الثلاثاء 7 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

التاريخ يكتبه المتاجرون أيضًا!

التاريخ يكتبه المتاجرون أيضًا!
التاريخ يكتبه المتاجرون أيضًا!


هل حقًا التاريخ يكتبه المنتصرون؟
تخبرنا الوقائع أن التاريخ يكتبه الجميع، يستوى فى ذلك أبطال الأحداث وصناعها، مع من ارتكنوا إلى مقاعد المتفرجين، ويستوى أيضا من كانوا فى بؤرة الأحداث ومن بقوا على الهامش، كما تخبرنا أن شيوع رواية بعينها ليس دليلًا على صحتها أو زيفها، وأن روايات المهمشين تبقى حية ولو تحت الرماد.
لم يشهد المجتمع المصرى جدلا فى العقود الخمسة الأخيرة بقدر الذى أثير حول توصيف ما جرى فى 25 يناير، وما إن حلت الذكرى الثامنة للحدث الفارق حتى تراكم أمامنا ما يقرب من 20 مؤلفا أغلبهم لا يوثق ما جرى بقدر ما يحاول استغلاله لصالح صاحب العمل، غير أن بعضهم تورط بغير قصد فى إدانة ما جرى من خلال سقوطه فى فخ التناقض.
حاولنا إعادة النظر فى المُنتج الفكرى الذى قرر أصحابه أن يكون وثيقة للتاريخ عن تلك الأيام, لكنهم وقعوا فى شباك التنظير على الشعب، تارة يصفونه بأنه «سيد قراره» وأخرى يحاولون تسفيه اختياراته وتوجهاته.
فجأة تحولت العبارات التى كتبت فى مقالات تعلق على الأحداث بعد وقوعها، إلى «صرخة ثورية واعية» تلهم الجماهير الثائرة فى تيهها وسط الرؤية الضبابية التى فرضتها طبيعة الأحداث.   
من بين من كتبوا عن يناير كان الروائى علاء الأسوانى الذى قرر أن يشرح للثوار «ممن التفوا حوله عندما كان متوجهاً لميدان التحرير ليسألوه عن توقعاته» فكان كتابه «هل أخطأت الثورة المصرية؟ - 2012» ليجيب عن كل الأسئلة وينقذ الثورة فى لحظتها الحرجة على حد تعبيره، والذى أخذ يمجد فيه الدور الذى قامت به جماعة الإخوان أثناء الأحداث لكنه عاب عليهم ما أسماه «ليونتهم السياسية»، رغم أنه قال عكسه بعد ذلك، لكن يحسب له أنه كان ضمن من أشاروا خلال الأحداث إلى وجود توجه من الإدارة الأمريكية للتربص بمصر.
كانت المفارقة أن الأسوانى الذى أخذ يشدد فى كتابه على ضرورة وحدة الصف الثورى فى مقابل الثورة المضادة بل وكانت احدى نصائحه الساخرة لمن يريد القضاء على الثورة فى ست خطوات «اضرب وحدة الثوريين وفرق بينهم» إلا أنه فضّل على ما يبدو أن يقوم هو بذلك الدور.
 بلغ الأسوانى من التنظير حد تصنيف الشعب بالكامل سواء من الثوار أو غير الثوار بين ليبرالى فاسد وآخر انتهازى أو متوائم مع الفساد، متطرف كاره، وأغلبية مذعنة للفساد ومذعور منه، لكن ربما لم يلحظ ذلك التناقض بين ذلك التصنيف وبين الجملة التى يذيل بها كل مقالات الكتاب «الديمقراطية هى الحل» لكن كيف يؤمن بأن الحكم لشعب يراه بهذه الصورة.
 أيضا فى بداية الكتاب يشيد الأسوانى بالدور الذى قام به المجلس العسكرى والقوات المسلحة فى حماية الثورة لكنه فى صفحاته الأخيرة لم يفرق بينهم وبين النظام السياسى السابق، بل ويرى أنه لا يستطيع التفريق بين النظام والدولة!.
«فى داخل كل مقموع يكمن طاغية صغير يتحين الفرصة لكى يمارس ولو لمرة واحدة الاستبداد الذى مورس عليه» كان هذا رأى علاء الأسوانى فى كتابه «لماذا لايثور المصريون؟» ربما أراد تطبيقه هنا ليمارس الاستبداد ولو بالتنظير.
أيضًا كان الروائى يوسف زيدان ينظّر بطريقته الخاصة فى كتابه «فقه الثورة-2013» ليقيس رشاد الثوار من عدمه وفقاً للمقاييس السبعة التى وضعها للثورى الرشيد، منها «الثائر نبيل وليس نبياً»، «الثورة عمومية بالضرورة، ومؤنثة» وغيرها من المقاييس للرشد من وجهة نظره، لكنه أيضاً تارة ينحاز لضرورة حماية الجيش للثورة وأخرى يهاجمهم ويردد النبوءة التى بدت له فى الأفق «مادام للعسكر القرار..ستدوم بالديار النار»!.
 وقع زيدان أيضاً فى فخ التناقض فهو يحاول إثبات أن الشعب رغم ضبابية الرؤية تحلّى بالوعي، وفى الوقت نفسه يطالب بديمقراطية مشروطة للمتعلمين فقط لأن عموم الشعب لا يستطيع بعد تحديد مصيره، ويرى أن «الضباط الأحرار جداً» بتعبيره حولوا الديمقراطية لمسرحية بائسة لأنهم جعلوا 50 % من مقاعد مجلس الشعب للعمال والفلاحين باعتبار أنهم يدينون بالولاء للحكومة التى نزعت الأرض من الإقطاعين ويزعم زيدان «أن مصر لم تعرف الإقطاع يوماً»!.
رغم ما يثبته زيدان من أن إسرائيل التى أصيبت بالفزع من نجاح الثورة المصرية إذ كان حينها يراها عدواً لمصر عكس ما يُصرّح به الآن، لكنه أيضاً زعم أن فى علاقتها بمصر انتصرت على المستوى الميدانى وارتاحت على المستوى السياسى لم يقلقها سوى التحرك الشعبى.. بل طالب أيضًا بمصالحة شعبية مع الكيان الصهيونى!.
ما يدعو للعجب أن زيدان استطرد كثيراً فى الحديث عن مكتبة الاسكندرية وفساد مسؤليها متفاخرا بموقفه شخصيا مما حدث ورفضه للعديد من المناصب  حفاظا على شعبيته الكبيرة من القراء و المتابعين له على حسابه الشخصى بالفيسبوك!
بهذه الطريقة وكما اعتاد زيدان يحاول المشاركة فى كتابة التاريخ ولكن من وجهة نظره، من خلال توظيف لغوى خلاّب وربط احداث بعيدة عن بعضها.
الكاتب الصحفى عمر طاهر لم ينجُ هو الآخر من التنظير فى كتابه «كمين القصر العينى 2012» والذى جمع فيه مقالاته المنشورة فى الصحف قبل وبعد الثورة وصدّره بهذا الكتاب يبدأ بمقالات تنتقد بعض الثوار فى وقت كانت الأغلبية الساحقة بصادقيها ومنافقيها تدعمهم وينتهى بمقالات تنحاز بدرجة كبيرة للثوار فى الوقت الذى صاروا فيه هم وأنصارهم أقلية مستضعفة، وهذا لا خلاف عليه إذ يريد لكتابه أن يكون توثيقاً للسنة الأكثر سخونة بحسب تعبيره.
لكن (وهذا احتمال) أن تكون كلمة «مولانا» التى يطلقها عليه قراؤه ومريدوه جعلته يكتب فى الصفحات الأولى من كتابه بأنه عندما كان يسأله أحد عن سبب انتقال سكنه لمنطقة وسط البلد جوار بيت حماته «حد يسيب المعادى ويسكن وسط البلد؟ ليه عملت كده؟» كانت إجابته (والتى اكتشف أثناء صدور الكتاب صحتها!) ببساطة «عايز أكون قريب من الثورة لما تقوم», ربما يتم قبول ذلك الأمر عندما يكتبه على حسابه الشخصى بالفيسبوك ليدلل بأنه كان على يقين بحدوث الثورة، إلا أن هذا الأمر يشوبه الكثير من التناقض عندما يكون فى كتاب قرر صاحبه أن يكون توثيقاً لأحداث الثورة بحسب الترتيب الزمنى لصدور المقالات.. بدأ كتابه «الجيش والشعب إيد واحدة» وانتهى بـ«يسقط يسقط حكم العسكر»!
كان الممثل خالد أبو النجا (وهو ممن لا يعول على خشونة صوتهم كثيرًا)، أحد المنظّرين أيضاً إذ قرر فى الذكرى السادسة لـ25 يناير من خلال مقاله المنشور فى موقع العربى الجديد أن يخبرنا بأسباب فشل الثورة لكن هذه المرة قرر أن يلوى عنق التاريخ بمد خطوط (وهمية) بين ما جرى فى فرنسا 1789 (مروراً بثلاث مراحل حتى عام 1799) و ماحدث فى مصر 2011.
 أراد أن يربط بين اقتحام قلعة سجن الباستيل الذى لم يكن  يحوى سوى سبعة سجناء فقط فى قضايا تزوير وسلوكيات غير أخلاقية، لكن كان ينظر إليه  الثوار كرمز للسلطة (الملكية)فى البلاد، فقطعوا رأس محافظه وساروا بها فى الشوارع، وبين اقتحام مقرّات أمن الدولة فى القاهرة.
 كما كانت فترة روبسبيير هنا أو ما عُرف بعهد الإرهاب بسبب إعدام عدد كبير من الثوار (ممن حملوه لسدة الحكم) بالمقصلة يُدين الثورة التى يدافع عنها فى مقاله، وهذه نتيجة طبيعة عندما يكون الدافع الوحيد للكتابة عن حدث مؤثر فى التاريخ هو الانفعال فقط لابد أن يغيب المنطق.
الغرض من كشف تلك التناقضات التى وقع فيها معظم من ادعى أنه صاحب الخطاب الثورى وتصدّر المشهد واستغل التفاف الشباب حوله مما جعله يعتقد بأنه زرقاء يمامة عصره، ليس تقييم الأحداث بل محاولة لإثبات أن الخلل فى الرؤية كان من نصيب من حاولوا أن ينصبوا أنفسهم أوصياء على الشعب واتبعهم الغاوون. 