء مستعارة مثل: «سراب العارف»، و«عابر» وحينما سُئل عن سبب ذلك، خصوصًا فى ظل أن اسمه الحقيقى معروفًا لكل جمهور القراء فرد قائلًا: «عندما يغدو الوجه سجنًا يصبح القناع فوقه حرية».

ويجدر الإشارة أيضًا إلى الأديبة «عائشة عبد الرحمن» كانت تنشر باسم «بنت الشاطئ» فى بداية سيرتها الأدبية، وكذلك الشاعر «فؤاد حداد» الذى استخدم أحيانًا اسم «أبو الحن»، وأيضًا الكاتب «إلياس خورى» الذى نشر باسم «خليل أيوب»، وقد استخدم الكاتب «محمد مولسهول» الجزائرى الجنسية اسم زوجته «ياسمينة خضراء»، وذلك لكى لا يتقيد ببذلته العسكرية، حيث أنه ضابط سابق فى هيئة أركان الجيش الجزائرى، وقد صرّح فى حوارٍ له مع صحيفة «لوموند» الفرنسية أن زوجته هى التى اقترحت عليه تقمص اسمها للكتابة به.

>القرّاء: صدمة كبيرة

ولكن السؤال الحقيقى هنا هو: «ماذا لو عرف القارئ أن كاتبه المفضل ليس سوى اسم فقط دون هوية حقيقية يمكنه الكشف عنها؟» أو على الأحرى «هل من المهم للقراء أن يكتشفوا الشخصية الحقيقية للكاتب؟»، ومن هنا توجهت روز اليوسف إلى عينة عشوائية من القراء لمعرفة آرائهم فى هذا الشأن، تقول «هدى حسن 26 سنة»: سأصاب بصدمة لأننى عندما أقرأ كتابًا تنشأ حالة وجدانية بينى وبين الكاتب بكل تفاصيله، وأتخيل الكاتب وهو يفكر فى الفكرة، وكيف حاول أن يعبر عنها إلى أن وصل إلى نهايتها. أما «إبراهيم عبد الله 32 سنة» فقد كان له رأى مختلف حيث قال: ليس لديّ أى مانع من عدم التأكد من الشخصية الحقيقية للكاتب حتى وإن كان كاتبى المفضل، فكل ما يجمعنى به هو الكتاب ولا شأن لى بحقيقته أو حياته. بينما أوضحت «نهى أمين 21 سنة» إنها لو كانت كاتبة فستلجأ للكتابة باسم مستعار فليس من السهل بالنسبة لها أن يكشف الشخص عن كل تفاصيله الحقيقية وخصوصًا تجاه هذا القطاع العريض من القراء، كما أضافت أنها تعتقد أن من حق كل إنسان أن يحافظ على حياته الخاصة حتى وإن كان شخصية عامة.

>شيرين هنائى: الكاتب يتوق للغموض

وأبدت الكاتبة «شيرين هنائى» رأيها فى فكرة الكتابة باسم مستعار بأن تقبلها من عدمه يرجع إلى الغرض من اللجوء لذلك، فأوضحت أنها كقارئة يمكن أن تتقبل أسباب لكُتّاب أمثال: «جيه. كيه. رولينج» مؤلفة سلسلة «هارى بوتر» والكاتب «ستيفن كينج» الذى لجأ إلى تلك الحيلة لأن إنتاجه الأدبى كان غزيرًا بشدة فى تلك الفترة ومقاييس السوق لم تكن لتتحمل كل هذا العدد من الروايات فى آنٍ واحد، ولكن أضافت هنائى أن «بعض الكُتّاب يلجأون إلى استخدام أسماء مستعارة بهدف الدعاية أو المبالغة فى الغموض، أو قد يكتب البعض عن قضية شائكة ويخاف مواجهة الجمهور بشكل مباشر أو الاصطدام به فيلجأ للتخفى وراء اسم مستعار، وهو شىء غير مقبول بالنسبة لها»، وعن رأيها ككاتبة لو عُرِض عليها الكتابة باسم مستعار فأعلنت رفضها الشديد لذلك مشيرة إلى أن كتاباتها جزء لا ينفصل عن شخصيتها الحقيقية وبالتالى لا يمكن أن تنسبه إلى اسم آخر غير حقيقى.

>مدير «ميريت»: أطلب صورة البطاقة الشخصية

وبالنسبة إلى وجهات نظر الناشرين أنفسهم حول هذا الشأن، شاركنا الناشر «محمد هاشم»، مدير دار ميريت للنشر رأيه بأن الدار لا تقبل على الإطلاق أن تنشر أية أعمال دون أن تنسبها إلى صاحبها الأصلى لأن ذلك يعد خداعًا للقراء والرأى العام، وقد استدل على ذلك بحالة الكاتب «علاء الأسوانى» حينما كتب فى وقتٍ ما كتابات تخالف النظام الحاكم فلجأ إلى نشر الكتاب خارج مصر ولم يفكر فى نشره داخل مصر باسم مستعار لأن هذا يمكن أن يفسره القارئ على أنه عدم قدرة على تحمل المسئولية أو مواجهة المجتمع، وقد أضاف هاشم أن الدار تضع قواعد ثابتة لكى تتجنب الوقوع فى مثل هذه المواقف وهى الحصول على صورة من بطاقة الكاتب قبل الاتفاق على النشر وذلك تفاديًا لأى خلط أو التباس.>